الشارع المغاربي – الهجرة‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وأوروبا‭ :‬يجدر بتونس اطلاق حوار حول آليات جديدة تشبه مخطط مارشال/ بقلم إلياس القصري (سفير سابق)

الهجرة‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وأوروبا‭ :‬يجدر بتونس اطلاق حوار حول آليات جديدة تشبه مخطط مارشال/ بقلم إلياس القصري (سفير سابق)

قسم الأخبار

1 مارس، 2023

الشارع المغاربي: الآن‭ ‬وبعدما‭ ‬تم‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬صيغ‭ ‬غامضة‭ ‬في‭ ‬أعلى‭ ‬مستوى‭ ‬بتونس‭ ‬وبعدما‭ ‬تلقّفتها‭ ‬الصحافة‭ ‬الدولية‭ ‬وعلى‭ ‬الأرجح‭ ‬القنصليات‭ ‬الأجنبية‭ ‬والحكومات‭ ‬الافريقية‭ ‬فإن‭ ‬التوضيح‭ ‬الصادر‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬الرئيس‭ ‬قيس‭ ‬سعيّد‭ ‬أمر‭ ‬مرحّب‭ ‬به‭ ‬ولكنه‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬غير‭ ‬كاف‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الحساسية‭ ‬الحادة‭ ‬لقضية‭ ‬الهجرة‭ ‬في‭ ‬افريقيا‭ ‬وأوروبا‭.‬

إن‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬مصالح‭ ‬تونس‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬نسيجها‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬هدف‭ ‬مشروع‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬احترام‭ ‬المواثيق‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬الدولية‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬الحتمية‭ ‬الأخلاقية‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬تضامننا‭ ‬وتجسيد‭ ‬أخوّتنا‭ ‬مع‭ ‬الشعوب‭ ‬الافريقية‭ ‬وكذلك‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬مهاجرينا‭ ‬المقيمين‭ ‬بأوروبا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬لحق‭ ‬بهم‭ ‬سابقا‭ ‬من‭ ‬ممارسات‭ ‬قد‭ ‬يتعرّضون‭ ‬اليها‭ ‬مجدّدا‭ ‬وسط‭ ‬تهليل‭ ‬تيارات‭ ‬مناهضة‭ ‬للعرب‭ ‬وتكنّ‭ ‬كراهية‭ ‬للمسلمين،‭ ‬تيارات‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬تجاهر‭ ‬بعنصريتها‭.‬

فمع‭ ‬التسليم‭ ‬بوجود‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬مواطني‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬غير‭ ‬قانوني‭ ‬بالتراب‭ ‬التونسي‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬الخطير‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬حبسهم‭ ‬بمراكز‭ ‬احتجاز‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬الاضرار‭ ‬بشكل‭ ‬خطير‭ ‬بصورة‭ ‬تونس‭ ‬وبمصالحها‭ ‬في‭ ‬افريقيا‭ ‬وبأماكن‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬العالم‭.‬

ان‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬طرد‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المقيمين‭ ‬غير‭ ‬القانونيين‭ ‬هو‭ ‬حلم‭ ‬كل‭ ‬انسان‭ ‬متشدّد‭ ‬وكل‭ ‬قومي‭ ‬صارم‭ ‬دون‭ ‬ذكر‭ ‬الأشخاص‭ ‬المعادين‭ ‬للأجانب‭ ‬الذين‭ ‬يجدون‭ ‬في‭ ‬الوطنية‭ ‬الزائفة‭ ‬طريقا‭ ‬للتعتيم‭ ‬على‭ ‬كراهيتهم‭ ‬الآخرين‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬يصبح‭ ‬دبلوماسيا‭ ‬وماديا‭ ‬مستحيلا‭ ‬عندما‭ ‬يبلغ‭ ‬الأمر‭ ‬نقل‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يحتاج‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬جسر‭ ‬جوّي‭ ‬مكلف‭ ‬للغاية‭ ‬وغير‭ ‬مُجد‭ ‬باعتبار‭ ‬انه‭ ‬سيتضح‭ ‬بالتأكيد‭ ‬أن‭ ‬الدفع‭ ‬بهم‭ ‬إلى‭ ‬الحدود‭ ‬الليبية‭ ‬أو‭ ‬الجزائرية‭ ‬أمر‭ ‬مستحيل‭.‬

وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الاكراهات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والمادية‭ ‬لعمل‭ ‬مماثل‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المسألة‭ ‬أكثر‭ ‬واقعية‭ ‬بالتعاطي‭ ‬معها‭ ‬طبقا‭ ‬للمراحل‭ ‬التالية‭ ‬‭:‬

‭ ‬–1‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬خطاب‭ ‬وتمييز‭ ‬بغيض‭ ‬وعنصري‭ ‬تجاه‭ ‬مواطني‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬بقطع‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬وضعهم‭ ‬القانوني‭ ‬لأن‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬يبرّر‭ ‬تجريد‭ ‬انسان‭ ‬من‭ ‬انسانيته‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬التي‭ ‬ستبقى‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭ ‬جغرافيا‭ ‬بلدا‭ ‬افريقيا‭.‬

‭ ‬–2‭ ‬التعجيل‭ ‬بإجراءات‭ ‬تسوية‭ ‬وضعيات‭ ‬مواطني‭ ‬بلدان‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬المقيمين‭ ‬بتونس‭ ‬لأسباب‭ ‬مبرّرة‭ ‬مثل‭ ‬الدراسة‭ ‬والعمل‭ ‬والعلاج‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭.‬

‭ ‬–3‭ ‬الشروع‭ ‬بالتعاون‭ ‬من‭ ‬منظمة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الافريقي‭ ‬وسفارات‭ ‬الدول‭ ‬الافريقية‭ ‬الممثلة‭ ‬بتونس‭ (‬مقيمة‭ ‬كانت‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مقيمة‭) ‬والمنظمة‭ ‬الدولية‭ ‬للهجرة‭ ‬ووكالة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للاّجئين‭ ‬واليونيسيف‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬إحصاء‭ ‬عدد‭ ‬المهاجرين‭ ‬الافارقة‭ ‬غير‭ ‬الشرعيين‭ ‬وتأطيرهم‭ ‬في‭ ‬مدّة‭ ‬قصيرة‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬تسوية‭ ‬وضعياتهم‭ ‬أو‭ ‬تنظيم‭ ‬عملية‭ ‬مغادرتهم‭.‬

‭ ‬–‭4 ‬منح‭ ‬المقيمين‭ ‬غير‭ ‬القانونيين‭ ‬تراخيص‭ ‬إقامة‭ ‬مؤقتة‭ ‬تتراوح‭ ‬مدّتها‭ ‬بين‭ ‬6‭ ‬و12‭ ‬شهرا‭ ‬للسماح‭ ‬لهم‭ ‬بتسوية‭ ‬وضعياتهم‭ ‬أو‭ ‬مغادرة‭ ‬تونس‭ ‬محفوظي‭ ‬الكرامة‭.‬

5‬–‭ ‬تجنّب‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يؤجّرون‭ ‬مساكن‭ ‬لمواطنين‭ ‬قادمين‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬شريطة‭ ‬أن‭ ‬يستظهروا‭ ‬بما‭ ‬يفيد‭ ‬بأنه‭ ‬تم‭ ‬تعداد‭ ‬المهاجرين‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬المطلوب‭ ‬وأن‭ ‬يكونوا‭ ‬قد‭ ‬شرعوا‭ ‬في‭ ‬إجراءات‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬تراخيص‭ ‬إقامة‭ ‬مؤقتة‭. ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬تشمل‭ ‬التسوية‭ ‬أيضا‭ ‬الوضعية‭ ‬الجبائية‭ ‬لأصحاب‭ ‬المساكن‭. ‬ولتجنّب‭ ‬أي‭ ‬إحساس‭ ‬بالتمييز‭ ‬لابدّ‭ ‬من‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يشمل‭ ‬شرط‭ ‬الشفافية‭ ‬الجبائية‭ ‬كل‭ ‬أصحاب‭ ‬المساكن‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬كراؤها‭ ‬للأجانب‭ ‬بقطع‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬جنسياتهم‭.‬

‭ ‬–6‭ ‬مطالبة‭ ‬مُشغّلي‭ ‬مواطني‭ ‬دول‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬الحاصلين‭ ‬على‭ ‬تراخيص‭ ‬إقامة‭ ‬وقتية‭ ‬بالتصريح‭ ‬بهم‭ ‬لدى‭ ‬الصندوق‭ ‬الوطني‭ ‬للضمان‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وباحترام‭ ‬قانون‭ ‬الشغل‭ ‬حفاظا‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬هؤلاء‭ ‬العمال‭ ‬وكرامتهم‭.‬

‭ ‬–‭7 ‬السماح‭ ‬للقادمين‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬بممارسة‭ ‬حريتهم‭ ‬في‭ ‬العبادة‭ ‬وتكوين‭ ‬الجمعيات‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬الحدود‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الدولية‭ ‬والقانون‭ ‬التونسي‭ ‬مع‭ ‬توخّي‭ ‬المرونة‭ ‬اللازمة‭ ‬حفاظا‭ ‬على‭ ‬تماسك‭ ‬هذه‭ ‬المجموعات‭ ‬العرقية‭ ‬وعلى‭ ‬تنظّمها‭ ‬الذاتي‭.‬

‭ ‬–8‭ ‬عقد‭ ‬مؤتمر‭ ‬دولي‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬منظمة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الافريقي‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬ومنظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬حول‭ ‬تنقّل‭ ‬الأشخاص‭ ‬ومعالجة‭ ‬الهجرة‭ ‬من‭ ‬الجنوب‭ ‬إلى‭ ‬الشمال‭ (‬افريقيا‭ – ‬أوروبا‭) ‬لأنه‭ ‬ليس‭ ‬لتونس‭ ‬إمكانات‭ ‬ولا‭ ‬مصلحة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حارسة‭ ‬حدود‭ ‬قلعة‭ ‬أوروبا‭ ‬طالما‭ ‬استمرّت‭ ‬حالة‭ ‬الحرمان‭ ‬وغياب‭ ‬الآفاق‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬جنوب‭ ‬المتوسط‭.‬

‭ ‬–9‭ ‬باعتبارها‭ ‬ملتقى‭ ‬الحضارات،‭ ‬يجدر‭ ‬بتونس‭ ‬اطلاق‭ ‬حوار‭ ‬حول‭ ‬آليات‭ ‬جديدة‭ ‬لتنمية‭ ‬عادلة‭ ‬ومستدامة‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬توفّر‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬الحوافز‭ ‬لتوطين‭ ‬سكانها‭ ‬وسكان‭ ‬البلدان‭ ‬الافريقية‭ ‬عبر‭ ‬برنامج‭ ‬انمائي‭ ‬طموح‭ ‬شبيه‭ ‬بمخطط‭ ‬مارشال‭ ‬الذي‭ ‬سمح‭ ‬بإعادة‭ ‬اعمار‭ ‬أوروبا‭ ‬اثر‭ ‬الدمار‭ ‬الذي‭ ‬لحق‭ ‬بها‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭. ‬ففي‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬خطة‭ ‬عمل‭ ‬جادة‭ ‬مدعومة‭ ‬بالموارد‭ ‬اللازمة‭ ‬سيكون‭ ‬من‭ ‬الوهم‭ ‬والضرر‭ ‬الشديد‭ ‬أن‭ ‬تسمح‭ ‬تونس‭ ‬لنفسها‭ ‬بالتورط‭ ‬مقابل‭ ‬اعانات‭ ‬مالية‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬عبثيّة‭ ‬لايقاف‭ ‬تدفق‭ ‬موجات‭ ‬المهاجرين‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬الجنوب‭. ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬بمقدور‭ ‬شعوب‭ ‬شمال‭ ‬افريقيا‭ ‬وافريقيا‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬في‭ ‬الظرف‭ ‬الحالي‭ ‬والمستقبل‭ ‬المنظور‭ ‬مقاومة‭ ‬إغراء‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬حياة‭ ‬أفضل‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬بما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬تونس‭ ‬منطقة‭ ‬عبور‭ ‬أو‭ ‬محطة‭ ‬لاجتياز‭ ‬الحدود‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل‭.‬

فإذا‭ ‬كانت‭ ‬الطبيعة‭ ‬تأبى‭ ‬الفراغ‭ ‬فإنّ‭ ‬الطبيعة‭ ‬البشرية‭ ‬تمقت‭ ‬العوز‭ ‬والبؤس‭ ‬خاصة‭ ‬اذا‭ ‬اعتقدت‭ ‬عن‭ ‬خطإ‭ ‬أو‭ ‬صواب‭ ‬أن‭ ‬الخلاص‭ ‬على‭ ‬مرمى‭ ‬حجر‭.‬

‭ ‬–10‭ ‬بينما‭ ‬يُنظر‭ ‬الى‭ ‬افريقيا‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬ميدان‭ ‬تنافس‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬طمعا‭ ‬في‭ ‬ثرواتها‭ ‬الهائلة‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬مسؤول‭ ‬تونسي‭ ‬الالتزام‭ ‬أخلاقيا‭ ‬وتاريخيا‭ ‬بالحذر‭ ‬من‭ ‬نكران‭ ‬الماضي‭ ‬والامتناع‭ ‬عن‭ ‬شتم‭ ‬المستقبل‭.‬

*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 28 فيفري 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING