الشارع المغاربي:
*I*
لم يتوحّد الشعب التونسي منذ أيام الاستقلال الأولى قدر ما توحّد اليوم في مواجهة عدوان ”الإسلام السياسي” عليه، دولة وثقافة وتربية وهوية وانتماء واقتصادا وتاريخا ولم يع حقيقية دولة الاستقلال إلا يوم أدرك بعين اليقين أن ”الغزاة الجدد”ما تمكنوا منها إلا للقضاء عليها انتصارا لـ”الخلافة السادسة” واقتداء بـ”فتح مكة على يدي رسول الله” لـ” إقامة حد الحرابة ” على شباب مدرسة الجمهورية وقد ثار مطالبا ”بالشغل والحرية والكرامة الوطنية”.
وما من شيء أثلج صدر الشعب التونسي قدر ما أثلجته بادرة 25 جويلية 2021 ، بادرة ثورية ما كان لها ان تخضع لأي قانون او دستور، فسلامة الوطن مسبّقة على جميع المراجع، ويكفي في الاضطلاع بها احترام المواثيق الدولية التي ارتضتها تونس لنفسها منزّلة في العقلانية الكونية بما هي ”روح القوانين” جميعها، لذلك ما كان لتلك البادرة الوطنية أن تعبأ الا بتحرير البلاد من الاستعمار الداخلي بعد عشرية ملأى بظلم الفعل وظلمة الفكر.
وما كان لأحد غير رئيس الجمهورية أن يتخذ تلك البادرة باعتباره – وفقا لما يقتضيه الحس السليم في الشأن السياسي – من ناحية، وباعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة من ناحية أخرى. وبديهي انه ما كان له أن يقدم على ما أقدم عليه- وإن بعد تردد طال أمده- لو لم يهيئ له الوطنيون الأرضية الصلبة لتكون له منطلقا سواء من داخل برلمان النكبة أو من دائرة العمل الصحافي المستنير أو من صميم اجتهادات المثقف الوطني. ولئن كان المجال لا يتسع لتفصيل القول في ذلك كله ، فإن الواجب يقضي خاصة بتحية جميع القوى التي ثابرت – من داخل البرلمان الملغى – على فضح ألاعيب الإسلام السياسي بجميع كتائبه وفي مقدمة هؤلاء الكرام مناضلات و مناضلو الحزب الدستوري الحر بزعامة السيدة عبير موسي . فقد شهد التونسيون جميعا أن الإسلام السياسي اختزل العمل البرلماني في خدعة المحتال، وما كان للخداع أن يتواصل أكثر .
ويلزم على ما سلف ان ادعاء انقسام التونسيين بعد 25 جويلية ادعاء زائف لا يعوّل عليه ، إذ لا مطلب لهم اليوم إلا استكمال عملية التحرر الوطني .وبالتالي فان جميع النداءات التي رفعت ، والمجموعات التي بعثت او ستبعث ،لا مستقبل لها ما لم تنخرط في النضال الوطني الشامل ، بل ان فيها من أسباب الضلال على قدر قربها ممن خربوا الوطن خلال العشرية المنصرمة . ذلك مما لا رجعة فيه
**ii**
ولئن حق لنا أن نعيد تأكيد” أن الأسوأ وراءنا ولكن الأصعب وراءنا ” قياسا صحيحا على لحظة الانتصار على الاستعمار الخارجي ، والأخذ بإيمان الصادقين في بناء الدولة الوطنية بقيادة المجاهد الأكبر الزعيم الحبيب بورقيبة ، في مجرى الانتقال من ”الجهاد الأصغر ” الى ”الجهاد الأكبر” فان الواقع الوطني –وقد بلغ تحتا لا تحت له- يفرض أن نضيف ان أصعب ما في صعب حاضرنا ان نفهم رئيسنا فضلا عن أن ندافع عنه ضد ما ينهال عليه -داخليا وخارجيا-من نقد وتهم ليس لأحد ان يتجاهلها ولا ان يعتبرها من ”مؤامرات الغرف المغلقة” حتى حين نهمل –محقين – أباطيل ”الإسلام السياسي”والدائرين كالمسرنمين في فلكه . ولنعترف اختصارا أنّ جميع الموضوعات التي أثارها الرئيس صحيحة لا غبار عليها وهي ذات الموضوعات التي سبقه إليها الشعب التونسي من خلال معاناته اليومية الممتدة حتى اليوم. ولكنا نقدّر- متواضعين كل التواضع – ما من منهج سليم سلكه في معالجتها، بل انه ما مس شيئا جعله –بشكل ما – ضحية. فلا ريب إن في المجلس الأعلى للقضاء أو في هيئة الانتخابات أو في هيئة مقاومة الفساد أو في غيرها ما يعرف وما ينكر، وما يؤخذ وما يرد. ولكن للإصلاح أبواب تطرق، وسنن تتبع ،لم ير السيد الرئيس ما يدعو الى احترامها فكانت النتيجة على غير ما فيه صالح الوطن .
وليس أدل على ذلك من أن الاسلام السياسي الذي طرده الشعب التونسي فأصبح في عداد الموتى يوم 25 جويلية 2021 استرد قوته على”التظلم” و”التباكي” وادعاء البحث عن ”خلاص وطن” كان عمل فيه معاول الهدم طيلة العشرية المنصرمة. ذلك ما أتاح امكانية اعتبار الرئيس –موضوعيا أي بصرف النظر عن المقاصد التي في الصدور –الذراع الخفية للاسلام السياسي ، اذ مكّن له ببركة شبه إلهية من أسباب العود إلى الحياة السياسية بعدما اقصاه منها الشعب في انتظار ان يكرمه بدفن نهائي في الانتخابات القادمة . ومما يضفي على هذا الموقف وجاهة يصعب تجاهلها ان الرئيس الغى بجرة قلم مؤسسات كبرى في الحياة الوطنية بتهمة ما فيها من فساد حقيقي أو مفترض ، ولكنه لم يقو على غلق وكر القرضاويات ، وهو وكر تعليم الارهاب واقفال العقول، وإيغال القلوب على الأوطان ، كما لم يتجاسر على محاسبة ”منظمات دعوية” مكلفة بارباك العقول وافساد الوجدان بنشر ثقافة تتراوح بين التبشير ”بجهاد النكاح” وتعداد مآثر ”بول البعير” وبركة ”الرقية الشرعية’ من ناحية وفضائل “نظام الخلافة” سياسيا و”تسطيح الارض علميا” خلافا لغاليلي وانشتاين من ناحية أخرى . ومن المؤسف حقا ان لارد على جعل الرئيس المتهم الاول في تعطيل حركة التحرر الوطني باعتبارها الشرط الاساسي لاستئناف مسيرة الانتقال الديمقراطي ، بل انه أتاح الفرصة لشكوك وشبهات لا تنحسم في الراهن السياسي .
***III***
ومما لابد منه لحسم تلك الشبهات الا بمراجعة كلية لمنهج التفرد بالحكم مهما كانت مواعيده ووعوده، فهو حكم الرعايا والعبيد لا خيار المواطنين الأحرار. والعاقل يترفع اليوم حتى عن تسمية منهج الانفراد بالحكم . ولكن مما لا ريب فيه أن علامات ظهور الحكم الاستبدادي بيننا كثيرة لعل أهمها محاولات تقزيم دور الأحزاب السياسية، وإنكار وظيفة منظمات المجتمع المدني، وإهمال مواقف المثقفين، والسعي الى توريط بعض الجامعيين في عمل لا مستقبل له، وادعاء التعامل مباشرة مع الشعب دون وسائط اقتداء بالعلاقة بين الانسان وربه …
نعم تلك -في مجملها – مؤشرات على قرب ظهور الاستبداد بيننا بديلا عن الديمقراطية التمثيلية. وما انتشار أحفاد لكع بن لكع وأحفاد رويبضة وهم جميعا من ورثة ”لجان حماية الثورة” العاملة أمس فقط تحت إمرة الإسلام السياسي ومن المبشرين ”بالبناء القاعدي” الذي ستقوم عليه أوهام ”الجمهورية الجديدة ” التي يبدو انه أريد لها أن تكون بديلا عن الجمهورية التونسية. وما من سبيل إلى إنقاذ الوطن –بعد استبعاد الأحزاب التي أجرمت في حق الوطن خلال العشرية المنصرمة بكاملها –إلا أيسر السبل وأشدها تأصلا في التاريخ الوطني. وهو ما لا بد منه …
-1/بعث تحالف اجتماعي يضم خاصة الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والاتحاد التونسي الفلاحة والصيد البحري والاتحاد الوطني للمراة التونسية والمنظمات المهنية والحقوقية القائمة، والأحزاب السياسية التي لم تتورط مع الاسلام السياسي في تخريب الوطن خلال العشرية المنصرمة. وهو منهج مستنبط من التاريخ الوطني ايام النضال من اجل التحرر من الاستعمار الخارجي بقياد ة المجاهد الأكبر الزعيم الحبيب بورقيبة والزعيم الخالد فرحات حشاد وقد كنت صغت وثيقة في هذا المعنى بتعاون وثيق مع زملاء جامعيين ونقابيين في منزل الزعيم الوطني النقابي احمد التليلي وقدمتها منذ أربع سنوات تقريبا الى الاخ نور الدين الطبوبي الذي رحب بها ونشرها في جريدة الشعب…
والمعوّل عليه أن يكون هذا التحالف الاطار1- المرجعي الذي تعالج فيه مختلف المسائل السياسية والاقتصادية والصحية العاجلة التي تطرح على الحياة الاجتماعية و2 – تعد القوانين العاجلة التي يقتضيها تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في حدود زمانية معقولة لا تتجاوز ثلاثة اشهر . وبمجرد انتصاب البرلمان الجديد يتم في اطاره النظر في جميع المسائل الجوهرية التي تشغل التونسيين اليوم بما في ذلك نظام الحكم ومنوال التنمية ومآسي مدرسة الجمهورية …
2/ والمقترح في اتجاه معاضدة هذا الاختيار ان تبعث هيئة مصغرة يمكن ان تسمى ”مجمع حكماء الجمهورية” فليس لتونس في زمن المخاطر الا أبناءها الخلّص الذين لا ولاء لهم الا لها ولها وحدها، فهم على قلب واحد، ومنهج واحد، وطنيو الهوية والهوى . ويحسن ان يكون” مجمع حكماء الجمهورية” هيئة مستقلة لا ”سياسية” ولا ”حزبية ” ولا ”ربحية” ، تساهم من موقع المواطنة وحدها في ترشيد العمل الوطني . والمقترح أن يتركب المجمع في انطلاقته من الرجال الذين ساهموا في بناء دولة الاستقلال وفي مقدمتهم –على حد خبرتي المتواضعة- السادة *محمد الناصر**و* فؤاد المبزع** و**رشيد صفر** و**منصور معلى *و**الحبيب بن يحي * وجميع من يراه هؤلاء الكرام صالحا للانضمام إليهم .ويقيني ان السيد رئيس الجمهورية سيدعم مبادرتهم، ويمدهم بالعون الكافي للاضطلاع برسالتهم المعنوية النبيلة.
3/ وفي انتظار بعث” الائتلاف الاجتماعي” ومجمع حكماء الجمهورية” ، رجائي ان يبادر رئيس الجمهورية بتنظيم ملتقى للطب النفسي وعلم النفس الاجتماعي ، للنظر في سبل تخفيف ما لحق المزاج التونسي من ضرر فادح ، خلال العشرية المنصرمة التي رأى فيها ما لا عين رأت، ولا خطر على قلب تونسي قبل اعتداء الإسلام السياسي على نفسيته مستعينا بفضائيات البترودولار ودعاة الفتنة وخبراء تحجيب بنت الأربع سنوات الخ في مجرى الاعتداء على التونسي هوية وانتماء وشخصية شهد لها الزمن بالقدرة على ضرب المواعيد مع التاريخ .
وعلى قدر توفقنا الى المرور، مما لا رجعة فيه إلى ما لا بد منه يكون توفقنا الى استعادة مسيرة الانتقال بالدولة الوطنية ، دولة الاستقلال إلى مصاف الدولة الوطنية الديمقراطية بتحقيق أمال شعبنا عامة وشباب مدرسة الجمهورية خاصة، في اكتساب حقه كاملا في ”الشغل والحرية والكرامة الوطنية”