الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: تفيد مؤشرات تحليلية لظاهرة التداين الأسري في تونس أن نحو 800 ألف أسرة تونسية متحصلة على قرض بنكي من مجموع 2.7 مليون أسرة تم إحصاؤها في التعداد العام الاخير للسكان والسكنى .
ويبدو وفق العديد من المهتمين بالشأن الاقتصادي والمالي الوطني ان من بين مظاهر ترسخ التداين الاسري، التآكل الكبير لمقدرتها الاستهلاكية وشدة احتياجها فضلا عن تراجع نسبة الادخار لدى الأسر من 11.3% سنة 2010 إلى اقل من 6% حاليا حسب التقديرات الاحصائية الكلية.
وأبرزت دراسة نشرها، في هذا الاطار، المعهد الوطني للاستهلاك أن نحو 540 ألف أسرة تعيش على وقع دوامة التداين المشط او المفرط بحكم انها تقترض من البنوك لمجرد خلاص قروض سابقة موضحا ان 80 % من هذه القروض طويلة أو متوسطة المدى، وتراوح مدة سدادها ما بين 15 و20 سنة وان ذلك يجعل من وضعية ارجاعها واستخلاصها دقيقة وحرجة على اصعدة مختلفة لا سيما في ظل الارتفاع الكبير لنسب الفائدة.
كما يبين المعهد ان نسبة تطور نسبة التداين الاسري لدى القطاع البنكي تصل الى 123%، حسب ارقام البنك المركزي التونسي، منذ عام 2010 وحتى منتصف عام 2018 علما ان هذه النسبة مستقرة الى غاية سبتمبر 2019 ولكن دون اعتبار تغطية الحسابات المدينة او “الروج” الذي تناهز فيمته حوالي 6 مليارات دينار وهو ما يعادل نحو ثلث اجور الموظفين بكافة اصنافهم. من جهة اخرى، تم التأكيد على ان ربع العائلات يدفع اقساطا شهرية للبنوك، رغم توجه البنك المركزي نحو الترفيع المستمر في نسب الفائدة المديرية لا سيما خلال الأعوام الثلاث الماضية الامر الذي يجعل من كلفة الاقتراض جد عالية مقارنة بأجور التونسيين ومداخيلهم.
في ذات السياق و وفقا للمعطيات الاحصائية للمعهد الوطني للاستهلاك، فإن 36.5 % من الأسر لديها فرد على الأقل في العائلة بصدد سداد قرض بنكي، و10.3% من الأسر لديها فردان في حالة سداد، فيما تلجأ نسبة 19.6% بصفة مستمرة إلى قضاء حاجاتها عبر الاقتراض، وهي في حالة سداد دائمة للقروض.
وسجل إجمالي القروض التي حصلت عليها الأسر من ديسمبر 2010 إلى اواخر 2019، زيادة كبيرة لتبلغ 23.9 مليار دينار. في جانب اخر وعقب الترفيع الكبير في نسبة الفائدة المديرية الذي وقع منذ 2017 بنسبة 3% وبلوغ معدل الفائدة في السوق النقدية نسبة 7.81% حاليا – رغم انه من المفروض التخفيض فيه باعتبار تأكيد السلط المالية والنقدية ان نسبة التضخم تحت السيطرة وهي دون مستوى 6% نهاية 2019 – فقد جرى الاعلان مؤخرا من قبل محمد الفاضل محفوظ، الوزير السابق لدى رئيس حكومة تصريف الاعمال يوسف الشاهد المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الانسان بعد التنسيق مع احمد الكرم رئيس الجمعية المهنية التونسية للبنوك والمؤسسات المالية – عن إطلاق مشاورات بشأن مشروع قانون للحماية من التداين.
ويندرج الامر في اطار برنامج وطني للتوقّي من التداعيات السلبية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي لظاهرة التداين في سياقيه الفردي والأسري، وفق التصريحات الرسمية في هذا الصدد، عبر صياغة نصّ قانوني يحدد سقفاً للاقتراض.
يذكر ان البنك المركزي التونسي، كان قد رفع نسبة الفائدة المديرية من 4 في 2011 إلى 7.8% حاليا، فيما تشير مجمل التقديرات إلى أن البنك كان من الممكن ان يتجنب هذه الزيادات باعتماد سياسة نقدية مرنة، ولم ينخفض سعر الفائدة منذ 3 سنوات بحجة مزيد السعي لكبح التضخم.
وتسعى الحكومة إلى الحد من تداعيات الاقتراض بمقتضى نص قانوني، نتيجة زيادة الاشكالات الاجتماعية الناتجة عن الظروف الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وتداعيات الضغوط المعيشية على سلوك الأفراد والأسر وذلك بالاستناد الى مقتضيات المسؤولية المجتمعية للمؤسسات المشغلة للأفراد، في الحد من التداين وآليات تدخلها في ظل معاناة اطياف من المواطنين من ضعف الأجور وتآكلها، بسبب زيادة الاسعار وعدم تغطية الزيادات في الاجور والمرتبات التي يحصلون عليها سنوياً، للارتفاع المتواصل في أسعار السلع والمنتوجات والخدمات سيما الحيوية منها.