الشارع المغاربي -كريمة السعداوي: تتهاوى منظومات الإنتاج الفلاحية الواحدة تلو الأخرى سيما الحساسة منها بدءا بإنتاج الدواجن واللحوم مرورا بترويج الحليب والخضر والغلال التي تُصدّر اكثر من نصف محاصيلها الى “الاجوار” بحثا عن الربح، وصولا الى الحبوب وهي المصدر الغذائي الأساسي للتونسيين على مستوى صناعة الخبز والمعجنات.
وفي خضم هذه الفوضى واحتجاجات الفلاحين التي لا تنتهي أطلق بداية هذا الأسبوع المعهد العربي لرؤساء المؤسسات وهو مركز بحثي يهتم بالشأن الاقتصادي صيحة فزع حول مصير قطاع الحبوب كقطاع حيوي يتطلب وقفة حازمة حتى لا يخسر التونسيون يوما ما خبزهم ومواد أساسية عديدة تضمن ما تبقى من السيادة الوطنية الغذائية.
وذكر المعهد في بيان أصدره، في هذا السياق ان قطاع الحبوب في تونس يعتبر قطاعا استراتيجيا وانه يمثل 13 بالمائة من القيمة المضافة الفلاحية، و42 بالمائة من مساحة الأراضي الفلاحية الصالحة للزراعة، و27 بالمائة من إجمالي الأراضي الفلاحية المستغلة وان ذلك يجعل منه أحد روافد التوازنات الاقتصادية في البلاد وركيزة محورية في غذاء المواطن.
وورد في البيان في إطار الأجندة الوطنية للأعمال، للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات التي أجرى على مستواها دراسة استقصائية شملت 14 قطاعا بما في ذلك قطاع الحبوب انه تم انجاز استبيان مع منتجي الحبوب في عدد من ولايات الجمهورية. وقدم المركز البحثي خلاصة اعماله، في هذا الصدد، في إطار ندوة تحت عنوان “منظومة الحبوب.. بين رهان تحقيق السيادة الغذائية، وتهديدات التغيرات المناخية” .وتمحورت التوصيات الرئيسية المقترحة من أجل تطوير وديمومة قطاع الحبوب في تونس حول تطوير قطاع البقوليات، عن طريق وضع الآليات الضرورية، لضمان ترويج المنتوج والحرص على زيادة تطوير مساحات القمح اللين، للمحافظة على هذه الزراعة، التي تشهد سنويا تقلصا بسبب فارق الأسعار الى جانب اعتماد ديناميكية الأسعار في الحبوب وتطوير قطاع الزراعات العلفية التي اندثرت في سياق عمل مجامع احتكارية لتوريدها بشكل يكاد يكون كاملا بعد تحوير القوانين التي كانت تجعل من الدولة المعدل الاساسي لهذا المجال.
وتم التأكيد في جانب اخر على اهمية زيادة إنتاج الحبوب، في نطاق مخطط وطني، وعلى مدة زمنية طويلة، مع ضرورة توفير الموارد الكافية والتقليص من نسب الضياع والتبذير على مستوى مختلف حلقات منظومة الحبوب اضافة الى النهوض بالأنظمة الإنتاجية لقطاع الزراعات الكبرى من خلال اعتماد التداول الزراعي الملائم لمختلف مناطق الإنتاج مع دعم استعمال البذور الممتازة وتكثيف أصناف جديدة مقاومة للجفاف والأمراض، وتشجيع المنتجين على الاستثمار في الأنشطة والخدمات المتعلقة بهذا القطاع، على غرار إنتاج وتكييف البذور الممتازة، والتجميع والخزن.
يذكر انه وفقا للمعطيات المنشورة مؤخرا من قبل المرصد الوطني للفلاحة الراجع بالنظر لوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري حول تطور رصيد الميزان الغذائي نهاية جويلية الفارط سجل الميزان التجاري الغذائي عجزا يقدر بـ 1081.1 مليون دينار موفى الأشهر السبع الأولى من العام الحالي مقابل 222.4 مليون دينار حلال نفس الفترة من العام السابق مما يمثل تفاقما نسبته 386 بالمائة بما يعني ان العجز تضاعف تقريبا اربع مرات وهو يشكل بذلك نحو 12.4 بالمائة من اجمالي العجز التجاري للبلاد.
وفي هذا الإطار، اكدت بيانات المرصد ان توسع العجز الغذائي يرجع اساسا الى ارتفاع نسق واردات الحبوب (+20.9 بالمائة) بسبب نقص الاسمدة وارتفاع كلفة الانتاج. وتراوحت، في هذا الصدد، اواسط جويلية الفارط نسب الزيادة في اسعار الجملة للأسمدة المعدة للحبوب والتي تشهد مضاربات واحتكارات كبرى بين 30 و 44 في المائة (الامونيتر من 430 د / الطن الى 620 د / الطن وثاني فسفاط الامونيتر (د.ا.ب ) من 530 د / الطن الى 690 د / الطن وثلاثي الفسفاط من 460 د الى 600 د / الطن).
كما اكدت دراسة صدرت حديثا عن المرصد التونسي للاقتصاد ان نسبة تبعية تونس في مجال استيراد الحبوب بمختلف اصنافها تناهز نحو 82 بالمائة. وارجعت الدراسة الامر الى تراجع معدل استعمال البذور المحلية الأصيلة في تونس اذ انخفضت من 65 بالمائة سنة 1975 إلى 25 بالمائة سنة 2004 وتقلصت إلى ما يقارب 5 بالمائة فقط حاليا. ونتيجة لهذا التراجع الكبير أصبحت البلاد، وفق العديد من المتخصصين في هذا المجال في تبعية مفرطة للخارج ولم تبق لتونس سيادة سوى على بعض بذور الحبوب مثل القمح الصلب أساسا وهي سيادة “نسبية” باعتبار ان تونس تعد من بين أولى البلدان المستهلكة للعجين في العالم، بالنسبة لعدد السكان حسب دراسة المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية حول “الحبوب والأمن الغذائي” .