الشارع المغاربي: العلاقات بين المنظمات الأربع) الاتحاد العام التونسي للشغل وعمادة المحامين ورابطة حقوق الانسان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ( المكوّنة لمبادرة “الانقاذ الوطني ” او ” تونس المستقبل” حسب التسمية الجديدة ليست في أحسن حالاتها منذ أسابيع بسبب اختلافات حادة في وجهات النظر حول الجانب السياسي من بنود المبادرة، اختلافات يبدو أنها تطورت وتحولت الى ازمة ثقة غير مسبوقة.
تجاهلت رابطة حقوق الانسان ومنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أحداث نهاية الاسبوع المنقضي اذ لم تصدر اي منهما بيان مساندة للاتحاد العام التونسي للشغل اثر رفعه قضية استعجالية بالحزب الدستوري الحر على خلفية محاولة انصاره اقتحام مقره المركزي. هذا التجاهل هو بمثابة مسافة اتخذتها المنظمتان تدشّن تغييرا نوعيا في موقفهما بعد فترة ما يشبه ” التبعية” للاتحاد منذ طرح مبادرة الانقاذ.
مصدر قريب من المنظمتين لم ينف لـ”الشارع المغاربي” قصدية التجاهل” والتي قال انها جاءت للتعبير عن استياء تحوّل الى غضب من ” تطورات غريبة عرفها مسار المبادرة” ملمّحا الى “وجود تساؤلات ملحة حول أسبابها ” وعما ان كانت، يضيف المصدر، ” لها علاقة باللقاء الذي جمع امين عام الاتحاد العام التونسي للشغل بوزير الداخلية كمال الفقي منتصف شهر افريل الماضي.
انقسام
تسبّبت الخلافات داخل رباعي مبادرة الانقاذ الى انقسامه الى شقين، شق يضم الاتحاد العام التونسي للشغل وعمادة المحامين يقابله شق المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان. تطغى على الشق الاول “رهانات وحسابات سياسية” وهو الواقع تحت هيمنة واضحة للتيار القومي القريب في مجمل تشكيلاته من منظومة 25 جويلية فيما يتحرك الشق المقابل بأكثر أريحية بعد ان حسم مؤتمر الرابطة خلافاتها الداخلية حول الموقف من “مسار 25 جويلية ” الذي كان وراء ظهور ” بؤر توتر” صلب عدد من الهياكل الجهوية لهذه المنظمة مسنودة بمنتدى لم تضربه لوثة السياسة .
هذه الخلافات اشتدت منذ تأجيل “غير مبرر” لموعد الاعلان عن مبادرة ” الانقاذ” الذي كان مقررا ان يتم في غضون اسبوع من تاريخ عيد الفطر المبارك (نهاية شهر افريل الماضي) . تم تعليل هذا التأجيل من قبل اتحاد الشغل بتعديلات تم ادخالها على وثيقة المبادرة. اثر ذلك تم الاتفاق على تنظيم لقاء تشاوري للنظر في هذه التعديلات على مستوى رؤساء المنظمات ومن ثمة احالتها على هياكلها للمصادقة عليها واكسائها طابعا رسميا يفتح المجال للاعلان عنها ” دون تأخير” .
وحتى اليوم لم توضع هذه التعديلات على طاولة النقاشات بين المنظمات الاربع بعد توقّف الاجتماعات واللقاءات ومؤخرا الاتصالات. تختلف الروايات حول خلفيات ما يحدث في علاقة بالمبادرة وعما ان كانت المبادرة سترى في النهاية النور وان كانت لا تزال مبادرة الرباعي ام انها تحولت الى مبادرة “الاتحاد” او في احسن الاحوال مبادرة ” الاتحاد او وعمادة المحامين” ام انها مبادرة “المصالحة مع السلطة” على شاكلة الاتفاق الاخير المبرم بين وزارة التربية وجامعة التعليم الثانوي .
كل الفرضيات تبقى واردة . والمؤكّد في المقابل ان المنظمات لم تعد على كلمة سواء خاصة في الجزء المتعلق بالجانب السياسي للمبادرة الذي يبدو انه أصل المشكل وربما المشكل الوحيد الذي وضع المبادرة برمتها على المحك ويهدد بافشالها على ضوء رفض منظمتين (الرابطة والمنتدى) بشكل قاطع اسقاط الجانب السياسي والاكتفاء بالمحورين الاقتصادي والاجتماعي. وان كان الموقف واضحا بالنسبة للمنتدى والرابطة ، فان الآراء تختلف داخل اتحاد الشغل وعمادة المحامين بين من يتمسّك بمبادرة شاملة سياسية واقتصادية واجتماعية ومن يساند بقوة إسقاط الجانب السياسي .
مشاركون في النقاشات اكدوا لـ”الشارع المغاربي” ان مسار بلورة “وثيقة المبادرة” كان شاقا الى ابعد الحدود فيما يخص تحديدا الجوانب السياسية التي تطلبت وقتا ومجهودا و”تسويات” انتهت باقرار بنود مفتوحة على كل السيناريوهات على غرار تلك المتعلقة بالدستور اذ تم تجنّب اية احالة الى دستور 2014 أو الى دستور 2022 والاقرار باصلاحات دستورية واسعة . (غير واضح تماما
وتقترح مبادرة”تونس المستقبل” تشكيل حكومة مصغّرة تكلف بإدارة الملفات الكبرى علاوة على تغيير شامل على مستوى مختلف الهيئات الدستورية وعلى رأسها هيئة الانتخابات وتعديل القانون الانتخابي لإعداد انتخابات رئاسية لسنة 2024 تنطلق بتنقية المناخ العام ووضع أسس محاسبة حقيقي ضمن اطر محاكمات عادلة والغاء المراسيم المثيرة للجدل على غرار المرسوم 54.
دور وزير الداخلية ؟
يقول مقرّبون من المبادرة ان لقاء امين عام اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي بوزير الداخلية كمال الفقي يوم 14 افريل المنقضي بمقر وزارة الداخلية غيّر الكثير في مسار المبادرة. التلميحات حول “اتفاق ما” تم بين الثنائي راجت بقوة منذ تأجيل الاعلان عن المبادرة ( كان الموعد نهاية شهر افريل) ثم مع خطاب غرة ماي الذي قطع مع المنحى التصعيدي لخطابات الطبوبي وما تضمنت من تهديد ووعيد بمواجهة” انحرافات مسار 25 جويلية” من جهة وغياب الامين العام عن المشهد تقريبا منذ ذلك التاريخ باستثناء انشطته النقابية الصرفة من جهة اخرى.
وزير الداخلية هو الرجل القوي والنافذ في منظومة الحكم الحالية. فهو من “ابناء المشروع “ومن اصدقاء الرئيس وثقاته وهو الى ذلك نقابي وقريب من اتحاد الشغل. وقد يكون السؤال حول ماهية هذا الدور وعما إن كان في اتجاه وساطة بين المنظمة وامينها العام والرئيس قيس سعيد على قاعدة ” شراكة” واعتراف بمكانة المركزية النقابية في ادارة هذه المرحلة والمشاركة في بلورة القرار الوطني ام انه كان في اتجاه “الترهيب” عبر التهديد بأن موجة ما يسمى بالمحاسبة لن تستثني قيادات الصف الاول للمنظمة.
فالاتحاد في مرمى حملة تستهدفه باشكال متعددة منها تتبعات وايقافات شملت عشرات النقابيين بالاضافة الى عمليات سحل فايسبوكي متواصلة تقودها اذرع محسوبة على “منظومة 25 جويلية” وتحظى بحصانة واضحة من قبل السلطات القائمة او و عبر محاولة اضعاف المنظمة بتنويع جهات التفاوض والاتكاء على قاعدة احترام ” التعددية النقابية” . كما يذهب الاتحاد الى ابعد من ذلك اذ يتهم وزراء بالمساهمة في تأسيس وبعث ” تنسيقيات” نقابية مهمتهما “ضرب العمل النقابي” . الامر لا يختلف كثيرا بالنسبة للمحامين الذين يشتكون من حملة تستهدفهم بما أجبر العمادة على التراجع خطوات في علاقتها بالمبادرة بتعلة انتظار البت في ملفات تهمّ منظوريها المشمولين بالتتبّع في جملة من القضايا منها قضية التآمر على أمن الدولة.
رغم الغضب والاستياء والمخاوف من طرح مبادرة بتعديلات فوقية لا تحظى بترحيب داخل هياكل مختلف المنظمات بما يهدّد بترحيل الازمة الى داخلها، فان هناك اتفاق مبدئي على تجنب اي صدام بين اصحاب “المبادرة” عبر مواصلة محاولات البحث عن نقطة التقاء في الجانب السياسي وخوض “مرحلة نضال” بعيدا عن الحسابات السياسية والتموقعات و بعيدا عن “الخوف من فتح الملفات” .
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 30 ماي 2023