الشارع المغاربي: تصدّرت تسنيم الغنوشي ابنة زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي خلال الأسبوع المنقضي عناوين الاخبار في علاقة بما يسمى بحملة “المحاسبة”. ” تسنيم” محل تفتيش لفائدة الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الارهاب والجرائم الماسة بسلامة التراب التونسي حسب تصريح الناطقة الرسمية باسم المحكمة الابتدائية بأريانة التي اكدت ان المحجوز بمنزل ابنة الغنوشي يمس بشكل مباشر بالأمن القومي . هذه التطورات اعادت الحديث عن أفراد” عائلة الغنوشي”‘ بين من يعتبر انهم شكلوا تنظيما داخل “التنظيم” واستفادوا من فترة حكم النهضة ومن يحذّر من عودة سياسة التشفي والعقاب الجماعي بما يذكر بـ “سنوات الجمر” التي تمثل عنوان احدى احلك فترات “النضال” ضد نظام بن علي مثلما يصفها “النهضويون”.
لم يكن اسم ” تسنيم الغنوشي” متداولا حتى الايام القليلة الماضية مع اعلانها عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي ” فايسبوك” عن مداهمة منزلها الخاص الواقع بالعاصمة من قبل أعوان أمن دون حضورها او حضور اي من افراد عائلتها. “تسنيم” اتهمت رئيس الجمهورية قيس سعيد بالمرور لاستهداف وهرسلة عائلتها بعد ان “زج ” بوالدها (راشد الغنوشي) في غياهب السجن.
رواية ” تسنيم” حول حادثة مداهمة منزلها والتفاصيل التي ضمّنتها في تدوينتها جدّدت الحديث عن ” عائلة الغنوشي” ودورها في الحياة السياسية قبل وبعد 25 جويلية. العالق في الاذهان هو ما يسميه افراد من العائلة بـ “الاشاعات” حول ثروات هائلة وحياة بذخ كانوا يعيشونها في قصر بلندن قبل الثورة تحولت في ما بعد الى حياة ” العائلة الحاكمة” طيلة سنوات ما بعد 2011 وهي فترة شهدت تداخل بين العائلي والحزبي ثم بين العائلي والدولة .
تسنيم.. ضحية ؟
اكتفت فاطمة بوقطاية مساعدة وكيل الجمهورية والناطقة الرسمية باسم المحكمة الابتدائية باريانة بتقديم تفاصيل شحيحة بخصوص حيثيات مداهمة منزل تسنيم الخريجي والرد على بعض ما تضمّنت تدويناتها من اتهامات للاجهزة القضائية بالانحراف بالإجراءات. اهم ما جاء في تصريحات القاضية لاذاعة “موزاييك” تأكديها ان النيابة العمومية بالمحكمة تخلت عن الابحاث لفائدة قطب مكافحة الارهاب وان عملية المداهمة موثّقة صوتا وصورة وانه تم خلالها “حجز مسائل تمس بالامن القومي بصفة مباشرة” علاوة على الاحتفاظ بشخص وادراج شخصين اثنين بالتفتيش.
وابرزت بوقطاية ان عملية المداهمة تمت بعد ورود معلومات تخص منزل تسنيم الخريجي الكائن برياض الاندلس (أريانة) وأنها محل تفتيش لفائدة الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الماسة بسلامة التراب الوطني . ولم تذكر لا الناطقة الرسمية باسم المحكمة الابتدائية ولا تسنيم الخريجي على حد سواء اية معطيات بخصوص جوهر الابحاث المثارة لاسيما بعد احالة الاخيرة على قطب مكافحة الارهاب بما يعني منطقيا ان الابحاث تستند الى منطلقات ومؤيدات جدية وخطيرة .
مصادر موثوق بها اكدت لـ”الشارع المغاربي” انه تم ايقاف شخصين ضمن الابحاث في نفس القضية هما احد مرافقي رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وتحديدا سائق سيارته بالاضافة الى امين مال جمعية ” ياسمين للبحث والتواصل”. و”تسنيم” هي المديرة التنفيذية للجمعية التي كانت تأسست منذ ” ايام لندن وتحصلت على دعم خليجي واوروبي قوي” حسب ما كشف احد المقربين من الحركة لـ”الشارع المغاربي”. كما تنشط فيها ايضا “انتصار” اصغر بنات راشد الغنوشي . وتقدَّم هذه الجمعية كـ” مؤسسة غير ربحية تنشط في مجال العلوم السياسية والاجتماعية والاقتصادية” وأن “هدفها المساهمة في بناء اسس المجتمع الديمقراطي بتونس”.
الجمعية تقدم نفسها ايضا على أنها تعمل من خلال ” تعبئة الخبرات والمعارف والطاقات الوطنية والعالمية لخدمة عملية الاصلاح في تونس والمساهمة في تطوير ونشر مفاهيم الديمقراطية وثقافة الحوار والتعايش بها وفي عموم الوطن العربي”. اما مديرتها التنفيذية التي تقول في تدوينتها حول مداهمة منزلها انها كانت بعيدة عن الاعلام وتناست ذكر صفتها في الجمعية، فهي في ندواتها ووثائقها تسنيم الشيرشي ولا تحمل لقبها العائلي (لا الخريجي ولا الغنوشي).
وبالعودة الى الابحاث المثارة ضد تسنيم الخريجي يفهم انها في علاقة بملف “اخطبوط تمويلات الجمعيات ذات العلاقة بحركة النهضة” وليس بقرابة “تسنيم” العائلية بصفتها ابنة رئيس حركة النهضة حسب ما كشف لـ”الشارع المغاربي” مصدر رفيع المستوى قال ان “تمويلات ضخمة تلقتها جمعيات بيّنت الابحاث والمعلومات ترابطها مع قيادات من النهضة ومع أفراد من عائلات قيادات فيها “.
عائلة الغنوشي
يعلم القاصي والداني داخل حركة النهضة ان لـ “عائلة الغنوشي” ثقلا داخل الحزب تنامى بشكل واضح بعد سنوات قليلة من تغلغل الحركة في الحكم وتحوّل رئيسها الى فاعل اساسي ومحوري في الحياة السياسية. وتروي شهادات عديدة قصص ” التوزير” و”التعيينات” واللقاءات التي كان يحتضنها منزل العائلة في مناسبات كان “الطامحون” للمناصب يحرصون على حضور زوجاتهم للتقرب من زوجة و”بنات الشيخ”.
ويروي وزير سابق لـ”الشارع المغاربي” انه كان يطلب موعدا مع رئيس حركة النهضة وأن “تحديده في المنزل العائلي وليس في مقر الحركة” كان بمثابة مؤشر ايجابي بالنسبة لمن يبحث عن دعم قوي من رئيس الحركة إما عند ازمات تهدد بإقالة او مع اقتراب تحوير وزاري أو تشكيل حكومة جديدة وأن “عمليات التشبيك الذكية” كانت تتم في اتجاه العائلة وأن الأذكى هو من له “معطيات حول التوازنات العائلية”.
الاقرب الى “الاب” هو قطعا “معاذ الخريجي” رجل الكواليس و” الخزنة” والمدير الفعلي لمكتب ” الشيخ”. معاذ متواجد في الخارج منذ سنتين وهو مشمول بالابحاث في قضايا خطيرة متعددة التُهم منها تبييض اموال وتكوين وفاق قصد الاعتداء على امن الدولة. كما أنه مدرج بالتفتيش منذ فترة وصادرة في شأنه بطاقات جلب دولية. وان كان “معاذ” بعيدا عن الاعلام فإن الشقيقة “سمية” اكثر ابناء “الغنوشي” اثارة للجدل وبرزت اعلاميا منذ ان تقلد زوجها “رفيق عبد السلام بوشلاكة” وزارة الخارجية في حكومة الترويكا الاولى.
” سمية” عُرفت ايضا من خلال موقعها “مجلة ميم” الذي شكّل احد الاذرع الاعلامية لحركة النهضة ورئيسها عبر حملات كانت تستهدف خصومهما ومخالفيهما في الرأي . باستثناء هذا الدور، كان للابنة دور في اعادة صورة ” العائلة الحاكمة” وحتى ” الطرابلسية” الى الاذهان بمفهوم النفوذ العائلي الواسع وبات اسمها لا يُتداول الا مرفوقا بتفاصيل “البذخ” والحياة الملكية على شاكلة النجوم عبر تغيير ملامح الوجوه بـ”البوتوكس” وعمليات التجميل التي شملت حتى الصهر رفيق عبد السلام.
نافست هذا ” الكوبل” (سمية ورفيق) في النفوذ خلال السنوات الاخيرة ” انتصار” البنت الصغرى وزوجها موفق الكعبي ابن العقيد محسن الكعبي احد المنتمين لما يسمى بـ “مجموعة براكة الساحل” الذين تم تكريمهم بعد الثورة وتحولوا من قادة انقلاب الى ضحايا مؤامرة وتصفية من النظام. ونجح الثنائي “انتصار وموفق” في البقاء بعيدا عن الاضواء بعد جدل واسع اثاره حفل زواجها.
عدا هذا الثلاثي ، للغنوشي ابن آخر يدعى “براء” وهو احد مؤسسي شركة تسجيلات “اوايكننغ” العالمية حسب ما كشفت البيانات الخاصة براشد الغنوشي وبنتان هما تسنيم ويُسرى المتحصلتان على شهادة الدكتورا. وان عرف اسم تسنيم بشكل واسع على خلفية القضية الاخيرة، فإن ليسرى حضورا في وسائل الاعلام الدولية خاصة بعد ايقاف والدها. ويقول كل من يعرف خفايا وكواليس الحركة ان الفاعلين الحقيقيين ضمن العائلة هم فقط معاذ وسمية والصهر رفيق عبد السلام .
لم يبق اليوم من ابناء الغنوشي الستة في تونس الا الابنة الصغرى “انتصار” فيما غادر البقية ارض الوطن اين يحظى جميعهم بحياة كريمة وربما بمشاريع ضلّت في حكم الاشاعات. إشاعات شملت ايضا دورا سياسيا وماليا لجل افراد العائلة الذين تنعّموا ببذخ السلطة وتحوّلوا مع ما يسمونه باستهداف الاب الى “ذوي شبهة” فارين من البلاد تحسّبا ربما لتتبّعات قضائية.
*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 9 ماي 2023