الشارع المغاربي – الحريات في تونس: هل هي مهدّدة ؟ / بقلم: د.زهير بن يوسف (جامعة تونس)

الحريات في تونس: هل هي مهدّدة ؟ / بقلم: د.زهير بن يوسف (جامعة تونس)

قسم الأخبار

21 يونيو، 2023

الشارع المغاربي: ‭” ‬العصفور‭ ‬الذي‭ ‬انطلق‭  ‬نحو‭ ‬الحرية،‭ ‬لن‭ ‬يعود‭ ‬أبدا‭ ‬إلى‭ ‬القفص،‭ ‬ولن‭ ‬يتقبّل‭ ‬الفُتات‭”‬ أ‭. ‬قيس‭ ‬سعيّد.

لنتفق‭ ‬أولا‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬بين‭ ‬17‭ ‬ديسمبر‭ ‬2010‭ ‬و14‭ ‬جانفي‭ ‬2011‭ ‬لحظة‭ ‬مفصلية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البلاد،‭ ‬انخرطت‭ ‬فيها‭ ‬كافة‭ ‬مكونات‭ ‬الشعب،‭ ‬وقادها‭ ‬شباب‭ ‬توّاق‭ ‬إلى‭ ‬الحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬والعدالة‭ ‬والمساواة‭ ‬بين‭ ‬الفئات‭ ‬والجهات‭ ‬قدّم‭ ‬التضحيات‭ ‬الجسيمة‭ ‬فداء‭ ‬للوطن،‭ ‬وقد‭ ‬ساهمت‭ ‬المنظمات‭ ‬الوطنية‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬المنظمة‭ ‬الشغّيلة‭ ‬ورابطة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬بمختلف‭ ‬هياكلها‭ ‬ومناضليها‭ ‬في‭ ‬الإطاحة‭ ‬برأس‭ ‬المنظومة‭ ‬القائمة‭ ‬وبناء‭ ‬المرحلة‭ ‬الانتقالية‭ ‬وتولت‭ ‬إيلاء‭ ‬الأهمية‭ ‬الأولى‭ ‬للحقوق‭ ‬والحريات‭ ‬في‭ ‬شموليتها‭ ‬وكونيتها،‭ ‬وتم‭ ‬بذل‭ ‬أقصى‭ ‬ما‭ ‬أمكن‭ ‬من‭ ‬جهد‭ ‬لرصد‭ ‬الانتهاكات‭ ‬والتشهير‭ ‬بها‭ ‬والتضامن‭ ‬مع‭ ‬ضحاياها‭ ‬وتلقي‭ ‬الشكايات‭ ‬التي‭ ‬تخصها‭ ‬ومعالجتها‭ ‬في‭ ‬إبانها،‭ ‬كما‭ ‬شهدت‭ ‬تونس‭ ‬ولادة‭ ‬ائتلافات‭ ‬وطنية‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬معيّنة‭ ‬كالائتلاف‭ ‬الوطني‭ ‬لمناهضة‭ ‬العنف‭ ‬والائتلاف‭ ‬الوطني‭ ‬لحرية‭ ‬التعبير‭ ‬ونادت‭ ‬ببعث‭ ‬أخرى‭ ‬كالائتلاف‭ ‬الوطني‭ ‬لمكافحة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وهي‭ ‬مكتسبات‭ ‬حظيت‭ ‬بإجماع‭ ‬التونسيين‭ ‬سوسيولوجيا‭ ‬وسياسيا‭ ‬وتاريخيا‭ ‬ومن‭ ‬البديهي‭ ‬أنهم‭ ‬غير‭ ‬مستعدين‭ ‬للتفريط‭ ‬فيها‭.‬

حرية‭ ‬الصحافة‭ ‬والإعلام‭: ‬ المنشود‭ ‬والموجود

لئن‭ ‬شهدت‭ ‬المنظومة‭ ‬القانونية‭ ‬تطورا‭ ‬هاما‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬ضمان‭ ‬حرية‭ ‬والصحافة‭ ‬والإعلام‭ ‬فإنّ‭ ‬الممارسة‭ ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬الإطار‭ ‬التشريعي‭ ‬قد‭ ‬شهدت‭ ‬تصاعدا‭ ‬لوتيرة‭ ‬الانتهاكات‭ ‬لحرية‭ ‬الإعلام‭ ‬والتعبير‭ ‬وهي‭ ‬انتهاكات‭ ‬طالت‭ ‬مؤسسات‭ ‬الصحافة‭ ‬المكتوبة‭ ‬والمسموعة‭ ‬والمرئية‭ ‬والرقمية‭ ‬استهدفت‭ ‬إعلاميين‭ ‬ومدوّنين‭ ‬وقنوات‭ ‬تلفزية‭ ‬ومحطات‭ ‬إذاعية‭ ‬ومواقع‭ ‬إلكترونية،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الواجب‭ ‬إلغاء‭ ‬العقوبات‭ ‬السالبة‭ ‬للحرية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الإعلاميين‭ ‬التي‭ ‬تضمنها‭ ‬المرسوم‭ ‬عدد‭ ‬115‭ ‬لسنة‭ ‬2011‭ ‬المتعلق‭ ‬بحرية‭ ‬الصحافة‭ ‬والطباعة‭ ‬والنشر‭ ‬في‭ ‬فصوله‭ ‬54‭ ‬إلى‭ ‬59،‭ ‬وحصر‭ ‬تهم‭ ‬الثلب‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬الجنحة‭ ‬المدنية‭ ‬وإلغاء‭ ‬الفصول‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالثلب‭ ‬الواردة‭ ‬بالمجلة‭ ‬الجزائية‭. ‬والتحدي‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬هو‭ ‬كيف‭ ‬ننزّل‭ ‬القواعد‭ ‬الدولية‭ ‬والتشريعات‭ ‬الوطنية‭ ‬الخاصة‭ ‬بالحريات‭ ‬ومواثيق‭ ‬الشرف‭ ‬المهنية،‭ ‬في‭ ‬خضمّ‭ ‬اختلال‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬الانقسامي‭ ‬القائم‭ ‬حاليا‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬يعتبرون‭ ‬الإعلام‭ ‬‮«‬سلطة‭ ‬مستقلة‭ ‬تلعب‭ ‬دور‭ ‬الحكم‭ ‬بين‭ ‬الشعب‭ ‬والسلطات‭ ‬التنفيذية‭ ‬والقضائية‭ ‬والتشريعية»وبين‭ ‬من‭ ‬يجهدون‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬بهذه‭ ‬السلطة‭ ‬إلى‭ “‬بيت‭ ‬الطاعة‭ ‬والمربّع‭ ‬القديم؟

مؤشر‭ ‬حرية‭  ‬التعبير‭: ‬جدلية‭ ‬المدّ‭ ‬والجزر؟

يتجه‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬إلى‭ ‬اعتبار‭ ‬مكسب‭ ‬حرية‭ ‬التعبير،‭ ‬ومنها‭ ‬الحريات‭ ‬الإعلامية،‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬المكاسب‭ ‬التي‭ ‬تحصل‭ ‬عليها‭ ‬التونسي‭ ‬بعد‭ ‬الثورة،‭ ‬بدليل‭ ‬تحرر‭ ‬الصحافة‭ ‬التونسية‭ ‬من‭ ‬القيود‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تكبلها‭ ‬صنصرة‭ ‬أو‭ ‬صنصرة‭ ‬ذاتية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬زال‭ ‬حاجز‭ ‬الخوف‭ ‬نهائيا،‭ ‬أو‭ ‬هكذا‭ ‬خُيّل‭ ‬لها،‭ ‬وبات‭ ‬بإمكان‭ ‬الصحفي‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬القضايا‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭ ‬ودون‭ ‬محاذير‭ ‬أو‭ ‬خطوط‭ ‬حمراء‭ ‬سواء‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬برموز‭ ‬ومؤسسات‭ ‬السلطة‭ ‬أو‭ ‬برموز‭ ‬ومؤسسات‭ ‬السلطة‭ ‬المضادة‭ ‬بقطع‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬طبيعة‭ ‬هذه‭ ‬السلطة‭ ‬وتراتبية‭ ‬رموزها‭ ‬ومؤسساتها،‭ ‬أو‭ ‬هكذا‭ ‬تهيّأ‭ ‬له،‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬معه‭ ‬إنّ‭ ‬مؤشرات‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬بالبلاد‭ ‬كانت‭ ‬تسير‭ ‬باتجاه‭ ‬الاقتراب‭ ‬التدريجي‭ ‬من‭ ‬مؤشرات‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭.  ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الآراء‭ ‬منقسمة‭ ‬قبل‭ ‬إعلان‭ ‬الحالة‭ ‬الاستثنائية‭ ‬بالبلاد‭ ‬في‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬كانوا‭  ‬يرون‭ ‬أنّ‭ ‬هذا‭ ‬المكسب‭ ‬غير‭ ‬مهدّد،‭ ‬بما‭ ‬أنّ‭ ‬مسألة‭ ‬الحقوق‭ ‬المدنيّة‭ ‬والسياسية‭ ‬قد‭ ‬باتت‭ ‬محسومة،‭ ‬وبين‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬يرونه‭ ‬مهدّدا‭ ‬نسبيا‭ ‬أو‭ ‬مهدّدا‭ ‬بقوّة،‭ ‬فهل‭ ‬غدت‭ ‬وضعية‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والحريات‭ ‬الفردية‭ ‬والعامة‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أكثر‭ ‬إشراقا‭ ‬وأقل‭ ‬انتهاكات؟

تراجع‭ ‬مخيف‭ ‬في‭ ‬التصنيف‭ ‬العالمي لحرية‭ ‬الصحافة

إنّ‭ ‬التخوف‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المكسب‭ ‬بات‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬محسوس‭ ‬ومتفاقم‭ ‬بتطور‭ ‬مؤشر‭ ‬التخوف‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬التوحش‭ ‬والعنف‭ ‬الجاهل‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬وما‭ ‬سُجّل‭ ‬من‭ ‬تكرر‭ ‬الحوادث‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ” ‬إلجام‭ ‬العوامّ‭ ‬عن‭ ‬علم‭ ‬الكلام‭”‬،‭ ‬والعبارة‭ ‬منّا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬الانزياح،‭ ‬اعتداءات‭ ‬ومضايقات‭ ‬وتتبعات‭ ‬عدلية‭ ‬لدى‭ ‬القضاء‭ ‬العسكري‭ ‬طالت‭ “‬عشرات‭ ‬الإعلاميين‭ ‬من‭ ‬نشطاء‭ ‬وصحفيين‭” ‬وعشرات‭ ‬المُحامين‭ ‬والسياسيّين‭ ‬والمثقفين‭ ‬والنشطاء‭ ‬الحقوقيين‭ ‬بتُهم‭ ‬تتّصل‭ ‬بتصريحات‭ ‬أو‭ ‬مواقف‭ ‬عبّروا‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدية‭ ‬والإلكترونية،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬بموجب‭ ‬قانون‭ ‬النشر‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المعروف‭ ‬بالمرسوم‭ ‬عدد‭ ‬54‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬مرسوم‭ ‬وصفه‭ ‬إعلاميون‭ ‬وحقوقيون‭ ‬ورجال‭ ‬قانون‭ ‬بالزجري،‭ ‬تخوّف‭ ‬تطور‭ ‬إلى‭ ‬خشية‭ ‬حقيقية‭ ‬من‭ ‬خسران‭ ‬مكسب‭ ‬حرية‭ ‬التعبير،‭ ‬وهي‭ ‬انتهاكات‭ ‬جعلت‭ ‬تونس‭ ‬تتراجع‭ ‬في‭ ‬التصنيف‭ ‬العالمي‭ ‬لحرية‭ ‬الصحافة‭ ‬لتنزلق‭ ‬في‭ ‬الترتيب‭ ‬من‭ ‬المرتبة‭ ‬73‭ ‬على‭ ‬180‭ ‬دولة‭ ‬سنة‭ ‬2022‭  ‬إلى‭ ‬المرتبة‭ ‬94‭ ‬سنة‭ ‬2022‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬المرتبة‭ ‬120‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬العام‭ ‬الجاري،‭ ‬بما‭ ‬جعل‭ ‬نقيب‭ ‬الصحفيين‭ ‬التونسيين‭ ‬يسجل‭ ‬أنّ‭ ” ‬هناك‭ ‬ردة‭ ‬واضحة‭ ‬عن‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬والصحافة‭” ‬بل‭ “‬محرقة‭ ‬حقيقية‭ ‬لحرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير‭ ‬وانتهاكا‭ ‬للحق‭ ‬الصحفي‭”‬،‭ ‬معتبرا‭ ” ‬الإعلام‭ ‬التونسي،‭ ‬بمقتضاها،‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭”.‬

ومؤدّى‭ ‬ذلك‭ ‬أنّ‭ ‬المرسوم‭ ‬عدد‭ ‬54‭ ‬الموضوع‭ ‬أصلا‭ ‬لمكافحة‭ ‬الجرائم‭ ‬المتصلة‭ ‬بأنظمة‭ ‬المعلومات‭ ‬والاتصال‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬مقاومة‭ ‬الجرائم‭ ‬السيبرنيّة،‭ ‬وهي‭ ‬موجودة‭ ‬بمقتضى‭ ‬حالة‭ ‬الانفلات‭ ‬المعمّم،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬ضاعف‭ ‬من‭ ‬هشاشة‭ ‬وضع‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬البلاد‭ ‬التي‭ ‬تراجعت‭ ‬في‭ ‬التصنيف‭ ‬السنوي‭ ‬لمنظمة‭ ‬مراسلون‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭ ‬المتعلق‭ ‬بحرية‭ ‬الصحافة‭ ‬بـ21‭ ‬مرتبة‭ ‬سنة‭ ‬2022‭ ‬ثم‭ ‬بـ‭ ‬47‭ ‬مرتبة‭ ‬سنة‭ ‬2023‭  ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬تشهده‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والصحفيين‭ ‬والصحفيات‭ ‬من‭ ‬صعوبات‭ ‬مالية‭ ‬كبيرة،‭ ‬وملاحقات‭ ‬قضائية‭ ‬للأفراد‭ ‬بسبب‭ ‬مشاركتهم‭ ‬في‭ ‬التجمعات‭ ‬السلمية‭ ‬ورفعهم‭ ‬لشعارات‭ ‬مناهضة‭ ‬للسلطات‭ ‬العمومية‭.‬

هل‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حرّية‭ ‬مشروطة؟

جيل‭ ‬الصحفيين‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬نشأ‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الحرّية،‭ ‬وترعرع‭ ‬بمنأى‭ ‬عن‭ ‬مقصّ‭ ‬الرقيب،‭ ‬وشبّ‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬مقصلة‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيذية،‭ ‬أية‭ ‬سلطة‭ ‬تنفيذية‭ ‬بقطع‭ ‬النظر‭ ‬عمّن‭ ‬يحكم،‭ ‬هل‭ ‬يقبل‭ ‬بالتدجين‭ ‬ودخول‭ ‬بيت‭ ‬الطاعة؟‭ ‬وهل‭ ‬يقنع‭ ‬بأي‭ ‬مسعى‭ ‬إلحاقي‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬ينال‭ ‬من‭ ‬أخلاقيات‭ ‬المهنة‭ ‬ومن‭ ‬ميثاق‭ ‬شرفها‭ ‬أو‭ ‬يسمح‭ ‬بتشكل‭ ‬سياقات‭ ‬تهدّد‭ ‬المهنة‭ ‬أصلا؟‭ ‬وهل‭ ‬سيرضى‭ ‬بالتفريط‭ ‬في‭ ‬فرصة‭ ‬تحرير‭ ‬الإعلام‭ ‬الوطني‭ ‬التاريخية‭ ‬وتحسين‭ ‬مساحة‭ ‬الحريات‭ ‬الإعلامية‭ ‬التي‭ ‬أتيحت‭ ‬له؟

جيل‭ ‬الصحفيين‭ ‬الجديد‭ ‬لأنه‭ ‬جيل‭ ‬لن‭ ‬يرضى‭ ‬بهذا‭ ‬ولا‭ ‬بذاك،‭ ‬ويتمسّك‭ ‬بحرية‭ ‬الصحافة‭ ‬على‭ ‬مقتضى‭ ‬المعايير‭ ‬الدولية‭ ‬للحريات‭ ‬الإعلامية،‭ ‬وعلى‭ ‬مقتضى‭ ‬ما‭ ‬تستدعيه‭ ‬هذه‭ ‬الحريات‭ ‬الإعلامية‭ ‬في‭ ‬النصوص‭ ‬الإقليمية‭ ‬والتشريعات‭ ‬الوطنية‭ ‬من‭ ‬حماية،‭  ‬آلى‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬مهنيا‭ ‬وأخلاقيا‭ ‬نعم،‭ ‬ولكن‭ ‬قانونيا‭ ‬أيضا،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬المنظمات‭ ‬المهنية‭ ‬والحقوقية‭ ‬ذات‭ ‬العلاقة،‭ ‬لفت‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬خطورة‭ ‬هذا‭ ‬المرسوم‭ ‬على‭ ‬الحقوق‭ ‬والحريات،‭ ‬والتنبيه‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تضمنه‭ ‬من‭ ‬أحكام‭ ‬تتعارض‭ ‬بشكل‭ ‬صارخ‭ ‬مع‭ ‬الفصول‭ ‬37‭ ‬و38‭ ‬و55‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬التونسي،‭ ‬ومع‭ ‬المادة‭ ‬19‭ ‬من‭ ‬العهد‭ ‬الدولي‭ ‬الخاص‭ ‬بالحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬والسياسية،‭ ‬وهو‭ ‬ملزم‭ ‬للدولة‭ ‬التونسية‭ ‬سياسيا‭ ‬وقانونيا،‭ ‬ومن‭ ‬قيود‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬والرأي‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬تطبيقها‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ترهيب‭ ‬أصحاب‭ ‬المهنة‭ ‬وعموم‭ ‬المواطنين‭ ‬من‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬آرائهم‭ ‬إزاء‭ ‬أعوان‭ ‬الدولة‭ ‬والمسؤولين‭ ‬السياسيين،‭ ‬ونادى،‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬دعوته‭ ‬إلى‭ ‬سحب‭ ‬المنشور‭ ‬لما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬تهديد‭ ‬لجوهر‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬والصحافة،‭ ‬إلى‭ ‬تنظيم‭ ‬مشاورات‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬لإعداد‭ ‬تشريعات‭ ‬جديدة‭ ‬تتناول‭ ‬جرائم‭ ‬الفضاء‭ ‬الأزرق‭ ‬نعم‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬احترام‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬الأساسية‭ ‬والحريات‭ ‬للجميع‭.‬

الثقافة‭ ‬التعديلية‭  ‬تشاركية‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬تكون

هل‭ ‬تمّ‭ ‬إنشاء‭ ‬الهيئة‭ ‬الوطنية‭ ‬المستقلة‭ ‬لإصلاح‭ ‬الإعلام‭ ‬والاتصال‭( ‬2011‭) ‬ومن‭ ‬بعدها‭ ‬الهيئة‭ ‬العليا‭ ‬المستقلة‭ ‬للاتصال‭ ‬السمعي‭ ‬البصري‭ ‬HAICA‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬العالمي‭ ‬لحرية‭ ‬الصحافة‭ (‬2013‭) ‬إلا‭ ‬للعناية‭ ‬بالمشهد‭ ‬الإعلامي‭ ‬السمعي‭ ‬والبصري‭ ‬التونسي‭ ‬وتنظيمه‭ ‬والسعي‭ ‬إلى‭ ‬استقلاليته‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬السلط‭ ‬السياسية‭ ‬والمالية‭ ‬بمرمى‭ ‬طموح‭ ‬قطب‭ ‬الرحى‭ ‬فيه‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬طريقة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬حوكمة‭ ‬الإعلام‭ ‬وتعزيز‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬والتكفل‭ ‬بتعديل‭ ‬المشهد‭ ‬الإعلامي،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬وتثمين‭ ‬النقد‭ ‬وإرساء‭ ‬حرية‭ ‬التفكير‭ ‬والثقة‭ ‬في‭ ‬التواصل‭ ‬ونبذ‭ ‬العنف‭ ‬وفي‭ ‬إرساء‭ ‬بناء‭ ‬جديد‭ ‬قيما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬تفارق‭ ‬فعل‭ ‬التفكير،‭ ‬فهل‭ ‬من‭ ‬معنى‭ ‬للرغبة‭ ‬في‭ ‬إرساء‭ ‬الجديد‭ ‬دون‭ ‬تبادل‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬يستفيد‭ ‬من‭ ‬اختلافاتهم؟‭ ‬وإذا‭ ‬اعتبرنا‭ ‬الحوار‭ ‬قيمة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬إيتيقيا‭ ‬التفكير‭ ‬فهل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يستقيم‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحتل‭ ‬النقد‭ ‬فيه‭ ‬منزلة‭ ‬رفيعة‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬الذات‭ ‬بذاتها‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬علاقتها‭ ‬بالآخر؟‭ ‬نعم‭ ” ‬الحريات‭ ‬لن‭ ‬تهدّد‭ ‬أبدا‭” ‬لأنّ‭ ‬لها‭ ‬إيتيقيا‭ ‬تحميها‭ ‬وطنيا‭ ‬ودوليا‭ . ‬فـ‭” ‬العصفور‭ ‬الذي‭ ‬انطلق‭  ‬نحو‭ ‬الحرية،‭ ‬والعبارة‭ ‬للأستاذ‭ ‬قيس‭ ‬سعيّد‭ ‬نفسه‭ ‬مترشحا‭ ‬للرئاسة،‭ ‬لن‭ ‬يعود‭ ‬أبدا‭ ‬إلى‭ ‬القفص،‭ ‬ولن‭ ‬يتقبّل‭ ‬الفُتات‭”‬،‭ ‬وهذه‭ ‬ليست‭ ‬رومانسية‭ ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬ما‭ ‬ذهب‭ ‬إليه‭ ‬منافسه‭ ‬وقتها‭.‬

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 20 جوان 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING