الشارع المغاربي: صرح سمير سعيد وزير الاقتصاد والتخطيط يوم 26 ديسمبر 2022 في الندوة الخاصة بتقديم موقف الحكومة من قانون المالية لسنة 2022 الذي كثر حوله الجدل، ما مفاده أنه “ليس لنا بديل (يعني الحكومة) والبديل الوحيد سبق وقلنا ليس لنا بديل (Plan B)”ثم يستدرك “أنا شخصيا قلت ليس لنا بديل ومن له بديل على برنامج صندوق النقد الدولي يتفضل”. ثم يؤكد “بالنسبة لي البديل الوحيد هو المزيد من الجباية والتقليل من الاستثمارات العمومية والتقليل من الدعم (حسب ما يبدو من آخر كلمة صدرت عنه).
ثم يتساءل “هل هذا بديل؟ ويجيب “بالطبع ليس بديلا”ويضيف “نحن من يجري وراء صندوق النقد الدولي وليس العكس” وهو ما ردده العديد من الوزراء السابقين منذ سنة 2013 إلى اليوم. ويؤكد “ليست املاءات علينا هي إصلاحات لهذه الحكومة وتأخرنا في إنجازها”. رسائل النوايا والبرامج المرافقة لها من طرف نحافظ البنك المركزي ووزراء المالية الموجهة إلى المديرة العامة لصندوق النقد الدولي في أفريل 2013 عند انطلاق تدخل المؤسسة المالية الدولية من جديد في تونس وفي أفريل سنة 2016 تدل بكل وضوح أنها إملاءات واستسلام.
في علاقة “بمن يجري وراء من”، ما أكدته كريستين لقارد المديرة العامة لصندوق الدولي السابقة في الفيديو على الرابط التالي (https://www.youtube.com/watch?v=tFNTAP4wak8).
المتعلق بالندوة الصحفية التي قدمتها بتاريخ 2 فيفري 2012 يحسم الموضوع نهائيا ويُثبت أن صندوق الدولي هو من سعى بكل إلحاح بتكليف من مجموعة 8 في قمة “دوفيل” بتاريخ 26 و27 ماي 2011 للحصول على تكليف من حكومة الترويكا وهو ما تحقق له اثر توقيع رئيس الحكومة جمادي الجبالي على التكليف في نوفمبر 2012.
التصريح الصادر عن وزير الاقتصاد والتخطيط يبين بكل وضوح أن حكومة رئيس الجمهورية مُنخرطة تماما في تطبيق سياسة التقشف التي التزمت بها الحكومات التي تداولت على السلطة منذ 2012 إلى اليوم بدون أي مراجعة موضوعية رغم ما أدت إليه من دمار اقتصادي واجتماعي.
ماذا يعني فعليا أنه لا يوجد بديل
لا يوجد بديل يعني:
35,3 مليار دينار عجز تجاري في مُوفّى شهر نوفمبر 2022 حسب ما نشره المعهد الوطني للإحصاءوهو عجز وصفه وزير الاقتصاد والتخطيط بنفسه بأنه أصبح مزعجا ولكنه لم يُحرّك ساكنا مثله مثل وزيرة التجارة ووزيرة المالية ناهيك عن رئيسة الحكومة ورئيس الجمهورية. هذا المبلغ سيناهز 12 مليار دولار أمريكي في سنة 2022 يجب تغطيته بالعملة الأجنبية وبالقروض الخارجية وهو وضع تستفيد منه أساسا الشركات الأوروبية المُصدّرة لبضائعها وكذلك لوبيات التوريد المحلي التي تستنزف رصيد البلاد من العملة الأجنبية على حساب رهن البلاد للخارج. عجز تجاري في خرق صارخ للفصل 57 من قانون المالية لسنة 2022 الذي تعهد بترشيد التوريد ولكنه لم يفعل وعندما حاول في آخر السنة تلقى رسالة تهديد من الاتحاد الأوروبي حيث تزعم فرنسا أن تونس لديها فائض تجاري مع تونس. وهو ادعاء سخيف ومضحك تردده الوزارات ووسائل الإعلام المشبوهة.
هذا التصرف المريب يعني حقيقةأن الحكومة تستجدي صندوق النقد الدولي لنيل قرض بمبلغ 1,9 مليار دولار أمريكي سوف يُصرف على مدى أربع سنوات وبثمانية أقساط (أقساط سداسية) بشروط مُذلّة وتفتح التوريد على مصراعيه لتُحقق عجز تجاري قياسي وكارثيّلم يسبق له مثيل في تاريخ تونس في حدود 12 مليار دولار أمريكي لأنها تمتنع (بحكم سياسة الرقابة الذاتية المُذلّةautocensure) عن تطبيق حقها المُكتسب في ترشيد التوريد للمحافظة على توازناتها المالية الخارجية تحت ضغط وعربدة الاتحاد الأوربي ولنا في رسالة الوعيد والتهديد الأخيرة التي وجّهها إلى الحكومة مثال واضح.
التخطيط السيد وزير “الاقتصاد والتخطيط” يستوجب حتما طرح هذه المُعادلات المُرعبة التي بالمناسبة استوعبها الشعب التونسي الذي يئس من الوعود الزائفة لكل الحكومات التي تداولت على السلطة قبل الثورة وخاصة بعدها وإلى اليوم حيث شدّ الرحال نحو الهجرة حتى وإن كانت في قوارب الموت. استفحال الهجرة السرية من بنزرت مرورا بنابل وسوسة وصفاقس وجرجيس في هذه السنة التي أصبحت كارثية وشبه يومية وهي نتيجة حتمية للإحساس باليأس الشديد والمرير حيث تأكد الشعب أن الوعود الزائفة لم تعد تنفع أمام الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المُحبط. فما بالك وهو يستمع لوزير الاقتصاد والتخطيط يعد الشعب بمزيد من الضغط الجبائي والتقليل من الاستثمار العمومي رغم تراجع المرافق العمومية وفي ظل انعدام وجود مشاريع كبرى وطنية واعدةمثل مشروع مقاومة التصحر الصناعي عبر خلق 10 آلاف مؤسسة صناعية وطنية في مدة بين خمسة وعشرة سنوات ليبعث الأمل في أجيال تطوق للحصول على شغل يضمن لها العيش الكريم في كنف الحرية والكرامة الوطنية.
الوضع الحالي يستوجب بديل وطني يُكرّس حق الشعب التونسي في تقرير مصيره طبقا للمواثيق والالتزامات الدولية
بعد الاطلاع على المخطط التنموي 2023 – 2025 وما تضمنه من محتوى نقدم الملاحظات التالية
ذكر المخطط بعض المؤشرات حول الفترة 2016-2020 من بينها ضعف نسبة النمو (أمر بديهي منذ عشر سنوات)وتراجع نسق الاستثمار ونسبة الادخار وارتفاع عجز الميزانية (توسّع العجز حسب مصطلح المخطط) وارتفاع خطير ومستمر للعجز التجاري (المخطط يتحدث عن “تذبذب العجز الجاري بسبب ارتفاع الواردات) والحالأن العجز التجاري في ارتفاع مُتسارع ومستمر حيث كان في حدود 12,8 مليار دينار سنة 2010 في النظام العام ليرتفع إلى 31 مليار دينار سنة 2019 وسيفوق 38 مليار دينار سنة 2022 (الحاصل في 11 الأشهر الأولى لسنة 2022 بلغ 35,3 مليار دينار في النظام العام المعتمد عالميا منذ 2010) أي بمعدل 3 مليار دينار لكل شهر.
زيادة على ارتفاع نسبة التضخم من %3,6 سنة 2016 إلى %8,1 سنة 2022 وقد ارتفع إلى %10,1 في شهر ديسمبر 2022 مما يوحي أن التضخم أصبح برقمين ما يعرب عنه بتضخم مُتسارع (inflation galopante) وهو ما أكده المخطط بالنسبة لسنة 2023.
كان من المهم تقييم عملية الخصخصة وتداعياتها على التوازنات المالية الخارجية حيث ثبت أنها تحوّلت إلى مصدر استنزاف رصيدنا من العملة الأجنبية التي تتحصل عليه الدولة عبر القروض الخارجية وذلك عبر تحويل مرابيح الشركات الأجنبية إلى الخارج.
حيث سيطال كل القطاعات الإستراتيجية في مقدمتها قطاع الخدمات بجميع تفاصيلها وقطاع الفلاحة في خطوة غير متكافئة تُعتبر مُغامرة خطيرة على سيادة واستقلال البلاد بشهادة دراسات وطنية وخارجية وبشهادة الفصل الثامن من نص القرار الذي اقترحه البرلمان الأوروبي بتاريخ 19 أكتوبر 2021 والذيتمّسحبه بعد يوممن نشره على الموقع الرسمي للبرلمان الأوروبي والذي نص على أن البرلمان:
- الفصل الثامن "يُعبّر عن تخوّفه من الانعكاسات على الاقتصاد المحلي التونسي، الهشبطبعه، من المسودة الحالية لاتفاقالتبادل التجاري الحر الشامل والمعمق "الأليكا" التي تم التفاوض عليه بين الاتحاد الأوروبي وتونس. يعتبر أنه اتفاق منتهي الصلاحية بالنظر إلى مدى رفضه الشديد من المجتمع المدني التونسي، ولكونه لا يستجيب للاحتياجات الحالية المُلحّةلتونس
8. s’inquiète des répercussions sur l’économie locale tunisienne, déjà fragilisée, du projet actuel d’accord de libre-échange complet et approfondi négocié entre l’Union européenne et la Tunisie estime que celui-ci est archaïque, fortement contesté par la société civile tunisienne et ne correspond pas aux urgences du moment;
كما أكد البرلمان في النقطة العاشرة أنه:
– يأسف أن الاتحاد الأوروبي لم يتوفّق، رغم الشراكة المتينة مع تونس، لمساندة البلاد لتحقيق حوكمة أفضل ونمو اقتصادي مُتكامل داخليا منذ اندلاع الثورة.
10 من المؤسف أن نلاحظ أنه رغم هذه التصريحات الخطيرة التي تصدر من الطرف المُستفيد والذي يعترف أن الاقتصاد التونسي في حالة هزيلة (لكيلا نقول في حالة إفلاس غير مُعلن) كما يعترف أن الاتحاد الأوروبي فشل في إعانة البلاد على تحقيق تنمية مُتكاملة وفي نفس الوقت وزير الاقتصاد والتخطيط التونسي يُعلن حرصه لطمأنة الاتحاد الأوروبي أن التوقيع على اتفاق التبادل الحر هي مسألة وقت ويُجدد ولائه للشراكة بلا تقييم ولا مراجعة موضوعية لصالح البلاد؟
من هذا المنطلق نتطرق إلى البدائل التي يجب أن تكون محل دراسات معمقة ومسنودة من طرف غالبية الشعب التونسي
طرح البدائل يستوجب الانطلاق من مؤشرات اقتصادية واجتماعية ذات مصداقية عليا بعيدا عن أي مغالطات. هذه المسألة تستوجب اتخاذ قرارات جريئة وسيادية نذكر من أهمها:
•أولا نشر التفاصيل الكاملة حول المديونية طويلة ومتوسطة وقصيرة المدى
•نشر المعلومات المتعلقةبتكوين وكالة التصرف في المديونية التونسية وفي خزينة البلاد ” Tunisie trésor” التي يبدو أن مهمتها توكّلبها “البنك الأوروبي لإعادة الاعمار والتنمية BERD-“
– ثانيا الاعتراف بعدم تتطابق طريقة احتساب العجز التجاري مع المعايير الدولية المُعتمدة دوليا منذ سنة 2010 والمصادق عليها من طرف الدولة التونسية ولمتطبق إلى اليوم. رغم التزاممحافظ البنك المركزي منذ سنة 2021في جريدة الشارع المغاربي عدد 276 بتاريخ 7 سبتمبر 2021 بتكوين لجنة مشتركة مع المعهد الوطني للإحصاء من أجل تطبيق المعايير الدولية ولم ينجز.
والسبب أن تطبيق هذه المعايير سوف يثبت أن نصف العجز التجاري متأت من المبادلات التجارية مع بلدان الاتحاد الأوروبي. كما سيثبت أن ميزان الدفوعات غير سليم وصندوق النقد الدولي على علم بذلك ومتواطئ حول هذا الموضوع الخطير الذي وعد بطرحه رسميا على الحكومة التونسية ولم نسمع رد إلى اليوم. كما أن الاتحاد الأوروبي على بينة بهذا الخلل الخطير ولكن يتستر عليه لأن الأمر في صالحه.
-ثالثا التحقيق في طريقة توزيع القروض الممنوحة من طرف البنوك التجارية للقطاعات الاقتصادية حيث يتحصل القطاع الخاص على قرابة %90 من مجموع هذه القروض أكثر من نصفها تستفرد به اللوبيات الكبرى ولا يتحصل القطاع العمومي في جميع القطاعات إلا على %10 حسب التقارير السنوية للبنك المركزي.
يجري هذا بدون أي محاسبة للقطاع الخاص حول خلق مواطن الشغل والتصدير من اجل تقليص العجز التجاري.
غير أن وزير الاقتصاد والتخطيط كرر مساندته المطلقة للقطاع الخاص رغم هذا التفاوت المجحف في التمكين من الموار المالية.
كما أن القطاع الفلاحي لا يتحصل إلا على %4 من مجموع القروض الممنوحة والحال أنه يساهم بنسب %10 في الناتج المحلي الإجمالي حسب نفس المصدر.
هذه الإخلالات لا يمكن إصلاحها إلا عبر تعزيز دور الدولة في إدارة مخططات تنموية يتم تطبيقها عبر دور بنك مركزي وطني يضمن توزيع الموارد المالية حسب الأولويات في الاقتصاد المنتج كما كان عليه الوضع في تونس الاستقلال إلى حد أواخر الثمانينات.
البديل حينئذ يجب أن ينطلق عبر طرح هذه المسائل الهامة والخطيرة واتخاذ القرارات السيادية التالية:
فتح ملف اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وتقييم تداعياته بطريقة موضوعية ثم الدعوة إلى انطلاق مفاوضات تونسية – أوروبية صريحة وجادة لتحديد المسؤوليات وتصويب المسار.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 10 جانفي 2023