الشارع المغاربي – حول‭ ‬الايقافات‭ ‬الأخيرة‭ ‬والتآمر‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭ :‬إخلالات وأجسام طفيلية تهدّد سلامة المحاسبة / بقلم صالح مصباح

حول‭ ‬الايقافات‭ ‬الأخيرة‭ ‬والتآمر‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭ :‬إخلالات وأجسام طفيلية تهدّد سلامة المحاسبة / بقلم صالح مصباح

قسم الأخبار

23 فبراير، 2023

الشارع المغاربي: نسلم‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الإفتراض‭ ‬أنّ‭ ‬عنوان‭ ‬التهم‭ ‬الموجهة‭ ‬رسميا‭ ‬إلى‭ ‬الموقوفين‭ ‬هو‭ ‬فعلا ‭”‬التآمر‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭”. ‬وهذه‭ ‬التهمة‭ ‬المفترضة‭ ‬ثقيلة‭. ‬والتحرك‭ ‬الأمني‭ ‬والقضائي‭ ‬في‭ ‬شأنها‭ ‬مستوجب‭. ‬لكن‭ ‬عنوان‭ ‬التهمة‭ ‬لا‭ ‬يفصح‭ ‬عن‭ ‬فحواها‭. ‬فقد‭ ‬سكتت‭ ‬عنه‭ ‬الجهةُ‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬حرّكت‭ ‬الدعوى‭  ‬ثم‭ ‬عَوَمته‭ ‬بتهم‭ ‬شتى‭ ‬غير‭ ‬مؤكدة‭ ‬تأكيدا‭ ‬قضائيا‭ ‬رسميا‭. ‬فالتحفظ‭ ‬الذي‭ ‬تقتضيه‭ ‬سريةُ‭ ‬الأبحاث‭ ‬لا‭ ‬يمنع‭ ‬الإدلاءَ‭ ‬بما‭ ‬يجوز‭ ‬الإدلاءُ‭ ‬به‭. ‬فقضية‭ ‬بهذا‭ ‬الحجم‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭. ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬الإيقافات‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬التهمة‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الإجراءات‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الزمن،‭ ‬تثير‭ ‬أسئلة‭ ‬تتعلق‭ ‬بانتقائية‭ ‬الجهة‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬حركت‭ ‬الدعوى‭ ‬وازدواج‭ ‬معاييرها،‭ ‬فضلا‭ ‬على‭ ‬تنوع‭ ‬التهم‭ ‬داخل‭ ‬العنوان‭ ‬الجامع،‭ ‬واختلاف‭ ‬المتهمين‭ ‬في‭ ‬حملة‭ ‬اعتقالات‭ ‬لهم‭ ‬واحدة‭.‬

1/‬غموض‭ ‬التهم‭ ‬أو‭ ‬تنوعها

فتحت‭ ‬التهم‭ ‬الغامضة‭ ‬مجال‭ ‬التوقع‭ ‬والتأويل‭ ‬والتخمين‭ ‬والتسريب‭. ‬وخلَق‭ ‬الغموض‭ ‬الرسمي‭ ‬المتعمَّد‭ ‬احتمالين‭. ‬وهما‭ ‬احتمال‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬التهم‭ ‬جنائية‭ ‬خالصة‭ ‬تولاها‭ ‬قضاء‭ ‬مستقل‭. ‬واحتمال‭ ‬أنّ‭ ‬التهم‭ “‬سياسية‭” ‬متسترة‭ ‬بالقانون‭ ‬يتولاها‭ ‬قضاء‭ ‬موجّه‭. ‬وأدى‭ ‬الأخذ‭ ‬والرد‭ ‬بين‭ ‬الإحتمالين‭ ‬إلى‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭ ‬وطنية‭ ‬ودولية‭ ‬وضع‭ ‬أغلبُها‭ ‬في‭ ‬ميزان‭ ‬الشك‭ ‬قانونيةَ‭ ‬التهم‭ .‬و‭ ‬ظهرت،‭ ‬تبعا‭ ‬لذلك‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج،‭ ‬بيانات‭”‬التنديد‭”‬و‭”‬الإنشغال‭” ‬و‭”‬القلق‭”. ‬والرّاجح‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬البيانات‭ ‬لا‭ ‬تنهض‭ ‬كلها‭ ‬على‭ ‬فراغ‭. ‬

وما‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬منسوب‭ ‬الشك‭ ‬في‭ ‬قانونية‭ ‬التهم‭ ‬،‭ ‬على‭ ‬وجاهتها‭ ‬الرائجة،‭ ‬أن‭ ‬الموقوفين‭ ‬هم‭ ‬رجال‭ ‬أعمال‭ ‬ورجال‭ ‬سياسة‭ ‬وأمنيون‭ ‬وإعلاميون‭. ‬والتهمة‭ ‬الموجهة‭ ‬إليهم‭ ‬متنوعة‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬عنوانها‭ ‬الجامع‭ ‬هو‭”‬التآمر‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭”. ‬فالإيقافات‭ ‬جرت‭ ‬على‭ ‬الشياع‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬فرز‭ ‬بين‭ ‬التهم‭ ‬على‭ ‬ثقلها‭ ‬والمتهمين‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬الإشتباه‭ ‬فيهم‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أغلبهم‭.‬

لا‭ ‬يبدو‭ ‬هذا‭ ‬الجامع‭ ‬واضحا‭ ‬سواء‭ ‬لدى‭ ‬الجهة‭ ‬الرسمية‭ ‬المحركة‭ ‬للدعوى‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الرائج‭ ‬من‭ ‬التّسريبات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬موجب‭ ‬للشك‭ ‬في‭ ‬صحتها‭. ‬والمرجّح‭ ‬أن‭ ‬الجامع‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬المتهمين‭ ‬أنّ‭ ‬تهمهم‭ ‬جنائية‭ ‬ولو‭ ‬بالغلبة،‭ ‬وأنهم‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬معارضة‭ ‬سعيد‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬تهديد‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭. ‬ولو‭ ‬صح‭ ‬هذا‭ ‬الإحتمال‭ ‬المتوقع‭  ‬لصحّ‭ ‬أن‭ ‬الجانب‭ ‬السياسي‭ ‬أكيد‭ ‬في‭ ‬التهم‭. ‬ولو‭ ‬لو‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬كذلك‭ ‬لما‭ ‬أصر‭ ‬الطرف‭ ‬الرسمي‭ ‬على‭ ‬ذاك‭ ‬الغموض‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬التسريبات‭ ‬المختلفة‭ ‬والتصريحات‭ ‬المتباينة،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬تلك‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬سعيد‭ ‬نفسه‭. ‬أمَا‭ ‬كان‭ ‬أولى‭ ‬بجهة‭ ‬الدعوى‭ ‬أن‭ ‬توضح‭ ‬التهم‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬ينافي‭ ‬ضوابط‭ ‬التحقيق،‭ ‬وأن‭ ‬تفصل‭ ‬بين‭ ‬تهم‭ ‬الموقوفين‭ ‬فصلا‭ ‬قانونيا‭ ‬بستبعد‭ ‬الوجه‭ ‬السياسي‭ ‬منها‭ ‬ويقرّ‭ ‬وجهها‭ ‬القانوني‭ ‬الجزائي‭ ‬المتعلق‭ ‬بالحق‭ ‬العام‭ ‬والوجه‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬مشمولات‭ ‬قطب‭ ‬الإرهاب‭. ‬؟

2/ ‭‬إنتقائية‭ ‬الإتهام

من‭ ‬الصعب‭ ‬التسليم‭ ‬بأن‭ ‬زمن‭ ‬الإيقافات‭ ‬زمن‭ ‬قانوني‭. ‬فالظاهر‭  ‬لا‭ ‬بل‭ ‬شبه‭ ‬الأكيد‭ ‬أنه‭ ‬زمن‭ ‬سياسي‭. ‬ويقوم‭ ‬هذا‭ ‬الترجيح‭ ‬على‭ ‬اعتبارين‭ ‬اثنين‭ ‬جَلِيَّين‭. ‬الإعتبار‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬الإنتقائية‭ ‬الزمنية‭ ‬التي‭ ‬بها‭ ‬تعامل‭ ‬سعيد‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الملف،‭ ‬وهو‭ ‬تعامل‭ ‬شبيه،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الهدف،‭ ‬بما‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬دأب‭ ‬عليه‭ ‬إخوان‭ ‬النهضة‭. ‬بيان‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الإخوان‭ ‬كانوا‭ ‬كلما‭ ‬ضاق‭ ‬عليهم‭ ‬الخناق‭ ‬أثناء‭ ‬مسكهم‭ ‬المباشر‭ ‬للحكم،‭ ‬تحرّك‭ “‬بالمصادفة‭ ‬العجيبة‭”‬الإرهابُ‭ ‬تحركا‭ ‬يكون‭ ‬به‭ ‬الإشغال‭ ‬والتّرهيب‭. ‬ويبدو‭ ‬سعيد‭ ‬قد‭ ‬استنسخ‭ ‬تلك‭ “‬المصادفة‭” ‬على‭ ‬طريقته‭ ‬لأن‭ ‬المَعينَ‭ ‬الثقافيّ‭ ‬بينه‭ ‬وبينهم‭ ‬واحد‭. ‬فكلما‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬زاوية‭ ‬النزول‭ ‬لشعبيته،‭ ‬استنهضها‭ ‬لدى‭ ‬الوجدان‭ ‬الجمعي‭ ‬الساذج‭ ‬بفتح‭ ‬بحث‭ ‬ضد‭ ‬الإخوان‭ ‬أو‭ ‬بإقامة‭ ‬جبرية‭ ‬أو‭ ‬باعتقال‭ ‬أو‭ ‬بآستدعاء‭. ‬والمرجح‭ ‬أن‭ ‬سعيد‭ ‬أدرك،‭ ‬بعد‭ ‬انتخاباته‭ ‬الفاشلة‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬اشتدّ‭ ‬على‭ ‬المواطنين‭ ‬خناقُ‭ ‬الغلاء‭ ‬وشح‭ ‬البضائع،‭ ‬أنّ‭ ‬شعبيته‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬أن‭ ‬تَذرُوها‭ ‬رياحُ‭ ‬السخط‭ ‬الشعبي‭. ‬فجازف،‭ ‬متشنجا‭ ‬متوجّسا،‭ ‬بحملة‭ ‬اعتقالات‭ ‬كاسحة‭ ‬عسى‭ ‬أن‭ ‬يشغل‭ ‬بها‭ ‬المواطنين‭ ‬عن‭ ‬بؤسهم‭ ‬وأن‭ ‬يوهمهم‭ ‬بأنه‭ ‬قد‭ ‬استهل‭ ‬زمن‭ ‬المحاسبة‭ ‬التي‭ ‬تسكّن‭ ‬ألامهم‭.‬

ومما‭ ‬راج‭ ‬عن‭ ‬محاضر‭ ‬البحث‭ ‬وما‭ ‬تسرب‭ ‬منها‭ ‬تسربا‭ ‬أبعد‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬عن‭ ‬العفوية،‭ ‬أن‭ ‬التهمة‭ ‬التي‭ ‬أُرِيد‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قاسما‭ ‬مشتركا‭ ‬بين‭ ‬المتهمين‭ ‬على‭ ‬الشياع‭ ‬هي‭”‬التآمر‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭”. ‬و‭ ‬تصريف‭ ‬التهمة‭ ‬الجامعة‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬تجفيف‭ ‬السلع‭ ‬الغذائية‭ ‬تجفيفا‭ ‬يبعث‭ ‬على‭ ‬الإحتجاج‭ ‬الشعبي‭ ‬على‭ ‬سعيد،‭ ‬وعقد‭ ‬جلسات‭ ‬مناوِئَة‭ ‬له،‭ ‬وتدبير‭ ‬ما‭ ‬به‭ ‬ينزاح‭ ‬عن‭ ‬السلطة،‭ ‬ومُضِيُّ‭ ‬وسيلة‭ ‬إعلامية‭ ‬في‭ ‬خط‭ ‬تحريري‭ ‬معارض‭ ‬له،‭ ‬والتقاط‭ ‬مكالمات‭ ‬وإرساليات‭ ‬تفصح‭ ‬عن‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬إبعاده‭ ‬عن‭ ‬الحكم،‭ ‬ومجالسة‭ ‬شخصيات‭ ‬سياسية‭ ‬خارجية،‭ ‬والاستيلاء‭ ‬على‭ ‬أموال‭ ‬وتفليس‭ ‬بنوك،‭ ‬والتّحوز‭ ‬على‭ ‬وثائق‭ ‬تتعلق‭ ‬بقضايا‭ ‬إرهابية‭ ‬الخ‭…‬و‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬التهم‭ ‬صعب‭ ‬الإستواء‭. ‬فمنها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬شبهات‭ ‬جنايات‭ ‬من‭ ‬مشمولات‭ ‬دوائر‭ ‬الحق‭ ‬العام‭. ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬مشمولات‭ ‬قطب‭ ‬الإرهاب‭. ‬لكن‭ ‬الجهة‭ ‬الرسمية‭ ‬استبقت‭ ‬إلى‭ ‬تكيفها‭ ‘‬تآمرا‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭” ‬والحال‭ ‬أنها،‭ ‬إن‭ ‬انطوت‭ ‬على‭ ‬تآمر،‭ ‬فهو‭ ‬على‭”‬أمن‭ ‬سعيد‭” ‬قبل‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬بموازاته،‭ ‬لأن‭ ‬القاسم‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬المتهمين‭ ‬هو‭ ‬سياسي،‭ ‬وهو‭ ‬معارضة‭ ‬سعيد‭. ‬وفوق‭ ‬ذلك‭ ‬هل‭ ‬يجري‭ ‬التآمر‭ ‬المفترض‭ ‬عليه‭ ‬مجرى‭ ‬التآمر‭ ‬على‭ ‬الدولة؟‭ ‬ليس‭ ‬ذلك‭ ‬وجوبا‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬خيوط‭ “‬التآمر‭” ‬المفترض‭ ‬لا‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬معارضة‭ ‬بقوة‭ ‬السلاح‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬حثّ‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬المجتمعي‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الإنخراك‭ ‬في‭ ‬أسباب‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭. ‬فالتآمر‭ ‬الفعلي‭  ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭ ‬تمثّله‭ ‬كيانات‭ ‬وشخصيات‭ ‬يتعمّد‭ ‬الطرف‭ ‬الرسمي‭ ‬ألا‭ ‬يراها‭.‬

قد‭ ‬نسلم،‭ ‬افتراضا‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬،‭ ‬بأن‭ “‬التآمر‭” ‬ذاك‭ ‬،‭ ‬ولو‭ ‬بالتهم‭ ‬تلك،‭ ‬هو‭ ‬تآمر‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬بتعلّة‭ ‬ألا‭ ‬فصل‭ ‬بين‭ ‬التآمر‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬والتآمر‭ ‬على‭ ‬رئيسها‭. ‬لكن‭ ‬سعيد‭ ‬أبطل‭ ‬هذا‭ ‬الوصل‭ ‬بين‭”‬التّآمُرَينِ‭” ‬إبطالا‭ ‬متسرعا‭ ‬لا‭ ‬فطنة‭ ‬فيه‭. ‬فقد‭ ‬توخّى‭ ‬انتقائية‭ ‬فَصَل‭ ‬بها‭ ‬التآمرَ‭ ‬عليه‭ ‬عن‭ ‬التآمر‭ ‬على‭ ‬الدولة،‭ ‬فقدّم‭ ‬نفسه‭ ‬عليها‭.  ‬فلما‭ ‬قدر،‭ ‬وحده،‭ ‬أنّ‭ ‬المستهدف‭ ‬هو‭ ‬شخصه‭ ‬ومنصبه،‭ ‬حرّك‭ ‬الآلة‭ ‬الأمنية‭ ‬والقانونية‭ ‬بسرعة‭ ‬ليلية‭ ‬قصوى‭. ‬فأين‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬السرعة‭ ‬إزاء‭ ‬قضايا‭ ‬أمن‭ ‬دولة‭ ‬صريحة‭!!.   ‬فهذه‭ ‬الإنتقائية‭ ‬التي‭ ‬بها‭ ‬قدّم‭ ‬سعيد‭ ‬أمنه‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الدولة،‭ ‬عزل‭ ‬تهما‭ ‬متعلقة‭ ‬ببعض‭ ‬الموقوفين‭ ‬عن‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬ضِمن‭ ‬شبكتها‭ ‬التنظيمية‭ ‬حصلت‭  ‬شبهات‭ ‬الجرائم‭ ‬الموجهة‭ ‬إليهم‭. ‬فكيف‭ ‬تنفصل‭ ‬مثلا‭ ‬التهم‭ ‬الموجهة‭ ‬إلى‭ ‬القاضي‭ ‬السابق‭ ‬البشير‭ ‬المكرمي‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬نور‭ ‬الدين‭ ‬البحيري‭ ‬عن‭ ‬تنظيم‭ ‬إخوان‭ ‬النهضة‭! ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬شبهات‭ ‬الإغتيال‭ ‬والإرهاب‭ ‬والتسفير‭ ‬لا‭ ‬تنفصل‭ ‬عن‭ ‬التنظيم‭ ‬ذاك‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مثبت‭ ‬لدى‭ ‬هيئة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الشهيدين‭ ‬بلعيد‭ ‬والبراهمي،‭ ‬وفي‭ ‬شهادات‭ ‬ووثائق‭ ‬رائجة‭. ‬وتهمة‭” ‬التآمر‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭” ‬و‭” ‬التخابر‭ ‬مع‭ ‬الخارج‭” ‬قد‭ ‬وجهها‭ ‬سعيد‭ ‬نفسه‭ ‬بصيغة‭ ‬النكرة‭ ‬المقصودة‭ ‬إلى‭ ‬التنظيم‭ ‬نفسه‭. ‬فكيف‭ ‬لا‭ ‬تتحرك‭ ‬دعوى،‭ ‬استئناسا‭ ‬بكل‭ ‬ذلك‭ ‬وبتقرير‭ ‬محكمة‭ ‬المحاسبات،‭ ‬ضد‭ ‬قانونية‭ ‬حزب‭ ‬إخوان‭ ‬النهضة‭ ‬واستمرار‭ ‬نشاطه‭ ‬ونشاط‭ ‬رئيسه؟‭! ‬وعلى‭ ‬ذلك‭ ‬نقيس‭ ‬جمعية‭ ‬القرضاوي‭ ‬وأشباهها‭ ‬وفروعها‭ ‬وحزب‭ ‬التحرير‭. ‬فهذه‭ ‬الكيانات‭ ‬هي‭ ‬بدورها‭ ‬مصدر‭ ‬تآمر‭ ‬صارخ‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭ ‬ونظامها‭ ‬الجمهوري‭ ‬وعلى‭ ‬المجتمع‭ ‬وقيمه‭. ‬

يرجّح‭ ‬تحريك‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭ ‬أنّ‭ ‬هاجس‭ ‬سعيد‭ ‬فيها‭ ‬ليس‭ ‬قانونيا‭ ‬حاميا‭ ‬للدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬سياسي‭ ‬ذاتي‭. ‬فهذه‭ ‬الكيانات‭ ‬التي‭ ‬يمنع‭ ‬القانون‭ ‬والدستور‭ ‬نفسه‭ ‬وجودَها،‭ ‬تمارس‭ ‬اليوم‭ ‬أنشطتها‭ ‬في‭ ‬مقرات‭ ‬لها‭ ‬معلومة‭. ‬فلعل‭ ‬سعيد‭ ‬لا‭ ‬يراها‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬أنها‭ ‬خزان‭ ‬انتخابي‭ ‬يمثل‭ ‬القاع‭ ‬المجتمعي‭ ‬المحافظ‭ ‬والجاهل‭. ‬ففي‭ ‬هذا‭ ‬القاع‭ ‬حظوته‭.‬

3/ ‬مداهمات‭ ‬الليل

قد‭ ‬لا‭ ‬نخشى‭ ‬المجازفة‭ ‬بالقول‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬الموقوفين‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الحصر‭ ‬لا‭ ‬تحقّ‭ ‬لهم‭ ‬قرينة‭ ‬البراءة‭ ‬إلا‭ ‬استحقاقا‭ ‬نظريا‭. ‬لكنه‭ ‬استحقاق‭ ‬أكيد‭. ‬فهو‭ ‬من‭ ‬روح‭ ‬القانون‭ ‬ومن‭ ‬حدود‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬العدل‭ ‬والتشفّي،‭ ‬وبين‭ ‬سلامة‭ ‬الإجراءات‭ ‬واختراقها‭. ‬وعلى‭   ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬المحاسبة‭ ‬القانونية‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬النهج‭ ‬السليم،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬بصدد‭ ‬الإنحراف‭ ‬عن‭ ‬كونها‭ ‬مطلبا‭ ‬شعبيا‭ ‬إلى‭ ‬كونها‭ ‬مطلبا‭ ‬لشعبية‭ ‬سعيد‭. ‬وإنّ‭ ‬لذلك‭ ‬علامات‭ ‬أربعا‭ ‬على‭ ‬الأقل‭. ‬

أما‭ ‬العلامة‭ ‬الأولى‭ ‬فهي‭ ‬أنّ‭ ‬الإيقافات‭ ‬بدت‭ ‬غاشمة،‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬ملاحقات‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬العام،‭ ‬ومداهمات‭ ‬ليلية،‭ ‬واقتحامات‭ ‬منزلية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إشهار‭ ‬للأذون‭. ‬لا‭ ‬بل‭ ‬لعلها‭ ‬تتّجه‭ ‬إلى‭ ‬استنساخ‭ ‬طرق‭”‬القاستابو‭ ‬الهيتلري‭”. ‬فلا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬هتلر‭ ‬قد‭ ‬حصّل‭ ‬السلطة‭ ‬بالإنتخابات‭.‬

وأما‭ ‬العلامة‭ ‬الثانية‭ ‬فهي‭ ‬أن‭ ‬سعيد‭ ‬قد‭ ‬جعل‭ ‬نفسه‭ ‬لا‭ ‬جهة‭ ‬رسمية‭ ‬رافعة‭ ‬للدعوى‭ ‬بواسطة‭ ‬النيابة‭ ‬العمومية،‭ ‬وإنما‭ ‬هيئة‭ ‬قضائية‭ ‬ثلاثية‭ ‬المراحل‭ ‬تطلق‭ ‬أحكامها‭ ‬الباتة‭ ‬إطلاقا‭ ‬لا‭ ‬يبعث‭ ‬على‭ ‬التسليم‭ ‬باستقلال‭ ‬القضاء‭. ‬لا‭ ‬بل‭ ‬نصّب‭ ‬نفسه‭ ‬طبيبا‭ ‬للأمراض‭ ‬العقلية‭ ‬يحسم‭ ‬في‭ ‬الجنون‭ ‬وفي‭ ‬ادعاء‭ ‬الجنون‭. ‬

وأما‭ ‬العلامة‭ ‬الثالثة‭ ‬فهي‭ ‬أن‭ ‬مآل‭ ‬هؤلاء‭ ‬المتهمين‭ ‬بالفعل‭ ‬أو‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭” ‬المتهمين‭” ‬بالقوة‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬القضاء‭ ‬وحده‭. ‬فقد‭ ‬ظهرت‭ ‬أجسام‭ ‬كريهة‭ ‬وكيانات‭ ‬إعلامية‭ ‬وسياسية‭ ‬طفيلية‭ ‬جاعلةً‭ ‬من‭  ‬مساندتها‭ ‬لسعيد،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬حقها،‭ ‬مطيةً‭ ‬بها‭ ‬توجّه‭ ‬القضاءَ‭ ‬توجيهَ‭ ‬ضغط‭ ‬وتدخّل‭ ‬في‭ ‬مهامه،‭ ‬وتدلي‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬من‭ ‬أوراق‭ ‬القضايا‭. ‬لا‭ ‬بل‭ ‬تنطق‭ ‬باسم‭ ‬النيابة‭ ‬بالإستباق‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬سيشملهم‭ ‬الإيقاف‭. ‬ومن‭ ‬مساندتهم‭ ‬لسعيد‭ ‬يجرؤون‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬يجرؤوا‭ ‬عليه‭. ‬ففي‭ ‬دواخلهم‭ ‬إحساس‭ ‬بالحماية‭ ‬الخاصة‭. ‬

وأما‭ ‬العلامة‭ ‬الرابعة‭ ‬فهي‭ ‬أنّ‭ ‬سعيد‭ ‬قد‭ ‬كشف‭ ‬أنه‭ ‬بهذه‭ ‬الإيقافات‭ ‬،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬ذكرنا،‭ ‬إنما‭ ‬يبلّغ‭ ‬رسالة‭ ‬للجميع‭ ‬بيانها‭ ‬أنه‭ ‬القضاء‭ ‬والسلطة‭ ‬والدولة‭ ‬والشعب‭ ‬والأمن‭ ‬والجيش‭ ‬والمؤسسات،‭ ‬وأنه‭ ‬يحاسب‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬ويغض‭ ‬الطرف‭ ‬عمّن‭ ‬يريد،‭ ‬ويخطّ‭ ‬القوانين‭ ‬والدستور‭ ‬بلا‭ ‬رقيب‭ ‬ولا‭ ‬سلطة‭ ‬مضادة،‭ ‬وأنه‭ ‬ماسك‭ ‬بمصائر‭ ‬القضاة‭ ‬والبرلمانيين‭ ‬وموظفي‭ ‬الدولة‭. ‬إنّ‭ ‬طريق‭ ‬المحاسبة‭ ‬ليست‭ ‬هذه‭.‬

*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 21 فيفري 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING