الشارع المغاربي: لا يمكن لأيّ متابع للشّأن العام أن ينكر أنّ نشاط رئيس حزب حركة النّهضة راشد الغنوشي يشهد نسقا تصاعديًّا في الفترة الأخيرة بعد أن خفّت وتيرة ظهوره في الأيّام التي تلت مباشرة 25/7/2021…
تزايد النّشاط هذا تزامن بالخصوص مع قضيّة نور الدّين البحيري وتشابك نشاط هيئة الدّفاع عنه مع أنشطة «مواطنون ضدّ الإنقلاب» من ناحية وتزايد الوضع الإقتصادي والمالي والإجتماعي مع ما يعني ذلك من خطر حدوث انفجار إجتماعي.
راشد الغنوشي يحاول، ما إستطاع، أن يتلافى الآن وبشتّى الطّرق آثار ما توصّلت إليه هيئة الدّفاع عن الشّهيد شكري بلعيد من معلومات تخصّ تمويلات التّنظيم الإخواني بتونس ومساراتها وأسماء أشخاص من محيطه المباشر . ولم يجد أفضل من طريقته المُعتادة في المراوحة بين الدّفاع عن أبناء الحركة (صفحته الرّسميّة على فايسبوك تنشر يوميّا عدد أيّام إيقاف البحيري) وتناول مناقب المُتوفّين منهم كما كان الشّأن مع المرحوم فرحات العبار بإرفاق نص تأبينه بخطابِ شحن بمفردات مستمدّة من قاموس إرهابي صِرف حيث قال عن المرحوم انّه لم يكن يخشى «الطّاغوت»… وبين حضور في «إستضافة» «مواطنون ضدّ الإنقلاب» هيئة الدّفاع عن نورالدّين البحيري مزج فيه بين ما يبدو شكلا مسالما ومتفتّحا عن المختلفين عنه وخطاب (مرّة أخرى) يلمّح فيه لتشيّع الرّئيس وأتباعه ليضيف أنّه لا يهمّه أن يكون الرّئيس سنيًّا أو شيعيًّا !
راشد الغنوشي يتشبّث برئاسة برلمانٍ مُجمّدٍ للإبقاء على عنوان «مؤسّساتي» يمكنه من خلاله التوجّه للخارج. وفي هذا السّياق تندرج عبارات من نوع «رحّبت رئاسة البرلمان بزيارة هذا الوفد (وفد برلماني أوروبي) والذي يندرج في إطار تعزيز العلاقات بين تونس والإتّحاد الأوروبي الذي دعم تجربة الإنتقال الدّيمقراطي بتونس خلال العشر سنوات الماضية، وبكلّ الجهود التي تدعم عودة تونس إلى مسارها الدّيمقراطي بعد التعثّر الخطير الذي شهدته خلال الأشهر الماضية…»
ويتشبّث، كذلك، برئاسة حزبه الذي عاش موجات «هجرة» متتالية أخذت خارج التّنظيم عددا لا يُستهان به من قيادات الصفّ الأوّل والثّاني، سواءً من كانوا من رافد السّجون أو من رافد الهجرة ويتوصّل لحدّ الآن لذلك بفضل تحكمه في ملفّ تمويل الحركة!
مع كلّ عملية سبر آراء يتدعّم توجّه عام طاغ منذ سنوات هو إنعدام الثّقة في شخص راشد الغنّوشي، بل هو مستقرّ على رأس قائمة الشخصيّات التي لا يثق فيها التونسيون والتونسيات. وعندما تتجاذب أطراف الحديث مع أناس من غير المنتمين لأيّ تنظيم، يؤكدون لك ذات الإنطباع ويعلّلون ذلك بإنعدام الصّدق في خطاب «الشيخ» وهو ما يعبّر عنه البعض بالخطاب المزدوج لرئيس النّهضة خاصّة وعدد من قياداتها الآخرين بشكلٍ أوسع.
وللحقيقة لا يتطلب التأكّد من صِحّةِ هذا الإنطباع جُهدا للفهم ولا حتّى البحث! فراشد الغنّوشي ومنذ بداية سنة 2011 وعند عودته من «منفاه اللندني» كتب أنه لا ينوي الترشّح لأي منصب وأنه يريد فقط استنشاق هواء تونس والصّلاة بجامع الزّيتونة لكن ها إنّنا نلمس مدى إلتزامه بهذا الوعد الذي قطعه على نفسه وعلى رؤوس الملأ !
طيلة عشريّة كاملة ولحدّ السّاعة، يؤكّد راشد الغنّوشي أنّه لم يتغيّر وانه لا يزال قلبا وقالبا نفس الإخواني الذي لا يؤمن لا بالدّولة ولا بالمؤسّسات الدّيمقراطيّة ولا بأيّ شيء غير ما تربّى عليه وما سعى ويسعى إليه في كلّ لحظة: مزيد التّمكين وفرض الدّولة الدّينيّة مثلما يراها ويراها تنظيم الإخوان المسلمين! ولا أدلّ على ذلك من العبارات التي «تتسرّب» في كلّ مناسبة من خطبه كتقسيم النّاس لسنّة وشيعة مثلما جاء في حديثه مؤخّرا عن الرّئيس قيس سعيّد وأنصاره ( جاء هذا التّقسيم في ظلّ أنباء عن قرب زيارة وليّ العهد السّعودي لتونس) واستعمال مصطلح» الطّاغوت» وهو مصطلح لا يعني القوات المسلّحة فحسب يتعدّى ذلك لتكفير من يُطيع الطّاغية وأعوانه وإستعمال هذا المصطلح في سياق حضور جنازة أحد أعضاء مجلس شورى النّهضة يبعث برسالة لا فقط للنّهضويّين بل وأيضا لمعتنقي الفكر الإسلامي المتطرّف العنيف !
لذلك يبقى راشد الغنّوشي، حتّى وإن حاول الظّهور في ثوب رجل الدّولة القادر على الجلوس مع المختلفين عنه والتّفاعل معهم، جوهريًّا نفس الشّخص بنفس العقليّة ونفس الممارسات!
لقائل أن يتساءل: لمَ التّذكير بهذا الآن؟ الجواب سهل ومؤلم: لأنّ الغنّوشي يتصدّر الآن المشهد المعارض للرّئيس قيس سعيّد!
فالمشهد الذي تابعناه خلال الأسبوع الفارط على خلفيّة إستضافة «مواطنون ضدّ الإنقلاب» هيئة الدّفاع عن نور الدين البحيري كان لافتا بسبب توسّط راشد الغنوشي المنصّة محاطا بشخصيّات سياسيّة نذكر منها الأخوين نجيب الشابي وعصام الشّابي الأمين العام الحالي للحزب الجمهوري!
بالنّسبة للأمين العام الحالي للحزب الجمهوري عصام الشّابي فسّر حضوره بضرورة التّنبيه لخطورة الوضع الصحّي لنور الدّين البحيري . أمّا الأستاذ أحمد نجيب الشابي،فقد ذهب بعيدا في مداخلته ونادى بتأسيس جبهة وطنيّة لإسقاط الإنقلاب وعبّر عن إستعداده لخوض إضراب جوع مساندة لنور الدّين البحيري…
قد يتساءل البعض ما الجديد في هذا؟ فالأستاذ الشّابي كان قد نسّق مع النّهضة في السّابق تحت حكم بن علي! لكن هل يُعقَل أن يتقاطع الأمين العام السابق للحزب الجمهوري مع من شنّوا عليه وعلى المرحومة ميّة الجريبي حربا شعواء؟ هل نسي الشّابي تلك الصّفحة الأولى لإحدى»جرائد» الإخوان التي نعتته والمناضلة الرّاحلة ميّة وآخرين بـ»حمّالي الحطب»!
هل نسي الشّابي والشّابي ذاك التّصويت الإخواني المنضبطّ ضدّ ميّة لرئاسة المجلس التّأسيسي؟
والأهمّ من كلّ هذا،هل يستقيم الدّفاع عن موقفٍ مبدئيّ جنبا إلى جنب مع من كان ولا يزال ولا أمل في تغيّره في صفّ أعداء الدّيمقراطيّة بل من لا يُّفوّت فرصة واحدة لتقسيم الشّعب التّونسي واللّهج بخطاب تكفيري؟
هل يأمل هؤلاء في تغيّر راشد الغنّوشي من شيخ إخواني إلى شخصيّة ديمقراطيّة تؤمن بالمؤسّسات وبالتّداول السّلمي على الحكم؟
كيف لهم العمل على إنقاذ البلاد مع من جعلها على حافّة الإفلاس ولقمة سائغة لكلّ الأطماع؟ لا يمكن تفسير هذا إلّا إمّا بسذاجة سياسيّة (مُجدّدا) أو بحبّ تموقع على حساب المبادئ وللأسف كلا الأمرين مرّ ومعيب لمن كان له يوما رصيد نضاليّ.
نُشر بصحيفة “الشارع المغاربي” في عددها الصادر يوم الثلاثاء 22 فيفري 2022