الشارع المغاربي – جبهة‭ ‬الخلاص‭" :‬ باع وروّح" / بقلم:صالح مصباح

جبهة‭ ‬الخلاص‭” :‬ باع وروّح” / بقلم:صالح مصباح

قسم الأخبار

19 مايو، 2023

الشارع المغاربي: لم‭ ‬يَكفّ‭ ‬خطابُ‭ ‬مجموعة‭ “‬جبهة‭ ‬الخلاص‭” ‬عن‭ ‬استثمار‭ ‬مجال‭ ‬المناورة‭ ‬الذي‭ ‬تركه‭ ‬لهم‭ ‬سعيّد‭. ‬فهو‭ ‬لم‭ ‬يُعمِل‭ ‬فيهم‭ ‬القانونَ‭ ‬الذي‭ ‬يجفّف‭ ‬منابعهم‭ ‬التنظيمية‭ ‬والمالية‭. ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬المجال‭ ‬أقامت‭ ‬تلك‭ ‬الجبهة‭ ‬خطابَ‭ ‬المناورة‭ ‬المتواصل‭ ‬على‭ ‬ركنين‭ ‬اثنين‭: ‬رمي‭ ‬سعيّد‭ ‬بالانقلابية‭ (‬1‭) ‬وادعاء‭ ‬أنهم‭ ‬ضحايا‭ ‬الذود‭ ‬عن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬أنهم‭ ‬جهة‭ ‬معارضة‭ (‬2‭).‬

1/‬رمي‭ ‬سعيد‭ ‬بالانقلابية‭:‬

‭  ‬ترمي‭ “‬جبهة‭  ‬الخلاص‭ ‬وقلبها‭ ‬النهضوي‭ ‬الخالص‭ ” ‬سعيّد‭ ‬بالانقلابية‭ ‬رميا‭ ‬تُداري‭ ‬به‭ ‬ما‭ ‬اقترفت‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬طيلة‭ ‬فترة‭ ‬حكمها‭. ‬وقد‭ ‬تسرّعت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تسرّعا‭ ‬كشفت‭ ‬به‭ ‬هوسَها‭ ‬بمغانم‭ ‬السلطة‭ ‬وأظهرت‭ ‬ضحالتها‭ ‬المعرفية،‭ ‬فلم‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬سعيّد‭ ‬هو‭ ‬سطو‭ ‬على‭”‬الدولة‭” ‬وليس‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬أو‭ ‬السلطة‭. ‬

تهمة‭ ‬الإنقلاب

لم‭ ‬تنجح‭ ‬هذه‭” ‬الجبهة‭ “‬في‭ ‬التعلل‭ ‬بأنها‭ ‬ضحية‭ ‬انقلاب‭ ‬بأنها‭ ‬صوت‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الحكم‭ ‬الشرعي‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬انضم‭ ‬إليها‭ ‬مَن‭ ‬ليسوا‭ ‬إخوانا‭ ‬بالنسب‭. ‬وإن‭ ‬لذلك‭ ‬سببا‭ ‬سياسيا‭ ‬معلوما‭. ‬فرَميُ‭ ‬سعيد‭ ‬بالانقلابية‭ ‬أطلقه‭ ‬إخوان‭ ‬النهضة‭ ‬في‭ ‬ندوتهم‭ ‬الصحفية‭ ‬التي‭ ‬تزامنت‭ ‬مع‭ ‬لحظةَ‭ ‬إعلان‭ ‬سعيد‭ ‬عن‭ ‬تدابيره‭ ‬الاستثنائية‭. ‬عموم‭ ‬التونسيين‭ ‬يعلمون‭ ‬أن‭ ‬دافع‭ ‬الإخوان‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬التهمة‭ ‬هو‭ ‬فقدانهم‭ ‬مقود‭ ‬الحكم‭ ‬ومزاياه،‭ ‬بدليل‭ ‬أنهم‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬جعلوا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬لديهم‭ ‬انقلابا‭ “‬تصحيحَ‭ ‬مسار‭”‬،‭ ‬آملين‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬موطئ‭ ‬قدم‭ ‬في‭ ‬سلطة‭ ‬سعيّد‭. ‬لذلك‭ ‬لم‭ ‬يبال‭ ‬جمهورَ‭ ‬التونسيين‭ ‬بتكييفُ‭ ‬الإخوان‭ ‬ما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬سعيّد،‭ ‬وإنما‭ ‬كان‭ ‬شُغلهم‭ ‬طموحهم‭  ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬حكم‭ ‬الإخوان‭ ‬المباشر،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يدبّ‭ ‬فيهم‭ ‬اليأس‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬

السطوعلى‭ ‬الدولة

تعامل‭ ‬جماعة‭ ‬جبهة‭ ‬الإخوان‭ ‬مع‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬انقلاب‭. ‬فقد‭ ‬فاتهم‭ ‬أن‭ ‬لـ‭ “‬الانقلاب‭”‬مفهوما‭ ‬رائجا‭ ‬محدّدا‭ ‬في‭ ‬المدوّنات‭ ‬السياسية‭ ‬والقانونية‭ ‬الكونية‭. ‬وبيان‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تعمد‭ ‬قلة‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬السلطة‭ ‬إلى‭ ‬استعمال‭ ‬القوة‭ ‬استعمالا‭ ‬غير‭ ‬مسنود‭ ‬شعبيا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬انتزاعها‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬حكم‭ ‬قائم‭. ‬وما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬سعيّد‭ ‬يوم‭ ‬25‭ ‬جويلية،‭ ‬وهو‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬السلطة،‭ ‬وما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬الموقع‭ ‬نفسه،‭ ‬لا‭ ‬يوافق‭ ‬مفهوم‭ ‬الانقلاب‭ ‬وإن‭ ‬حاز‭ ‬بعضه‭.‬

فما‭ ‬فهمه‭ ‬أغلب‭ ‬أهلُ‭ ‬الفكر‭ ‬والاختصاص‭ ‬وقلّةٌ‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬السياسة‭ ‬أنّ‭ “‬انقلاب‭ ‬سعيّد‭”‬،‭ ‬مفهوم‭ ‬تروّجه‭ ‬تلك‭ ‬الجبهة‭ ‬المفلسة،‭ ‬لا‭ ‬يستقيم‭ ‬ولا‭ ‬يجلب‭ ‬لها‭ ‬الإسناد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية‭ ‬المعرفية‭ ‬ذاتها‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬سعيّد‭ ‬يومئذ‭ ‬وما‭ ‬استتبعه‭ ‬من‭ ‬إجراءات‭ ‬ومراحل‭ ‬ومناورات،‭ ‬ليس‭ ‬انقلابا‭. ‬هو‭ ‬ليس‭ ‬انقلابا‭ ‬لأنه‭ ‬مختلف‭ ‬عنه،‭ ‬وليس‭ ‬لأنه‭ ‬دونه‭ ‬خطرا‭. ‬إنه‭  ‬أخطر‭ ‬منه‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬سعيد‭ ‬لم‭ ‬يستول‭ ‬على‭ ‬السلطة‭. ‬فهي‭ ‬بين‭ ‬يديه‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬خارجها‭. ‬فهو‭ ‬فيها‭. ‬لقد‭ ‬استولى‭ ‬سعيد‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أعلى‭ ‬من‭  “‬السلطة‭” ‬وأجلّ‭ . ‬استولى‭ ‬على‭ “‬الدولة‭”‬عقدا‭ ‬ومؤسسات‭ ‬وثوابت‭ ‬كبرى‭ ‬عميقة‭ ‬لا‭ ‬تتغير‭ ‬فجأة‭ ‬بتغير‭ ‬من‭ ‬يمسك‭ ‬السلطة‭. ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬مصطلح‭ “‬انقلاب‭” ‬فقد‭ ‬وجب‭ ‬التدقيق‭ ‬بأنه‭ “‬انقلاب‭”‬على‭ ‬عقد‭ ‬الدولة‭ ‬الجامع‭ ‬العميق‭ ‬الذي‭ ‬منه‭ ‬نظامها‭ ‬الجمهوري؛‭ ‬نظامُها‭ ‬الذي‭ ‬أقام‭ ‬سعيد‭ ‬مقامه‭ “‬نظاما‭” ‬لا‭ ‬اسم‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬السجل‭ ‬السياسي‭ ‬الحديث‭.  ‬فمن‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية‭ ‬المعرفية‭ ‬بدورها‭ ‬بقي‭ ‬خطاب‭ ‬تلك‭ ‬الجبهة‭ ‬صوتا‭ ‬ولا‭ ‬صدى‭.‬

2/‬قناع‭ ‬الديمقراطية‭ ‬واحتكار‭ ‬المعارضة

تروج‭ “‬جبهة‭ ‬الخلاص‭”‬،‭ ‬عبثا،‭ ‬أنها‭ ‬جهة‭ ‬دفاع‭ ‬عن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وأنها،‭ ‬تبعا‭ ‬لذلك،‭ ‬جهة‭ ‬المعارضة‭ ‬لحكم‭ ‬سعيد‭ ‬وعلى‭ ‬ذلك‭ ‬قال‭ ‬مؤخرا‭ ‬سمير‭ ‬ديلو‭ ‬باسم‭ ‬الجبهة‭ ‬وببهلواناته‭ ‬الكلامية‭ ‬التي‭ ‬استنفدت‭ ‬رصيدها‭: ‬إن‭ ‬الجبهة‭ ‬ستواصل‭ ‬تحرّكها‭ ‬بتواصل‭ ‬أسبابه‭.‬

ادعاء‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الديمقراطية

في‭ ‬خطاب‭ ‬الغنوشي‭ ‬وإخوانه،‭ ‬وفي‭ ‬خطاب‭ ‬نجيب‭ ‬الشابي‭ ‬الذي‭ ‬دسّ‭ ‬عقودا‭ ‬من‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬عباءة‭ ‬الإخوان‭ ‬،‭ ‬يَرُوجُ‭ ‬أن‭ ‬جَبهتَهُم‭ ‬هي‭ ‬اليوم‭  ‬صوت‭ ‬الذود‭ ‬عن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬التي‭ ‬يدّعون‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬حُكامَ‭ ‬صَون‭ ‬لها‭. ‬والراجح‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الترويج‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬موجّه‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬الذي‭ ‬عادة‭ ‬لا‭ ‬يصمّ‭ ‬الآذان‭ ‬عن‭ ‬مطلب‭ ‬الديمقراطية‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬جهة‭ ‬الطلب‭ ‬مطواعةَ‭ ‬له‭ ‬وسفيرةً‭ ‬لسفرائه،‭ ‬وإذا‭ ‬انتفت‭ ‬مصلحتُه‭ ‬في‭ ‬الصّمم‭. ‬

والحقيقة‭ ‬ان‭ ‬جبهة‭ ‬الخلاص‭ ‬تعلم‭ ‬علم‭ ‬اليقين‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬خبر‭ ‬جيدا‭ “‬ديمقراطيتها‭”‬؛‭ ‬ديمقراطية‭ ‬تفكيك‭ ‬الدولة‭ ‬وحكم‭ ‬الغنيمة‭. ‬كما‭ ‬تعلم‭ ‬جماعتها‭ ‬أن‭ ‬دفاعهم‭ ‬عن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬زيف‭ ‬مثلما‭ ‬يدركون‭ ‬أن‭ ‬لدى‭ ‬النخب‭ ‬وعيا‭ ‬بأن‭ ‬التعايش‭ ‬بين‭ ‬الدين‭ ‬السياسي‭ ‬والديمقراطية‭ ‬من‭ ‬التّرّهات‭ ‬المعرفية‭ ‬قبل‭ ‬السياسية‭. ‬فسواء‭ ‬لدى‭ ‬عموم‭ ‬الشعب‭ ‬أو‭ ‬لدى‭ ‬النخب‭ ‬ليس‭ ‬لهذا‭ ‬الإدعاء‭ ‬آذان‭ ‬سامعة‭.‬

‭ ‬ادعاء‭ ‬احتكار‭ ‬المعارضة

ادعاء‭ “‬جبهة‭ ‬الخلاص‭” ‬أنها‭ ‬جهة‭ ‬المعارضة‭ ‬الوحيدة‭ ‬المقابلة‭ ‬لسلطة‭ ‬سعيد‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬تمويه‭ ‬خطير‭. ‬ليس‭ ‬ذلك‭ ‬كذلك‭ ‬لأنه‭ ‬ادعاء‭ ‬نافق‭ ‬رائج‭ ‬،‭ ‬وإنما‭ ‬لأنه‭ ‬ادعاء‭ ‬تسعى‭ ‬به‭ ‬هذه‭ ‬الجبهة‭ ‬إلى‭ ‬طمس‭ ‬غيرها‭ ‬طمسا‭ ‬بعيد‭ ‬الأهداف‭. ‬وهو‭ ‬طمس‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تُنفقه‭ ‬على‭ ‬الداخل‭ ‬وعلى‭ ‬الخارج‭ ‬بقدر‭ ‬الجهد‭.‬

ففي‭ ‬ترويج‭ ‬هذه‭ ‬الجبهة‭ ‬الإخوانية‭ ‬أنها‭ ‬الجهة‭ ‬الوحيدة‭ ‬المقابلة‭ ‬لسعيد‭ ‬والمعارضة‭ ‬له،‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الخطر‭ ‬إذا‭ ‬سكت‭ ‬عن‭ ‬التمويه‭ ‬الذي‭ ‬فيه‭ ‬مُدرِكوه‭. ‬فبهذا‭ ‬الإدعاء‭ ‬تُوهم‭ ‬الجبهة‭ ‬أنها‭ ‬جهة‭ ‬تحمل‭ “‬مشروعا‭ ‬سياسيا‭” ‬معارضا‭ ‬لـ‭ “‬مشروع‭” ‬سعيّد،‭ ‬وأنها‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬جماعةِ‭ ‬حُكمٍ‭ ‬شاركت‭ ‬فيه‭ ‬سعيّد،‭ ‬راضيةً‭ ‬مرضيةً،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ساعدته‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إليه،‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬عوّلت‭ ‬على‭ ‬شراكة‭ ‬فيه‭ ‬بينها‭ ‬وبينه‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬فيها‭ ‬اليد‭ ‬الطولى‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ ‬الحكم‭ ‬وطبيعته‭. ‬فمِن‭ ‬أهداف‭ ‬هذا‭ ‬الإدعاء‭ ‬أن‭ ‬تصرف‭ ‬هذه‭ ‬الجبهة‭ ‬الأنظار،‭ ‬ولو‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد،‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تُعارض‭ ‬مشروع‭ ‬حكم‭ ‬بمشروع‭ ‬يخالفه‭ ‬،‭ ‬وإنما‭  ‬تعارض‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬من‭ ‬خسر‭ ‬حكما‭ ‬مباشرا‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬استرجاعه‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ ‬أو‭ ‬كَيفَمَا‭ ‬كان‭. ‬فالهدف‭ ‬الخطير‭ ‬الذي‭ ‬تسعى‭ ‬إليه‭ ‬هذه‭ ‬الجبهة‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد،‭ ‬إذا‭ ‬تعذر‭ ‬القريب،‭ ‬هو‭ ‬الإيهام‭ ‬بأنها‭ ‬وسعيّد‭ ‬تمام‭ ‬المشهد‭ ‬دون‭ ‬سواهما،‭ ‬وبأنه‭ ‬مَتى‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬تكون‭ ‬هي‭.‬

ثم‭ ‬إنّ‭ ‬لهذا‭ ‬الإدعاء‭ ‬خطرا‭ ‬ثانيا‭ ‬مركبا‭ ‬لعله‭ ‬أحَدُّ‭ ‬من‭ ‬سابقه‭ ‬لولا‭ ‬أنّ‭ ‬للواعين‭ ‬به‭ ‬أصواتا‭ ‬صَدّاحةَ‭ ‬وعقولا‭ ‬نبّاهةً‭. ‬فهو‭ ‬ادعاء‭ ‬تحاول‭ ‬به‭ ‬هذه‭ ‬الجبهة‭ ‬أن‭ ‬تغطِّيَ‭ ‬حقيقة‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬فيه‭ ‬أغلب‭ ‬الحظ‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬تمامه‭ ‬،‭ ‬هي‭ ‬جهة‭ ‬التيار‭ ‬الدستوري‭. ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭ ‬هو‭ ‬اليوم‭ ‬الجهة‭ ‬الوحيدة‭ ‬المقابلة‭ ‬لسعيد،‭ ‬المعارضة‭ ‬له،‭ ‬سواء‭ ‬بالمنتظمين‭ ‬حزبيا‭ ‬أو‭ ‬بغير‭ ‬المنتظمين‭. ‬فهذا‭ ‬التيار‭ ‬الوطني،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬فضّلت‭ ‬هوامش‭ ‬الخطأ‭ ‬فيه‭ ‬لعب‭ ‬دورَ‭ ‬البطانة‭ ‬لحكم‭ ‬الإخوان،‭ ‬فإن‭ ‬الثقل‭ ‬الأصيل‭ ‬فيه‭ ‬حافظ‭ ‬على‭ ‬أمهات‭ ‬مراجعه،‭ ‬وعلى‭ ‬روح‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬الكامنة‭ ‬فيه،‭ ‬وعلى‭ ‬انتشاره‭ ‬في‭ ‬النسيج‭ ‬الشعبي‭ ‬انتشارا‭ ‬حزبيا‭ ‬مُجمَّعا‭ ‬وانتشار‭ ‬فرديا‭.‬

باستثناء‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭ ‬الذي‭ ‬يشغل‭ ‬اليوم‭ ‬موقع‭ ‬المعارضة،‭ ‬فإن‭ ‬جبهة‭ ‬الخلاص‭ ‬هي‭ ‬اسم‭ ‬بلا‭ ‬مسمى‭ ‬سياسي‭ ‬وشعبي‭. ‬وليس‭ ‬أدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تدرّج‭ ‬سعيّد‭ ‬في‭ ‬الإيقاع‭ ‬بمنازعيه‭ ‬منهم‭ ‬حصريا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ينطق‭ ‬بالتضامن‭ ‬معهم‭ ‬أيُّ‭ ‬صوت‭ ‬شعبي‭ ‬تلقائي‭ ‬حتى‭ ‬حين‭ ‬انغلق‭ ‬السجن‭ ‬على‭ ‬الرأس،‭ ‬بإستثناء‭ ‬قلة‭ ‬مِمَّن‭ ‬هم‭ ‬إخوان‭ ‬بالنسب‭ ‬أو‭ ‬بالرضاع‭.‬؟‭! ‬ولعل‭ ‬التعبيرة‭ ‬الشعبية‭ ‬التونسية‭ ‬ابلغ‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬تحليل‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬بلاغته‭ ‬لوصف‭ ‬حال‭ ‬جبهة‭ ‬الخلاص‭ ‬هذه‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬اليوم‭ : “‬باع‭ ‬وروح‭” ‬ويغلق‭ ‬القوس‭..‬

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 16 ماي 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING