الشارع المغاربي: سمعت العديد من الصحفيين والأساتذة الجامعيين يعبرون عن ارتياح شديد للأرباح التي حققها البنك المركزي سنة .2022
القوائم المالية التي قدمها محافظ البنك المركزي خلال الأسبوع الفارط “بكل فخر واعتزاز” الى كل من رئيس الجمهورية ورئيسة الحكومة ورئيس مجلس النواب تبين أن البنك المركزي حقق أرباحا بـ 715 مليون دينار خلال سنة 2022 وأن نصف هذه الأرباح ذهب لتغطية جزء من عجز ميزانية الدولة.
هل هذه النتائج تبعث فعلا على الارتياح أو على “الفخر والاعتزاز”؟ لكم بعض التساؤلات في هذا المجال :
–1 ان كان تحقيق مثل هذا المستوى من الأرباح شيئا جيدا فلماذا لا نستزيد منه؟
زيادة بنقطة واحدة في نسبة الفائدة المديرية التي يحددها البنك المركزي في اطار سياسته النقدية تزيد في مرابيح البنك المركزي بـ 160 مليون دينار . كما تزيد في مرابيح البنوك بحوالي 300 مليون دينار. إن كان الوضع كذلك فلماذا لا نزيد في نسبة الفائدة المديرية بنقطتين أو بـ 5 نقاط أو حتى بـ 10 نقاط أو أكثر من ذلك.
–2 هل أن البنك المركزي والذي رأس ماله 6 ملايين دينار مطالب بأن يحقق أرباحا بهذا المستوى أم هل أنه مطالب فعلا بتقديم سياسة نقدية مجدية تكون في خدمة الاقتصاد الوطني؟
–3 هل احتسبنا تأثيرات هذا المستوى من الأرباح على الاقتصاد التونسي وهل قيمنا تأثير السياسة النقدية على وضع الاقتصاد التونسي ووضع المؤسسة الاقتصادية التونسية وعلى وضع المواطن التونسي؟
–4 أليست أرباح البنك المركزي شكلا من أشكال الضرائب المفروضة على المواطن التونسي وعلى مؤسساتنا الاقتصادية؟
–5 ما هو المصدر الأساسي لأرباح البنك المركزي؟ بيان البنك المركزي يجيب عن هذا السؤال. أهم مصدر دخل للبنك المركزي يخص إعادة تمويل (أو إقراض) البنوك التونسية التي أقرضت الدولة التونسية. مداخيل البنك المركزي من إعادة تمويل البنوك وصلت إلى 808 ملايين دينار خلال سنة 2022.
–6 من أين يأتي البنك المركزي بالموارد المالية التي يقرضها للبنوك؟ طبعا المصدر الوحيد هو planche à billets أو طبع الأوراق النقدية دون أن نعني بهذا الطبع المادي. أي تمويل من قبل البنك المركزي لعجز ميزانية الدولة سواء كان ذلك مباشرا (ديسمبر 2020) أو عبر البنوك فهو planche à billets . أي ضخ سيولة في الدورة الاقتصادية دون مقابل نشاط اقتصادي نتيجته الحتمية تكون في شكل تضخم مالي وهبوط في القيمة الحقيقية للدينار التونسي.
-7 هل رأيتم بنكا مركزيا واحدا في العالم يفتخر بتحقيق أرباح ويقدم قوائمه المالية “بكل فخر واعتزاز”؟ هل يجب أن تكون السياسة النقدية في خدمة الاقتصاد أم في خدمة ماذا ومن ؟
والآن إلى السؤال الأهم : هل تعلم تونس فعلا ماذا تريد مع العلم أنه مثلما قيل “ليس هناك رياح مواتية لمن لا يدري إلى حيث يتوجه؟”.
الكل يعلم أن الوضع الاقتصادي والمالي بتونس حرج وخطير الى حد بعيد. ولكن هل نريد فعلا اصلاح هذا الوضع الاقتصادي والمالي؟ منذ أفريل 2021 تقدمت تونس لصندوق النقد الدولي بطلب قرض جديد وكان الطلب مرفوقا ببرنامج إصلاحات تونسي. ثم أكدت الحكومة الحالية هذا الطلب مع تقديم نسخة جديدة لبرنامج إصلاحات اعتبره المسؤولون الثلاثة أي وزيرة المالية ووزير الاقتصاد والتخطيط ومحافظ البنك المركزي برنامج إصلاحات تونسي بحتا لا دخل لأي طرف أجنبي وبالخصوص صندوق النقد الدولي، في تحديده. وهذا يعني أنه ليست هناك أية املاءات من صندوق النقد الدولي أو من أي طرف آخر. والآن وبعد التوصل الى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي في 15 أكتوبر 2022 على أساس نفس برنامج الإصلاحات الذي تقدمت به السلط التونسية أصبحنا نرفض “املاءات” صندوق النقد الدولي. صندوق النقد الدولي يؤكد رسميا أنه لم يفرض أية إملاءات على تونس وأكثر من ذلك أنه لم يتلق من السلط التونسية أي طلب لتعديل برنامج الإصلاحات الذي تقدمت به السلط التونسية نفسها.
هل تعرف تونس فعلا ماذا تريد؟
يبدو أن تونس تريد الحصول على قرض صندوق النقد الدولي دون القيام بالإصلاحات التي تعهدت بها السلط التونسية نفسها مع العلم أن هذه الإصلاحات ضرورية ولا مفر منها وأنها تأخرت كثيرا ممّا جعل العالم من حولنا يهتم بشأننا الاقتصادي والمالي أكثر منّا ويتساءل ماذا تنتظر السلط التونسية للدخول في إصلاحات اقتصادية ومالية تمكنها من انقاذ اقتصادها. ولماذا تربط السلط التونسية هذه الإصلاحات بالمحادثات التقنية أو المفاوضات مع صندوق النقد الدولي؟
ماذا يمكن أن تكون نتيجة الحصول على موارد مالية خارجية دون القيام بالإصلاحات؟
ان كانت السلط التونسية تسعى فعلا للحصول على قرض أو قروض أجنبية دون القيام بالإصلاحات فيا خيبة المسعى. وإن حصل ذلك فسيؤدي حتما الى مزيد اثقال كاهل تونس بديون إضافية لا جدوى لها وسيزيد في تعقيد الوضع الاقتصادي والمالي والدفع بتونس نحو التعثر في تسديد مستحقات الدين الخارجي والدخول في دوامة إعادة جدولة الدين مرورا بصندوق النقد الدولي للموافقة على إعادة جدولة الدين الخارجي والمرور أمام نادي باريس الذي يخص إعادة جدولة كامل الدين الخارجي وليس الدين الخارجي الثنائي فقط مثلما يدّعي البعض.
اذا رفضت تونس الإصلاحات والتعامل مع صندوق النقد الدولي فكيف يمكن للبنك الدولي والجهات المانحة الأخرى التعامل معها ؟ هل تعرف تونس ماذا تريد فعلا؟
ألم يصرح كل من وزير الاقتصاد والتخطيط ووزيرة المالية ومحافظ البنك المركزي أن لا بديل لتونس عن قرض صندوق النقد الدولي وأن ليس هناك مخطط بديل (plan B) ؟
ألم تُبنَ ميزانية الدولة لسنة 2022 على فرضية الحصول على قرض صندوق النقد الدولي في أجل أقصاه 31 مارس 2022 . ميزانية 2022 لم تغلق الى حدّ الآن.
ألم تُبنَ ميزانية الدولة لسنة 2023 على فرضية الحصول على قرض صندوق النقد الدولي أيضا ولكننا نرفض الآن “إملاءات صندوق النقد الدولي”؟
ألم تخفض السلط التونسية سنة 2023 في ميزانية صندوق الدعم بـ 26,3 ٪ في اطار اصلاح منظومة الدعم بتوجيهه الى مستحقيه؟
وصلنا الان الى منتصف السنة ولم نصلح شيئا بل أكثر من ذلك نحن غيرنا التوجه 180 درجة وأصبحنا نفكر في فرض ضريبة جديدة على كل من لا يستحق الدعم. من سيحدد من لا يستحق الدعم يا ترى؟
لقد فشلنا منذ عقود في اصلاح الجباية حتى أصبح الضغط الجبائي في تونس أعلى ضغط جبائي في افريقيا ومقارنة بالعديد من بلدان العالم وها نحن نضيف ضريبة أخرى. هل قمنا بدراسة مدى تأثير ضريبة جديدة على محركات النمو وخلق الثروة وخلق مواطن الشغل؟
هناك حديث متواتر عن إمكانية حصول تونس على قرض أو قروض من جهات مانحة أخرى مثل الـ”بريكس” وخاصة من الصين.
هل سمعنا سفير الصين في تونس يقول بمناسبة زيارة وفد رسمي عن الحزب الشيوعي الى تونس الأسبوع الفارط أن ليس لتونس بديل عن صندوق النقد الدولي؟
هناك أيضا تخوف كبير من تأثير الإصلاحات على الوضع الاجتماعي في تونس فهل احتسبنا أو قيّمنا تأثير عدم القيام بالإصلاحات على الوضع الاجتماعي في تونس؟ لما تكون السلط عاجزة عن تزويد منتظم للسوق بالمواد الأساسية مثل مشتقات الحبوب والدواء والمحروقات والسكر والقهوة والأرز والزيت النباتي والتي هي مواد من اختصاص واحتكار المؤسسات العمومية أي الدولة فهل يمكن أن ننتظر أن يتعامل معنا الخارج في ميادين التجارة أو الاستثمارات أو التمويل بصفة طبيعية؟
كيف ستمول تونس ميزانية 2023 التي تحتاج الى قروض جديدة خلال سنة 2023 بما لا يقل عن 25 مليار دينار منها 15 مليار دينار من الخارج؟ كيف ستواجه تونس استحقاقات الدين العمومي لسنة 2023 والتي حدّدتها ميزانية 2023 بـ 21 مليار دينار؟
كم هي عديدة الأسئلة ولكن لا من مجيب. هل تعرف تونس فعلا ماذا تريد مع العلم أنه ليس هناك رياح مواتية لمن لا يعلم الى حيث يتوجه؟
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 6 جوان 2023