الشارع المغاربي: فلوجة عنوان مسلسل سامي الفهري الذي جعل إطار أحداثه معهدا ثانويا عموميا وشخصياته تلاميذ ذلك المعهد وجعل الوقائع عنفا وجنسا وجريمة وفوضى، وعلى افتراض أن دلالة استعارة اسم المدينة العراقية فلوجة لتسمية معهد ثانوي إنما هي إثبات التشابه في حالة العنف والفوضى واللاقانون فإن هذه الاستعارة تثير مسألتين تجتمعان في دلالة واحدة عند النظر والتحقيق.
أولى المسألتين أن إطلاق هذا الاسم بكل دلالاته على المعهد الثانوي لا يمكن أن يكون صادقا في إظهار حقيقة المدرك المعين الذي هو المعهد الثانوي العمومي في أية منطقة من مناطق الوطن لأن فيه ادعاء بشيوع الفوضى العارمة وليست هذه حال المؤسسة التعليمية التونسية وإن وجدت فيها ظواهر غريبة في هذه السنوات وفي كل السنوات حتى تلك القديمة جدا.
الخروج على القانون في المؤسسة التربوية العمومية ممكن الوقوع نعم ولكنه يأتي من أفراد يجرمون آنيا سواء أكانوا تلاميذ أو إداريين أو من الجسم الأستاذي ويبقون في مطلق الأحوال منبوذين ويطردون ويحاسبون في أطر قانونية معلومة تميل المنظومة العمومية إلى تشديدها مهما يكن المتسبب في هذه الفوضى والخارج عن القانون.
عندنا في المعاهد العمومية مجالس التربية ومجالس الأقسام ومجالس المؤسسة وفيها يطرح كل انزلاق أخلاقي وسلوكي وتتخذ القرارات الردعية الملائمة فضلا عن المراقبة الجهوية وتدخل الجهات الرسمية العليا.
ثم إن في المؤسسات العمومية مدونات سلوك مكتوبة وحتى عملية ثاوية في الوجدانات وهي التي تؤطر السلوك العام في المؤسسة وتقمع كل الانفلاتات.
وإذن إن ما يقدمه المسلسل سيء الذكر مضخم بل فائق التضخيم ولا يمت إلى الواقع بصلة فلا يمكن أن نصنفه في باب الفن الواقعي لأنه يخرج إلى أن يكون برنامجا مقصديا هدفه الطعن في المؤسسة العمومية ومحاولة إسقاطها كأن ما تعانيه من الإهمال لا يكفيها.
المسألة الثانية هي طبيعة العنف والفوضى واللا قانون واللا أخلاق مما يقدمه المسلسل بما يشفع له بأن يشبه المعهد الثانوي إطار الوقائع بفلوجة المدينة العراقية التي عرفت فترة من العنف في زمن هيمنة القوات الأمريكية عليها بعد احتلال أمريكا للعراق.
نكاد نزعم أن فوضى مسلسل فلوجة فوضى خاصة وأن العنف الواقع فيه بين شخصيات المعهد عنف خاص وأن الخروج عن القانون فيه خروج خاص كذلك؛ ففي المسلسل مخدرات تتناول في الحرم التربوي وجنس مفضوح في أحيان كثيرة واعتداء سافر على الأساتذة وتلامذة بأخراص في آذانهم ولديهم دراجات نارية كبيرة يراودون بها الأستاذات وحوادث قتل أو خطف …
أين نحن يا منتجي المسلسل ومخرجيه وكتابه؟
إنها صورة تتجاوز بأشواط ما تقدمه أفلام العنف الاجتماعي في الغرب المغرق في التوحش في المستوى العلائقي والاجتماعي والقيمي.
ليست هذه مؤسستنا العمومية وليست هذه صورة معاهدنا وقد درسنا في كبراها في فترات مختلفة وفي مناطق مختلفة من الوطن.
وحتى عنف هذا المعهد الافتراضي الذي يصرون على جعله صورة من الواقع عاكسة لسقوطه وانحطاطه بما يخالف كل تصور للفن ليس هو نفسه العنف الذي وجدناه في المعاهد العمومية، وإذا عن لنا تسمية معهد عمومي ما بفلوجة فليست فلوجتنا هي نفسها فلوجة سامي الفهري.
في فلوجاتنا أي في معاهدنا العمومية عنف مختلف عن عنف تلك المناطق وأولئك الشباب مع بعض الاستثناءات طبعا.
في فلوجاتنا تلميذ يتطاول على أستاذه ربما فيطرد وتلميذة تتبرج فيستدعى وليها ومعركة بين تلميذين فيعاقبا معا وتقاعس من أحد الأساتذة وربما تلاسن له مع أستاذ آخر أو مع المدير فيحل الإشكال قانونيا ووديا وربما في حالات قصوى قضية مخدرات أو شيء من هذا القبيل وهذه بالنسبة لنا طامة كبرى تتجند لها كل القوى من أجل حفظ بقية التلاميذ من آثارها المدمرة بالبتر فالبتر عندنا في المؤسسة العمومية هو الدواء لكل داء خبيث.
وليس في مؤسساتنا العمومية أستاذة تراود تلميذا أو العكس وليس لدينا تلميذ يتعالى على أستاذه بالقول ”قداش تخلص انت”وإن حدث هذا فهو منكر مجرم كما قلنا.
هذه مظاهر عنف في فلوجتهم التي يقدمونها نموذجا صادق الانطباق على كل الواقع التونسي وهو كذب وافتراء. هذه فوضى فلوجتهم التي أصابتها جراثيم المال والتسلط به والتعالي به على المؤسسة العمومية .هذه فوضى فلوجتهم التي يعيش فيها أبناء فئة ضالة تعتقد أنها بالمال تستعبد الناس وتطوع القوانين للهوها وعربدتها أما فلوجاتنا فمعاهد عمومية ككل المعاهد فيها التربية والتعليم والقانون وفيها خروقات لا يمكن أن تنفي دورها التربوي وإن ادعى عليها المدعون من حملة لواء الخوصصة مثل سامي الفهري والمتهيؤون نفسانيا إلى خوصصة التعليم وإن كانوا غير قادرين عليها فهم موزعون بين ضرورة الحفاظ على المؤسسة العمومية وحلم تدريس أبنائهم بالمعاهد الخاصة التي ليس لها من صفة التعليم إلا الشكل والبهرج وكل الباقي امتصاص لدماء الأولياء وهؤلاء أكثر خطرا على المؤسسة العمومية لأنهم كالطابور الخامس هدامون لحصون مدائنهم من الداخل وكان أولى بهم الدفاع عن المؤسسة العمومية لأنها هي الملجأ عندما يستكلب علينا تجار المواد والإنسان وباعة القيم بأموالهم وبقيمهم المنحطة وبسلوكات أبنائهم المرضية.
*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 4 افريل 2023