عن نور الدين البحيري قبل سنة 2011 وبعدها: شخصيتان مختلفتان تماما!/ بقلم: أنس الشابي
قسم الأخبار
29 يناير، 2022
10shares
الشارع المغاربي: من هو نور الدين البحيري وما هو موقعه في الفرع المحلي للتنظيم الدولي للإخوانجية؟ وما هي طبيعة العلاقة التي ربطته بالسلطة القائمة قبل وصول حركته إلى الحكم؟ وما هي أبرز الملفات التي يُتَداول فيها اسمه بكثرة؟ للإجابة عن هذه الأسئلة وجب أن نضع في الاعتبار أننا إزاء شخصين اثنين مختلفين تمام الاختلاف أحدهما قبل سنة 2011 والثاني بعدها وبيان ذلك:
البحيري قبل سنة 2011
تمّ إيقافه في آخر عهد الزعيم ولكنه لم يحاكم وقضى فترة لا نعلم مدّتها في أقبية وزارة الداخلية مثلما روّجت ذلك زوجته في تصريح لها قالت فيه: «قضى تسعة أشهر ثم خرج بعد ستة أشهر»(1) بحيث أضاع ثلاثة أشهر بين الدخول والخروج وذلك بعد حديث طويل عن تعذيبه وأدباشه التي بها آثار دماء وهو ما ينفيه البحيري الذي قال: «لا لم أعذب ولكني عاينت تعذيبا على غيري…»(2). المرة الثانية التي أوقف فيها كانت بعد جريمة باب سويقة ويقول هو نفسه في تصريح له إنه أوقف لمدة شهر ثم أطلق سراحه دون محاكمة(3)، كل ذلك يثير التساؤل حول أسباب إعفائه من المحاكمة والتغاضي عن محاسبته خصوصا لمّا نضع في الاعتبار أن جلّ المنتسبين للحركة وقعت محاكمتهم بتهمة الانتماء. فما الذي يجعل السلطة تخصّه بمعاملة خاصة؟ بعد تغيير السابع من نوفمبر كُلِّف البحيري بتمثيل حركته في إعداد وإمضاء الميثاق الوطني وهو ما حصل فعلا ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: من اختار البحيري لتمثيل الحركة هل هو الغنوشي أو الرئيس السابق خصوصا لمّا نضع في الاعتبار أن تسمية الحركة بالنهضة كانت باقتراح من هذا الأخير الأمر الذي يوحي بأن التمثيل تم بناء على اقتراح من السلطة لأنها مطمئنة له ولذلك كانت معاملتها له منذ أيام الزعيم معاملة تفضيلية. ففي سؤال عن لقائه ببن علي قال: «لم ألتق به مرات كثيرة آخرها مباشرة بعد إمضاء الميثاق الوطني»(4) وهو ما يعني أنه التقاه مرات متعددة أحجم عن ذكر عددها ولا ندري بالتدقيق ما دار بينهما. فالأمر مسكوت عنه ولم ترشح عنه أخبار.
بعد جريمة باب سويقة في 17 فيفري 1991 سارع عبد الفتاح مورو إلى إعلان استقالته واتهام التنظيم السري بأنه وراء ارتكاب الجريمة(5). وقد ساندته في ذلك مجموعة من بينهم نور الدين البحيري الذي نشر تجميدا لعضويته في الحركة صحبة صدقي العبيدي بتاريخ 23 مارس 1991 وذلك في جريدة «لابراس» يوم 25 من نفس الشهر في الصفحة الأولى. وحالما علم الغنوشي بذلك وكان في الخارج بادر بالاتصال بقياديي الحركة وطلب منهم ألا ينسجوا على منوال مورو(6) وهو ما ظهرت آثاره لدى البحيري حيث نشر حديثين واحد في «الشروق» بتاريخ 28 مارس والثاني في «حقائق» في 29 منه أنكر فيهما أن يكون سلم أية وثيقة لأية جريدة وأكد فيهما أن مسألة تجميد نشاطه داخل الحركة أصبحت أمرا واقعا قائلا: «مبادرة الأخوة مورو والبلدي والدمني هي محاولة مسؤولة وشجاعة لإنقاذ الموقف…. ومن منطلق غيرتي على مصلحة البلاد تفاعلت إيجابيا كغيري من أبناء الحركة مع هذه المبادرة التي أعتبر نفسي معنيا بها وأتمنى أن تتوفر مناخات ملائمة لتحقيق أهدافها»(7) . والذي يجب أن نشير إليه أن نور الدين البحيري مارس بعد جريمة باب سويقة حياته المهنية بصورة عادية ولم يتعرض لِما تعرض له غيره من ذلك أن عبد الفتاح مورو تعرّض رغم اختفائه من الساحة السياسية تماما للهرسلة من قبل النظام السابق كنشر كاسات عنه أو إقفال جامع البحيرة في وجهه لعقد قران ابنه رغم الموافقة المسبقة ممّا اضطره إلى تقبّل التهاني على قارعة الطريق وهو أمر مخز ما كان لعاقل أن يسمح به. في هذه الفترة كان البحيري يترافع عن المنتسبين لحركته بمقابل مالي مشط يتسلمه من عائلات المتهمين حتى لا تثار الشبهات حوله مثلما قال وفق شهادة الأستاذ أحمد المناعي(😎. والمستفاد ممّا ذكر أن هناك أسئلة كثيرة تثار حول حقيقة الأدوار التي لعبها البحيري في العهد السابق ومقابل أي شيء تمتّع بالحماية ولم تتمّ محاكمته رغم أن مجرّد الانتساب يجرّ صاحبه إلى السجن.
البحيري بعد سنة 2011
أي بعد أن استلم الفرع المحلي للتنظيم الدولي للإخوانجية السلطة حيث مارس المذكور نفوذا لا حدود له ويظهر ذلك من خلال:
1) إبان إشرافه على وزارة العدل قام بتنحية ما يفوق 80 قاضيا دون أسباب وجيهة وفي تجاوز للقانون. غير أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل تجاوزه إلى انتداب 70 قاضيا جديدا وهو ما أثار حفيظة المرصد الوطني لاستقلال القضاء الذي اعتبر أن هذا التعيين لم يحترم المعايير الدولية وأن الحديث عن استقلال القضاء مغالطة للواقع(9). وقد فسر البحيري سياسته هذه بقوله: «اقتضى الأمر…. إقصاء كل من أضحى يمثل عبئا على المشروع الإصلاحي ومعطلا له وهذا أمر طبيعي ضروري بدونه يستحيل تحقيق أهداف الثورة»(10). وهو ما يعني أنه لا علاقة للمسألة باستقلال القضاء وإنما هي لتطويعه في انتظار التمكين.
2) أما السجون والإصلاح فقد تعرضت هي الأخرى إلى مجزرة إذ تمت إحالة 15 ضابطا من ضباط هذه الإدارة على التقاعد يوم 20 أفريل 2012 (11)، حتى يتمكن البحيري من دمغجة المساجين وتجنيدهم لصالح نحلته وهو ما ظهر في ما بعد من خلال الاتفاقية التي عقدها مع وزير الشؤون الدينية نور الدين بن حسن الخادمي التي فتحت أبواب السجون بلا حسيب ولا رقيب لكبار الإرهابيين وعتاتهم كالبشير بن حسن وغيره وهو ما أدى إلى الحديث عن تحوّل السجون إلى محاضن لتفريخ الإرهابيين علما أن البحيري صرح بأنه يلتقي مع «القاعدة» و»حماس» والإخوان المسلمين في التوجهات العامة (12) وهو ما يفسر استهدافه القضاء والسجون حتى يتمكن مستقبلا من حماية أعوانه الذين يلتقي معهم في التوجهات العامة لأنه خطط للبقاء في السلطة صحبة حزب النداء لمدة 15 سنة (13).
3) أما ثالثة الأثافي فتتمثل في تسليم البغدادي المحمودي للعصابات الليبية في مخالفة لكلّ القيم الإنسانية والمروءة التي تقتضي حماية من استجار بك. إلا أن حكم العصابات لا يتآلف إلا مع من يشبهه لذا سلم المحمودي بعد ابتزازه إلى عبد الحكيم بلحاج وقد اعترف البحيري بذلك قال: «وقضية البغدادي المحمودي لم تكن موضع خلاف لا بين الترويكا ولا بين الرئاسات الثلاث. كما أن الجميع واعون بأن مسألة تسليمه توقيتا وآليات لا علاقة لها بالمبادئ»(14) وهو ما أكّده مؤخرا الأستاذ مبروك كورشيد المحامي الذي ذكر: «بأنه يوم تسليم المحمودي في 24 جوان 2012 تنقّل وفد خاص إلى طرابلس من مطار قرطاج وقبض الثمن وأدخلت الأموال عبر مطار تونس قرطاج في ساعة متأخرة من ليلية 25 جوان 2021 بحضور أحد وزراء السيادة الذي حلّ بالمطار، كما أكد أن المتهمين بهذا الجرم العظيم هم كل من المنصف المرزوقي وحمادي الجبالي ونور الدين البحيري والسيد الفرجاني ومحامية ومحام»(15).
تلك هي مسيرة أحد المتنفذين في ما سمّي انتقالا ثوريا بما يشوبه من غبش وخداع وغش تكشف حقيقة ما سمي ثورة وحقيقة القائمين عليها. لم يكن البحيري الوحيد من بين من ذكر بل هو واحد من مجموعة لم تتورع عن ارتكاب ما نعف بقلمنا عن ذكره ويعاني شعبنا نتائجه يوميا لذا أفردناه بالذكر.