الشارع المغاربي-صالح سويسي: تعود الفنانة منى واصف إلى مُحبّيها في تونس بعد أكثر من عشر سنوات من الغياب وهي التي تسكن قلوب الجميع كبارا وصغارا.
تعود الفنانة الكبيرة لتجد أنهار المحبّة تتدفّق أكثر من قبل، ولتكون ضيفة فوق العادة على الدورة الـ 33 من أيام قرطاج السينمائية، ولعلّها من النقاط المضيئة في هذه الدورة.
تحدثت منى واصف عن علاقتها بالمسرح والدراما والسينما، وبالحياة، وأكّدت أنها من طينة الكبار ليس في التمثيل فقط بل وفي حديثها الذي لا يخلو من الابتسامة الدائمة والمداعبة الجميلة.
هنا نكتشف بعض الجوانب من مسيرة فنانة بحجم الوطن…
يعتبرك بعض المتابعين لمسيرتك أنك مقلّة على مستوى المسرح مقارنة بالدراما والسينما؟ هل توافقين هذا الرأي؟
أولا، أنا أكثر من ثلاثين عاما ممثلة مسرحية في المسرح القومي التابع لوزارة الثقافة السورية، قدمت 24 مسرحية كلها باللغة العربية الفصحى وأغلبها مسرحيات عالمية مُترجمة وفيها ما هو باللغة العربي.
ثانيا، ربما لأننا لم نكن نصوّر أعمالنا المسرحية، إلاّ إذا كانت مسرحيات مُعدّة خصيصا للتلفزيون فهذا أمر آخر، وهذا هو السبب الذي يجعل البعض يرى أنني مُقلّة في مشاركاتي المسرحية..
في مصر لا يصورون الأعمال العالمية، بل يصوّرون الأعمال المسرحية الكوميدية والاجتماعية، أنا لم أقدم إلا مسرحيات قليلة جدا في هذا التوجّه، كنا نقدم أعمالا تصبّ في توجّه المسرح القومي، ونفس الأمر في بريطانيا لديهم تقاليد في تصوير الأعمال المسرحية، ولكن عموما نقل المسرحية من المسرح للتلفزيون يفقدها قيمتها، وبشكل عام أنا ابنة المسرح وأدين له بكل نجاحي.
قدمت أدوارا كوميدية ولكنك كنت مصرة دائما على تقديم دور المرأة القوية، هل كان اختيارا منك؟
سأخبرك أمرا، أنا قدمت الكوميديا منذ دخولي المسرح العسكري، ولكنني تمرّدت على نفسي في ما بعد، وكنت أعتقد أن الممثلة التي تقدم الكوميديا يمكن أن تُظهر البنت ساذجة أو بريئة أو صغيرة، ثم حين اشتهرت بالأدوار التاريخية في أدوار الملكة والأميرة والحاكمة، ثم جاء فيلم “الرسالة” وبدأت أعمالي التاريخية تُعرض في الإمارات والوطن العربي خفت أن تهتزّ صورتي كامرأة قوية بالنسبة للكوميديا، هكذا كنت أفكر وقتها…
سعيت للمحافظة على صورة المرأة القوية، ولكنني بعد أن اشتهرت قدمت أعمالا كوميدية مثل “وادي المسك” ونجحت، تحدّيت نفسي، ولكنني لم أكرر كثيرا هذا الأمر وحتى في المسرح قدمت الكوميديا ولكنني لم أذهب أكثر مع تلك الأعمال حفاظا على صورة المرأة القوية.
أنا لعبت كل الأدوار، وكانت تأتيني النصوص، وأقرأها وأختار بنفسي المشاركة من عدمها ولا أحد يتدخل في اختياراتي، المقوّم الأول عندي هو مدى حبي للدور وإذا أحببت العمل لا أسأل عن أي شيء آخر.
ولا أخاف أن أغير من شخصيتي، أنا لعبت دور المرأة القوية متعددة القوة، لا امرأة قوية واحدة، ومثلما حدثني أحدهم قال لي “أنت عندك دكتورا في القوة” فسألته “كيف؟” فأجابني “مثل الذي يدرس الطب ثم يتخصص” وأنا أحببت التشبيه، بمعنى التخصص في دور المرأة القوية وتحديدا دور الأم القوية.
المرأة القوية تكون حنون وشفافة ومعطاءة مثل الأرض بقوتها تعطي ثمارا متنوعة وهكذا أنا مثل الأرض تماما.
قدمت دور الأم أشكال مختلفة وغير مُكرّرة، من أين تستمدين قوتك في الأداء؟ من شخصيتك الحقيقية كأمّ؟ أم من قوة الأدوار التي توكل لك؟
أنا لا أشبه أي دور قدمته، و لا أذهب للدور، بل أذهب للشخصية، أفهمها، أحلّلها، أبحث فيها وعنها وموقعها أمام بقية الأدوار، أجعلها تشبهني وأتلبّسها، ولكنني لا أشبهها، فأنا لا أقدر أن أقتل أو أن آكل كبد حمزة أو قتل أخي من أجل ابني، لا يمكنني أن أكون هكذا، ولكن حين ألعب الشخصية أصدق أنني هي، وهنا تكمن قوة الأداء والتخصص وفهم الشخصية وتلبّسها من خلال فهمها وهذا لا يحدث اعتباطًا، بل من خلال تراكم التجارب، ثمّ أنا من النوع الذي لم يُسكرني نجاح ولم يحبطني فشل، أنا أقاتل…
كواحدة من أعمدة الدراما السورية، ما سرّ صمودها رغم كل ما حدث وخاصة في السنوات الأخيرة؟
نحن مقاتلون ولسنا ممثلين، نحن من أول ما بدأنا لليوم لم يكن الدرب مفروشا بالورود، ولدينا ممثلين وممثلات على مستوى جيد جدا، كما يجب أن نعترف أن هناك دولة تدعم وتلفزيون الدولة ينتج والمسرح أيضا تابع للدولة.
صحيح ليس لدينا منتجين كبار، ولكن حين وجد المنتجون قاموا بدورهم وأنتجوا لنا وأصبحت أعمالنا مطلوبة، في سوريا ودون أي غرور هناك هدف، أنت لما تريد تقديم صورته الاجتماعية “مسخرة”، ستقدمها بطريقة جيدة وحين تكون في بيتك ستجد أعمالا تشبه بيتك وعائلتك، هناك اشتغال على الصورة، نحن لم نأتِ من المريخ، وأسوأ شيء أن تأتي أشياء من المريخ وتريد صناعة فن منها.
نحن لم ننسلخ عن بيئتنا، نعيش مع الناس، ولم يكن لدينا معهد للتمثيل، ولكن حين نجحنا أسسوا معهدا للتمثيل، وحين نجحنا أسسوا نقابة، ونجاحنا ونجاح الذين أتوا بعدنا هو سبب الاستمرارية وصمود الدراما السورية، لأننا مقاتلون…
هل تعتبرين أن الأجيال الجديدة للدراما السورية محظوظون مقارنة بجيلكم/ جيل التأسيس؟
لا يمكنني الجزم بذلك، لأنه دائما ما كان هناك مؤسسون في كل قطاع، ولكن ربما وجدوا الظروف أفضل والعمل أسهل وحتى ماديا أحسن، ولكن يبقى طريق الفنان صعبا مهما كان، ولا فنان يشبه الآخر، لكل فنان نرجسيته، ولكل واحد منهم شخصيته وطريقة تشكيل حياته ومسيرته، ودائما هناك التعب والنضال من أجل الوصول.
كيف وجدت الدورة الأخيرة من أيام قرطاج السينمائية؟
أشياء كثيرة تغيّرت، ورغم أنني لم أنقطع إلا خلال السنوات العشر الأخيرة عن المهرجان، وأول ما لاحظته هو حفل الافتتاح الذي شهد حضورا إعلاميا لافتا جدا و “ما حصل” وكم هائل من الصحفيين والمصورين، ولاحظت استعدادا للافتتاح بشكل حضاري وجميل.
ثم ما لفت نظري أيضا هو التركيز على حضور المرأة، بداية من لجان التحكيم، والمرافقات وصولا لوزيرة الثقافة ومديرة الأيام من النساء أيضا.
أحسست أن هناك انتصار للمرأة ورغبة في حضورها القوي واللافت، نحن نعلم أن المرأة التونسية قوية وأنها تعمل من سنوات طويلة في كل المجالات وهذا نعرفه جيدا، ولكن هذه المرة لاحظت حضورا أقوى.
بالنسبة لانتقاء الأفلام، وانطلاق الدورة يعتبر هاما خاصة بعد ما فعلت “كورونا” في كل التظاهرات.
وكيف وجدت محبّة الناس لمنى واصف بعد كل هذه السنوات وخاصة الأجيال الجديدة؟
لا تسألني عن المحبّة، “لا تسأل مُحبّة عن الحب” يعني أنا وجدت حبّا أكثر مما تركت سابقا، فكل من هم في سنّي وأصغر مني وحتى الأجيال الجديدة تعرفني وتعرف أعمالي وتحبني وهذا يسعدني.
وهذا لمسته في كل بلد عربي زرته، ولكن التونسيين يعبّرون عن محبّتهم بطريقة خاصة جدا فتونس خضراء والأرض لما تكون خضراء تكون فيها نوع من الطيبة.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 15 نوفمبر 2022