الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: بيّن مركز مالكوم كير- كارنيغي وهو مؤسسة دولية بحثية في تقرير أصدره يوم 29 أوت الفارط انه لا شكّ في أن إصلاح اقتصادات تونس ومصر ولبنان على وجه التحديد لإخراجها من دوّامة مشاكلها الراهنة هو المسار الأكثر حكمة وأنه قد يكون مع ذلك محفوفًا بالتحديات على المستوى السياسي.
واكد التقرير على ان مجموعات مختلفة جدًّا استفادت في هذه البلدان من “الإسراف” الذي موّلته الديون وعلى أن هذه المجموعات تمثّلت في الاتحاد العام التونسي للشغل واصحاب البنوك في حالة لبنان والمؤسسة العسكرية في ما يتعلق بمصر. واكدت المؤسسة الدولية البحثية على انه يتعيّن على السياسيين من أصحاب التوجّه الإصلاحي لتحقيق نمو أكبر في اقتصادات هذه الدول تحييد معارضة الإصلاحات وتشكيل ائتلاف من أجل التغيير.
كما تمت الاشارة الى ان مصر وتونس ولبنان واجهت على غرار دول نامية أخرى سلسلة من الصدمات الخارجية السلبية منذ عام 2019 كانت أوّلها تفشّي وباء كوفيد-19 خلال عامَيْ 2020 و2021 حين ارتفع العجز المالي في كل منها. وأضافت أن الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا أسفرت هي الاخرى عن ارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية في العالم.
وشهدت هذه الدول الثلاث حسب تقرير مركز مالكوم كير- كارنيغي زيادة الدعم للتخفيف من تأثير الحرب على العائلات مما فاقم العجز الداخلي والخارجي. وأوضح التقرير انه بعد تشديد شروط الاقراض العالمية سنة 2022 عَقب محاولات الدول الغنية الحدّ من التضخم عبر رفع معدّلات الفائدة عُزلت مصر وتونس عن الأسواق المالية العالمية وباتتا تواجهان محنةً من المديونية في حين تخلّف لبنان عن سداد ديونه في عام 2020.
وابرز تقرير المركز ان أوجه الضعف الاقتصادية الهيكلية القائمة منذ فترة طويلة في هذه الدول الثلاث تسبّبت في اندلاع انتفاضات اجتماعية سنة 2011 عُرفت باسم الربيع العربي أدّت رغم ذلك إلى اضطرابات مالية متنامية تهدّد الاستقرار وتُخلّف معضلات سياسية حادة. وأشار التقرير الى أن عدم التعامل مع التوترات المتنامية سيُفاقم الأزمات المالية التي تثقل كاهل هذه الدول والى أن التعامل معها عبر سياسات تقشّفية فحسب قد يؤدي إلى اندلاع أزمات اجتماعية بهذه البلدان.
وجرى التذكير في ذات السياق بلجوء حكومات مصر وتونس ولبنان في السابق وببساطة إلى شدّ الأحزمة وخفض الإنفاق عند مواجهة الازمات المالية مع الملاحظة أن الاختلالات اليوم كبيرة الى درجة أن الاجراءات التقشّفية الشاملة قد تؤدي إلى ركود شديد بما يمكن ان يشعل بدوره شرارة الاضطرابات الاجتماعية وأن ذلك يتطلب إطلاق مبادرة وطنية يُعتدّ بها لتحقيق التعافي الاقتصادي بدلًا من الاكتفاء باتّخاذ اجراءات تقشّفية فحسب كتلك التي تم تطبيقها في ثمانينات القرن الماضي.
وختم التقرير بأنه رغم تفاقم عجز المالية العمومية وتراجع النمو الاقتصادي أدّى هذان العاملان معًا إلى ارتفاع حادّ في نسبة الدَّين العام بتونس مقارنة بإجمالي الناتج المحلي من 40 بالمائة في عام 2010 إلى 85 بالمائة في عام 2020 ومن 70 % إلى 95 بالمائة في مصر ومن 130 إلى 180 بالمائة في لبنان. وخلص التقرير الى أنه نتيجةً لمعدّلات الدَّين هذه المرتفعة للغاية استنادًا إلى المعايير العالمية باتت الدول الثلاث أكثر عرضةً للتأثّر بالصدمات )مثل وباء كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية وتشديد شروط الائتمان العالمية( التي هزّت الاقتصاد العالمي.
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 5 سبتمبر 2023