الشارع المغاربي-قسم الاخبار: انتقد الكاتب الصحفي الجزائري توفيق رباحي بشدة لا تبعد عن التهجم رئيس الجمهورية قيس سعيد بسبب تصريحاته الاخيرة حول المهاجرين الافارقة وحديثه عن مؤامرة لتغيير الهوية العربية الاسلامية للبلاد. رباحي اعتبر في مقال نشرته اليوم الثلاثاء 28 فيفري 2022 صحيفة ” القدس العربي” تصريحات سعيد عنصرية وفاشية وضمن مقاله معطيات معلومة من قبيل مطاردة قوات الحرس الوطني مهاجرين افارقة بالذخيرة الحية . واعرب في سياق متصل عن استغرابه من عدم اقدام الدول الافريقية على طرد سفراء تونس من بلدانها ردا على سعيد واستغرب ايضا ” عدم تلقين الاتحاد الافريقي درسا لرئيس تونس”.
وجاء في المقال الذي يحمل عنوان ” عنصرية قيس سعيد وعنصريتنا جميعا” :”وكأن كل المصائب السياسية والاجتماعية والأخلاقية التي ابتُليت بها تونس لا تكفي فأضاف اليها الرئيس قيس سعيّد العنصرية والحقد تجاه المهاجرين الأفارقة. سيقول قائل إن سعيّد لم يأتِ بجديد وإنما عبّر عن حالة نفسية واجتماعية تتنامى في تونس. وسيردُّ البعض بالزعم بأن ما قاله هو ما يقوله الكثيرين من مواطنيه على امتداد تونس طولا وعرضا (وملايين العرب والمسلمين في المنطقة). كل هذا صحيح. مع الفرق أن سعيّد رئيس دولة واجبه الأول أن يكون قدوة ونموذجا للرعاع لا أن يجاريهم.”
وتابع” حديث سعيّد عن أن وجود المهاجرين الأفارقة فاقم العنف والجريمة، وذهابه من علياء منصبه إلى حد الجزم بأن هناك مؤامرة تستهدف تغيير هوية تونس العربية الإسلامية إلى إفريقية من خلال جلب المهاجرين من دول إفريقيا السمراء، خطير ومرفوض. هذا كلام لا يصدر عن رجل يتمتع بحالة ذهنية سويّة ويتحلى بروح المسؤولية لإدارة شؤون بلد، خصوصا إذا كان هذا البلد غارقا في الوحل مثلما هو حال تونس.”
واضاف” رئيس دولة، وقبل ذلك دكتور محاضر في الحق والقانون، يتلفظ بمثل هذا الكلام، فماذا ترك للسفهاء والدهماء؟ أتساءل ماذا تنتظر الدول الإفريقية لاستدعاء سفرائها من تونس، أو طرد سفراء تونس من أراضيها.؟ وأتساءل ماذا يحتاج الاتحاد الإفريقي اكثر من ذلك لتلقين سعيّد درسا يمنعه عن عنصريته في المستقبل.؟ ليس مستغربا أن يقفز اليميني الفرنسي المتطرف إيريك زمور بسرعة ليشيد بخطاب سعيّد ويصنّفه ضمن نظرية “الإحلال (أو التعويض) الكبير” التي شكّلت ديدن سياسته وسياسة عتاة العنصريين في الغرب. من حق سعيّد أن يبحث عن كباش فداء لتخبّطه وإخفاقاته المزمنة. وقد وجدهم هذه المرة في المهاجرين الأفارقة، لكن من المشين أن يلجأ إلى مثل هذا الكلام الفاشي في حق أناس يعيشون عبودية حقيقية على أرض هو راعيها الأول.”
وواصل في مقاله ” لا أستغرب بعد هذا الكلام الأخبار عن مطاردة الأفارقة في شوارع تونس وحرق بيوتهم وأثاثهم. ولا غرابة أن تأتي أخبار بأن الحرس الوطني التونسي يطاردهم بالذخيرة الحيّة حيثما اشتم رائحتهم. ولا غرابة أن تفوح وسائط التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التونسية وحتى اللغة السياسية اليومية حقدا وغلًّا تجاه الأفارقة. من عجائب هذا الزمن أنه بات لتونس حزب يسمى “الحزب القومي” مثل الأحزاب القومية في أوروبا، برنامجه الوحيد تغذية كراهية الأفارقة والتحريض عليهم. اذا كانت بضعة آلاف من الأفارقة الموجودين في تونس مؤقتا تشكّل خطرا على هويتها، فماذا يقول الألمان عن ملايين السوريين الذين تدفقوا على بلادهم في غضون شهور منتصف العقد الماضي؟ “
وتابع” وماذا يجب أن يقول الفرنسيون عن أربعة ملايين جزائري ولا أدري كم مليون مغربي وتونسي؟ وما رأي البريطانيين في ملايين الهنود والباكستانيين (وغيرهم) الذين تدفقوا على المملكة المتحدة منذ خمسينات القرن الماضي ولازالوا؟هل قال أحدهم لسعيّد إن هؤلاء المساكين قذفتهم الأقدار والمآسي إلى تونس ولا يخططون للاستقرار فيها؟ بلِّغوه أن تونس ممرٌ وليست مستقَّرا، وبأنه لا يوجد أجنبي عاقل يحلم بتونس موطنا له هذه الأيام، وبأن تونس تُصدِّر من المهاجرين للاستقرار في أوروبا أكثر مما تستقبل من أفارقة عابرين، وبأن كل شبان تونس، ذكورا وإناثا، واقفون اليوم في الطابور يترصدون فرصة للهجرة.”
واضاف” في زيارة سياحية مؤخرا إلى البوسنة رأيت في العاصمة سراييفو من الشبان التونسيين أكثر مما كنت أتخيّل، وأكثر من كل الجنسيات الأخرى. وجوههم شاحبة وبطونهم خاوية، يحلمون بلقمة وباللحظة التي ينجحون فيها في مراوغة حرس الحدود الكرواتيين من أجل التسلل إلى أوروبا. التونسيون ذاتهم، الذين يلعنون المهاجرين الأفارقة في بلادهم، يقيمون الدنيا سخطا واحتجاجا عندما يسمعون أخبارا (غالبا مبتورة من سياقها) عن ظلم تعرّض له مهاجرون تونسيون تقطّعت بهم السبل في المسالك الطويلة التي يقطعونها أملا في الوصول إلى أوروبا، أو عندما تسجنهم سلطات دولة أوروبية تحسبا لترحيلهم. الأفعال ذاتها التي هيَّجت تونس وبلداننا ضد الأفارقة (وبعضها صحيح لا ريب) تعتبرها ذهنيتنا المريضة بطولة وشطارة عندما يمارسها مواطنونا في أوروبا. مخيالنا الجمعي لا يتوقف عن الابتهاج بفلان الذي خطف حقيبة يد عجوز فرنسية أو سويسرية مسكينة في لمح البصر، أو استولى على بطاقة ائتمان موظف بسيط في بريطانيا أو السويد في غفلة من أمره.”
واردف الاعلامي الجزائري ” واضح أننا في حفرة أخلاقية سحيقة مظلمة، لا يبررها الوضع الاقتصادي المتدهور ولا الخوف من المستقبل الغامض ولا أي شيء. لكن الأمانة تقتضي القول إننا في هذه المنطقة جميعا مرضى وعنصريون، بشكل أو بآخر وبدرجات. كل مجتمعاتنا تمارس العنصرية بطريقتها يوميا، بل تتنفسها في كل لحظة. “