الشارع المغاربي – جدّة‭ ‬تعبّد‭ ‬طريقا‭ ‬للمدرسة‭ ‬حجرة‭ ‬حجرة‭...‬/بقلم:عبدالرحمان الرماني

جدّة‭ ‬تعبّد‭ ‬طريقا‭ ‬للمدرسة‭ ‬حجرة‭ ‬حجرة‭…‬/بقلم:عبدالرحمان الرماني

قسم الأخبار

22 سبتمبر، 2023

الشارع المغاربي: في‭ ‬حين‭ ‬تغيب‭ ‬الدولة‭ ‬عن‭ ‬توفير‭ ‬مقوّمات‭ ‬العودة‭ ‬المدرسيّة‭ ‬الناجحة‭ ‬بجميع‭ ‬الجهات‭ ‬وتكتفي‭ ‬بالشعارات‭ ‬ودون‭ ‬أن‭ ‬توفّر‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬شاملة‭ ‬وملائمة‭ ‬وصالحة‭ ‬لتنزيل‭ ‬الأفكار‭ ‬صلب‭ ‬الواقع،‭ ‬تحضر‭ ‬الإرادة‭ ‬الشّعبيّة‭ ‬مرّة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى؛‭ ‬تارة‭ ‬للتّصرّف‭ ‬وتدوير‭ ‬الأثاث‭ ‬من‭ ‬طاولات‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬قصد‭ ‬إعادة‭ ‬استعمالها‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ “‬كريم‭ ‬عرفة‭” ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬حيث‭ ‬عمل‭ ‬على‭ ‬ترميق‭ ‬وترميم‭ ‬المعدم‭ ‬من‭ ‬الطاولات‭ ‬التي‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬نجدها‭ ‬ملقاة‭ ‬في‭ ‬الجهات‭ ‬الخلفية‭ ‬للمؤسسات‭ ‬التربوية،‭ ‬وقد‭ ‬أجاد‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬وكانت‭ ‬مبادرته‭ ‬تلك‭ ‬قد‭ ‬لقيت‭ ‬ترحيبا‭ ‬ومباركة‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭. ‬

هذه‭ ‬المرّة‭ ‬تتدخّل‭ ‬مسنّة‭ ‬بنفسها،‭ ‬امرأة‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬عنها‭ ‬الكثير‭ ‬سوى‭ ‬وجهها‭ ‬الضّاحك‭/ ‬الباسم‭ ‬في‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬تناقلتها‭ ‬صفحات‭ ‬التّواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وهي‭ ‬تضع‭ ‬آخر‭ ‬قطعة‭ ‬حجر‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬ليُخلّد‭ ‬عملها‭ ‬وجهدها‭ ‬الذي‭ ‬استمرّ‭ ‬عاما‭ ‬بأكمله‭ ‬دون‭ ‬انقطاع‭ ‬أو‭ ‬كلل‭. ‬هذه‭ ‬المرأة‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬حتى‭ ‬اسمها‭ ‬غير‭ ‬أنّ‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الصفحات‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬قد‭ ‬وصفتها‭ ‬بأنّها‭ “‬امرأة‭ ‬برتبة‭ ‬دولة‭” ‬وبأنّها‭ ‬من‭ ‬أرياف‭ ‬جندوبة،‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬ملامحها‭ ‬أنها‭ ‬بلغت‭ ‬الستين‭ ‬من‭ ‬العمر،‭ ‬لكن‭ ‬كما‭ ‬يُقال‭ ‬العمر‭ ‬مجرّد‭ ‬رقم‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمن‭ ‬اختار‭ ‬سبيل‭ ‬العمل‭ ‬والجدّ‭ ‬والاجتهاد،‭ ‬هذه‭ ‬المرأة‭ ‬الدّولة‭ ‬اختارت‭ ‬أن‭ ‬تتدخّل‭ ‬بنفسها‭ ‬لتعبّد‭ ‬الطريق‭ ‬الذي‭ ‬يربط‭ ‬بين‭ ‬المدرسة‭ ‬ومنازل‭ ‬المتمدرسين‭. ‬قد‭ ‬يقول‭ ‬البعض‭ ‬إنّ‭ ‬هذا‭ ‬شأن‭ ‬الدّولة،‭ ‬فهي‭ ‬التي‭ ‬تسهر‭ ‬على‭ ‬تسخير‭ ‬طاقتها‭ ‬ومواردها‭ ‬المالية‭ ‬والبشرية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تنزيل‭ ‬قاعدة‭ “‬التلميذ‭ ‬محور‭ ‬العملية‭ ‬التربوية‭”. ‬لكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬قد‭ ‬قصّرت‭ ‬مفهومها‭ ‬على‭ ‬احتكار‭ ‬العنف‭ ‬بالمعنى‭ ‬الفيبري،‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تتدخل‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬فرض‭ ‬القوة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تبالي‭ ‬بالبعد‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬المناط‭ ‬بعهدتها‭. ‬وبقدر‭ ‬ما‭ ‬نثمّن‭ ‬مبادرة‭ ‬هذه‭ ‬المرأة‭ ‬وندعو‭ ‬إلى‭ ‬تكريمها‭ ‬ولو‭ ‬باستدعائها‭ ‬لإحدى‭ ‬الإذاعات‭ ‬الوطنيّة،‭ ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬ينكر‭ ‬أهمّية‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬أرياف‭ ‬الشمال‭ ‬الغربي‭ ‬حيث‭ ‬تغيب‭ ‬أبسط‭ ‬مقوّمات‭ ‬العيش‭ ‬الكريم،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬ذلك‭ ‬الطرق،‭ ‬فالمسالك‭ ‬الفلاحية،‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تغرق‭ ‬في‭ ‬الأمطار‭ ‬والأوحال‭ ‬وتحول‭ ‬دون‭ ‬وصول‭ ‬التلاميذ‭ ‬إلى‭ ‬مقاعد‭ ‬دراستهم،‭ ‬قلت‭ ‬رغم‭ ‬قيمة‭ ‬المبادرة‭ ‬لكن‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يُسلَّم‭ ‬الأمرُ‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬أهله،‭ ‬فمن‭ ‬واجب‭ ‬الدولة‭ ‬أن‭ ‬تعبد‭ ‬الطريق‭ ‬حتى‭ ‬بالحجارة‭ ‬مثلما‭ ‬فعلت‭ ‬هذه‭ ‬الجدّة،‭ ‬ومن‭ ‬واجب‭ ‬الدولة‭ ‬أن‭ ‬ترعى‭ ‬مصالح‭ ‬المواطنين‭ ‬وتستصلح‭ ‬ما‭ ‬فسد‭ ‬وتبني‭ ‬ما‭ ‬يُحتاج‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬مرافق‭ ‬عمومية‭ ‬فحتّى‭ ‬المشاريع‭ ‬المموّلة‭ ‬من‭ ‬جهات‭ ‬أجنبيّة‭ ‬لم‭ ‬تر‭ ‬النور‭ ‬بعد‭ ‬ولا‭ ‬أدلّ‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬المستشفى‭ ‬المموّل‭ ‬من‭ ‬الطّرف‭ ‬السّعوديّ‭ ‬والذي‭ ‬يُزمَع‭ ‬تشييده‭ ‬في‭ ‬القيروان‭.‬

‭ ‬في‭ ‬الختام‭ ‬لا‭ ‬يسعنا‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نرفع‭ ‬آيات‭ ‬الشكر‭ ‬لهذه‭ ‬الجدّة‭ ‬الصبورة‭ ‬والكادحة‭ ‬وعساها‭ ‬تُلهم‭ ‬مسؤولي‭ ‬الدولة‭ ‬روح‭ ‬المسؤوليّة‭ ‬ويقظة‭ ‬الضّمير‭ ‬وتدفعهم‭ ‬نحو‭ ‬استعادة‭ ‬رشدهم‭.‬

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 19 سبتمبر 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING