الشارع المغاربي – كلّهم في السّجن...وكأنّ شيئا لم يقع ! /بقلم: صالح مصباح

كلّهم في السّجن…وكأنّ شيئا لم يقع ! /بقلم: صالح مصباح

قسم الأخبار

15 سبتمبر، 2023

الشارع المغاربي: إنهم‭ ‬قادة‭ ‬إخوان‭ ‬النهضة؛‭ ‬قادة‭ ‬صفّها‭ ‬الأول‭ ‬الذين‭ ‬في‭ ‬صدارتهم‭ ‬شيخُهم‭. ‬وليس‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬بالهيّن‭. ‬ففي‭ ‬الماضي‭ ‬القريب،‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬المحتكمين‭ ‬إلى‭ ‬سطح‭ ‬الأمور‭ ‬احتمالا‭ ‬متعذّر‭ ‬الحصول‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬القابعين‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬اليوم،‭ ‬إنما‭ ‬كانت‭ ‬مفاتيحه‭ ‬في‭ ‬مقابض‭ ‬أيديهم،‭ ‬وكانوا‭ ‬يفتحون‭ ‬أبوابه‭ ‬أنّى‭ ‬شاؤوا‭ ‬ولمن‭ ‬شاؤوا‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬تجنّدت‭ ‬مُهَجٌ‭ ‬وعزائم‭ ‬متراكمة‭ ‬الفعل،‭ ‬فزرعَت‭ ‬أسباب‭ ‬أن‭ ‬ينعقد‭ ‬حدثُ‭ ‬سجنِهم‭. ‬وهو‭ ‬حدث‭ ‬يقتضي‭ ‬بعضَ‭ ‬النظر،‭ ‬وتقتضي‭ ‬أسبابُه‭ ‬المزيدَ‭.‬

أولا‭: ‬حدث‭ ‬السجن

إنّ‭ ‬المعتقلين‭ ‬اليوم‭ ‬هم‭ ‬قادة‭ ‬الصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬إخوان‭ ‬النهضة‭ ‬بمعية‭ ‬زعيمم‭. ‬إنهم‭ ‬قادة‭ ‬الحركة‭ “‬التاريخيون‭”‬،‭ ‬وقادة‭ ‬حكمها‭ ‬المباشر‭ ‬الذي‭ ‬امتد‭ ‬عشرية‭ ‬كاملة‭. ‬وإزاء‭ ‬ذلك‭ ‬،‭ ‬لا‭ ‬يتخلّق‭ ‬فينا‭ ‬تعاطف‭ ‬معهم‭ ‬لأننا‭ ‬نعلم،‭ ‬سياسيا،‭ ‬ما‭ ‬قترفت‭ ‬أيديهم‭  ‬في‭ ‬حق‭ ‬تونس‭. ‬ولأننا‭ ‬نعلم،‭ ‬قانونيا،‭ ‬أثقال‭ ‬التّهم‭ ‬التي‭ ‬وُجّهت‭ ‬إليه‭ ‬وخاصة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تُوجّه‭.‬

لكن‭ ‬التشفّي‭ ‬لا‭ ‬يعتمل‭ ‬في‭ ‬الخاطر،‭ ‬لأننا‭ ‬نؤمن‭ ‬بالقانون‭ ‬نصا‭ ‬وروحا‭ ‬وإنْ‭ ‬في‭ ‬طرفه‭ ‬خلل‭. ‬وإنّ‭  ‬ذاك‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يحفظ‭ ‬فينا‭ ‬التعلق‭ ‬بالعدالة‭ ‬ونكران‭ ‬الإنتقام‭. ‬فالعدالة‭ ‬نسّاجة‭ ‬لوحدة‭ ‬المجتمعات،‭ ‬لكن‭ ‬الإنتقام‭ ‬هَدّام‭ ‬لها‭ ‬مزّاق‭.‬

على‭ ‬أن‭ ‬قدرا‭ ‬ليس‭ ‬هينا‭ ‬من‭ ‬الإرتياب‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الإعتقال‭ ‬يطل‭ ‬بوجهه‭.‬فهل‭ ‬هو‭ ‬زمن‭ ‬قانوني‭ ‬أو‭ ‬زمن‭ ‬سياسي‭. ‬فإن‭ ‬كان‭ ‬زمنا‭ ‬قانونيا‭ ‬فخراجه‭ ‬للمجتمع‭ ‬والدولة‭. ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬زمنا‭ ‬سياسيا‭ ‬فأشواكه‭ ‬على‭ ‬صاحبه،‭ ‬والزمن‭ ‬دوّار‭.‬

وإن‭ ‬سجن‭ ‬أولئك‭ ‬الساسة‭ ‬يمر‭ ‬اليوم‭ ‬مرورا‭ ‬شبه‭ ‬عابر‭. ‬فكأن‭  ‬شيئا‭ ‬لم‭ ‬يقع،‭ ‬وكأن‭”‬حمارا‭ ‬قد‭ ‬قضم‭ ‬قرعة‭” ‬وكفى‭. ‬وكأن‭ ‬المعتقلين‭ ‬اليوم‭ ‬ليسوا‭ ‬عِلية‭ ‬حركة‭ ‬كانت‭ ‬،‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬قريب،‭ ‬تُشهر‭ ‬أنها‭ ‬القوة‭ ‬السياسية‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬ويتبجّح‭ ‬شيخها‭ ‬بأن‭ ‬مقود‭ ‬الحكم‭ ‬تحت‭ ‬يده،‭ ‬وتحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تُصبغ‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬بلونها‭ ‬الإخواني‭ ‬الوافد،‭ ‬وتُطبِق‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬إطباقا‭ ‬كاملا‭ ‬شاملا،‭ ‬امتدّ‭ ‬في‭ ‬الزمان‭ ‬عشرية‭ ‬من‭ ‬الأعوام،‭ ‬وامتدّ‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬مؤسساتها‭ ‬وأجهزتها،‭ ‬وامتدّ‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬إلى‭ ‬قسم‭ ‬منه‭ ‬معتبر،‭ ‬وإلى‭ ‬أغلب‭ ‬نسيجه‭ ‬الجمعوي‭ ‬والحزبي‭ ‬والمسجدي‭.‬

ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يلازم‭ ‬سجنَ‭ ‬قادةِ‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬الأُوًّلِ‭ ‬صمتٌ‭ ‬وتجاهل‭ ‬شِبهُ‭ ‬كاملين‭. ‬فلا‭ ‬العمق‭ ‬الشعبي‭ ‬المحافظ‭ ‬الذي‭ ‬اعتقدت‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬أتباعها‭ ‬قد‭ ‬حرك‭ ‬ساكنا،‭ ‬ولا‭ ‬أنصارها‭ ‬الذين‭ ‬جنَوا‭ ‬من‭ ‬حكمها‭ ‬سخي‭ ‬المنافع،‭ ‬وكانت‭ ‬لهم‭ ‬صولات‭ ‬من‭ ‬التجمهر‭ ‬تحت‭ ‬رايتها،‭ ‬ولا‭ ‬الأحزاب‭ ‬الاي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬فلكها‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬المنظمات‭ ‬ولا‭ ‬الجمعيات،‭ ‬ولا‭ ‬أي‭ ‬كيان‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬القريب‭ ‬قدح‭ ‬اغتراف‭ ‬من‭ ‬إنائها‭.‬

وإنّ‭ ‬قسما‭ ‬غالبا‭ ‬من‭ ‬الإعلاميين‭ ‬الذين‭ ‬كانت‭ ‬لهم‭ ‬أثناء‭ ‬حكم‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬مغانم‭ ‬،‭ ‬قد‭ ‬أداروا‭ ‬ظهورهم‭ ‬،صمتا،‭ ‬عن‭ ‬الحمار‭ ‬الذي‭ ‬قضَم‭ ‬قرعتها‭ ‬وأكل‭ ‬دستورها‭. ‬لا‭ ‬بل‭ ‬انضم‭ ‬بعضهم‭ ‬إلى‭ ‬جوقة‭ ” ‬كلنا‭ ‬ذاك‭ ‬الرجل‭” ‬وصاروا‭ ‬يضعون‭ ‬أسطر‭ ‬التأكيد‭ ‬تحت‭ ‬عبارة‭ “‬عشرية‭ ‬الخراب‭” ‬حتى‭ ‬كأنهم‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬من‭ ‬مُشهري‭ ‬مزاياها‭ ‬المزيفة‭ ‬ومروّجيها‭ .‬

‭      ‬ثانيا‭: ‬أسباب‭ ‬التجاهل‭:‬

إنّ‭ ‬تجاهلا‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬القدر،‭ ‬لِحَدث‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحجم‭ ‬،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬قَصرُه‭ ‬على‭ ‬سبب‭ ‬واحد‭ ‬أو‭ ‬اثنين‭. ‬فهو،‭ ‬وجوبا،‭ ‬حصيلة‭ ‬أسباب‭ ‬شتى‭ ‬مركبة‭ ‬متداخلة‭.‬

1/‬دورة‭ ‬الدوائر‭:‬

حين‭ ‬منحت‭ ‬دورةُ‭ ‬الزمن‭ ‬الوغد‭ ‬فرصةَ‭ ‬النفوذ‭ ‬لإخوان‭ ‬النهضة‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬لم‭ ‬يُداروا‭ ‬حقدهم‭ ‬ولا‭ ‬تشفيهم‭ ‬ولا‭ ‬دوسهم‭ ‬على‭ ‬العدالة‭ ‬ولا‭ ‬تنكيلهم‭ ‬بسابقيهم‭ ‬في‭ ‬الحكم‭. ‬فبكلّ‭ ‬ذلك‭ ‬عاملوا‭  ‬أعمدة‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬على‭ ‬الشياع،‭ ‬فلم‭ ‬يميزوا‭ ‬بين‭ ‬مذنب‭ ‬وبريء‭. ‬وأوغلوا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬بأن‭ ‬صبوا‭ ‬حقدهم‭ ‬على‭ ‬كيان‭ ‬الدولة‭ ‬وعلى‭ ‬ثوابتها‭ ‬وعلى‭ ‬قيم‭ ‬المجتمع‭ ‬الراسخة‭. ‬لقد‭ ‬طغوا‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬تونس‭ ‬واستباحوا‭ ‬مصالحها‭ ‬وثرواتها‭ ‬وقيمها‭ ‬وشعبها‭ ‬معتقدين‭ ‬أن‭ ‬الزمن‭ ‬قد‭ ‬منحهم‭ ‬تونس‭ ‬مَتاعا‭ ‬لهم‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭. ‬

ولما‭ ‬وقف‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬معدنهم،‭ ‬صار‭ ‬يرتقب‭ ‬لحظة‭ ‬خلاص‭ ‬منهم‭. ‬ولئن‭ ‬لم‭ ‬يتأكد‭ ‬اليوم‭ ‬الخلاص‭ ‬منهم‭ ‬،‭ ‬لأسباب‭ ‬معقدة‭ ‬تتصل‭ ‬بالاطراف‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬التي‭ ‬أذنت‭ ‬بإزاحتهم‭ ‬عن‭ ‬الحكم،‭ ‬فإن‭ ‬قُبوع‭ ‬قادة‭ ‬هذا‭ ‬التنظيم‭ ‬في‭ ‬السجن،‭ ‬لم‭ ‬يحركّ‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬التونسيين‭ ‬أدنى‭ ‬تعاطف،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬استبطن‭ ‬قسم‭ ‬منهم‭ ‬بعض‭ ‬الإنفعال‭ ‬الذي‭ ‬يخفي‭ ‬تشفيا‭ ‬صامتا‭ ‬أحيانا‭ ‬ومعلنا‭ ‬أحيانا‭ ‬أخرى‭.‬‭ ‬

‭ /2‬روح‭ ‬الغنيمة‭:‬

في‭ ‬لحظة‭ ‬غفلة‭ ‬وتِيهٍ،‭ ‬منحت‭ ‬أكثرية‭ ‬تونسية‭ ‬من‭ ‬الناخبين‭ ‬أصواتها‭ ‬لهذه‭ ‬الحركة‭. ‬وهذا‭ ‬التصويت‭ ‬هو‭ ‬عقد‭ ‬سياسي‭ ‬وأخلاقي‭ ‬بين‭ ‬الناخب‭ ‬والمنتخب‭. ‬لكن‭ ‬الإخوان‭ ‬خانوا‭ ‬ذاك‭ ‬العقد،‭ ‬وتعاملوا‭ ‬مع‭ ‬الحكم‭ ‬الذي‭ ‬آل‭ ‬إليهم‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬فرصة‭ ‬للإغتنام‭ ‬والنهب‭ ‬والنآمر‭ ‬والمخادعة‭ ‬وبيع‭ ‬مصالح‭ ‬البلاد‭ ‬والتمكن‭ ‬من‭ ‬مفاصل‭ ‬الدولة‭ ‬ومن‭ ‬أوصال‭ ‬الحكم‭ ‬تمكنا‭ ‬خاليا‭ ‬من‭ ‬روح‭ ‬الوطنية،‭ ‬محكوما‭ ‬بالولاء‭ ‬للقوى‭ ‬الخارجية‭ ‬التي‭ ‬حكّمهم‭ ‬على‭ ‬رقاب‭ ‬التونسيين‭. ‬فكان‭ ‬متوقعا‭ ‬ألا‭ ‬ينسى‭ ‬التونسيون‭ ‬ذلك،‭ ‬فلا‭ ‬يبالون‭ ‬اليوم‭ ‬باعتقال‭ ‬أولئك‭ ‬الساسة‭ ‬الذين‭ ‬خانوا‭ ‬العهد‭ ‬ولا‭ ‬بمصيرهم‭. ‬وإن‭ ‬أي‭ ‬تونسي‭ ‬مخلص‭  ‬نبيه‭ ‬لا‭ ‬يعتمل‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬خاطره‭ ‬إلا‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬المحاكمة‭ ‬القانونية‭ ‬العادلة‭.‬

3/غرباء‭ ‬الديار‭:‬

من‭ ‬أخطاء‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تُحصى،‭ ‬أنها‭ ‬حرصت‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬صياغة‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ . ‬ولئن‭ ‬وجدت‭ ‬بعض‭ ‬السبيل‭ ‬إلى‭ ‬الدولة،‭ ‬فإنها‭ ‬لم‭ ‬تجده‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ . ‬والحصيلة‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬فصلت‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭ ‬التونسي‭ ‬نفسها‭ ‬وجمهورها‭ ‬فصلا‭ ‬ترتب‭ ‬على‭ ‬حرصها‭ ‬على‭ ‬الإغارة‭ ‬السياسية‭ ‬والثقافية‭ ‬عليه‭. ‬وبالتدريج،‭ ‬صار‭ ‬هذا‭ ‬التنظيم،‭ ‬حتى‭ ‬وهو‭ ‬يحكم،‭ ‬كيانا‭ ‬منفصلا‭ ‬عن‭ ‬المجتمع،‭ ‬محاطا‭ ‬ببطانة‭ ‬من‭  ‬أتباعه،‭ ‬غريبا‭ ‬عن‭ ‬عموم‭ ‬المواطنين‭ ‬الذين‭ ‬صاروا‭ ‬يجاهرون‭ ‬باليأس‭ ‬منه،‭ ‬وخيبة‭ ‬الأمل‭ ‬فيه،‭ ‬والكره‭ ‬السياسي‭ ‬له‭. ‬فأنّى‭ ‬لهذا‭ ‬التنظيم‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬اليوم‭ ‬سندا‭ ‬شعبياا‭! .‬

لا‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬قسما‭ ‬من‭ ‬الإعلاميين‭ ‬الذين‭ ‬فوضهم‭ ‬هذا‭ ‬التنظيم‭ ‬للنفاذ‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬،قد‭ ‬نزلوا‭ ‬من‭ ‬السفينة‭ ‬سريعا‭ ‬وركبوا‭ ‬غيرها‭ ‬على‭ ‬عادة‭ ‬من‭ ‬شعارهم‭” ‬الحي‭ ‬باباهم‭”‬،‭ ‬وانخرطوا‭ ‬في‭ ‬شبكات‭ ” ‬أوغلوية‭”‬مَرْضيّ‭ ‬عليها‭ ‬اليوم‭ ‬رضاءً‭ ‬ممتدا‭ ‬من‭ ‬الأمس‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬للعدالة‭ ‬قول‭ ‬في‭ ‬ذلك‭.‬

4/‬أخطاء‭ ‬التحالفات‭:‬

قد‭ ‬يقال‭: ‬إن‭ ‬إخوان‭ ‬النهضة‭ ‬قد‭ ‬حكموا‭ ‬دوما‭ ‬بشركاء‭ ‬يُموّهون‭ ‬بهم،‭ ‬وكانت‭ ‬لهم‭ ‬معهم‭ ‬مصالح‭ ‬ومنافع‭. ‬فأين‭ ‬هؤلاء‭! ‬ألا‭ ‬يسندون‭ ‬أولياء‭ ‬نِعَمهم‭ ‬ولو‭ ‬بالحد‭ ‬الأدنى‭!‬

‭ ‬إنّ‭ ‬صمت‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬ركاب‭ ‬الإخوان‭ ‬من‭ ‬الأخزاب‭ ‬هو‭ ‬حصيلة‭ ‬لا‭ ‬مفر‭ ‬منها‭ ‬للرّوح‭ ‬التي‭ ‬حَكَمت‭ ‬تعامل‭ ‬الإخوان‭ ‬مع‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬منحوها‭ ‬هوامش‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬زائفة‭ ‬عارضة‭. ‬فقد‭ ‬اختار‭ ‬الإخوان‭ ‬حثالة‭ ‬الساسة‭ ‬والأحزاب‭ ‬واحتالوا‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬قبلوا‭ ‬الإختراق‭ ‬والإتباع‭. ‬وكانوا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬منعرج‭ ‬يلتهمون‭ ‬الشريك‭ ‬ويمرّون‭ ‬إلى‭ ‬غيره‭ ‬وهم‭ ‬يتلمّظُون‭ ‬ويشحذون‭ ‬الأسنان‭. ‬ولئن‭ ‬ذهب‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشركاء‭ ‬طعاما‭ ‬للإخوان‭ ‬،‭ ‬فإن‭ ‬أطلالهم‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬القدرة‭ ‬ولا‭ ‬الوجاهة‭ ‬ولا‭ ‬الحافز‭ ‬لتنطق‭ ‬بكلمة‭ ‬إسناد‭ ‬للقابعين‭ ‬في‭ ‬السجون؛‭ ‬مجرد‭ ‬كلمة‭.‬

5/‬خطة‭ ‬الفضح‭:‬

ضمن‭ ‬النسيج‭ ‬الحزبي،‭ ‬مارس‭ ‬هذه‭ ‬الخطة‭ ‬الحزب‭ ‬الدستوري‭ ‬الحر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬دور‭ ‬أكيد‭ ‬في‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬ادت‭ ‬تباعا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يقبع‭ ‬اليوم‭ ‬قادة‭ ‬الإخوان‭ ‬في‭ ‬السجن‭. ‬فقد‭ ‬أدرك‭ ‬هذا‭ ‬الحزب‭ ‬أن‭ ‬التآمر‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تمارسه‭ ‬حركة‭ ‬الإخوان‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يصل‭ ‬بسلاسة‭ ‬إلى‭ ‬عموم‭ ‬التونسيين‭ ‬وباكتمال‭. ‬فضغط‭ ‬هذا‭ ‬الحزب‭ ‬بخطة‭ ‬الفضح‭ ‬والكشف‭ ‬ضغطا‭ ‬متصلا‭ ‬صبورا،‭ ‬فكان‭ ‬أن‭ ‬أزاح‭ ‬بذلك‭ ‬عن‭ ‬الإخوان‭ ‬وعن‭ ‬شيخهم‭ ‬وعن‭ ‬حلفائهم‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬وفي‭ ‬البرلمان‭ ‬آخر‭ ‬أوراق‭ ‬التخفّي،‭ ‬وعلم‭ ‬من‭ ‬لم‭ ‬يعلم‭ ‬،‭ ‬وأزورّ‭ ‬عنهم‭ ‬العموم‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الاستحسان‭ ‬الانفعالي‭ ‬الجمعي‭ ‬لمصيرهم‭ ‬الراهن‭ ‬بدل‭ ‬المناصرة،‭ ‬ولو‭ ‬المبدئية،‭ ‬لإجراءات‭ ‬اعتقال‭ ‬سليمة‭.  ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬إصرار‭ ‬هذا‭ ‬الحزب‭ ‬على‭ ‬الكشف‭ ‬والوضح،‭ ‬قد‭ ‬أوجع‭ ‬وقتئذ‭ ‬الإخوان‭ ‬وشيخهم‭ ‬وشركاءهم،‭ ‬فكان‭ ‬أن‭ ‬واجهوا‭ ‬هذا‭ ‬الحزب‭ ‬بأصل‭ ‬معدنهم‭ ‬البائس‭  ‬،‭ ‬فزاد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬إظهار‭ ‬صورتهم‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تليق‭ ‬البتة‭ ‬بتونس‭ ‬شعبا‭ ‬ودولة‭ ‬ومجتمعا‭ ‬وساسةً‭ ‬ومصالحَ‭ ‬قومية‭ .‬

إن‭ ‬كل‭ ‬أشباح‭ ‬النهب‭ ‬الإخواني‭ ‬والإرهاب‭ ‬والإغتيال‭ ‬والتسفير‭ ‬إلى‭ ‬أوكار‭ ‬القتل‭ ‬وتخريب‭ ‬الأوطان‭ ‬إنما‭ ‬تستيقظ‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الوجدان‭ ‬الجمعي،‭ ‬فلا‭ ‬يحرك‭ ‬إزاء‭ ‬سجن‭ ‬هؤلا‭ ‬جفنا‭.‬

لكن‭ ‬السؤال‭ ‬الأوكد‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬هل‭ ‬في‭ ‬اعتقال‭ ‬هؤلاء‭ ‬عدالة‭ ‬مجتمع‭ ‬أو‭ ‬تصفية‭ ‬حساب‭ ‬سياسية‭ ‬عارضة‭ ‬بعد‭ ‬اشتباك‭ ‬بين‭ ‬أجنحة‭ ‬الأسرة‭ ‬السياسية‭ ‬والثقافية‭ ‬الواحدة؟‭ ‬وهل‭ ‬يقضي‭ ‬السجن‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬سياسية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬إذا‭ ‬لوّنت‭ ‬بؤسها‭ ‬بالمشترك‭ ‬الديني؟‭. ‬أليس‭ ‬التنوير‭ ‬الفكري‭ ‬والسياسي‭ ‬والثقافي‭ ‬هو‭ ‬اليوم‭ ‬منهج‭ ‬أكيد؟‭ ‬ألم‭ ‬تفد‭ ‬علينا‭ ‬في‭  ‬2011‭ ‬الفكرة‭ ‬الإخوانية‭ ‬بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬التخفي‭ ‬عن‭ ‬العيان‭ ‬ومن‭ ‬السجن‭ ‬؟‭ ‬ألم‭ ‬يستعد‭ ‬طالبان‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬الحكمَ‭ ‬بعد‭ ‬عشرين‭ ‬سنة؟‭!.‬

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 12 سبتمبر 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING