الشارع المغاربي: مع رحيل الجمهوري دونالد ترامب وقدوم الديمقراطي جو بايدن بات الشرق الأوسط على أعتاب مرحلة جديدة تؤكد تصريحات ومواقف ساكن البيت الأبيض الجديد ان تطويع الدول العربية بالمنطقة أصبح في طريق مفتوح لبناء شرق أوسط جديد تحت قيادة إسرائيلية في ظل انشغال واشنطن بالتركيز على مناطق أخرى بالعالم في محاولة لتقليم اظافر قوى برزت فيها وترى الادارة الامريكية فيها تهديدا لمركز بلادها كقوة أولى في العالم وتحديدا الصين وروسيا. يحدث ذلك بعد تدمير 3 دول عربية وازنة هي العراق وسوريا ولبنان تتموقع كلها بين النيل والفرات ممّا يكشف أن مشروع ما يسمى «الشرق الأوسط الجديد» ليس سوى نسخة مستورة لـمشروع «إسرائيل الكبرى.»
بعد التمهيد لـ «صفقة القرن» وتزكية القدس عاصمة لإسرائيل رحل ترامب وصهره كوشنير ليتسلم الديمقراطيون ملف المنطقة لاستكمال مخطط الدولة الصهيو-أمريكية العميقة التي تحكم الولايات المتحدة لبناء ما تسميه «الشرق الأوسط الجديد» خاصة بعد انطلاق قطار التطبيع.
المتابع الفطن للاحداث التي شهدتها المنطقة منذ بداية القرن الجديد يخرج بملاحظتين أساسيتين:
الأولى أنه وتحت غطاء استراتيجية المحافظين الجدد بالإدارة الامريكية المسماة بـ «الفوضى الخلاّقة» تم تدمير 3 دول عربية وازنة (العراق وسوريا ولبنان) تتموقع في الفضاء الممتدّ «من النيل الى الفرات» مع العمل على الدفع بدول حليفة للولايات المتحدة مثل الأردن ولبنان الى حافة الإفلاس والانهيار الاقتصادي والاجتماعي حتى تفقد خياراتها السياسية.
الملاحظة الثانية انه يوم وصل سفير أمريكا الجديد للأردن (8 أكتوبر 2020) تم تكليف رئيس حكومة جديد بالبلاد بالتوازي مع تنصيب برلمان جديد ومجلس أعيان جديد وفي إسرائيل كان هناك «كنيست» (برلمان) جديد وفي فلسطين كانت هناك انتخابات لمجلس تشريعي جديد. وفوق ذلك ظهر فجأة تحالف بين 3 دول تقع في الفضاء الممتدّ من النيل الى الفرات (العراق والأردن ومصر) والواضح أن كل ذلك لم يكن من باب الصدفة وانّما يدخل في اطار مرحلة جديدة من ترتيبات بناء «الشرق الأوسط الجديد» والذي دعا اليه شمعون بيريز منذ ثمانينات القرن الماضي.
الطريق نحو «إسرائيل الكبرى»
اعلن الرئيس الأمريكي بايدن منذ دخوله البيت الأبيض أن «أمريكا عائدة» ولم تلبث أيام حتى بدأت هجومات وزارة الخارجية الامريكية على الصين وروسيا اذ بينما وصف بايدن الرئيس الروسي بوتين بأنه «قاتل» واصل وزير الخارجية بلايكن حملته المناهضة للصين وأعلن عن سلسلة جديدة من العقوبات عليها بما دفع بيكين الى الردّ في اطار المعاملة بالمثل وفرض عقوبات على شخصيات وشركات أمريكية.
تسعى أمريكا اليوم الى خفض وجودها والتزاماتها بالشرق الأوسط والتركيز على التحالف الصيني-الروسي الذي ترى فيه تهديدا لمركز امبراطوريتها المهيمنة على العالم على كل الأصعدة. ومن هذا المنطلق تتوجه نحو تسليم مقاليد إدارة شؤون الشرق الأوسط لإسرائيل رأس حربتها وحليفها الاستراتيجي في المنطقة. جاء بايدن الذي سبق له أن أعلن صراحة انه صهيوني لاستكمال مشروع بناء «إسرائيل الكبرى» من النيل الى الفرات. ولم تكن اتفاقيات التطبيع الأخيرة بين إسرائيل و4 دول عربية سوى خطوة تمهيدية لتمكين إسرائيل من ذلك.
فبعد تدمير العراق وسوريا ولبنان ستتم الهيمنة الإسرائيلية في اطار الاستعمار الجديد أي عن طريق استعمار اقتصادي تفقد معه الدول العربية في المنطقة سياداتها الاقتصادية وتبعا لذلك سياداتها السياسية وستقوم «إسرائيل الكبرى» على أساس هيمنة اقتصادية-أمنية. أصبح المخطط جاهزا وبدأ التنفيذ لتحويل فضاء المنطقة الى مستوطنة واسعة تدور دولها في فلك إسرائيل وتنتهج السياسات التي يرسمها حكامها. وليس أدل على ذلك من الحديث الدائر عن إقامة «ناتو» عربي في المنطقة تحت قيادة إسرائيلية. ولا أدلّ على ذلك أيضا من انخراط دول خليجية في حملة زرع فتنة بين السنّة والشيعة والتأليب على ايران وكأن وجود السنّة والشيعة جديد على المسلمين. أمّا اقتصاديا فقد سبق لتل أبيب أن أملت شروطها على كل من مصر والأردن ولبنان حول تصدير الغاز المكتشف بالمنطقة وكبّلت هذه الدول باتفاقيات «استعمارية» وضعت معها مفتاح ضخ الغاز حكرا بأيديها وجعلتها قادرة على إيقاف عجلة اقتصادات هذه الدول متى شاءت بقطع الغاز عنها.
بايدن : “أنا صهيوني وأعشق اسرائيل”
لا غرابة في وصول بايدن الى البيت الأبيض وهو الذي أكد بعظم لسانه أكثر من مرة أنه «صهيوني». فقد عمل الرجل طيلة 8 سنوات نائبا للرئيس أوباما. ويوم 7 أفريل 2007 والحملة الانتخابية الرئاسية الامريكية على أشدها وقف بايدن أمام كاميراوات التلفزات ليقول : «أنا صهيوني» مضيفا : «ليس بالضرورة أن تكون يهوديا لتكون صهيونيا»..
والحقيقة أن تاريخ الرجل يثبت ذلك. ففي شهر أوت 1984 قال بايدن في خطاب أمام المؤتمر السنوي لأنصار حزب «حيروت» بأمريكا : «3 مبادئ كانت ولا زالت تحرك سياسة أمريكا الخارجية في الشرق الأوسط هي أن السعودية ستكون عرّاب صناعة السلام مع إسرائيل وأن ملك الأردن (الملك حسين آنذاك) جاهز لعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل (تم التوقيع عليها عام 1994 وتُعرف باتفاقية وادي عربة) وأن منظمة التحرير هي من يستطيع أن يقدم اجماعا لعقد اتفاقية سلام مع اسرائيل (وقد تم آنذاك الإعلان عن أن المنظمة هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني). ويكفي القاء نظرة على مسلسل الاحداث التي عرفتها القضية الفلسطينية انطلاقا من العقدين الأخيرين للقرن الماضي ليقف المرء على صحة المبادئ التي تحدث عنها بايدن قبل أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة. فاتفاقية «أوسلو» كانت لفتح الباب أمام تطبيع كافة الدول العربية باعتبار أنه اذا اندفع الفلسطينيون في هذا المسار لن تكون أمام بقية الدول العربية حجج لرفض التطبيع.
وفي مارس 2013 قال بايدن خلال مؤتمر اللوبي الصهيوني «آيباك» : «حتى ونحن نعيش ركودا اقتصاديا، فقد حرصنا على منح إسرائيل تفوّقا نوعيّا.. ومع أني عملت مع إدارات 8 رؤساء بإمكاني التأكيد الان أن اهتمام باراك أوباما بسلامة وأمن إسرائيل فاقهم جميعا».
وفي ديسمبر 2014 قال بايدن خلال منتدى «سابان» المنعقد بواشنطن «لو لم تكن إسرائيل موجودة لكان علينا أن نخلق واحدة» مضيفا : «نحن كثيرا ما نتكلم وكأننا نقدم لإسرائيل معروفا بينما الحقيقة أن ما نقدم اليها هو واجب أخلاقي… ان علاقتنا بإسرائيل تصبّ في مصالحنا بدرجة كبيرة لأنه يهمّنا أن يكون لنا شريك قدير ديمقراطيا في الشرق الأوسط.. انها علاقة شراكة استراتيجية».
وفي أفريل 2015 قال بايدن في القدس بمناسبة احتفال إسرائيل بعيد تأسيسها السابع والستين : «أنا جو بايدن والجميع يعرف أنني أعشق إسرائيل.. قد نختلف أحيانا بشكل جنوني لكنّنا نعشق بعضنا ونحمي بعضنا بعضا».
هذا هو جو بايدن الذي لا يعرفه الكثيرون فهل يمكن أن ينتظر منه عاقل غير الانحياز الأعمى لإسرائيل بعدما نجح اللوبي الصهيوني بأمريكا في تحويل البيت الأبيض الى مستوطنة جديدة على حدّ تعبير صحيفة «نيويورك تايمز» لا يدخله رئيسا الاّ من قدم يمين الولاء التام لدهاقنة مشروع «من النيل الى الفرات».؟
وانطلاقا من هذه الحقائق بدأ حديث الإدارة الامريكية عن وجوب إيقاف حرب اليمن والجلوس الى طاولة المفاوضات فيما تتواصل هرسلة الجيش السوري عبر إسرائيل بدعوى مجابهة تهديد قوات إيرانية متواجدة على أرضها تحيّنا لفرصة اسقاط نظام بشار الأسد وتعويضه بنظام موال للحلف الصهيو-غربي وهرولة ما تبقى من دول المنطقة نحو التطبيع بعدما لم يعد تعاونها الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي مع إسرائيل سرّا.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” في عددها الصادر بتاريخ الثلاثاء 30 مارس 2021