الشارع المغاربي – العربي الوسلاتي: كتلة برلمانية “كلوبيستية”… حزام مالي موسّع متكوّن من رجال أعمال… واجتماعات وتحرّكات في السرّ والعلن لمحسوبين على النادي الافريقي لتحديد ملامح الفترة القادمة والشروع فعليا في عمليّة الانقاذ… هذه بسطة صغيرة موجزة عن العناوين الرئيسية المحيطة بأسوار القلعة الحمراء والبيضاء ولسان حال الجميع يسأل كيف ستغرب شمس الرئيس الحالي عبد السلام اليونسي وبأيّة طريقة وأيّة فاتورة إضافية سيدفعها جمهور الافريقي على خلفية سنوات الضياع التي تلاعبت بسمعة وهويّة الفريق.
كلّ شيء تقريبا في النادي الافريقي يوحي بأنّ التغيير قادم لا محالة. فالظرف لم يعد يحتمل مزيدا من التأخير والوضع ينبئ بهزّات إضافية قد تأتي في طريقها على الأخضر واليابس ولكن التغيير لا يعني في حدّ ذاته طيّ صفحة وفتح أخرى فمحاولات التركيع والتمييع مازالت هي الأخرى متواصلة وقد يبقى الحال مثلما هو عليه… فالجمهور ملّ من الوعود ومن حرب الاخوة الأعداء, وما يسمّى بـ”كبارات” النادي لم يتّفقوا على عنوان بديل, وهذا المنفذ قد يتسلّل منه ” الرئيس المخلوع” من بين قوسي الفوضى الخلاقة لتمديد فترة حكمه وتجديد عهده وهذه فرضية لا يتجاهلها سوى أعمى البصيرة…
الوضعية الراهنة…
قانونا هيئة عبد السلام اليونسي باتت منحلّة فعدد الاستقالات تجاوز سقف الشرعية والمشروعية مثلما يردّد أهل الاختصاص ولذلك أصبح الرئيس الحالي رفقة نائبه حمزة الوسلاتي مجرّد محطّة عبور نحو المرحلة القادمة التي سيقبل فيها الافريقي على جلسات بالجملة أهمّها بطبيعة الحال الجلسة الانتخابية… ورغم وضوح الرؤية والصورة بشأن الاستحقاقات القادمة فإنّ تطورات الساعات الأخيرة كشفت عن وجود ثغرات قانونية بالجملة قد تطيل عمر الأزمة وقد ترمي بالنادي بالتالي في نفق طويل من المزايدات ومن ألاعيب الفراغ التسييري والاداري التي يُجيدها البعض خاصة بعد إقالة الكاتب العام سامي المقدّمي الذي كان في وجهة نظر كثيرين الضامن الاوّل لسلامة المسار الانتقالي والانتخابي.
استقالة أو إقالة جعلت البعض يفتح باب التأويلات على مصراعيه بخصوص السيناريو الذي ستؤول اليه الأوضاع في الجمعية ولكن الأهمّ من ذلك هو أنّ النادي الافريقي وعلى المستوى الرياضي مقبل على جملة من التحديات الكبيرة أياما قليلة قبل استئناف النشاط الرياضي الذي سيكون محددا بشكل كبير لعام المائوية الذي يبحث فيه الأفارقة عن العودة الى الواجهة والى طريق التتويجات حتى لا تكون احتفالات المأوية التي ينتظرها الجميع شاهدا اضافيا على تهاوي الجمعية.
ولولا الإطار الفنّي الذي يقوده لسعد الدريدي والذي بذل مجهودات جبّارة لإقناع اللاعبين بضرورة استئناف التمارين لكانت الفضيحة أكبر مما يتصوّر البعض خاصة أنّ طريق المفاوضات بين اللاعبين والرئيس كانت مسدودة بل شهدت توتّرا غير مسبوق جعل زملاء وسام يحيى يرفضون حتى مجرّد مقابلته… وحتى بعودة اللاعبين الى التدريبات لا شيء يُوحي بأنّ الحال سينصلح قريبا فلا الرئيس الذي واكب الحصّة التدريبية الافتتاحية بابتسامة ماكرة أوفى بوعوده وسلّم اللاعبين مستحقاتهم المالية ولا اللاعبون لهم ثقة في كلام “رئيسهم” وتعهداته بل الأكثر من ذلك هم ينتظرون بفارغ الصبر وعلى أحرّ من الجمر رحيله رسميا عن النادي… والى ذلك الحين يتمايل قارب النادي الافريقي وتتقاذفه الرياح والأمواج العاتية ولا يُعرف حقيقة هل تغرق السفينة بمن عليها أم يصل رجال الانقاذ قبل فوات الأوان.
جبهة الانقاذ…
ما يبعث حقيقة على الأمل في هذا الظرف الصعب والدقيق هو أنّ النادي الافريقي بدأ يعود الى معقله الطبيعي الى حيث يرابط أبناؤه الأوفياء الذين يحظون بدعم الجماهير العريضة… وبارقة الأمل التي نراها بعيدا في نهاية النفق قد تكفي لتسكين الألم الذي يشعر به النادي منذ طلوع بدر سليم الرياحي وحتى وصول ركب عبد السلام اليونسي… والحراك الذي يقوده منذ أيّام الرئيس الأسبق كمال ايدير يوحي بأنّ الفرج قريب فالأمر لم يعد يقتصر على ترديد مجرّد شعارات رنانة لا تسمن ولا تغني من جوع ولكنه تحوّل الى حقيقة ملموسة على أرض الواقع… اجتماعات ماراطونية وترتيبات في الكواليس ولقاءات بالجملة وجبهة انقاذ موسّعة كفيلة بإخراج النادي من بين الانقاض…
الجبهة تبدو في ظاهرها غير موحّدة لأنها تضمّ أسماء كبيرة ومؤثرة يصعب احتواؤها أو تطويعها ولكل منها حساباته وتوجهاته القائمة على المصالح والمطامع على غرار تواجد رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد ووزير المالية الاسبق الفاضل عبد الكافي وطابور الرؤساء القدامى المتكوّن من كمال ايدير وحمودة بن عمار وسعيد ناجي ومروان حمودية ومنير البلطي وغيرهم من مسؤولي الصفّ الثاني… ولكن هذا الاختلاف لم يمنع الى حدّ الآن وجود اتفاق على غاية واحدة وهي انقاذ الافريقي من براثن الشرّ الذي يسكنه وذلك من خلال دحر اليونسي الى خارج مركبّ الحديقة “أ” والدخول في عهد جديد مهما كانت عناوينه الرئيسية…
هذه الجبهة تبدو قادرة على صنع المعجزات فقط لو تقاربت بينها وجهات النظر وانتفت فيها المصالح الشخصية الضيقة والأجندات الحزبية التي يبدو أنها تحرّك البعض فيها… فالنادي الافريقي بات مستهدفا علنا من الطبقة السياسية الحاكمة وخزّانه الجماهيري الكبير المنتشر في كامل تراب الجمهورية مازال يُسيل لعاب البعض لذلك يطفو بين الفينة والأخرى صراع الأجنحة داخل الجبهة وتظهر للعلن رايات بعض الأحزاب على غرار حزب تحيا تونس ممثلا في الشاهد وايدير ومن معه وقلب تونس ممثلا في البلطي ومن وراءه… دون أن ننسى بطبيعة الحال حركة النهضة التي تجيد جيّدا التحرّك في العتمة ومن وراء الغرف الموصدة.
والأهمّ من وجود بدائل قويّة للهيئة الحالية من داخل جبهة الانقاذ هو تحرّكها الذي جاء في الوقت المناسب حتى لا يكون النادي مستهدفا وحتى لا يعتقد البعض أنّ القفز على أسواره أمر هيّن… فتحرّك الجبهة نحو المسك بزمام المبادرة جعل البعض يراجع حساباته ويعدّل مواقفه ويخشى من المحاسبة لأنّ المرمى لم يعد خاليا والدار العالية المهجورة عادت لتُحيي طقوس معتمريها من جديد وسواء حضر المال وحيدا أو في حضرة الرجال فإنّ اليونسي ومن وراءه لن ينجحوا في إحداث حالة فراغ سواء كان ذلك عمدا أو عن حسن نيّة…
الهروب الى الأمام…
كلّ هذه التطوّرات المتسارعة المحيطة بالنادي تحصل في وقت يواصل الرئيس “المؤقّت” أو “المخلوع” مثلما وصفه البعض الاحتجاب وراء لعبة البيانات والبلاغات دون الخروج الى العلن للاعتراف بالذنب أو للتفريج عن كرب… يحدث كلّ هذا ورئيس الافريقي غير عابئ بما يدور من حوله لا يشغله إضراب اللاعبين ولا تأخّر صرف المستحقات ولا أزمة الانخراطات ولا حتى رزمة الاستقالات… يتصرّف وكأن شيئا لم يكن وكأنّه باق على رأس الجمعية الى أن يرث الله الأرض ومن عليها…
رباطة جأش اليونسي وثباته الانفعالي عند الأزمات جعل البعض يُخمّن أن الرجل يملك بين يديه ورقة مهمّة قد تقلب حوله كل الموازين والمعطيات وهذه التخمينات ربطها البعض باستنجاد اليونسي بالجامعة التونسية لكرة القدم ودعوتها للإشراف على المسار الانتخابي المرتقب… دعوة حملت في طياتها رسائل مشفّرة بالجملة بين من يعتبرها هروبا علنيا من زحف الجبهة التي تتقدّم باتجاهه وبين من يصوّرها على أنها خطوة شرعية على درب الديمقراطية تحمي اللعبة الانتخابية من أيّة هزّات محتملة ومن كل أصابع أو بصمات غير بريئة… ولكن ما يثير حفيظة بعض “الكلوبيستية” في كلّ هذا هو طبيعة العلاقة التي تجمع بين اليونسي وبين رئيس الحرم الجامعي وديع الجريء الذي نجح في إنقاذ كلّ من يحتمي به على غرار ما حصل في كلّ الخصومات والمعارك السابقة… غير أنّ الأمر قد يختلف برمّته هذه المرّة لعدّة اعتبارات أوّلها أنّ الجريء لا يُقحم نفسه في معارك خاسرة خاصة أنّ الجبهة التي تتموقع على الجبهة المقابلة تضمّ أسماء مؤثّرة تجمعها علاقات وطيدة برئيس الجامعة وثانيا لأنّ الجريء نفسه يرى أن في بقاء اليونسي ضررا كبيرا للجميع… بداية بالنادي الافريقي مرورا بالجماهير وصولا الى مبنى الجامعة نفسها بدليل تغييبه عمدا عن كلّ الاجتماعات الأخيرة التي حصلت داخل الحرم الجامعي وخارجه…
صدر بأسبوعية “الشارع المغاربي” بتاريخ الثلاثاء 23 جوان 2020