الشارع المغاربي-محمد الجلالي: لا تزال ارتدادات قانون المالية لسنة 2023 تلقي بظلالها على أكثر من قطاع على غرار الشركات الناشطة في استخراج وتصدير الرخام التي توقّف عملها منذ مطلع العام الجاري بسبب الفصل 26 الشهير الذي فرض عليها اداء بـ 250 دينار عن كل طن يتم تصديره.
وتم تسليط معلوم ديواني بـ 100 دينار على شركات مصدرة للرمل قبل ان تتراجع السلطة عن قرارها عبر اجراء ديواني يقول بعض المصدرين انه لم يكن قانونيا وأنه ساهم في ابطاء نسق التبادل التجاري.
وفي انتظار تحرك السلطة لايجاد حل يوازن بين اعادة حركة تصدير الرخام وإعادة هيكلة القطاع وتثمينه حتى يكون اكثر مردودية على مستوى عائداته المالية من العملة الاجنبية ويساهم في الرفع من تشغيليته يقول عدد من الصناعيين ان ما لا يقل عن 135 شركة ناشطة في المجال توقفت عن العمل وان ذلك يهدد بإحالة 4532 عاملا واطارا على البطالة التقنية وبحرمان الاقتصاد من موارد سنوية في حدود 50 مليون دينار من العملة الصعبة التي توفرها عمليات التصدير.
اتاوة غير دستورية
نص الفصل 26 من قانون المالية الصادر في الرائد الرسمي على احداث معلوم يوظف عند تصدير منتجات المناجم والمقاطع وعلى ان يكون المعلوم في حدود 100 دينار عن كل طن مصدّر من الرمل الطبيعي بكل انواعه و250 دينارا عن تصدير كل طن من الرخام وغيره من الحجارة الطبيعية.
بعد نشر قانون المالية مباشرة تحركت غرفتا مستغلي ومحولي الرخام وعقدتا اجتماعا بمقر اتحاد الصناعة والتجارة بتونس العاصمة قبل ان يتوجه الصناعيون الى وزارتي الصناعة والمالية للتعبير عن رفضهم المعلوم الجديد معتبرين انه مشطّ وأنه يمثل 80 بالمائة من سعر التصدير.
مراد بن ذياب وكيل معمل لصقْل الرخام وشركة تصدير قال من جهته في تصريح لأسبوعية “الشارع المغاربي”: قانون المالية الاخير سلط علينا معلوما غير دستوري بدعوى التشجيع على تثمين الموارد الطبيعية. لكن من كان وراء هذا الاجراء لم يستشر اهل القطاع ولم يترك لنا الفرصة حتى نستعد ماليا ولوجستيا وحتى تقنيا للمرور الى مرحلة التثمين التي تتطلب استثمارات بملايين الدنانير ومهلة قد تصل الى خمس سنوات وتكنولوجيا غير متوفرة بتونس.
وأضاف ” نبيع ثلاثة انواع من الرخام تتمثل في الرخام الرمادي والرخام الاصفر اللذين تترواح اسعارهما بين 260 و320 دينار للطن والرخام الاسود ذي الجودة العالية نسبيا بـ 600 دينار للطن.”
وأفاد بن ذياب بأنه التقى رفقة عدد من الصناعيين بمسؤولين بوزارة الصناعة واكتشفوا ان فتحي السهلاوي مدير الصناعات المعملية كان وراء صياغة الفصل 26 الشهير لافتا الى ان السهلاوي اتخذ موقفه بناء على ارتفاع اسعار بيع الرخام الاسود مبينا ان السهلاوي تجاهل بقية انواع الرخام التي لا يتعدى سعرها 320 دينارا للطن.
وتابع “مشكل الرخام الاسود انه يصعب تثمينه في تونس لانه يتطلب استثمارات بملايين الدنانير في ظرف اقتصادي صعب جدا خاصة بعد توقف نشاط التصدير طيلة الفترة السابقة جراء غلق السوق الصينية الحريف الاكبر لتونس.
خسارة أسواق اجنبية
المتحدث اكد انه فوجىء كغيره من الصناعيين بالمعلوم الجديد مشددا على انه يملك حاليا مخزونا من الرخام في حدود 1800 طن قال انه لم يوفّق في تصديرها بسبب الاجراء متهما السلطة بـ “فرض حصار مجحف على الصناعيين قد يقضي على الشركات ويشرّد العمال”.
وقال ” الاخطر من كل ذلك ان لدينا التزامات مالية مع مؤسسات بنكية ومع شركات الايجار المالي وصندوق الضمان الاجتماعي التي لن ترحمنا في صورة تخلفنا عن سداد ما علينا من ديون”.
وواصل” لقد حاولنا بعد صدور قانون المالية التفاوض مع بعض الحرفاء الدوليين فقالوا لنا بصريح العبارة “نحن لن نشتر الرخام التونسي بأسعار مشطة وما على سلطتكم الا الغاء الاداء على التصدير حتى نعود الى التعامل معكم”.
وتطرّق بن ذياب الى الانعكاسات السلبية لمعلوم التصدير مبينا انه سيتسبب في خسارة مضاعفة للدولة بالقضاء على عشرات الشركات والرفع من نسبة البطالة وحرمان المالية العمومية من عائدات بالعملة الاجنبية.
واستغرب محدثنا من مفارقة تتمثل في انخفاض قيمة معلوم توريد الرخام الى حدود 60 دينارا فقط وبلوغه 250 دينارا بالنسبة للطن المصدر متسائلا : ” الا يعتبر ذلك تشجيعا رسميا على اخراج العملة الاجنبية بدل ادخالها؟
من جهته بيّن عادل حمادي وهو وكيل بشركة مصدّرة ومساهم في شركة تستغل احد مقاطع الحجارة أن الفصل 26 من قانون المالية ادى الى تعطل اشغال شركات الرخام مشيرا الى انه قرّر كصاحب شركة عدم تجديد عقود العمال والتوقف عن النشاط لافتا الى ان المعلوم الجديد حوّل الرخام التونسي الى سلعة غير تنافسية في السوق العالمية.
الوزارة تعترف بخطئها
حمادي اكد ان وزارة الصناعة وخاصة ادارة الصناعات المعملية لم تنكر ارتكابها خطأ في التقدير وان بعض المديرين تعهدوا بايجاد حل على غرار ما تم اتخاذه بالنسبة لتصدير الرمل.
يذكر ان فرض معلوم بـ 100 دينار عن كل طن رمل تم تصديره أثار غضب عددا من المستثمرين احدهم رفع قضية بالحكومة متهما اياها بالتسبب له في اضرار مالية وآخر هدّد بغلق شركته وتسريح العمال قبل ان يتم اللجوء الى قرار باخضاع الرمال المصدرة الى اختبار لاعفاء كل رمل يحتوي على نسبة تتجاوز 99.7 بالمائة من السيليسيوم من دفع معلوم المائة دينار.
اجراء وصفه احد الصناعيين بغير القانوني قائلا: “يبدو انهم أصلحوا خطأ بخطأ افدح منه” متسائلا ” هل يعقل ان يتم تجاوز قانون المالية بمجرد قرار ديواني؟ كيف سمحت وزارة الصناعة بتمرير هذا الفصل؟ ولماذا تسمح رئيسة الحكومة ووزيرة المالية بعد ذلك بتجاوز قانون المالية؟ هل بلغ الارتباك صلب الادارة العمومية الى حد صياغة فصول اعتباطية دون اجراء دراسات موضوعية ثم اصدار قرار ديواني يتعارض مع القانون نفسه؟
وقال حمادي “أنا كصناعي اعمل على قطع الرخام وتثمينه قبل تصديره الى الصين والهند واسبانيا وايطاليا بمعدل 30 الف طن سنويا وأشغل 85 عاملا 15% منهم اطارات ومع صدور القانون اوقفت التصدير كغيري من الصناعيين”.
ممنوع من التصدير
حمادي ذكر أيضا ان الصناعيين اقترحوا في اجتماع بمسؤولين بوزارة الصناعة والديوانة دفع مساهمة ظرفية في حدود 25 دينارا عن كل طن يتم تصديره من الرخام في سعي منهم لمؤازرة الدولة خلال الظرف المالي الصعب الذي تمر به..
عبد الستار محفوظ هو ناشط اخر في قطاع الرخام لم يتمكن يوم السبت الفارط من تصدير سلعته الى الخارج رغم تخصص شركته في تثمين المنتوج بدل تصديره خاما.
واكد ان مصالح الديوانة منعته بدعوى وجود مهمة تفقد بالميناء من التصدير وان ذلك تسبب له في الاخلال بالتزاماته تجاه حرفائه رغم تعهد المسؤولين بعدم خضوع شركته للفصل 26 من قانون المالية.
عبد الستار الذي استقر قبل 20 سنة في معتمدية العالية من ولاية بنزرت وبعث شركة رفقة شريكين اجنبيين وتم اختيار منتجه كأحسن رخام وافضل الرخامات صقْلا في معرض فيرونا الايطالية خلال سنتين متتاليتين أشار الى أنه عاد الى تونس بعد سنوات طويلة من الاقامة بكندا مشددا على ان ما يجري اليوم في الادارة العمومية ينفّر المستثمرين.
من جانبه استغرب احد الصناعيين من تعويل الادارة على مسؤولين اعتبر انهم يفتقرون للكفاءة والحنكة في التسيير واتخاذ القرارات لافتا الى ان وزارة مثل وزارة الصناعة شهدت في الآونة الاخيرة اقصاء ما لا يقل عن 7 اطارات مشهود لها بالكفاءة والى انه فسحت المجال لمديرين ومسؤولين غير جديرين بالمناصب التي يشغلونها.
هكذا اذن بات تعويل الادارة العمومية على قرارات اعتباطية وغير مدروسة مبعثا لتنفير المستثمرين بدل دفع عجلة التنمية مع الحرص كل الحرص على ضمان حق الدولة في تحصيل مواردها الجبائية ومراقبة اي تهرب ضريبي او استنزاف للموارد الطبيعية. لكن أن يتحول التسيير الى باب لاتخاذ قرارات خاطئة واحيانا مشبوهة في ظرف اقتصادي ومالي واجتماعي صعب يكون تجاهل مثل هذه الاجراءات الغامضة تقصيرا يستوجب المحاسبة حتى لا تتواصل سياسة الافلات من العقاب.
مع العلم ان أسبوعية “الشارع المغاربي” كانت قد نشرت في موفى سنة 2021 خبرا عن استماتة أحد المديرين بوزارة الصناعة في تمرير فصل بقانون المالية 2022 يقنن اعفاءات جبائية على توريد نوع من الرخام بما كان سيكبد الدولة عائدات جبائية بحوالي 15 مليون دينار. وقد نقلت الصحيفة عن بعض المطلعين على الملف ان ثمن تمرير الفصل المشار اليه بلغ 100 ألف دينار قبل ان يتم اسقاط الفصل من القانون.
وقد حاولت “الشارع المغاربي” الاتصال بوزارة الصناعة مرارا لاستفسارها عن الدعائم التي أسست عليها اقتراح فرض معلوم على تصدير الرخام والرمل لكن دون جدوى.
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 7 فيفري 2023