الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: تتهاوى منذ مدة جل منظومات الإنتاج الغذائي الواحدة تلو الأخرى ليصل الامر بعدد من المتخصصين في القطاع الى التأكيد ان أكثر من ثلاثين منظومة على وشك الاندثار لعل أبرزها منظومات انتاج اللحوم والحبوب والزيوت واغلب منظومات انتاج الخضر والغلال في ظل ارتفاع قياسي للأسعار عند الاستهلاك وموجات احتكار ومضاربة تنظمها وفاقات وعصابات يعرفها القاصي والداني إلا وزارتا التجارة والفلاحة اللتين يُبديان صمتا مريبا رغم المخاطر الداهمة والمتعلقة بقوت التونسيين وغذائهم.
ومما يزيد الطين بلة ان المسألة تتصل بأرقام معاملات كبرى باتت تُسيل لعاب “الموردين” الذين بلغ شجعهم وجنونهم اقصى مداه اذ يٌجمع الفلاحون على انهم يطمحون للقضاء عليهم عبر جلب كل المواد الغذائية من الخارج وترويجها بأعلى الاثمان بعد ان تحولوا الى “حكام” فعليين للسوق.
وبعد مأساة الاعلاف وارتفاع أسعارها الى درجة حولت قطاع الإنتاج الحيواني الى قطاع مفلس اتى الدور على الحليب حيث اعلنت الغرفة الوطنية لمراكز تجميع الحليب اليوم الثلاثاء 8 جوان 2021 انها ستوقف، بطلب من الغرف الجهوية، نشاط التجميع بشكل مفتوح ابتداء من يوم 23 جوان الجاري، محملة السلط المعنية المسؤولية كاملة عن نتائج هذا التوقف.
واكدت الغرفة، ان القرار يعود الى تزايد الصعوبات نتيجة القرارات التي اتخذها عدد من اصحاب المصانع والقاضية بتقليص الكميات المقبولة.
وكانت مراكز الحليب قد توقفت عن تجميعه مؤقتا أيام 12 و13 و14 ماي الماضي ليعقد إثر ذلك اجتماع يوم 25 ماي بمقر الاتحاد التونسي للفلاحة، افضى الى طلب عقد اجتماع عاجل بوزراء الفلاحة والصناعة والتجارة لتدارس الإشكاليات. وكشفت البيانات الصادرة في اعقاب الاجتماع الذي شاركت فيه الغرفة الوطنية واتحاد الفلاحين والمركزيات عن ارتفاع مخزون الحليب الى 42 مليون لتر وسط مؤشرات بمزيد ارتفاعه في صورة عدم ايجاد اسواق تصديرية ورفع قدرة مصنع التجفيف.
وتٌرجع عدة أطراف مٌتدَخًلة في القطاع الإنتاج العالي للحليب الذي يصل سنويا الى نحو 1350 مليون لتر باعتبار ان قطيع الابقار جله مستورد لإنتاج الحليب بشكل لا يتماشى ومتطلبات السوق المحلية وفرض اداءات عديدة على مشتقاته وعدم تعدد مصانع التجفيف وانعدام افاق التصدير. اما على المستوى الظرفي فان احتكار مستلزمات غذاء الابقار وعدم تسديد الدولة مستحقات مصانع التجفيف هي من أبرز أسباب تعقد ازمة القطاع ومشارفته على الانهيار.
وأعلنت منظمة الأعراف عدة مرات في الفترة القريبة الماضية أنه لا يوجد أي تفاعل إيجابي رسمي بخصوص صرف منحة الاستغلال لفائدة مصنّعي الحليب التي تبقى معلقة لأشهر طويلة وذلك على غرار منحة الخزن والتجميع والتبريد مما يدفع بالمتدخلين في حلقتي التصنيع والتجميع الى العجز عن الإيفاء بتعهداتهم تجاه المربين.
وتبرز النقابة التونسية للفلاحين انه تنجر عن انتاج لتر من الحليب خسارة للفلاح بنحو 160مليما وان الكميات التي تم إتلافها من هذه المادة خلال السنوات الفارطة تبلغ 200 ألف لتر يوميا أي ما يعادل 200 ألف دينار في اليوم، وتشدد النقابة باستمرار على ضرورة إيجاد حلول لمنظومة الحليب قبل انهيارها عبر فرض السعر الحقيقي للإنتاج، من جهة وتدخل الدولة لدعم وحدات الإنتاج والتجميع والتجفيف لتمكينها من استيعاب فائض الإنتاج، من جهة اخرى.
وتَعتبر النقابة أن أزمة تسويق الحليب هي أزمة تشهدها أغلب الجهات المنتجة علاوة على ان عدم مراجعة دعم سعر الحليب على المدى القريب لا يمكن من تدارك خسائر الفلاحين. ويبرز ممثلو القطاع ان منظومة الألبان في حاجة إلى تطبيق آلية ديناميكية الأسعار التي نصت عليها اتفاقية الشراكة بين القطاعين العمومي والخاص للنهوض بمنظومة الألبان 2019 – 2025، بحكم أن الميثاق الذي وقع إمضاؤه منذ أفريل 2019 يفرض أن يكون السعر غير ثابت ويأخذ مدخلات الإنتاج بعين الاعتبار مما يعني ان سعر البيع عند الإنتاج يتغير حسب المدخلات والكلفة .