الشارع المغاربي-حاورته: كوثر زنطور: أكد رمضان بن عمر الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ان المنتدى سيقوم بحملات مناصرة لإسقاط مذكّرة التفاهم الموقعة بين تونس والاتحاد الأوروبي والتي وصفها في حواره مع “الشارع المغاربي” بالانتكاسة الكبرى وقال انه تم توقيعها بشكل أحادي وفي غياب نقاش مجتمعي بخصوصها. وأبرز بن عمر ان للمنتدى مطالب أساسية كان على المفاوض التونسي طرحها مشدّدا على ان من بينها إلغاء التأشيرات في اطار المساواة بين المواطن التونسي ونظيره الأوروبي . واعتبر ان بحث رئيس الجمهورية عن مشروعية سياسية هو السبب الوحيد لقبوله التوقيع على المذكّرة.
ما هي مؤاخذات المنتدى على مذكّرة التفاهم الموقعة يوم أول أمس بين تونس والاتحاد الاوروبي؟
مؤاخذاتنا عديدة اولها الإطار. تم توقيع المذكرة في اطار غير ديمقراطي وفي غياب مؤسسات سياسية قائمة ودون المرور بنقاش مجتمعي حول مضامينها وأهدافها اذ أن التوقيع تم بطريقة أحادية من طرف رئيس الجمهورية دون تقديم معطيات رسمية وتفصيلية بخصوصها ودون معرفة بموقف المفاوض التونسي ومقارباته حول مختلف النقاط المضمنة ولنا مؤاخذات حول الشكل باعتبار ان مذكّرة التفاهم تكون عادة بمضامين عمومية بلا اي تنصيص تفصيلي أو محدد حول مختلف النقاط الواردة فيها وفي المذكّرة لم يتم تضمين المبادئ التي قامت عليها الثورة على الأقل ولا قناعتنا منذ سنة 2011 وعلى رأسها الكرامة والحرية والمساواة. كل هذه المبادئ أسقطت من مشروع المذكرة التي لا وجود فيها للمساواة بين المواطن الاوروبي والمواطن التونسي وتمت معاملة المواطن التونسي معاملة تمييزية بحرمانه من حقه في التنقل وهو حق يستفيد منه المواطن الاوروبي وكرست التفاوت حتى بين المواطنين التونسيين حسب طبقاتهم الاجتماعية بين مواطنين لهم امكانات مالية او يحتاجهم الاقتصاد الأوروبي وهنا تكون التأشيرة ممكنة وبقية المواطنين الذين لا يحق لهم التنقل.
من حيث المضمون ؟
مؤاخذاتن الكبرى على البعد الأمني الذي انبت عليه فلسفة المذكّرة. اما بقية المحاور الاربعة وباستثناء النقطة المتعلّقة بالهجرة فنعتبرها في المنتدى عناصر تجميلية تكررت في عديد الاتفاقيات السابقة بما فيها اتفاقية سنة 1995 وكان قد تم طرحها من قبل مسؤولين اوروبيين وبوعود أكثر حتى من حيث القيمة المالية الحالية. ونذكر ان المفوض لسياسة الجوار كان قد تحدث عن ضخ اكثر من 3 مليارات أورو لتونس في ظرف 3 سنوات. اذن نجد الغاية من المذكرة في الفصل الخاص بالهجرة وايضا في تصريحات المسؤولين الاوروبيين الذين كانوا أكثر وضوحا واكثر مباشراتية من رئيس الجمهورية على غرار الناطق باسم رئيس الوزراء الهولندي الذي قال صراحة انهم اي اوروبا قدّموا المال مقابل ضبط الحدود يعني أن العملية كانت واضحة.
ما هي مكامن هذا الوضوح ؟
المذكّرة بالنسبة لنا تمثّل انتكاسة كبيرة في وقت كنا ننتظر فيه ان تشكل المفاوضات فرصة لتصحيح علاقتنا بالاتحاد الأوروبي فوجدنا اننا في اتجاه انحدار سريع لأن في المذكرة نقاطا كانت محل رفض من مختلف الحكومات المتعاقبة مع انتقادنا لها. الحكومة في سنة 2014 رفضت مسألة إعادة القبول وذلك بفضل ضغط المجتمع المدني والباجي قائد السبسي رفض سنة 2017 إحداث منصات لفرز وإنزال المهاجرين التي سنقبلها بطريقة غير مباشرة اليوم وتونس كانت قد رفضت سابقا بعض النقاط التي كانت موجودة في مذكرة “أليكا”. هذه المذكرة تكرّس معاملة تمييزية على أساس الهوية للمهاجر التونسي وخاصة غير النظامي في فضاء شنغن وسيصبح رأس المهاجر التونسي مطلوبا من مختلف الحكومات الأوروبية استنادا الى مذكرة التفاهم والمهاجر التونسي غير النظامي سيصبح مهددا بالترحيل بمن في ذلك من دخلوا هذا الفضاء بطريقة نظامية وربما عجزوا لأسباب أو لأخرى أو لتعطيلات عن تجديد بطاقات إقاماتهم.
الا ترى أية نقاط ايجابية في المذكر؟ هناك ترحيب مثلا من انصار الرئيس الذين اعتبروا انها نصّصت بوضوح على موقف سيادي تمسّك به قيس سعيد برفض تحوّل تونس الى ارض توطين ورفض ان تكون حارسا إلا لحدودها ؟
المساهمة الوحيدة الواضحة لرئيس الجمهورية كانت في جملتين تمت إضافتهما بخصوص ان تونس لن تكون الا حارسا لحدودها وانها لن تكون ارض توطين والوقائع تنفي ذلك تماما. فبالنسبة لدور الحارس هو واضح اليوم من ارقام المؤسسات الرسمية أو من خلال تصريحات الناطق باسم الحرس الوطني الذي تحدّث عن منع اكثر من 34 الف مهاجر في ظرف 6 أشهر من الوصول الى الفضاء الاوروبي وهذا تم حتى عبر اعتراض في البحر والاعادة بالقوة الى تونس. هذا من جهة، من جهة اخرى هناك تمويلات ستُمنح لتعزيز تجهيزات الحرس البحري بمنظومات رادارية وطائرات بلا طيار وتدريبات.. هذه كلها لماذا؟ طبعا للعب دور الحارس. ام عن ان تونس لن تكون ارض توطين فهذه الفكرة تم تسويقها واعتمادها أصلا لترويح الخطاب العنصري والخطاب الكراهية ضد المهاجرين وهنا أؤكد ان ما قام به قيس سعيد هو إعادة تركيز مخيّمات حجز مهاجرين في تونس.
كيف ذلك ؟
ببساطة من خلال النقطة المتعلّقة بتكفّل الاتحاد الأوروبي بعملية إعادة المهاجرين غير النظاميين الموجودين في دوله الى بلدانهم بما يعني ان الاتحاد الاوروبي سيتكفل بالمسألة المادية فقط فماذا سيكون اذن دور تونس في عملية ترحيل المهاجرين غير النظاميين؟ دورها سيتمثّل في تجميعهم بمراكز لمنعهم من الهروب وستصبح لنا بالتالي مراكز احتجاز على الاراضي التونسية التي تتطلب تمويلات ستتم طبعا عبر الاتحاد الاوروبي وتستوجب أيضا اتفاقيات مع بلدانهن (دول جنوب الصحراء) وهذا على الارجح غير موجود. كما تستوجب عملية الترحيل التعرّف على هويّاتهم وفي كثير من الوضعيات هذا غير ممكن فماذا سيحصل في الأخير؟ النجاح في الترحيل سيكون بنسب قليلة والبقية سيبقون في مراكز احتجاز ستتحول من مركز واحد الى مركز ثاني فثالث وربما رابع وخامس بما سيجعلنا امام مراكز احتجاز في تونس على المناطق الساحلية او الحدودية مع الجزائر او ليبيا اي ان قيس سعيد سيُشرعن لاحتجاز المهاجرين في تونس بشكل دائم بعد ان كان وجود هؤلاء المهاجرين غير النظاميين ظرفيا ومرتبطا بفرصة هجرة وهروب كانت تمر عبر تونس… سيحوّلهم هو ( قيس سعيد) الى محتجزين غير قادرين على العودة الى بلدانهم.
ماذا سيتغيّر في ملف الهجرة بعد المرور من اتفاقيات ثنائية الى اتفاق شامل مع الاتحاد الاوروبي ؟
هناك عديد المسائل التي ستتغيّر والمشاكل التي ستتفاقم بالنسبة للمهاجر التونسي غير النظامي خاصة في فضاء شنغن ككل إذ أن مختلف الاجراءات السابقة على غرار الترحيل القسري مثلا كانت تتم استنادا الى اتفاقيات ثنائية بين تونس وايطاليا او بين تونس وفرنسا او بين تونس والمانيا… اليوم أصبحت اتفاقيات اشمل تتجاوز حدود الدول الثلاث التي ذكرتها لتصبح مع كل دول الاتحاد الاوروبي والفرق سيكون كبيرا فبعد الترحيل من المانيا وفرنسا وايطاليا سنشهد ترحيلا من كل بلدان فضاء شنغن التي ستستند الى مذكرة التفاهم الموقعة يوم أول امس للمطالبة بترحيل التونسيين من المهاجرين غير النظاميين والخطر ان الانتهاك سيُصبح أشمل بعد أن كان يتم على مستوى 3 دول وبعدد محدود ضمن اطر الاتفاقيات الثنائية وقد تفتح المذكّرة الباب امام عدم تسقيف العدد أي ترحيل دون سقف عددي للمهاجرين غير النظاميين بما قد يصل حتى إلى إلغاء التصاريح القنصلية بما يهدّد التونسيين ليس فقط في الدول التي بها اتفاقيات ثنائية.
هل أن مصاعب للمهاجرين الذين ينتظرون تسوية وضعياتهم ستتعقد وتتفاقم بهذه المذكرة؟
نعم هم مهدّدون بالترحيل والامر قد يتعقّد اكثر في صورة وصول أوساط يمينية اكثر تطرفا الى السلطة في دول الاتحاد الاوروبي والتي تنادي بطرد المهاجرين وبإمكانها الاعتماد على هذه المذكرة لشرعنة عملية طرد جماعي للمهاجرين التونسيين غير النظاميين استنادا الى الهوية ويصبح اي مواطن تونسي مهددا بالترحيل فقط لأنه شهد تعطيلات ما في تسوية وضعيته وحتى في تجديد بطاقة الإقامة الخاصة به حتى ان كان مقيما لسنوات في فضاء شنغن… سيجد نفسه لسبب أو لآخر في مطار طبرقة ( المطار المخصص لرحلات الترحيل).
لكن المذكّرة تُنصّص على حماية الحقوق والحريات؟
هذا غير صحيح… اذكر أننا تحصلنا في شهر مارس على حكم قضائي من المحكمة الاوروبية لحقوق الإنسان أدان الحكومة الايطالية بسبب طرد 4 مهاجرين تونسيين غير نظاميين اي ان عملية الطرد لم تحترم التراتيب وطالبنا الحكومة التونسية بإيقاف التنسيق الامني مع الجانب الايطالي لكنه رغم ذلك مازال متواصلا وواضح ان الرئيس كان مستعدا لتقديم اكثر مما كان ينتظر الاوروبيون الذين اغتنموا الفرصة.
تعتبر ان الرئيس قيس سعيد قدّم أكثر ممّا كان ينتظر الاوروبيون ؟
أكيد … الأوروبيون سيقّدمون المذكرة كاتفاق نموذجي وسيحاولون تعميمه على دول الجنوب والمذكرة كرّست نفس مقاربتهم التي اعتمودها في اتفاقية الهجرة واللجوء الاوروبية بنفس المقاربة التي قدمتها ميلوني (رئيسة الوزراء الايطالية التي قالت انها ستقّدم استراتيجية جديدة في علاقة بالهجرة لن تكون حتى على شاكلة الاستراتيجية التي اعتمدتها ميركل (مستشارة المانيا السابقة) مع تركيا وفعلا نجحت ميلوني في تحقيق وعودها التي اطلقتها لناخبيها وبات لهؤلاء القادة وأولهم ميلوني مصداقية لدى الناخب الاوروبي وخير دليل على ذلك الاتفاق الذي تم التوصل اليه مع تون.
ماذا ينقص المذكرة ؟
المذكرة قنّنت وشرعنت انتهاك كرامة التونسيين الموجودين في فضاء اوروبا وتم انتهاك السيادة الوطنية بتحويل تونس الى مجرد نقطة حدودية أوروبية تحتاج فقط الى المعدات التقنية والتجهيزات اللازمة للقيام بهذا الدور والانتهاك الآخر هو تحويل تونس والمجتمع ككل الى دولة معادية للمهاجرين.
وما المطلوب ان دعوتم الى تعديلها ؟
تمنينا لو تم تضمين حرية التنقل للتونسيين في المذكرة وهذا من حقنا المطالبة به في اطار المساواة.
يعني كان من المفروض الغاء التأشيرات ؟
طبعا هذا تبادل الحريات.. اليوم مواطن الاتحاد الاوروبي يتمتع بحرية التنقل فيما نحن محرومون من هذا الحق ويجب ان ندافع عن هذا الحق لأنه جزء من كرامتنا… من جهة اخرى كان من المفروض على تونس المطالبة بإلغاء اتفاقيات اعادة القبول لان الجنسية التونسية تعامل بطريقة تمييزية وتحميل الاتحاد الاوروبي مسؤولية الوضع المأساوي للمهاجرين في تونس باعتبار أن أزمة الهجرة مربطة بسياسات الهجرة الاوروبية وعليه ان يجد مسارات آمنة لنقل المهاجرين والعالقين في تونس… نحن كمنتدى نتشبث بهذه المطالب.
في رأيك لماذا قبل رئيس الجمهورية بالتوقيع على المذكرة بعد أخذ وردّ ؟
ربما بحثا عن مشروعية سياسية من خلال إظهار انه ليس في عزلة سياسية على المستوى الدولي ولتقديم نفسه في صورة الرجل الذي قال “لا” واخضع صندوق النقد الدولي واخضع الاتحاد الاوروبي وهذا غير صحيح… ربما لهذه الاسباب لأنني لم اجد له سببا آخر.
كيف ستعبّرون عن رفضكم هذه المذكّرة؟ هل يعتزم المنتدى تنظيم تحركات مثلا ؟
مذكّرة التفاهم ستدخل مرحلة النقاشات لإعداد الاتفاقيات التنفيذية لذلك مازال لدينا أمل في المجتمع المدني وفي تغير الواقع السياسي. من جهتنا سنواصل حملات المناصرة لإسقاط مذكرة التفاهم او لتعديلها بما يخدم مصلحة المواطن التونسي والاقتصاد التونسي.
عمليا كيف ستتم حملات المناصرة لإسقاط هذه المذكرة ؟
سنقوم بحملات المناصرة على المستوى المحلي من خلال الضغط على السلطة السياسية عبر الدراسات والتقارير التي نقدّمها والتي تدعم في الأخير موقف المفاوض التونسي وتدعم مقارباته وسنتحّك ايضا على المستوى الدولي من خلال شركائنا المنظمات الصديقة في الاتحاد الاوروبي التي تتقاسم معنا قيم الدفاع عن حقوق وكرامة المهاجرين. سنواصل النضال لإسقاط اية اتفاقية تنتهك حقوق وكرامة المهاجرين التونسيين.
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 18 جويلية 2023