الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: بعد الاطاحة بقطاع الفسفاط واكثر من ثلاثين منظومة فلاحية وتصحير القطاع الصناعي والقضاء على مئات الالاف من المؤسسات الصغرى والمتوسطة عبر قطع التمويلات عنها سيما منذ بداية الجائحة الصحية، اتى الدور منذ مدة على الميدان الطاقي لإيقاف نشاطه. يذكر التونسيون بلا شك قول احدهم منذ سنوات ان المطلبية مجحفة في البلاد وان وجود الكهرباء لدى الضغط على الزر وتوفر الماء عند فتح الحنفية كاف للعيش. ورغم عدم اخذ هذا الكلام آنذاك على محمل الجد، فان النوايا اصبحت مكشوفة اذ تم تحويل التونسيين الى مجرد كائنات هائمة همّها الوحيد توفير القوت ومحاولة الحياة في بلد انعدمت تقريبا جل مقومات العيش وفقا لتقارير العديد من المنظمات والهيئات المحلية والدولية خصوصا ان آفات الارهاب وانعدام الامن والنهب انهكته بشكل يكاد يكون نهائيا.
حقائق ومعطيات طاقية
عقدت لجنة الصناعة والطاقة والثروات الطبيعية والبنية الأساسية بمجلس نواب الشعب جلسة استماع مساء الخميس 25 مارس 2021 للنظر في مشاريع قوانين تتعلق بالموافقة على الاتفاقيات الخاصة وملحقاتها المتعلقة بامتيازات استغلال المحروقات التي تعرف بقرمدة ومعمورة وجبل الدولاب وذلك برئاسة النائب كريم كريفة وبحضور وزير الصناعة والطاقة والمناجم بالنيابة محمد بوسعيد والاطارات العليا للوزارة.
وأكد الوزير على ضرورة تظافر كل الجهود لمعالجة الملفات العاجلة مع مصالح الوزارة على غرار رخصة البحث “زارات” حيث تم التوصل لإعداد الصيغة النهائية للملحق وذلك بصفة تشاركية مع أعضاء اللجنة. وعرج الوزير على الوضعية الحالية لقطاع المحروقات في تونس مشيرا الى انه شهد تراجعا في العدد الجملي لرخص البحث والاستكشاف من 56 رخصة سنة 2010 إلى 23 رخصة سنة 2020 بما يعني تراجعا بنسبة 58 بالمائة.
كما أشار الوزير الى أن الإنتاج الوطني من المحروقات تراجع من 7 ملايين طن إلى 3.5 ملايين طن سنة 2020 (-50 بالمائة( رغم دخول حقلي نوارة وحلق المنزل طور الإنتاج على التوالي في موفى مارس سنة 2020 وجانفي سنة 2021 مرجعا هذه الوضعية إلى التقلص الطبيعي للحقول المنتجة وعدم تجديد المخزون الوطني ولكن بالخصوص الى عزوف الشركات عن الاستثمار مبرزا في ذات السياق أن تراجع مؤشرات قطاع الاستكشاف وانتاج المحروقات انعكس سلبا على نسبة الاستقلالية الطاقية وتسبب في ارتفاع العجز الطاقي وأن ذلك أثر على الميزان التجاري وميزانية الدولة ودينامكية الاقتصاد الوطني ونسق الإنتاج.
وأكد محمد بوسعيد على ضرورة استغلال الموارد الذاتية لتلبية الحاجات الوطنية ووضع خطة استراتيجية لقطاع الطاقة بمشاركة كل الأطراف المتدخلة في القطاع ومختلف مكونات المجتمع.
موسم هروب المستثمرين… من تونس
ذكرت مصادر في قطاع النفط نهاية الاسبوع الفارط أن “روايال داتش شال” و”إيني” يسعيان لبيع عملياتهما للنفط والغاز في تونس، في وقت تواجه البلاد صعوبات بالغة لاستقطاب الاستثمارات الجديدة.
ونقلت وكالة الانباء الدولية “رويترز” عن المصادر ان “شال” عينت بنك الاستثمار “روتشيلد أند كو” لبيع أصولها التونسية، التي تشمل حقلين بحريين للغاز ومنشأة إنتاج برية اشترتها الشركة الإنقليزية الهولندية في إطار استحواذها على مجموعة “بي.جي” بقيمة 53 مليار دولار (147 مليار دينار( في 2016.
وسعت “شال” لبيع أصولها التونسية في 2017، لكنها تخلت عن العملية بسبب نزاعات قانونية مع الحكومة التونسية.ولم ترد “شال” و”روتشيلد” على طلبات للتعليق، وامتنعت “إيني” عن التعقيب .وحسب مصادر وكالة رويترز فإن “إيني” التي تعمل في تونس منذ 1961، عينت بنك الاستثمار “لازار” لتولي عملية البيع علما ان انتاج الشركة في تونس بلغ عام 2019 نحو 5500 برميل يوميا وان لدى الشركة تسعة امتيازات للتنقيب عن النفط والغاز وتصريح واحد للتنقيب في تونس.
ويأتي هروب شركات الطاقة الكبرى التدريجي خلال السنوات الأخيرة من تونس وفقا لتقييم “رويترز” نتيجة اساسا تنامي الإحباط أمام عدم استقرار المناخ التنظيمي والسياسي في البلاد وهو ما أدى إلى نضوب الاستثمارات. كما يأتي هذا الهروب في وقت تسعى كبريات شركات النفط والغاز في العالم إلى بيع أصول تقدر بعشرات المليارات من الدولارات لتقليص الديون والتركيز على الإنتاج الأكثر تنافسية.
واوضحت “رويترز” في هذا الصدد ان شركة الطاقة النمساوية “أو.إم.في” تعتزم من جهتها بيع ما تبقى من محفظتها للنفط والغاز بتونس بعد أن قلصت تدريجيا في وجودها بالبلاد في حين ابرزت وزارة الطاقة انها لم تُبلغ رسميا بأن هذه الشركات تنوي بيع أصولها.
وباعت “أو.إم.في” عام 2018 أغلب محفظتها في البلاد إلى “بانوروإنرجي” المدرجة في النرويج مقابل 56 مليون دولار ( 155مليون دينار). ويفيد تقريرها السنوي بأنها أنتجت حوالي 4 آلاف برميل يوميا في 2019. وكانت “أو.إم.في” والشركة التونسية للأنشطة البترولية قد شرعا العام الماضي في استغلال حقل نوارة للغاز، وهو أكبر مشروع بالبلاد في السنوات الأخيرة، والذي من المقرر أن يرفع إنتاج “أو.إم.في” الى 10 آلاف برميل يوميا ليبلغ بذلك ذروته، حسب الشركة.
وفي نوفمبر الماضي، اكد الرئيس التنفيذي لـ”مازارينإنرجي” إن الشركة المدعومة من شركة عملاق الاستثمار المباشر “كارليل غروب” تسعى أيضا إلى بيع ما يصل إلى النصف من حصصها في تراخيص استكشاف النفط الخاصة بها في تونس لتسريع تطورها.
ويرجع العديد من الخبراء هذه الوضع الخطير المتمحور خصوصا حول مغادرة عدة شركات نفطية كبرى ومتوسطة البلاد، لتتخلى عن حصتها بتونس لفائدة شركات صغرى، إلى جملة من الصعوبات التّي يواجهه القطاع ككل. كما يبدو أن الشركات الصغيرة فقدت بدورها الصبر والأمل وتفكر في الرحيل هي الأخرى. ويقدر المتخصصون في الشأن الطاقي عموما وجود عدة أسباب رئيسة للمسألة وهي ارتفاع كلفة التشغيل، نسبيا، في تونس، وتراكم التأخير وتواتره على مستوى الدفوعات من قبل الطرف التونسي وهو ما ينطبق ايضا على الالتزامات مع الشركة التونسية للأنشطة البترولية والشركة التونسية للكهرباء والغاز، والصعوبات في التعامل مع الهيئات الوطنية، وغياب رؤية استراتيجية للقطاع تنضاف إلى المشاكل، التّي تفاقمت بسبب عدم الاستقرار السياسي وتداول عشرة وزراء على وزارة مهمة مثل وزارة الطاقة منذ سنة 2011 ،علاوة على حل الوزارة مرتين واعادة ارجاعها.
كما أصبحت المشاكل “الاجتماعية” والأمنية الى جانب “الإضرابات” المتزايدة والمتكررة وتعمد غلق الطرقات والاضطرابات الاجتماعية، تهدد سلامة التجهيزات البترولية والأنشطة وتسوية وضعيات الموظفون، مقابل “عجز” الدولة عن فرض النظام والقانون. وكان اعتصام الكامور الذي يحيط بدوافعه الحقيقية وبداعميه الكثير من الشك والريبة مجرد حلقة من سلسلة طویلة من الأحداث المماثلة ومن الطبيعي في ظل ظروف مماثلة، أن تخشى الشركات على مصالحها وتفضل الاستثمار في مكان آخر. وباختصار، جابه المستثمرون في قطاع النفط جل أنواع العراقيل (مشاكل اجتماعية و”سياسية” و”إدارة الأراضي” و إضرابات ومعوقات ونزاعات تعاقدیة وضغوط وتأثيرات مختلفة) مما يشكل الوصفة “المثالية” لتحويل أي مشروع واعد إلى خسارة فادحة.
وعلى كل حال فقد نجحت معاول الهدم مرة اخرى مع الأسف في احالة اهم قطاع بالبلاد الى مرحلة “بداية النهاية” حيث يرتبط الوضع بالتصرف في المخزون الحيوي للنفط والغاز في مناطق تزخر وفق الخبراء بالإمكانات وافاق الاستغلال سيما في الجنوب وخليج قابس والساحل الشمالي وهي مناطق لا تفتقر للموارد وانما تحتاج الى دعم البحث عنها واستكشافها. وبذلك نجح مخرّبو القطاع في الاجهاز فعليا على ما تمتلك تونس من إمكانات كفيلة بتعديل عجز الميزان الطاقي وعكس المنحى السلبي له في غضون السنوات المقبلة.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” في عددها الصادر بتاريخ الثلاثاء 30 مارس 2021