الشارع المغاربي – وليد أحمد الفرشيشي: بـ «تفرفيشه» المعروف ، اختار محسن مرزوق، الأمين العام لحزب مشروع تونس، أن يخيطَ لنفسه جبّة جديدة، على هامش الأزمة السياسية التي وضعت الشاهد وجها لوجه أمام حزبه حركة نداء تونس، وهي جبّة «الموفّق السياسي»، عندما دعا الخصمينِ إلى «التحلّي ببرودة الدم والتعقّل» وعارضًا وساطتهُ «لتجاوز الحواجز النفسيّة القديمة»، كما ذكر ذلك في تصريح لإذاعة «موزاييك».
وإذا كانت حاسة شمّ «الأزمات» السياسية هي البوصلة التي تقودُ خطوات مرزوق بل وتموضعها دائمًا في خانة «الفوائد المحتملة»، إلاّ أنّ تاريخ الرّجلِ مع مثل هذه الولائم السياسية «الظرفيّة»، دائمًا ما أثبت أنهُ أوّلُ المدعويينَ «مغادرة»، لعلّة ثابتة فيه، وهي أنّ مصالحهُ الشخصيّة هي من يحرّكهٌ أوّلاً وأخيرًا، تلك المصالح الغارقة في «الأنا العالمة» و»الأنا المتضخّمة».
وساطة الأعمى بين الطرشان…!
ويقينًا، حاسّة الشمّ تلك التي تورّطُ محسن مرزوق في فخّ تناقضاتهِ الشخصيّة، وتفضحُ في الوقت نفسهِ، رغبتهِ المحمومةِ في تقديمِ نفسهِ للمشهد السياسي كرجل وطنيّ، تكسرُ صورة «رجل الإمارات» في تونس وتقدّمهُ على أنّهُ رجل الوساطة والتوافقات الكبرى، لن تنجح هذه المرّة سوى في تثبيتِ صورتهِ كانتهازي صغيرِ يستغلّ الفرصَ الصغيرة لصنعِ مجدٍ كبير.
ذلك أنّ الرجلِ الذي وجّه، في تصريحٍ لإذاعة موزاييك، نداء لرئيس الحكومة يوسف الشاهد والمدير التنفيذي لنداء تونس حافظ قايد السبسي للتحلي ببرودة الدم والتعقّل والجلوس مع بعضهم البعض لإيجاد حل يرضي كل الأطراف «لأنّ تونس لا تتحمل المزيد من التوتر»، قبل أن يضيف قائلاً إنّهُ «مستعد للجلوس مع كل الأطراف وتجاوز كل «الحواجز النفسية القديمة» لتحقيق التهدئة، ومستعد لطيّ صفحة الماضي مع الجميع والجلوس حول نفس الطاولة للخروج من الأزمة القائمة»، هو نفسهُ الذي قال في تسريب صوتّي إنّ حزب حركة نداء تونس « كلو قُطعية ، تحب تمسخ روحك برا لنداء تونس»، مضيفا
« حافظ السبسي لا مستقبل له بدون أبيه و لا مستقبل للعصابة المحيطة به».
لقد كان رأي مرزوق واضحًا في أحد أطراف الأزمة، أي حافظ قائد السبسي، الذي دعاهُ إلى التعقّل والجلوس مع الشاهدِ، ذلك أنّهُ يعتبرهُ « بلا حجم أو وزن ولا مستقبل له إذا ما غاب أبوه»، مضيفا «أنه قد احاط نفسه بعدد من الانتهازيين على غرار برهان بسيس و آخرين من المجرمين المطلوبين للعدالة و يتحصنون بمرافقته».
أمّا عن الطرف الثاني وهو يوسف الشاهدِ، فإنّ رأي مرزوق فيه كان واضحًا سواءً في مسألة قضية إقالة وزير الداخليّة لطفي براهم، لمّا اعتبر الإقالة خاضعة لمنطق «تصفية الحسابات السياسية» أو عندما حمّلهُ مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع حاليا في علاقة بسحب نداء تونس ثقته من رئيس الحكومة.
طبعًا ممّا تقدّمَ، لا حاجة لنا في تبيان حجم التناقض الذي يطبع مواقف محسن مرزوق وتصريحاتهِ وخاصّةً قدرتهِ على وضع عكازهِ، مثل الأعمى، «مرّة في الطهر ومرّة في النجاسة»، كما يقولُ المثل التونسيّ الشهير. ذلك أنّ مرزوق لا يقلقهِ أن يجلسَ مع زعيم حزب القطعيّة والمجرمين ومع رئيس حكومة تتحكم فيه أهواءهُ السياسيّة، مثلما لا يقلقهُ البتّة أن يحوّل تيارَ «الأزمة» لصالحهِ، حتى ولو كانَ ذلك ضمنَ سياسة «الفرقعات الإعلامية».
بلا وزن…ولكنّه يفاوض…!
ودائمًا مع حاسّة الشمّ الغريزية التي تشكّلُ بوصلة محسن مرزوق، لا يبدو أنّ هذا الأخير تفطّنَ إلى أنّ علتّهِ لا عقارَ لها، هو الذي فضحت الانتخابات البلديّة ذلك الفراغ القاتل بين تمثلاتهِ الشخصية حول حجمِ حزبهِ وبين وزنهُ الحقيقي على السّاحة السياسية. هذا الإذلال الانتخابيّ لم يعرقل مساعي محسنِ مرزوق في التموقعِ عبر طرقٍ أخرى كاستجداءِ العودة إلى مفاوضات قرطاج، في نسختها الثانية، عندما ذكر في نفس التصريح لإذاعة موزاييك أنّ « كل الموقعين على وثيقة قرطاج يرغبون في العودة للتفاوض لكن قرار التعليق وخيوط اللعبة عند رئيس الجمهورية»، داعيا «إلى تطوير اتفاق قرطاج وفتحه أمام القوى الوطنية لمناقشة النظام السياسي والانتخابي القائمين»، وهو استجداءٌ مغلف بالمغازلة الممجوجة لرئيس الجمهورية، أو في دعوتهِ إلى تشكيل تحالف حزبي جديد لتشكيل «جبهة ديمقراطيّة».
ونسيَ مرزوقِ أنّهُ غادر اتفاقيّة قرطاج بعد أن وجد نفسهُ خارج «كعكة حكومة الوحدة الوطنية»، تلك الكعكة التي حاول التسلل إلى مطبخها أيّام التحوير الوزاري الأخير في الصائفة الماضية، الأمر الذي عجّل بتفتيت «جبهة الإنقاذ» التي شكلها مع الاتحاد الوطني الحرّ وأحزاب أخرى، بعد أن اتهمهُ الوطني الحرّ بطعن الجبهة في الظهر. ومع ذلك، لم يظفر مرزوق بأيّ إنجازٍ من تسللاتهِ وانقلاباتهِ على حلفائهِ، ذلك أنّ حاسة الشمّ لديهِ، ورغم قدرتها على تحديد مواقعِ الفرائسِ، فأنّها دائمًا ما تقودهُ إلى الوقوعِ في فخّ تناقضاتهِ الشخصيّة، ليخرجَ صفر اليدينِ في كلّ المحطاتِ التي حاولَ التسلّل إليها من خلال السياج الحديدي، ذلك السياجُ من عدم الثقة فيهِ وفي دوافعهِ ورهاناتهِ.