الشارع المغاربي – أي دور للمخابرات الأمريكية في زمن العولمة ؟/ بقلم : أ. محمد لطفي الشايبي

أي دور للمخابرات الأمريكية في زمن العولمة ؟/ بقلم : أ. محمد لطفي الشايبي

1 يونيو، 2018

الشارع المغاربي: صدرت سنة 2014 عن دار النشر الجامعي لمدينة « ران» الفرنسية Rennes وعن دار النشر الألمانية « فرلاق س.ه. باك» Verlag C.H. بمونيخ دراستان مستفيضتان حول تاريخ المخابرات عامة ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA خاصة، حظيت الدراسة الثانية تحت إشراف المجلس الوطني الكويتي للثقافة والفنون والآداب  بالترجمة إلى اللغة العربية في شهر أفريل المنصرم* . وشدّ انتباه القارئ العربي ما ورد في المحور الثالث من الدراسة الأولى والمُعٓنْون كالآتي : العمليات السرية opérations secrètes وما خصّه الفصلان السادس والثامن من الدراسة الثانية حول أولا : الخصوم الأربعة في القرن العشرين: الشيوعيون، الفاشيون/النازيون، الرأسماليون و«إرهابيو» العالم الثالث ثم ثانيا : عمليات سرية، نشاطات تجسسية وإشكاليات تحليل المعلومات.

فالإضافة إلى غزارة المعلومات التي تمّ رفع النقاب عنها إثر إعادة ترتيب الأرشيف الاستخباراتي الأمريكي déclassification والكشف عن جزء هام منه  للاطلاع لدى الباحثين في التسعينات من القرن الماضي، شكلتا الحربان العالميتان الأولى والثانية في القرن العشرين نقطة تحول في تطور الاستخبارات الانقليزية والأمريكية التي تمكنت من فك شفرة الإرساليات الحربية الألمانية واليابانية أثناء الحرب العالمية الثانية ثم السوفياتية في إطار الحرب الباردة. وصار لدى الدولة القوية منذ ذلك الحين عدو مزعوم لا يكمن سبب العداوة معه في صراع عن سلطان، أو نفوذ أو أراض أو موارد طبيعية بالضرورة، بل في الاختلافات الأيديولوجية أيضا أي في الأفكار والمبادئ التي تحدّد رؤية الدولة المعادية للقضايا المختلفة. ومن ثمّ أمست الأيديولوجية ذريعة فعّالة للاستيلاء على أراضي دول أخرى، وحُجّة مؤثرة لفرض الهيمنة على شعب هذه الدولة أو تلك.

وفي هذا السياق، عملت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA والمخابرات الخارجية البريطانية M 16 على تطوير تقنياتها في الوصول إلى استخبار مشاريع الدولة العدوّة أو المنافسة وجمع كافة المعلومات ذات الاتصال  وحمايتها عن طرق التجسس المضاد ويؤول الأمر في الكثير من الأحيان إلى القيام بعمليات سرية مباشرة في دول العالم الثالث مثل ما حصل في إيران سنة 1953 حين تمت الإطاحة بحكومة محمد مصدق حيث أبان التقرير السري (National Security Council) لإنجاز العملية كيفية تنفيذها على ستة مراحل  1) القيام بحملات دعائية لزعزعة استقرار حكومة مصدق، 2) إنشاء شبكة من العسكريين الموالين للعملية، 3) الحصول على تعاون الشاه، 4) استمالة البرلمانيين وإغرائهم بالمال، 5) تنظيم يوم الانقلاب مظاهرات ملزمة للبرلمان المصادقة على رفت مصدق، 6) وفي صورة فشل هذا المخطط، اللجوء إلى حل عسكري. وكانت هذه العملية التي أطلق عليها اسم TPAJAX قد وافق عليها الرئيس أيزنهاور يوم 11 جويلية 1953 ودخلت حيز التنفيذ يوم 15 أوت تحت إشراف « كرميت روزفلت» (18891943) ، حفيد الرئيس السابق الأمريكي، «تيودور روزفلت» ومدير الوكالة الاستخباراتية CIA. واستسلم مصدق يوم 20 أوت فاسحا المجال لرجوع الشاه محمد رضا إلى الحكم يومان بعد سقوط الحكومة. وكان مصدق الذي تحمل مقاليد الحكم في ربيع 1951، يتزعم الحركة الوطنية الإيرانية المتحالفة مع حزب « توده» اليساري الشيء الذي  أثار مخاوف السلطة الأمريكية بعد تيقنها من قرار مصدق تأميم الصناعة البترولية الإيرانية.

ولكن تبقى عملية إعادة ترتيب الأرشيف الاستخباراتي الأمريكي وما جهرت به من عمليات سرية ضد منافسيها في أوروبا والصين وروسيا وإيران بعد سقوط جدار برلين 1989 ونهاية الحرب الباردة محدودا لا يمكن له تجاوز مصلحة الأمن القومي الأمريكية، وتبقى شفافية الخبر والكشف عن العمليات السرية رهينتي متطلبات زمن العولمة وتحولاته بعد حادثة 11 سبتمبر 2001  (التعبئة لمحاربة العدو  الجديد : الإرهاب) وتسريبات  Wikileaks وإدوارد سنودن Edward Snowden والمتزامنة مع تواتر الهجمات السيبرانية التي تستهدف ما لدى الخصم من «هياكل تحتية حساسة»، هياكل من قبيل مصانع توليد الطاقة الكهربائية، والأنظمة المتحكمة. وهو من شأنه تنسيب السرية التي رجعت إلى توخّيها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. والمأثور على « فرنكلين روزفلت» هذه القولة التي تؤكد ما سبق: «في إمكان ثلاث أشخاص حفظ السر بشرط وفاة إثنين منهم».

وملخص القول كما ختم كريغر (وولفغانغ) دراسته حول تاريخ المخابرات هو « أن التوسع العظيم في شبكة الويب أسهم في أن تخضع الأجهزة الاستخباراتية، بشكل متزايد وبنحو أكثر فاعلية، لمتطلبات الاستراتجيات العسكرية. كما ذهب مع الريح الحلم الذي تراءى للبشرية بعد انتهاء الحرب الباردة: تصفية أجهزة المخابرات، فشبكة الويب أنهت الحلم بهذا الأمل بالكامل».

————–

* كريغر (وولفغانغ): تاريخ المخابرات من الفراعنة حتى وكالة الأمن القومي الأمريكي (NSA ). ترجمة عدنان عباس علي. الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2018.

– Le Voguer (Gildas) : Le renseignement américain entre secret et transparence (1947 – 2013). Rennes, Presses Universitaires de Rennes, 2014.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING