الشارع المغاربي – وكالات : خصّص الكاتب البريطاني روبرت فيسك، مقاله الأسبوعي بصحيفة «الإندبندت» الى الأزمة التركية الامريكية كاشفا ما اعتبره الاسباب الحقيقية التي تقف وراءها بعيدا عن قضية اعتقال القس الامريكي برونسون.
وكتب فيسك يقول: «إن سذاجة ترامب فاقت كل شيء، في محاولته لإفقار أكبر حليف عسكري في الناتو، فالموقف يحتاج إلى فطنة لاسترضاء أردوغان، ولأولئك الذين يظنون أنّه أردوغان ليس حكيمًا في قرارته».
وأضاف الكاتب أنه من الصحيح أنّ أردوغان اعتقل 50 ألفًا من الأتراك بعد محاولة الانقلاب الفاشلة قبل سنتين، متسائلًا باستغراب: «ألم يعتقل المشير عبد الفتاح السيسي أكثر من 60 ألفًا من الإسلاميين؟ وتنفذ حكومة حيدر العبادي إعدامات جماعية في العراق؟ وماذا عن الصَلب الذي حدث في السعودية هذا الأسبوع؟ أو إطلاق الرصاص من قبل إسرائيل على المحتجين السلميين في غزة؟ أو الحماقة التي تحدث في شمال كوريا التي تستهوي روح الدعابة لترامب؟»
واستهجن فيسك من انفعال الرئيس ترامب، واصفًا اياه بأنه لا يكترث بشأن الأبرياء والمضطهدين حول العالم، وبأنّ ضميره الإنساني استيقظ فجأة ليضرب اقتصاد تركيا؛ بسبب احتجاز الأتراك القسّ الأمريكي برونسون ووضعه تحت الإقامة الجبرية في منزله، مدعّين أن له علاقةً مع صديق أردوغان القديم، الإمام فتح الله غولن المستقر في وطن ترامب، وأنّه كان جزءًا من مخطط الانقلاب الفاشل.
وتابع :« إنه لا يمكن تصديق هذا الهراء، فضجيج ترامب حول قضية أسر برونسون ليس مبررًا بحججه الدعائية» مشيرا الى أنّ عائلة القسّ، عائلة أمريكية نموذجية، حياتها مليئة بحفلات الشواء، والنزهات، والسباحة، مستشهدا بشهادة لشقيقة القسّ بيث قالت فيها: «عائلتنا تمارس الحياة الأمريكية النموذجية، على الرغم من استقرارها بالخارج».
وسخر الكاتب من غضب المسيحيين الإنجيليين تجاه قضية القسّ، الذين صفقوا لرئيسهم المفضل بعد تغريدته قائلًا: «يجب إطلاق سراح هذا الرجل المؤمن والبريء»، لافتا الى انه سُوِّق وكأنّ انفعال ترامب كان سببه أنَّ رئيسًا مسلمًا اعتقلَ رجلًا يبشر بكلمات الله في مدينة ساحلية تدعى ازمير.
وواصل فيسك قائلا: «سببت مضاعفة الأداءات الأمريكية على الفولاذ والألومنيوم التركيين انهيارًا لليرة التركية، وخسرت 45% من قيمتها لهذا العام، وكان من المحتمل أن يُلقى باللوم على الرئيس التركي الذي رفض زيادة أسعار الفائدة مقابل التضخم» داعيا الى التفكير بعقلانية متسائلًا: هل ان القس الامريكي سبب كل ما حصل؟
واستبعد الكاتب أنّ يكون سبب الأزمة احتجاز القسّ، وذكر قائمة لما اعتبرها «جرائم» أردوغان: شراء نظام صواريخ إس-400 الروسية، ورفضه قبول دعم أمريكا لحليفها الكردي «وحدات حماية الشعب»، وسماحه للمقاتلين الإسلاميين العبور إلى سوريا من خلال الحدود التركية، محملين بالأسلحة، والصواريخ، وقذائف الهاون.
واضاف : «بعد إسقاط الطائرة الروسية على الحدود السورية في نوفمبر 2015، عاد أردوغان لصديقه بوتين، وكان الروس والإيرانيون من أوائل المحذرين من محاولة انقلاب غولن جويلية 2016، بعد استماعهم إلى حركة الراديو الداخلية للجيش التركي، وحينها أنقذوا «سلطان إسطنبول» .
والآن يُحاول أردوغان مساعدة إيران لمراوغة عقوبات الولايات المتحدة الأمريكية، والتي فُرضت بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015 بإعلانه استمرار تركيا استيراد النفط الإيراني، وبالتالي سيتضاعف تهديد واشنطن بفرض عقوبات على النفط الإيراني.
أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية السنيّة، حليفة ترامب، والتي لا تحظى بأية حرية دينية تسمح بوجود قس مثل برونسون في أراضيها، فإنها غاضبة على أردوغان ومنذ مدة ليست بالطويلة، صنّف الأمير محمد بن سلمان تركيا بأنها داخل «مثلث الشر» المتألف من: إيران الشيعية، والإسلاميين المتشددين».
واعتبر فيسك إنه «من الممكن تخيل ما الذي يجري في الشرق الأوسط بعد كل ما ذُكر. أردوغان في علاقة صداقة مع بوتين وزعيم إيران الأكبر، وكموقف المعارض لسياسات السعودية تصبح تركيا في أوْج علاقتها مع أمير قطر الذي أنقذ الليرة التركية بوعده ضخ 15 مليار دولار للاستثمار في السوق التركية، وكما هو ظاهر فإن حصار السعودية لقطر بات بائسًا، كحربها على الشيعة في اليمن . وتتمركز القوات التركية في قطر لـ«حماية» الإمارة الصغيرة ضد جارتها الكبيرة المُهددة».
وتساءل الكاتب: بما أنّ العلاقات القطرية السورية تعود لمجراها الطبيعي، فمن سيكون الرابح الأكبر؟ هل سيكون بشار الأسد؟ فالقوات الروسية الآن تحرس الخطوط السورية الإسرائيلية تحت مرتفعات الجولان المحتلة. كما أن الروس قدموا وعودًا لإسرائيل بأنّ القوات الإيرانية المتواجدة في سوريا ستبعد على الأقل 80 كلم عن القطاع، وتحتاج سوريا لسحق معقل الإسلاميين النهائي في إدلب، وذلك بمساعدة روسيا، ودفع المقاتلين للعودة إلى تركيا.
وانهى فيسك مقاله قائلًا: «إن قطر تمتلك المال الكافي لإعادة بناء سوريا، وبالتالي مد نفوذها من بلاد الشام إلى البحر الأبيض المتوسط، وإذا ضخت قطر المزيد من المليارات في تركيا، فقد نرى نوعًا من التحالف الإستراتيجي بين الدوحة وأنقرة، وإعادة لعلاقة عائلية بين أردوغان والأسد».