الشارع المغاربي – هل‭ ‬تؤهّل‭ ‬سيرة‭ ‬الحشاني‭ ‬الذاتية لرئاسة‭ ‬الحكومة‭ ‬التونسية؟ / بقلم: صالح مصباح

هل‭ ‬تؤهّل‭ ‬سيرة‭ ‬الحشاني‭ ‬الذاتية لرئاسة‭ ‬الحكومة‭ ‬التونسية؟ / بقلم: صالح مصباح

قسم الأخبار

19 أغسطس، 2023

الشارع المغاربي: دأب‭ ‬رأس‭ ‬السلطة‭”‬سعيد‭” ‬على‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬الليلَ‭ ‬والناسُ‭ ‬نيام‭ ‬على‭ ‬عادة‭ ‬المُتهجّدين‭. ‬لكنّ‭ ‬قيامَه‭ ‬ليس‭ ‬للتّهجد‭ ‬وإنما‭ ‬لإصدار‭ ‬المراسيم‭ ‬والقرارات‭ ‬والتّعيينات‭ ‬،‭ ‬ولتفقّد‭ ‬أحوال‭”‬الرعية‭” ‬النائمة‭. ‬فقَبل‭ ‬نحو‭ ‬أسبوعين،‭ ‬أعفى‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الليل‭ ‬رئيسة‭ ‬الحكومة‭” ‬نجلاء‭ ‬بودن‭”‬،‭ ‬وعيّن‭ ‬مكانها‭ ‬‭”‬أحمد‭ ‬الحشاني‭” ‬تعيينا‭ ‬اتصل‭ ‬به‭ ‬أبداؤه‭ ‬القَسَمَ‭ ‬اللّيليّ‭.‬

1‭/‬ في‭ ‬مراسم‭ ‬الإعفاء‭ ‬والتعيين‭:‬

جاء‭ ‬الإعفاء‭ ‬والتعيين‭ ‬خاليَين‭ ‬من‭ ‬المراسم‭ ‬الرائجة‭. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬مُستَوجبا‭ ‬أو‭ ‬مُستَحسنا‭ ‬أن‭ ‬يؤصّل‭ ‬سعيد‭ ‬الإعفاءَ‭ ‬والتعيينَ‭ ‬تأصيلا‭ ‬دستوريا‭.‬‭ ‬وكان‭ ‬مستوجبا‭ ‬أو‭ ‬مستحسنا‭ ‬أن‭ ‬يحفّ‭ ‬بالإعفاء‭ ‬والتعيين‭ ‬بيانٌ‭ ‬رئاسيّ‭ ‬مجمل‭ ‬لدواعيهما،‭ ‬يتضمّن‭ ‬مجاملة‭ ‬شاكرة‭ ‬للمعفاة،‭ ‬و‭ ‬تنصيصًا‭ ‬على‭ ‬مقاييس‭ ‬تعيين‭ ‬الحشاني‭ ‬دون‭ ‬سواه‭. ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬مستوحبا‭ ‬أو‭ ‬مستحسنا‭ ‬أن‭ ‬يتوجّه‭ ‬المعفاةُ‭ ‬والمعيّنُ‭ ‬بكلمتين‭ ‬إلى‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭. ‬فهُما،‭ ‬ورأسَ‭ ‬السلطة،‭ ‬خدم‭ ‬له‭ ‬مفترضون‭.‬

من‭ ‬كلّ‭ ‬ذلك‭ ‬خلَت‭ ‬المراسم‭ ‬خُلوّا‭ ‬متوقعا‭ ‬من‭ ‬رأس‭ ‬السلطة‭ ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬نفسه‭ ‬متعاليا‭ ‬على‭ ‬مجاملة‭ ‬مَن‭ ‬يعملون‭ ‬تحت‭ ‬إمامته،‭ ‬وعلى‭ ‬حق‭ ‬المواطنين‭  ‬في‭ ‬معرفة‭ ‬ما‭ ‬يُصدِر‭ ‬وما‭ ‬يُقرر‭. ‬فلعله‭ ‬يرى‭ ‬نفسه‭ ‬المخول‭ ‬الوحيد‭ ‬للكلام‭ ‬والبيان،‭ ‬ويرى‭ ‬وجوب‭ ‬أن‭ ‬تخفض‭ ‬له‭ ‬كلُّ‭ ‬طبقة‭ “‬حُكمه‭”‬جناحَ‭ ‬الصمت‭ ‬والسمع‭ ‬والطاعة‭.‬

2‭/‬ في‭ ‬سيرة‭ ‬الحشاني‭ ‬الشخصية‭:‬

بيانُ‭ ‬ما‭ ‬وَرَدَ‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬جريدة‭ “‬لوموند‭”‬الفرنسية‭ ‬صادر‭ ‬من‭ ‬أيام،‭ ‬وما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬سائر‭ ‬الوسائل‭ ‬والوسائط‭ ‬الإعلامية،‭ ‬أن‭ ‬أحمد‭ ‬الحشاني‭ ‬من‭ ‬مواليد‭ ‬1955،‭ ‬حاصل‭ ‬على‭ ‬الإجازة‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬سنة‭ ‬1983،‭ ‬وتقاعد‭ ‬سنة‭ ‬2019‭ ‬بعد‭ ‬مسار‭ ‬مهني‭ ‬في‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬التونسي،‭ ‬مسك‭ ‬أثناءه‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭. ‬ووالده‭ ‬هو‭ ‬المرحوم‭ “‬صالح‭ ‬الحشاني‭” ‬الذي‭ ‬اشتغل‭ ‬عسكريا‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬التوتسي،‭ ‬وحُكم‭ ‬عليه‭ ‬بالإعدام‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬الإنقلاب‭ ‬على‭ ‬بورقيبة‭ ‬التي‭ ‬قادها‭ ‬سنة1962‭ ‬الأزهر‭ ‬الشرايطي‭. ‬ووالدته‭ ‬فرنسية‭ ‬الأصل‭ ‬والجنسية‭. ‬وشقيقه‭ ‬الأكبر‭ ‬فرنسي‭ ‬متقاعد‭ ‬بعد‭ ‬اشتغاله‭ ‬ضابطا‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬الفرنسي‭. ‬وجدته‭ ‬من‭ ‬والده‭ ‬تنحدر‭ ‬من‭ ‬إحدى‭ ‬حلقات‭ ‬البايات‭ ‬الحسينِيين،‭ ‬وهي‭ ‬حلقة‭ ‬علي‭ ‬باي،‭ ‬سيء‭ ‬الذكرى‭ ‬في‭ ‬المخيال‭ ‬الشعبي‭ ‬التونسي‭.‬

فالحشاني‭ ‬،‭ ‬فضلا‭ ‬على‭ ‬محمولات‭ ‬مصير‭ ‬والده،‭ ‬هو‭ ‬مَزيج‭ “‬شخصي‭” ‬من‭ ‬العسكرية،‭ ‬والإنكشارية،‭ ‬والحسينية‭ ‬التركية،‭ ‬والفرنسية،‭ ‬وأوساط‭ “‬الأرستقراطية‭ ‬البلدية‭”. ‬فهل‭ ‬اختاره‭ “‬سعيد‭” ‬الولوع‭”‬بشعب‭ ‬الأعماق‭” ‬بعبارته‭ ‬لأنه‭ ‬ابن‭ ‬ذاك‭ ‬شعب،‭ ‬ولأنّه‭ ‬من‭ ‬سُلالة‭ “‬الإتفجار‭ ‬الثوري‭” ‬الشعبي‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬له‭ “‬سعيد‭” ‬سيدي‭ ‬بوزيد‭ ‬عاصمة‭ ‬له؟‭!  ‬لا‭ ‬نعلم،‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ “‬أحمد‭ ‬الحشاني‭” ‬قد‭ ‬انحَدَر‭ ‬مِن‭ ‬أحراش‭”‬أولاد‭ ‬حفوز‭”.‬

وقد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬العناصر‭ ‬الذاتية‭ ‬حاسمة‭ ‬في‭ ‬وَسمِ‭ ‬شخصيته‭ ‬مواطنا‭ ‬تونسيا‭. ‬فهي‭ ‬قابلة‭ ‬للإنصهار‭ ‬في‭ ‬تونسيته‭ ‬مثلما‭ ‬انصهرت‭ ‬فيها‭ ‬عناصرُ‭ ‬عامة‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬على‭ ‬تنوع‭ ‬روافدها‭.‬

ثم‭ ‬إنّ‭ ‬هذه‭ ‬العناصر،‭ ‬على‭ ‬عمق‭ ‬اتّصالها‭ ‬بأعماق‭ ‬الرجل‭ ‬،‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬طابعةً‭ ‬بِلَونِها‭ ‬مزاجَه‭ “‬السياسي‭” ‬سواء‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬سكونه‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬حركته‭. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الإحتمال‭ ‬إنما‭ ‬يُقيِّدُه‭ ‬شرطٌ‭ ‬رئيس‭. ‬هذا‭ ‬الشرط‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ذا‭ ‬وجهٍ‭ ‬سياسيّ‭ ‬يُقاس‭ ‬به‭ ‬ويَنقاسُ‭ ‬عليه‭ ‬قياسا‭ ‬يظهر‭ ‬تونسية‭ ‬سياسية‭ ‬متحررة‭ ‬من‭ ‬نلكم‭ ‬الأثقال‭ ‬الشخصية‭ ‬والرواسب‭ ‬الذاتية‭. ‬فهي‭ ‬أثقال‭ ‬حاسمة‭ ‬ورواسب‭ ‬مَكِينَة‭ ‬لا‭ ‬يقدر‭ ‬على‭ ‬التعالي‭ ‬عليها‭ ‬تعاليا‭ ‬سياسيا‭ ‬إلا‭ ‬مَن‭ ‬عَلاَ‭ ‬كعبُ‭ ‬تَسيُّسِه‭ ‬بالتحصيل‭ ‬الفكري‭ ‬العميق،‭ ‬والممارسة‭ ‬المبكرة،‭ ‬والنشاط‭ ‬المتصل‭. ‬ففي‭ ‬هذه‭ ‬الحال‭ ‬يتشكل‭ ‬مزاجه‭ ‬الفكري‭ ‬ونهجه‭ ‬السياسي‭ ‬ورؤيته‭ ‬الثقافية‭ ‬تشكلا‭ ‬متعاليا‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الأثقال‭  ‬والرواسب‭ . ‬فهل‭ ‬في‭ “‬سيرته‭ ‬الساسية‭” ‬قَدْر‭ ‬من‭ ‬ذلك؟

3‭/‬ في‭”‬سيرة‭” ‬الحشّاني‭ ‬السياسية‭:‬

لا‭ ‬سيرة‭ ‬سياسية‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ .‬هو،‭ ‬مِن‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية،‭ ‬نسي‭ ‬منسيّ،‭ ‬ولا‭ ‬يُعرف‭ ‬له‭ ‬نشاط‭ ‬ولا‭ ‬فعل‭ ‬ولا‭ ‬كتابة‭ ‬تتعدى‭ ‬ما‭ ‬يدوّن‭ ‬في‭ ‬صفحته‭ ‬في‭ ‬شبكة‭ ‬التواصل‭ ‬الإجتماعي‭ ‬التي‭ ‬قبض‭ ‬المتابعون‭ ‬مبكرا‭ ‬على‭ ‬مَا‭ ‬فيها‭. ‬وإنّ‭ ‬ما‭ ‬فيها،‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬إفضاء‭ ‬تلقائي،‭ ‬هو‭ ‬مرآة‭ ‬لدواخله‭.‬

تُظهر‭ ‬صفحتُه‭ ‬أنّ‭ ‬فراغه‭ ‬الفكري‭ ‬وخواءه‭ ‬السياسي‭ ‬قد‭ ‬أعجزاه‭ ‬عن‭ ‬التعالي‭ ‬على‭ ‬أثقال‭ ‬تلك‭ ‬العناصر‭ ‬الحاسمة‭ ‬في‭ ‬سيرته‭ ‬الشخصية‭. ‬فبعض‭ ‬خواطره‭ ‬السياسية‭ ‬العامة‭  ‬الممزوجة‭ ‬بالنّكت‭ ‬هي‭ ‬صدى‭ ‬جليّ‭ ‬مباشر‭ ‬لتلك‭ ‬العناصر‭. ‬وهو‭ ‬صدى‭ ‬نفسيُّ‭ ‬المَلمَحِ‭ ‬لا‭ ‬سِياسيُّه‭. ‬وقد‭ ‬يضع‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬ميزان‭ ‬الشك‭ ‬توازنَه‭ ‬في‭ ‬تصريف‭ ‬الشأن‭ ‬العام،‭ ‬وفي‭ ‬تمثّله‭ ‬لِعقد‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية،‭ ‬ولرموزها‭ ‬ونظامها‭ ‬الجمهوري‭. ‬

فمِن‭ ‬عداء‭ ‬والده‭ ‬السابق‭ ‬لبورقيبة‭ ‬ورث‭ ‬عداءه‭ ‬له‭ ‬إرثا‭ ‬يتلبّس‭ ‬بِه‭. ‬وامتدّ‭ ‬هذا‭ ‬العداءُ‭ ‬إلى‭ ‬نظامها‭ ‬الجمهوري،‭ ‬فإذا‭ ‬به‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬وجوب‭ ‬أن‭ ‬تسود‭ ‬تونس‭ ‬ملكية‭ ‬برلمانية‭. ‬ومِن‭ ‬مُنحَدره‭ ‬الإنكشاري‭ “‬البَايَوِي‭” ‬كشف‭ ‬عن‭ ‬حنين‭ ‬إلى‭”‬بايَوِيَّة‭ ‬برلمانية‭” ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬منسوجا‭ ‬من‭ ‬سيرة‭ “‬جدّه‭”‬‭ “‬باي‭ ‬الأمحال‭”‬،‭ ‬سيء‭ ‬الذكرى‭ ‬كما‭ ‬قلنا‭.‬

لم‭ ‬يختر‭ ‬أحمد‭ ‬الحشاني‭ ‬أصوله‭ ‬العائلية‭ ‬القريبة‭ ‬والبعيدة،‭ ‬ولا‭ ‬ذنب‭ ‬له‭ ‬فيها‭ ‬ولا‭ ‬دور‭. ‬ولم‭ ‬يختر‭ ‬أن‭ ‬ينتسب‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭”‬بلدية‭ ‬العاصمة‭”.‬و‭  ‬ليس‭ ‬مطالبا‭ ‬بأن‭ ‬ينسى‭ ‬تلك‭ ‬الأصول‭. ‬لا‭ ‬بل‭ ‬يحق‭ ‬له،‭ ‬مواطنا‭ ‬فردا،‭ ‬أن‭ ‬يحن‭ ‬إليها،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يعتزّ‭ ‬بها،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يحمِل‭ ‬خاطرُه‭ ‬ما‭ ‬شاء‭ ‬من‭ ‬أصدائها،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬مآثرها،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬أوجاعها‭. ‬ويحق‭ ‬له‭ ‬،‭ ‬بالقدر‭ ‬نفسه،‭ ‬أن‭ ‬يحلم‭ ‬بإستثناف‭ ‬عهد‭ ‬البايات،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يدعوَ‭ ‬إلى‭ ‬الملكية‭ ‬البرلمانية‭ ‬نظاما‭ ‬نقيضا‭ ‬لنظام‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬الجمهوري،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يعاديَ‭ ‬رموزها‭ ‬المؤسسين‭ ‬الذين‭ ‬في‭ ‬صدارتهم‭ ‬الزعيم‭ ‬بورقيبة‭.‬

لكن‭ ‬العجيب‭ ‬الغريب‭ ‬أنّ‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬يعادي‭ ‬البورقيبيةَ‭ ‬والدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬ونظامها‭ ‬الجمهوري،‭ ‬والذي‭ ‬لم‭ ‬يُظهر‭ ‬تعاليا‭ ‬سياسيا‭ ‬ونفسيا‭ ‬على‭ ‬عداء‭ ‬أصوله‭ ‬العائلية‭ ‬لها،‭ ‬والذي‭ ‬بقي‭ ‬فيه‭ ‬حياّ‭ ‬ذاك‭ ‬المزيجُ‭ ‬من‭ ‬البابوية‭ ‬الإنكشارية‭ ‬والفرنسية،‭ ‬العجيب‭  ‬أنه‭ ‬صار‭ ‬رئيسا‭ ‬لحكومة‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬على‭ ‬أيام‭ ‬نظامها‭ ‬الجمهوري‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬اليوم‭ ‬اسما‭ ‬بلا‭ ‬معنى،‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تفانى‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬نظامها‭ ‬مؤسسون‭ ‬أفذاذ‭.‬

فأين‭ ‬الحشاني‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬الجمهوري‭ ‬وهو‭ ‬المتوازن‭ ‬على‭ ‬انكشارية‭ ‬الأب‭ ‬وفرنسية‭ ‬الأم؟‭ ‬فلعل‭ ‬سيرة‭ ‬علي‭ ‬باي‭ ‬هي‭ ‬مرجع‭ ‬توازنه‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬إليه‭ ‬في‭”‬صفحته‭”. ‬ثم‭ ‬هل‭ ‬المكوّن‭ ‬الفرنسي‭ ‬فيه‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬حفّز‭ ‬سعيد‭ ‬على‭ ‬اختياره‭ ‬له‭ ‬عسى‭ ‬أن‭ ‬يَزيَنَّ‭ ‬به‭ ‬وجهُه‭ ‬في‭ ‬أعين‭ ‬دولة‭ ‬ما؟‭ ‬أو‭ ‬هل‭ ‬في‭ ‬نقمة‭ ‬المعين‭ ‬على‭ ‬بورقيبة‭ ‬وفي‭”‬استقباحه‭ ‬لزمنه‭ ‬الجميل‭”‬،‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬مشترك‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬سعيد،‭ ‬ما‭ ‬حثّ‭ ‬على‭  ‬ذلك‭  ‬التعيين؟‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬سعيد‭ ‬قد‭ ‬أشهر‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬عداءه‭ ‬المغالي‭ ‬للبورقيبية‭ ‬و‭”‬لِزَمنها‭”‬و‭ ‬لتعبيرها‭ ‬السياسي‭ ‬الدستوري‭ ‬سواء‭ ‬المنتظم‭ ‬منه‭ ‬حزبيا‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬المنتظم‭. ‬فهل‭ ‬يستبطن‭ ‬هذا‭ ‬العداء‭ ‬هاجسا‭ ‬لدى‭ ‬سعيد‭ ‬انتخابيا‭ ‬حثّه‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يختار‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬الحكومة‭ ‬شريكا‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬ذاك‭ ‬العداء‭ ‬ملائما‭ ‬للمرحلة؟‭ ‬وإذا‭ ‬صح‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬صحّ‭ ‬أنّ‭ ‬مقياس‭ ‬الإختيار‭ ‬هو‭ ‬الزمن‭ ‬الإنتخابي‭ ‬وليس‭ ‬الزمنَ‭ ‬الإقتصاديَّ‭ ‬والماليّ‭ ‬الضَّنَكَ؟‭. ‬هذه‭ ‬أسئلة‭ ‬لا‭ ‬نعلم‭ ‬لها‭ ‬أجوبة‭ ‬أكيدة،‭ ‬لكننا‭ ‬نطرحها‭ ‬ببراءة‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬قلمنا‭.‬

4‭/‬ في‭ ‬احتمالات‭ ‬التّوفّق في‭ ‬الإختيار‭:‬

لا‭ ‬جدال‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الأزمة‭ ‬المالية‭ ‬والإقتصادية‭ ‬هي‭ ‬اليوم‭ ‬رأس‭ ‬الأزمات‭ ‬على‭ ‬حدة‭ ‬غيرها‭ ‬وتأكدها‭. ‬ولعل‭ ‬الأصل‭ ‬أن‭ ‬تتحكم‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬من‭ ‬يمسك‭ ‬الحكومة‭. ‬ولا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬أحمد‭ ‬الحشاني‭ ‬مرشح‭ ‬للفوز‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الأزمة‭. ‬فهو‭ ‬خريج‭ ‬قانون‭ ‬ومسَك‭ ‬في‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬التونسي‭ ‬قسم‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭. ‬فهو‭ ‬دراسةً‭ ‬ومسارا‭ ‬مهنيا،‭ ‬ليس‭ ‬بذي‭ ‬صلة‭ ‬بالاقتصاد‭ ‬والمالية‭ .‬

وقد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬حاسما‭ ‬في‭ “‬أمية‭” ‬الرجل‭ ‬المالية‭ ‬والإقتصادية‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ذا‭ ‬محمول‭ ‬سياسي‭ ‬وفكري،‭ ‬ودربة‭ ‬وماض‭ ‬من‭ ‬النشاط‭ ‬سيايَين‭ ‬يحصّل‭ ‬بهما‭ ‬سعة‭ ‬أفق‭ ‬يتدارك‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬اختصاصه‭ ‬الدراسي‭ ‬والمهني‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬سعة‭ ‬الأفق‭ ‬السياسية‭ ‬تمكّن‭ ‬صاحبها‭ ‬من‭ ‬الأخذ‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بطرف‭ ‬ونَسجِه‭ ‬في‭ ‬رؤية‭ ‬متلائمة‭ ‬العناصر‭.‬

لكن‭ ‬افتقار‭ ‬الحشاني‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الرؤية‭ ‬إنما‭ ‬يجعله‭ ‬ذا‭ “‬أمية‭” ‬مزدوجة‭ ‬يكون‭ ‬بها‭ ‬غير‭ ‬مرشح‭ ‬لمنازلة‭ ‬المعضلات‭ ‬الراهنة‭ ‬الحادة‭. ‬ولعل‭ ‬مقاييس‭ ‬اختياره‭ ‬التي‭ ‬حكّمها‭ ‬سعيد‭ ‬،‭ ‬فضلا‭ ‬على‭ ‬عداء‭ ‬البورقيبية،‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬الأمية‭ ‬المزدوجة‭ ‬التي‭ ‬يضمن‭ ‬بها‭ ‬انطفاءه‭ ‬السياسي‭ ‬وصمت‭ ‬لسانه‭ ‬على‭ ‬شاكلة‭ ‬سابقته‭ “‬بودن‭”. ‬فلعل‭ ‬المقياس،‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية،‭ ‬هو‭ ‬واحد‭ ‬وهو‭ ‬هيمنة‭ ‬رأس‭ ‬السلطة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الخطاب‭ ‬الرسمي،‭ ‬وهذا‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬جريدة‭  “‬لوموند‭” ‬المشار‭ ‬إليها‭ ‬سابقا‭ ‬إلى‭ ‬ان‭ ‬تتعجب‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬حكومة‭ ‬مصاب‭ ‬بالصمت‭. ‬

وفي‭ ‬كل‭ ‬الأحوال،‭ ‬هذه‭ ‬مجرد‭ ‬ترجيحات‭ ‬متشائمة‭ ‬تشاؤما‭ ‬غير‭ ‬اعتباطي‭ ‬لا‭ ‬محالة‭. ‬لكنْ‭ ‬مَن‭ ‬يدري؟‭!. ‬فقد‭ ‬يُكذّب‭ ‬الحشاني‭ ‬ما‭ ‬نرجّح‭ ‬وينجح‭ ‬أيما‭ ‬نجاح‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مصائب‭ ‬تونس‭ ‬الجسيمة‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نتمناه‭

*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 15 أوت 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING