الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: يمثل قطاع البناء والأشغال العامة احد القطاعات المحورية في تكوين رأس المال الثابت في البلاد وتناهز نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي 7 % إلى جانب بلوغ استثماراته نحو ربع الاستثمارات في البلاد وهو يضم نحو 2800 مؤسسة منها 100 مؤسسة كبرى تضمن كل منها أكثر من 100 موطن عمل قار.
غير أن مجمل هذه المؤشرات يشهد منذ مدة تراجعا واضحا سيما منذ سنة 2006 بالتزامن مع تخفيض الدولة تخقيضا ملموسا الاعتمادات المخصصة تحديدا للمشاريع والمنشآت أساسا في الجهات. وازدادت الوضعية تفاقما بعد 2011 بسبب الإهمال التنموي الذي تشهده كافة أنحاء البلاد وعوامل أخرى، ليصبح مستقبل القطاع الذي يشغل اليوم 40 ألف عون وإطار و500 مهندس مستشار، في مهب الرياح.
وفي جانب آخر، لا يمتلك القطاع إمكانات مهمة للنشاط في الخارج إذ لا تتجاوز التزاماته على هذا المستوى، 1.7 مليار دينار. ويرجع الأمر بالأساس إلى العوائق التشريعية التي تحول دون تطور استثمار القطاع على الصعيد الدولي إضافة إلى ترهل موارد المؤسسات التونسية بالمقارنة مع المؤسسات في العالم وخسارة السوق الليبية بشكل يكاد يكون نهائيا وهي خسارة أثرت على القطاع، بشكل جد مهم بعد أن وضعت تركيا ومؤسسات آسيوية وأخرى غير معلومة الجنسية أياديها على هذه السوق الكبرى والتي كانت من ابرز روافد تطور القطاع.
ولميدان البناء والأشغال العامة أهمية قصوى باعتبار انه يتكامل ويتناغم مع العديد من القطاعات الإنشائية الأخرى وكذلك مع النظام البنكي والمالي علما أن ديونه تصل إلى 7400 مليار نهاية سبتمبر 2019، وذلك باحتساب القروض الممنوحة لمؤسسات الميدان العقاري وفروع النشاط الاقتصادي التابعة له. وبالتالي فان أية أزمة تعصف بالقطاع تكون لها تداعيات وخيمة لا عليه فحسب وانما أيضا على البنوك وقطاعات أخرى عديدة ترتبط به بشكل مباشر وغير مباشر.
وفي خضم وضعية الركود التي يعيشها القطاع، فقد كان لسلط الإشراف وتحديدا وزارة المالية تقييم لافت للانتباه و في غاية الغرابة للمسالة إذ قررت عدم خلاص ديون الدولة المتخلدة بذمتها لمؤسسات القطاع وتأجيل الأمر إلى الأعوام القادمة في سياق سياسة الترحيل المحاسبي حسب مصطلح الوزارة وذلك على ما يبدو للتقليص من عجز الميزانية مما يعني ببساطة إدخال هذه المؤسسات في دوامة العجز والإفلاس وتسريح العمال والتخلص من مشاكل التنمية والتجهيز وما تتسبب من إزعاج وهي التي يحتاجها المواطنون في شكل بنى تحتية ومنشات حيوية وطرقات وغيرها.
ولكن المثير للانتباه والتعجب هو تقدير وزارتي التجهيز والمالية لديون الدولة غير المسددة لمؤسسات البناء والأشغال العامة بحوالي 224 مليون دينار في حين يؤكد أصحاب المؤسسات أنها مسجلة في دفاترهم المحاسبية بقيمة 700 مليون دينار. وأقرت على ضوء هذا التضارب رئاسة الحكومة بان أرقام الميزانية التكميلية للعام الحالي تقوم على تقييم بنحو 600 مليون دينار.