الشارع المغاربي: لا شكّ ولا اختلاف في أنّ قضية هلال الشابة والجامعة التونسية لكرة القدم تعتبر أهمّ نزاع قانوني ورياضي عرفته كرة القدم التونسية منذ إعطاء إشارة انطلاق سباق البطولة بنسختيها الهاوية والمحترفة. وأهميّة هذا النزاع من الناحية القانونية لا تعود أساسا لتشعّب الملّف ولكثرة التأويلات والقراءات القانونية ولكن بسبب انعكاساته الكبيرة على المشهد الرياضي سيّما أنّ القضيّة لم تعد مجرّد تنازع رياضي قانوني بحت بل أصبحت قضيّة رأي عام جرّت الى صفحاتها عديد الأسماء المهمّة في البلاد. أسماء لها وزنها وثقلها السياسي والمعنوي في البلاد على غرار رئيس الحكومة الذي حاول البعض الاستنجاد به لفضّ النزاع قبل اللجوء الى الحرم الوزاري … وحتى رئاسة الجمهورية كانت بدورها معنية بالتدخّل في هذا الخلاف الذي شكّل تهديدا حقيقيا للسلم العام في البلاد ومع ذلك لم يحرّك أحد ساكنا ليتمّ اللجوء في الأخير الى محكمة التحكيم الرياضي الدولية والتي قالت كلمتها العليا بخصوص قضيّة مازالت الى اليوم تحتفظ ببعض أسرارها.
محكمة التحكيم الرياضي “تاس” أصدرت في وقت سابق أحكامها بخصوص القضايا الثلاث الأولى التي رفعتها لجنة الدفاع عن هلال الشابة ضد قرارات اللجنة الوطنية للاستئناف التابعة للجامعة التونسية لكرة القدم والمعروفة بقضيّة التدوينات الفايسبوكية التي وقع نشرها على صفحة الفريق الرسمية بين ماي و جوان 2020.
المحكمة الرياضية الدولية أنصفت هلال الشابة واعتبرت أنّ كل ما تمّ تدوينه على صفحة الفريق يندرج في إطار حرية التعبير التي يكفلها الدستور التونسي و تضمنها المعاهدات الدولية وبناء على ذلك قررت إلغاء كل قرارات اللجنة الوطنية للاستئناف وقضت بإرجاع مبالغ الخطايا التي استخلصها مكتب الرابطة في هذا الخصوص و حمل المصاريف والغرامات القانونية على الجامعة التونسية لكرة القدم.
البعض صوّر هذا الحكم انتصارا كبيرا لهيئة الدفاع عن الشابة كونه مهّد على ما يبدو لأحكام وانتصارات قانونية قادمة في حين توقّع البعض الآخر أنّ الجامعة سترجّح الكفّة لصالحها في القضيّة الأهم والتي تتعلّق بقرار 17 أكتوبر 2020 والقاضي بتجميد نشاط الهلال لكن حصل العكس تماما وجاءت المفاجأة المدويّة بخسارة الجامعة لنزاعها الأبرز منذ وصول الجريء الى صدارة الأحداث. التاس قضت بتاريخ يوم الأربعاء 9 جوان 2021 بنقض القرار الصادر عن الجامعة التونسية لكرة القدم الصادر يوم 17 أكتوبر 2020 والقاضي بتجميد الهلال الرياضي الشابي. وقررت أيضا حفظ حق هلال الشابة في الطعن أمامها من جديد في صورة مواصلة المكتب الجامعي في القرار الصادر في 30 ديسمبر 2020 والقاضي بتعليق نشاط الفريق مؤقتا وبعرض ملف عقوبة الهلال أمام أنظار الجلسة العامة للجامعة. كما تقرّر في نفس السياق إلزام الجامعة التونسية بخلاص مصاريف التقاضي أمامها بنسبة تزيد عن 80% مع تحويل مبلغ قدره 5 آلاف فرنك سويسري إلى حسابات هلال الشابة بعنوان مصاريف تقاضي. هذا القرار اعتبره عديد الملاحظين نصرا كاسحا للهلال وانتصارا على الجامعة التي مازالت تؤكّد على سلامة موقفها القانوني وتعتبر أنّ الملف والنزاع القانوني لم يحسم بعد.
البعض يتساءل الآن عن طبيعة الخطوات القادمة التي سينتهجها الطرفان لخطّ السطر الأخير من المعركة القانونية بينهما. من جانبها أكّدت هيئة الدفاع عن هلال الشابة في تصريح لـ”الشارع المغاربي” أنّ هيئة الدفاع تنتظر كيف ستتصرّف الجامعة في الفترة القادمة فإما أن تكون الدعوة الى عقد جلسة عامة في أقرب الآجال تفاديا لتكرار سيناريو الموسم الماضي أو العودة الى أروقة التاس للطعن مباشرة في القرار المذكور في صورة مواصلة الجامعة في سياسة الهروب الى الأمام.
العارفون بخفايا الأمور والمطلعون على كواليس الجامعة التونسية لكرة القدم يدركون جيّدا أنّ رئيس الجامعة لن يرمي المنديل ولن يستجيب لبعض الدعوات التي تطالبه بالسير في طريق الصلح بمعنى أنّه يملك ورقة مهمّة بين يديه وهي ورقة الجلسة العامة وهو الوحيد المخوّل له قانونا للدعوة لعقد الجلسة المذكورة وهو كذلك الوحيد (المكتب الجامعي لن يعارضه في شيء) الذي سيحدّد موعد وتاريخ الجلسة وبالتالي فإنّ نفس المنطق يفترض أنّ يمضي الجريء في فكرة التأجيل الى موعد لاحق حتى يتكرّر سيناريو الموسم الفارط ولا يستطيع الهلال اللحاق بسباق الموسم الحالي… هذا هو منطق “العراك القانوني والشخصي” الدائر حاليا بين الجريء ورئيس الهلال توفيق المكشّر ولكن المفاجأة التي قد لا يتوقعها البعض هي أنّ الجريء قد يخالف هذه المرّة كلّ التوقعات ويرسم لهذا النزاع طريقا مغايرا تماما.
مصادر موثوق بها كشفت أنّ وديع الجريء قرّر ومنذ صدور قرار التاس الدعوة لعقد جلسة عامة يكون فيها مصير الهلال بيد الأندية. هذه الدعوة ستفعّل قريبا وسيقع تحديد موعد الجلسة في أقرب الآجال بحيث يكون أمام الهلال وقت كاف للتحضير لانطلاق سباق البطولة في صورة الفوز بثقة الأندية. المصادر ذاتها أكّدت لنا أنّ التاريخ تمّ تحديده مبدئيا وهو منتصف شهر جويلية القادم وهذا الخيار لا يفيد بالضرورة بأنّ الجريء يرحّب بعودة الهلال فالجميع يعرف أنّ كل الأندية تقريبا تأتمر بأوامر الجريء وبالتالي فإنّ الجلسة قد تفتح المعركة القانونية على واجهات جديدة وتنقل “الحرب” من الجريء والمكشر الى الشابة وبقيّة الأندية التونسية.
بقي أن نشير فقط الى أنّ مصادر موثوق بها أسرّت لنا أنّ قرار الجريء بعقد الجلسة العامة قد يسقط في الماء ويدخل قوسي النسيان لأنّ الرجل مستاء جدّا من تصريحات المكشّر ومن التصعيد الممنهج الذي يمارسه في الفترة الأخيرة وبالتالي قد يجد الجريء نفسه هذه المرّة مجبرا على “النزال” بوجه مكشوف من خلال محاولة ليّ ذراع الهلال مجددا ولكن ليس بقفّاز القانون فقط ولكن بمنطق “اليّ يلعب ما ينغرش”…
نُشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ 15 جوان 2021