الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: راجت مؤخرا معطيات حول نسق تطور اسعار المواد الاساسية بعد رفع الدعم عنها خلال السنوات الخمس القادمة. غير ان البيانات المقدمة تفتقر للدقة والمنهجية بحكم ان الحكومة الحالية لا تسعى في الواقع الى رفع الدعم عنها بقدر ما تعمل على اعتماد اسعار توريدها المسماة بالأسعار “الحقيقية” عند بيعها في الاسواق التونسية.
ويطرح اعتماد الاسعار “الحقيقية” عدة اشكالات في ظل احتكار الدولة استيراد وبيع المواد الاولية لمجمّعات وشركات تحتكر بدورها تزويد المستهلكين بها على غرار ما هو معمول به في الحبوب حيث يحتكر ديوان الحبوب توريد المواد المستورة بالكامل من ناحية الشراء والخزن في حين تحتكر شركتان خاصتان لوحدهما نحو 50 بالمائة من سوق تصنيع المواد الاولية والتزويد بها.
ويعني رفع الدعم، على هذا المستوى، مجرد نقل احتكار من الدولة الى شركة خاصة في غياب اي استراتيجية لتوفير كلفة توريد المواد الاساسية التي تتحملها حاليا البنوك العمومية وايجاد اليات فعالة للتوقي من اضطراب الاسواق العالمية. وتساهم بذلك الوضعية ببساطة في تقوية منظومة الريع.
اما على مستوى المنصة المعلوماتية المزمع اطلاقها لتوجيه الدعم لمستحقيه، فهي تشكل عملية فاشلة منذ البداية وذلك لعدة أسباب موضوعية ابرزها عدم قدرة السلط على استخدام الية استهداف مناسبة للتحويلات المالية يعني البرنامج الوطني لإعانة العائلات المعوزة حيث سبق ان اكد البنك الدولي في جوان 2020 فشل السلط التونسية في اعتماد الالية الملائمة لإنجاح البرنامج من خلال تحديد مستوى دخل العائلات المستهدفة عبر الية “الاختبار بالوسائل غير المباشرة لقياس مستوى الدخل” وذلك لغياب الامكانات المادية والبشرية لتطبيقها.
وبينت تقارير دولية اخرى انه غالبًا ما تشوب البرامج التي تهدف للقضاء على الفقر في تونس العديد من العيوب التي تتسبب في إقصاء كبير، انطلاقا من فرضية أن الفقراء او المحتاجين يمثلون مجموعة ثابتة يمكن تحديدها بدقة حيث تشير التقارير الى انه في ظل البرنامج الوطني لإعانة العائلات المعوزة بتونس يتم اقصاء على وجه الخطأ او لأسباب اخرى نسبة تفوق 80 بالمائة من أولئك الذين يوجدون في الفئة المتكونة من الـ 20 % الاكثرعوزا ممن يفترض تحصلهم على إعانات الرعاية الاجتماعية.
وعموما، فان المخاطر الاجتماعية التي يمكن ان تترتب عن رفع الدعم والغاء صندوق التعويض خارج رؤى اقتصادية واضحة تعتبر كبيرة ويمكن ان تؤدي الى تلاشي منظومة الحماية الاجتماعية والاطاحة بالمرفق العام ككل اذ ان برنامج الاصلاح الاقتصادي الذي يفرضه صندوق النقد الدولي يطلب ايضا وبشكل صريح تخفيض الانفاق المتدني اصلا في مجالات عدة حساسة كالتعليم والصحة.
كما ان اعتماد السلط على ارتفاع كلفة تعويض المواد الأساسية دون سواها لإلغاء الدعم، هو أمر يفتقر للدقة لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار التضخم الحاصل طيلة 10 سنوات. بل ان نسبة الدعم من الناتج الداخلي الخام غير دقيقة لأن احتساب الناتج الداخلي لا يضم القطاع غير المنظم الذي يمثل نسبة هامة من الاقتصاد التونسي.
وتبيّن مقاربة السلط لرفع الدعم مرة اخرى انعدام كفاءة المسؤولين القائمين على الشأن الاقتصادي والاجتماعي وعدم قدرتهم على صياغة مقاربات منهجية فعالة للتصرف في اهم برامج الحماية الاجتماعية واكثرها حساسة وذلك بشهادة مؤسسات دولية كبرى كالبنك الدولي بما يؤدي حتما الى مزيد تفاقم الفقر وامكانية تفجر ازمات اجتماعية خانقة سيما ان رفع الدعم يتعلق بغذاء التونسيين وتزويدهم بمقدرات اساسية كالطاقة والخدمات العامة الحساسة .
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 8 نوفمبر 2022