الشارع المغاربي -كريمة السعداوي: تطرق المرصد التونسي للاقتصاد، في نشرية أصدرها يوم اول أمس الاثنين 17 جويلية 2023، على هامش امضاء مذكرة التفاهم حول الشراكة الاستراتيجية والشاملة بين تونس والاتحاد الاوروبي الى ما تضمنت النقطة الثالثة من المذكرة التي خصصت لمحور الانتقال الطاقي الأخضر وما يمثل الاستثمار الأوروبي في التحول الطاقي في تونس من فرصة للاتحاد الأوروبي للتخفيض في انبعاثات الكربون وتعزيز التحول الطاقي ولتونس لتحسين البنية التحتية الطاقية.
واكد المرصد التونسي للاقتصاد، في هذا الصدد، ان موقفه من هذه النقطة يقوم على ما توصل اليه في عدة دراسات سابقة ابرزت العديد من أوجه القصور في برامج الانتقال الطاقي في تونس والمرتكزة بالأساس على شراكات غير متكافئة مع أطراف اجنبية مهيمنة.
وشدد المرصد، في هذا الاطار، على ان صناعة القرار في هذا المجال تفتقر الى التشاركية بسبب تأثير عدد من الفاعلين الأجانب في المجال الطاقي ونقص التشاور مع أصحاب المصلحة الآخرين (مثل الاتحاد العام التونسي للشغل أو المجتمعات المحلية).
وأدّى ذلك حسب المرصد إلى إقحام قانون 2015 الذي يشجّع على الخصخصة، بما في ذلك في شكل الشراكات بين القطاعيْن العام والخاصّ، وإلى حشر تونس بقوّة في إطار مخططات تفَتح الباب أمام مبادرات تمنع سيطرة الحكومة على مشاريع الطاقة المتجدّدة، وبالتالي تعرقل سيادة التونسيين على مواردهم.
علاوة على ذلك، ابرزت النشرية ان هذا المسار المُختَار يعزّز التبعيّة الماليّة والمعرفيّة للجهات الخارجيّة من خلال الاستثمارات الأجنبية المباشرة واستيراد التكنولوجيا، بدلاً من الاستثمار التونسي في السيادة على الطاقة من خلال التنمية المحلية لقطاع الطاقة المتجدّدة.
ويعني ذلك أنّ الاستراتيجية الحالية قصيرة الأمد التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة في العقد الماضي، من خلال اختيار الاستثمار في الشراكة بين القطاعيْن العام والخاصّ بدلاً من الخدمات العموميّة، قد ركّزت بشكل أكبر على جذب المستثمرين من القطاع الخاصّ (والأجانب على وجه الخصوص) وتأمين أرباحهم – على الرغم من العبء المالي طويل الأجل الذي قد يسبّبه ذلك – عوضًا عن تعزيز التنمية المحلية.
ونتيجة لذلك، يتمّ إهمال حقوق المجتمعات المحلية، وتتراوح الآثار بين عدم كفاية الوصول إلى الكهرباء ومصادرة الأراضي، وتحديدًا لمن يعيشون في المناطق المُهمَّشة أصلًا. ويستمرّ هذا الإطار الهيكلي – وفقا لتقدير المرصد التونسي للاقتصاد – في تبجيل الفاعلين من المناطق الأكثر حظاً نسبيًا، في حين يكون نصيب المناطق الفقيرة المزيد من التهميش والتجريد من مواردها.
ويبدو، مرّة أخرى، وفقا للنشرية أنّ معظم هذه الديناميّات قصيرة الأمد ويقودها اللهث وراء الأرباح، وهو ما يفسر أيضًا سبب عدم كفاية الأحكام المتعلقة بحماية البيئة الطبيعية علما انه نظرًا للتركيز الشديد على تنفيذ المشاريع الكبيرة بأيّ ثمن، فانه لا يوجد اهتمامٌ كافٍ باحتياجات السكّان المحلّيين وبالبيئة التي يقع فيها إنشاء هذه المشاريع، ولا يتمّ إيلاء ما يكفي من انتباه للظروف المطلوبة لإدماجهم في الاقتصاد الوطني.
وختم المرصد موضحا انه بناءً على تحليله للخبرات المحلّية في تونس، فإنّ من شأن الانتقال العادل أن يمنح الأُسر والمجتمعات المحلّية الوسائل اللازمة لإنتاج الكهرباء الخاصة بها بالاعتماد على مشاريع الطاقة الكهروضوئية الصغيرة، ممّا سيقلّل من الاحتياجات لرأس المال والمعرفة ويعزّز تنمية الفاعلين المحلّيين المولّدين لفرص العمل.
في مختلف أنحاء العالم، شرع العديد من فاعلي المجتمع المدني في مرحلة إعادة تفويض الصلاحيات للبلديّات – أيْ استعادة الملكية العموميّة للخدمات – من أجل إرساء خدمات عامّة “يقودها المجتمع المحلّي وتراعي المناخ”، من خلال استرجاع السيطرة على الموارد المحلّية. وبالتالي، يجب تجنّب الخصخصة في المقام الأول حيث يمكن للحكومات المحلية أن تشجّع الشركات المحلية على تركيب أنظمة كهروضوئية صغيرة الحجم من أجل كسر التعزيز الحالي لأوجه عدم المساواة بين الجهات. كما أن إدارة هذه المشاريع على المستوى المحلي ستمنح المزيد من الملكية والحقوق والسلطة للمجتمعات المحلية من أجل التحكم والإشراف على وسائل الإنتاج في قطاع الطاقة.