الشارع المغاربي -كريمة السعداوي: تحول منذ سنوات تزويد السوق التونسية بالزیت النباتي المدعم الى معضلة هيكلية أصبح تقريبا من المستحيل حلها باعتبار تدخل محتكرين “كبار” في الموضوع ووصل الامر الى حد تحويل هذا الزيت الى وقود حيوي من قبل مصانع “عشوائية” تقوم بتصديره على مرأى ومسمع من الجميع.
وتسعى السلط سيما المكلفة بالصحة والتجارة في جانب اخر الى التكتم على اضرار الزيت النباتي الموجه للفقراء ومن كانوا في الطبقة المتوسطة وهم بالملايين وهي اضرار فادحة اذ اثبتت عدة تقارير ودراسات ان هذه الزيوت تسبب عدة امراض خبيثة أبرزها السرطان.
اضرار صحية فادحة للزيت المدعم
يعتقد البعض بوجود العديد من الفوائد الصحية لاستخدام الزيوت النباتية في إعداد الطعام، ويرجع هذا الاعتقاد الشائع إلى القناعة المنتشرة بأن الأطعمة ذات الأصل النباتي هي أطعمة صحية وغير ضارة إلا أن الحقيقة تكشف ان العديد من الدراسات والابحاث العلمية تشير إلى أن استهلاك الزيوت النباتية ومنها زيت النخيل المعروف في تونس بالزيت المدعم يمكنه التسبب في العديد من الأضرار الصحية، حيث إنها تؤدي إلى حدوث تغيرات فيزيولوجية بالجسم تساهم في حدوث العديد من الأمراض اذ تتضمن عملية تصنيعها التسخين لدرجات حرارة مرتفعة، وإضافة العديد من المواد الكيميائية، وبالتالي لا يمكن اعتبارها زيوتا طبيعية.
وبدأ تصنيع الزيوت النباتية للمرة الأولى منذ قرابة 100 عام فقط، لذا فإنها تعد دخيلة على النظام الغذائي البشري، وتحتوي تلك الزيوت على كمية كبيرة من أحد أنواع الأحماض الدهنية غير المشبعة يدعى “أوميغا-6″، والتي ثبتت تأثيراتها الضارة على الصحة عند استهلاكها بكميات كبيرة. وتحتوي الزيوت النباتية على نسبة عالية من أوميغا-6 مقارنة بأوميغا-3، وبالتالي يتسبب استهلاكها في الإخلال بالتوازن المطلوب بين هذين الحمضين داخل الجسم، فتتسبب زيادة أوميغا-6 في الإضرار بأغشية الخلايا والعديد من الأجزاء الخلوية الأخرى كالحمض النووي.
ومن المعلومات غير الشائعة عن الزيوت النباتية وخصوصا زيت النخيل أنها غنية بالدهون المتحولة، التي تعد مواد ذات سمية شديدة، ومرتبطة بزيادة خطر الإصابة بعدد من الأمراض كالسمنة، وأمراض القلب، وداء السكري، والسرطان، الأمر الذي دفع العديد من الجهات الحكومية المعنية بالصحة حول العالم إلى اتخاذ العديد من الإجراءات لإلزام مُصنّعي الأغذية بتقليل الدهون المتحولة بمنتجاتهم الأمر الذي يوجب ضرورة تقليل استهلاك الزيوت النباتية المصنعة أو تجنبها.
مافيا خطيرة تضرب التونسيين في قوتهم
رغم نوعيته الرديئة ومضاره يشتكي المواطن باستمرار وخصوصا الأعوام الاخيرة من نقص الزيت النباتي المدعم في الاسواق لكن مقابل ذلك كانت وزارة التجارة تؤكد انها تستورد الكميات الكافية وانه يقع تعبئتها وضخها في السوق عن طريق الديوان الوطني للزيت بما يقارب سنويا 165 ألف طن (ما يناهز 15 ألف طن شهريا) لكن لسنوات ظلت المشكلة قائمة دون حل. ومؤخرا تعالت عديد الأصوات لكشف اسباب المعضلة او بالأصح التجاوزات الخطيرة التي ترتكب على هذا المستوى.
وتؤكد العديد من المصادر ان الموضوع يتعلق اساسا بقيام مجموعة من اصحاب المعامل سيما في الفترة الاخيرة وتحديدا 21 من جملة 40 معملا بالحصول على الزيت المدعم بكميات كبيرة جدا بطرق ملتوية وبواسطة أساليب غير قانونية وبنقله الى مخازن “سرية” قبل ان يضيفوا اليها مادة ما ليصبح الزيت عبارة عن وقود حيوي فضلا عن ترويج كميات أخرى باستعمال حيل الاحتكار والمضاربة بشكل عام على مستوى المطاعم وكبار المستهلكين.
المعضلة لا تقف عند هذا الحد بل ان المصانع “السرية” تقوم بتصدير هذه الكميات الضخمة من الزيت التي تستوردها الدولة بالعملة الاجنبية وتدعمها على أساس انه زيت مدعم للاستهلاك الاسري وللطبقات المتوسطة والضعيفة والفقيرة لكن هذه الاموال تذهب بكل بساطة في جيوب حيتان كبيرة تدعمها بشكل محقق أطراف متنفذة.
وبخصوص هذا الملف قام بدر الدين القمودي رئيس لجنة مكافحة الفساد يوم 27 نوفمبر الفارط بتوجيه رسالة الى الحكومة ممثلة في شخص وزير التجارة مع مهلة بـ 10 ايام للإجابة عن استفسارات بقيت معلقة حول هذا الملف الخطير ومنها اسباب التستر على ملف الفساد المتعلق بالزيت المدعم والاجراءات المتخذة على هذا الصعيد والاجراءات التي اتخذت لمراقبة المخالفات بصفة دورية والأهم من هذا الاجراءات التي اتخذت ضد مخبر قدم شهادة مزورة حول نوعية الزيت الذي صار يصدر علما ان عديد الاطراف من اصحاب شركات ومعامل وموزعين ومجمعين متورطة في هذا الملف لكن يبقى السؤال : هل هناك اطراف رسمية متورطة قامت بالتغطية على التجاوزات وايضا توفير الزيت الذي من المفروض ان يذهب للمواطن فصار يتجه نحو مصنعين واشخاص تحوم حولهم شبهات فساد؟.
يذكر ان بدر الدين القمودي اعتبر يوم الاثنين 1 فيفري في ذات السياق على هامش تفاقم مشكل نقص الزيت المدعم أنّ هناك اهدارا ممنهجا ومقصودا للمال العام، لافتا الى أنّه من غير المعقول تأخّر افراغ شحنة من الزيت من باخرة راسية بميناء صفاقس أكثر من شهر تقريبا، مبرزا أنّه نتج عن هذا التأخير نقص في الزيت المدعّم بالأسواق.
وصرح القمودي بان اصحاب مصانع تعليب الزيت اتصلوا به وعبّروا عن استيائهم مشيرا الى ان هناك في البلاد قرابة 40 مصنعا بكلّ واحد منها مجموعة من العمال والى ان أصحابها ينتظرون افراغ الشحنات مبرزا انهم عبّروا له حتى عن استعدادهم لخلاص نقل الشحنات وانهم رغم ذلك وجدوا مشكلا مع وزارتي الماليّة والتجارة.
واضاف ان الزيت المدعم مفقود في حين أنّ الزيت النباتي الأغلى سعرا متوفر بالمغازات وان المواطنين يضطرّون لاقتنائه . ولاحظ القمودي ان هذا الاشكال يتكرر سنويا وان الخطايا تقارب ألف مليار يدفعها المواطنون عبر الزيادات في الاسعار التي قال انها تكاد تكون يومية وانه كان يمكن استغلال هذه الاموال لتسديد قرض او للاستجابة لمطالب الشباب العاطل عن العمل الذي يتظاهر كل يوم احتجاجا على مشاكل التشغيل والتنمية موضحا ان كلّ تأخير يكلّف خطايا تتراوح قيمتها بين مليون ومليوني دينار وان الشركات التي تتعامل مع تونس أصبحت تشتكي من تأخر افراغ شحنات بواخرها.