الشارع المغاربي – في المعهد العالي للرياضة بقصر سعيد: دروس بالعامية... تكوين على قارعة الطريق وسباحة على الورق!/ تحقيق: محمد الجلالي

في المعهد العالي للرياضة بقصر سعيد: دروس بالعامية… تكوين على قارعة الطريق وسباحة على الورق!/ تحقيق: محمد الجلالي

قسم الأخبار

12 فبراير، 2022

الشارع المغاربي: ما إن انتهت حصة علم وظائف الاعضاء حتى سارع عيسى إلى جمع اغراضه مغادرا قاعة الدرس ثم المعهد. لم ينتظر الطالب حصة المصارعة ليقينه بأن المدرّس لن يفلح في ايجاد قاعة لإلقاء الدرس. دروس المصارعة ليست سوى واحدة من دروس اخرى قاطعها عيسى منذ سنته الاولى بالمعهد العالي للرياضة والتربية البدنية بقصر سعيد مثل التايكواندو والكاراتي والجمباز لعدم توفر التجهيزات الضرورية. عيسى عدل ايضا عن مواكبة دروس السباحة بعد ان عوضت الادارة مياه المسبح بنظريات ودروس جافة وأمسك عن دروس العدو لغياب مضمار للسباق..

عيسى بات يقصد المعهد على مضض. فالمعهد الذي حلم بان يكون مهدا لصقل موهبته ومنصة لانطلاق مشواره الرياضي نحو افاق أرحب بات يراه مقبرة لوأد الاحلام ومرتعا للتلاعب بمستقبل اجيال وفضاء لبيع الاوهام وحتى الشهائد لمن يدفع أكثر او يتنازل أكثر..

عيسى هو واحد من 1800 طالب يدرسون بالمعهد العالي للرياضة والتربية البدنية بقصر سعيد في ظل بنية تحتية مهترئة وتجهيزات قديمة وقاعات ايلة للسقوط وتكوين ضعيف ونظام تقييمي مشبوه ومشوب بالزبونية والمحاباة.

تقنية جديدة

خلال زيارة أسبوعية “الشارع المغاربي” للمعهد العالي للرياضة والتربية البدنية بقصر سعيد في عدة مناسبات بدت المؤسسة الجامعية التي كانت في وقت مضى منارة علمية ورياضية بلا روح.. حتى الاخضرار الذي يغطي مساحات شاسعة من ساحتها ويمتد على جنبات تفرعاتها ومسالكها بدا في حاجة ماسة الى تقليم اشجارها وتشذيب اعشابها. اما قاعاتها المبثوثة هنا وهناك فقد احيل عدد منها خارج الخدمة على غرار قاعة السباحة التي مر على اغلاقها اكثر من عشر سنوات.

يقول “ف” الأستاذ بالمعهد: ” ابتكرت إدارة المعهد تقنية جديدة في السباحة لم يسبق لاحد ان جربها من قبل وهي ممارسة السباحة على الورق، فاصبحت دروس السباحة تقدم للطلبة وهو جالسون بمقاعدهم.”

في هذا السياق يوضح مصدر مسؤول من إدارة المعهد طلب عدم الكشف عن هويته انه تم الاقتصار على تقديم دروس نظرية في السباحة لطلبة السنتين الأولى والثانية وتمكين طلبة الاختصاص من التنقل الى احد المسابح العمومية لتلقي التكوين الضروري في انتظار اصلاح المسبح المعطل منذ سنوات.”

ويشير “ف” الذي يدرّس بالمعهد منذ قرابة ست سنوات الى ان قاعة السباحة ليست سوى واحدة من بين فضاءات رياضية أخرى مغلقة وغير صالحة للاستغلال مبينا ان قاعات الرياضات الفردية بدورها أصبحت خارج الخدمة.

ويتابع: “بعض الأستاذة أصبحوا مجبرين على القاء دروس العدو على قارعة الطريق وتقديم دروس الملاكمة في حجرات تغيير الملابس ثم خفّضت إدارة المعهد في عدد ساعات الدروس لاغلب المواد بعد ان هجر الطلبة القاعات وتفاقمت الغيابات.

عيسى كان من بين الطلبة الذين لجؤوا الى احدى القاعات الرياضية الخاصة لممارسة رياضة الملاكمة بمقابل مالي بعد ان لاحظ ان لا فائدة ترجى من دروس المعهد حسب قوله.

في هذا الاطار يؤكد “ي” المُرسم بالسنة الثالثة انه أصيب بخيبة امل كبيرة بعد نقلته من المعهد العالي للرياضة والتربية البدنية بالكاف الى المعهد العالي بقصر سعيد لافتا الى انه لاحظ ان الانضباط وجودة التعليم اللذان يميزان معهد الكاف غير متوفرين بقصر سعيد.

ويوضح نفس المصدر المسؤول بإدارة المعهد ان المؤسسة واعية بقدم البنية التحتية وانه سبق لها ان راسلت وزارة الشباب والرياضة للمطالبة بتسريع إتمام صفقات الترميم والتشييد لعودة التكوين الى سالف نشاطه.

ويتابع: “كان لنا منذ قرابة أسبوعين لقاء بكمال دقيش وزير الشباب والرياضة خلص الى برمجة نقل الطلبة الى مركب للسباحة بمنوبة لتلقي الدروس مع تكفل الوزارة بنقلهم الى المطعم الجامعي بمنوبة لتناول وجبات الفطور.

دروس لمحو الامية

“في المعهد العالي للرياضة بقصر سعيد لا يمكن الحديث عن جودة التكوين بل وجب التركيز اكثر على برمجة دروس لمحو الامية.” هكذا يؤكد “ف” وهو يتحدث عن صدمته من عدم قدرة احد طلبته على كتابة اسمه بشكل صحيح.

“ف” يلفت الى انه اصبح يلقي الدروس بالعامية بدل الفرنسية او حتى بدل اللغة العربية.

ويضيف: “رغم تراجع المستويات العامة للطلبة كانت إدارة المعهد تحث الأساتذة على ضرورة الرفع من اعداد التقييم وعدم القسوة على المتكونين.

من جهته يفند مصدر مسؤول بالمعهد ممارسة الادارة اية ضغوطات على الأستاذة لتحسين معدلات الطلبة مشيرا الى ان المؤسسة واعية بتراجع مستوى خريجيها مقارنة بمعاهد رياضية أخرى كالكاف او قفصة.

ويوضح قائلا:” وزارة التعليم العالي هي من تتحمل مسؤولية هذا التراجع الفادح في المستويات لانها باتت توجه سنويا قرابة 400 طالب الينا بدعوى ان نسب نجاح تلاميذ باكالوريا رياضة مرتفعة.

بيع وشراء الاطروحات

حصلت أسبوعية “الشارع المغاربي” على شهادات متقاطعة لطلبة وأساتذة من المعهد المذكور عن ضلوع عدد من الأساتذة والمكونين في تلقي رشاوى من بعض الطلبة نظير تكفلهم باعداد اطروحات التخرج نيابة عنهم.

ويؤكد “م” الأستاذ بالمعهد العالي للرياضة بقصر سعيد ان قيمة الرشاوى تتراوح بين 20 الف دينار لاطروحة الدكتورا و15 ألف دينار لاطروحة الماجستير و500 دينار لتحسين اعداد احدى المواد.

من جهته تطرق عيسى الى انه اكتشف تضخم اعداد بعض زملائه في اكثر من مادة رغم تدني مستوياتهم مبينا ان طائفة أخرى من الطلبة لا تتوانى عن الغش في الامتحان بسبب تساهل بعض الأساتذة.

في هذا السياق نفى مصدر مسؤول بالمعهد وجود عمليات بيع وشراء اطروحات التخرج مشيرا الى ان ادارته لن تتوان عن اتخاذ كل الإجراءات الإدارية والقانونية في حق كل من يثبت حصوله على رشاوى مقابل انجاز بحوث لاحد الطلبة.

بين بنية تحتية مهترئة وتكوين ضعيف وشبهات تلاعب بنتائج الامتحانات وارتشاء تحول المعهد العالي للرياضة والتربية البدنية بقصر سعيد الى شبح مؤسسة جامعية تعج بالصعوبات والمشاكل بعد ان كانت قبل عقود منارة رياضية وقبلة للعديد من الوفود الأجنبية التي تقصدها للتربص والتكوين.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 8 فيفري 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING