الشارع المغاربي-حوار كوثر زنطور-نقلأماني الخديمي: اعتبر الدبلوماسي ووزير الخارجية الاسبق أحمد ونيّس في حواره مع «الشارع المغاربي» أنّه يمكن الاستنتاج من عدم تعيين سفير جديد للولايات المتحدة الامريكية بتونس خلفا لدونالد بلوم وجود توتر في العلاقات بين الدولتين وقدم ونيس قراءته لزيارة وزير الخارجية على عجل الى الجزائر والمواقف الدولية الأخيرة من قرار حل البرلمان.
هل يمكن القول ان الضغوطات الخارجية على رئيس الجمهورية تصاعدت بعد قرار حلّ البرلمان ؟
في ما يتمثل الاشكال؟… علينا أن نكون واعين بأنّ الوضع الاقتصادي الصعب والأكثر من الصعب الذي تمر به البلاد والذي لا يقارن بحالة لبنان الذي تحصل رغم ذلك على مُوافقة من صندوق النقد الدولي لإنقاذه عبر توقيع اتفاق جديد بأكثر من 3 مليارات دولار بحيث أنّ المؤسسات الدولية وبموافقة الأعضاء الرئيسيين الذين يؤلفونها ومن بينهم الدول الغربية، لا تقطع السبيل عن الدولة التي تسقط ضحية في مصاعب سياسية وذاتية مثل التي نعيشها نحن اليوم. وعندما تقرّر دولة مثل تونس الانضمام الى مجموعة الدول الديمقراطية فإنها تقبل بحكم الخيار الذاتي الذي اطلقته على نفسها بأن يكون للدول الاعضاء للمجموعة الديمقراطية بما فيها الاوروبية وغيرها الحق في مواجهتها بانتقاد او بتقييم مع تحفّظ في ما يتعلق بتحقيق المشروع الديمقراطي وهذا مقبول بحكم انضمامنا الحر للمجموعة الديمقراطية .
يعني في تقديرك هذه الضغوطات لها ما يبررها ؟
هذه واحدة من قواعد المجموعة الديمقراطية حيث لا نستغرب من أن تُوجه لنا فرنسا أو الولايات المتحدة أو ايطاليا أو المانيا أو غيرها من الدول أسئلة ومن أن تُشير لنا إلى بعض المخاطر والمزالق التي قد تُهدّد تحقيق المشروع الديمقراطي .
ماذا بعد الانتقاد والتنديد بما تسميه هذه الدول مخاوف على الخيار الديمقراطي… هل يمكن ان يصل الى حد القطيعة وقطع المساعدات؟
الحكومة التونسية معنيّة بتوضيح موقفها ومتى وجدت أنّها لم تنجح في إقناع أعضاء المجموعة الديمقراطية عليها الاقتناع بأنّ الخطوة التي قطعتها غير ناجحة لتقنع بها المجموعة التي تنتسب اليها نهائيا.. إذن تلك خطوة خاطئة وعليها ان تتراجع عنها وهذا لم يحصل الى الآن .المجال قائم للنقاش وللجدل ولكن لا يوجد تراجع لأنّ مساعي الدبلوماسية التونسية مازالت قائمة والى حد اليوم لا توجد قطيعة.
ما هي في رأيك خلفيات التركيز مع تركيا واعتبار موقفها تدخلا غير مقبول في الشأن الداخلي في الرد على تصريحات اردوغان حول حل البرلمان ؟
الاستثناء الذي استظهرته الحكومة التونسية في ما يخص النقد الصادر عن تركيا يختلف عن التعامل مع نفس الاحكام التي صدرت من طرف الغربيين إذ صعّدنا في رد الفعل مع تركيا، وهذا لأن الحكومة فهمت الموقف التركي على أنّه لا يعتمد على مبادئ الديمقراطية او الغيرة على انجاح المشروع الديمقراطي بل يعتمد على تضامن مع حزب من الأحزاب السياسية التونسية وهو حزب حركة النهضة. لم تكن مُعاملتنا مع تركيا على أساس الادّعاء التركي باحترام مبادئ المنظومة الديمقراطية ولكن لأنّ تركيا سمحت بسياسة تضامن ضيق مع حزب النهضة الذي هو ليس «وطن تونس كاملا» ولكنه حزب من الاحزاب ولذلك استثنينا الدولة التركية على هذا الأساس… هذا هو موقفي.
ما تعليقك على اجتماع الثاني من نوعه بين سفراء مجموعة السبع ووزير الخارجية الذي طُرحت خلاله مجموعة من الاسئلة منها مسألة العودة الى الديمقراطية؟
بيان يوم الخميس 7 افريل 2022… هناك اجتهاد من الحكومة المعنية لتوضح أنّ الخطوات التي تتخذها تندرج ضمن خطة بعيدة وغير قريبة المدى وغير مرتبطة بظرف من الظروف وانها خطة أبعد والغاية منها هي انقاذ المشروع الديمقراطي وليس القضاء على المشروع الديمقراطي ولكن هل أقنع وزير الخارجية زملاءه من مجموعة السبع وهل ادخل اليهم الشك وهل اصر ممثلوها على ان الخطوة الاخيرة التونسية مخطئة… سيجيبنا عن ذلك المستقبل القريب. الواضح إلى حدّ الآن منذ يوم 7 أفريل هو أن الامور مازالت تختمر وأنه لم تظهر بعد قرارات عن مجموعة السبع فرادى او في مجموعة إنّ كانوا قد اقتنعوا أم لا. الجدل شرعي وقائم والحكومة التونسية تواصل عملها ولا أعرف هل هي ناجحة أم متعثرة… المستقبل القريب في ما يتعلق بمشاريعنا مع صندوق النقد الدولي ومع البنك الدولي سيقول لنا هل ان الدول التي لها القول الاخير في قرارات هذه المؤسسات اقتنعت أم لا .
ونحن نتحدث عن مجموعة السبع… لماذا لم تعين الولايات المتحدة الأمريكية سفيرا جديدا لها في تونس رغم مغادرة السفير دونالد بلوم ؟
إلى حدّ الآن لا نعرف هل سنستقبل ترشيح من ينوبه ام لا ولكن هذا السفير بالذات كان محلّ انتقاد من رئيس الجمهورية في وقت سابق قبل توديعه وقبل التوسيم والتهليل بخروجه ودعوة وزير الخارجية إلى السفارة الأمريكية كانت ضمن مجموعة السبع بحيث لا توجد صلة تحفظ او نقد او تنكر نهائي للتعاون بين البلدين. مع ذلك يمكن الاستنتاج من عدم التعيين بأنّ هناك ضغوطات في العلاقات بين تونس والولايات المتحدة الأمريكية.
ضغوطات بمعنى توتر في العلاقات ؟
نعم يمكن القول ان هناك توترا في العلاقات ويمكن كذلك القول إنّ الولايات المتحدة الأمريكية اليوم تُريد الضغط على الدول العربية أكثر من بقية دول العالم لأنّها هي نفسها تمرّ بمرحلة دقيقة في مواجهة دولة عظمى هي روسيا مع حلفائها مثل الصين والهند وهنا لا ترضى امريكا بأنّ تعتمد أيّة دولة عربية على حجة الاستفزاز الأمريكي مع حليفتها اسرائيل ضد العرب، أي أن تعتمد على هذه القضية لتنفير الشعوب العربية ضدها في الحالة الراهنة خاصة أنّ اسرائيل بصدد تنفيذ مشاريع خطيرة ضدّ الشعب الفلسطيني وضدّ الدول العربية ككل. ويُمكن لتونس اتخاذ هذا الموقف ولها شرعية اتخاذه لأنها لم تتواطأ ابدا في القضية الفلسطينية بحيث أنّ تشديد الضغط على تونس يخدم المصلحة الأمريكية مهما كانت الأبعاد في ما يتعلق بالأزمة التونسية الذاتية المالية والاقتصادية . يعني أنّ كل طرف «يلعب في طرح» وكل طرف يستقوى بالآليات المتوفرة لديه… ووزير الخارجية فضل ألا تكون اللغة في اجتماعه بالأعضاء السبعة، مع الولايات المتحدة ثنائية بل أراد تعويمها مع السبعة لتمرير رسالة الى الولايات المتحدة الامريكية.
زيارة وزير الخارجية عثمان الجرندي على عجل الى الجزائر اثارت جدلا.. ما هي خلفاياتها؟
هناك الظرف الدقيق الذي تعيشه الجزائر نفسها لأنّها تلقت ضربة دبلوماسية قاسية من اسبانيا التي اعترفت في العمق بسيادة المملكة المغربية على الصحراء… هذه الخطوة تضرب الدبلوماسية الجزائرية ضربة قاسية وعبد المجيد تبون قال في حديثه الثنائي مع وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلنكن رأسا لرأس إنّ تونس هي الدولة الوحيدة التي تتناسب مع مبادئ الدولة الجزائرية في محيطها. بلنكن زار بعض الدول انطلاقا من اسرائيل وتوقف في الجزائر وفي المغرب ولم يتوقف في تونس… الجزائر أوضحت للحليف القريب اليها تونس في ما يخص جملة من القضايا.. الجزائر وضعت تونس في الصورة حول القضايا المشتركة التي سبق الحديث عنها بين البلدين ودافعا عنها في الساحات الافريقية والعربية والأوروبية. وأرادوا اعلام تونس بالتطور بخصوص تلك الملفات… فضلت الجزائر التحدث مع وزير الخارجية عثمان الجرندي أقرب الزملاء الى رئيس الجمهورية قيس سعيد. أرادوا الحديث معه بصفة مباشرة وهذا ينمّ عن حيرة بالنسبة للجزائر وعن سعي للابقاء على الصلة المتميزة بين الدولتين وإلى حد ما طمأنة الدولة التونسية على ما عسى أنّه قيل في الحديث بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية .
من الناحية البروتوكولية هل يليق بوزير خارجية التوجه الى دولة في طائرة خاصة تابعة لها وكانه دعي في مهمة؟
لا يوجد أيّ اشكال في ذلك.. في كلّ الحالات هذه اشارة الى تقارب وأخوّة وتجاوز الشكليات التقليدية بين الدول التي تريد أن تستظهر ذاتيا بأبهة استراتيجية وغيرها.. هذا يدلّ على أخوّة وعلى علاقات مباشرة لا تتوقف عند جزئيات بسيطة مثلما كان عبد العزيز بوتفليقة يُرسل طائرة ويستقبل راشد الغنوشي ويُرسل طائرة ويستقبل الباجي قائد السبسي.. لا اشكال في ذلك ..اليوم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون استقبل الجرندي وبالنسبة لنا هذه المسألة من الجزئيات وليست من الأساسيات بل بالعكس تدلّ على طلاقة ووداعة وثيقة وأخوة تتنامى بين النظامين ونأمل أن تتّسع إلى دول المغرب الكبير جميعا .
حسب رأيك لماذا تعطلت المساعدات الاماراتية والسعودية التي تحدث عنها مسؤولون مباشرة بعد 25 جويلية ؟
ليس لدينا استحقاق معهما… إن رأوا أننا في حاجة مُلحة وأنّه ليست لهم مؤاخذات على قراراتنا السياسية الذاتية السيادية فيُمكنهم التبرع… لكنه يعدّ تبرعا وليس استحقاقا… أزمتنا مكشوفة ومعروفة لدى الجميع ومن لهم أكثر ثروات مالية في العالم أكثر من الغربيين ومن الشرقيين هم الدول العربية وهي إلى الآن لم تتحرك ونرجو ان تتحرك وألا تتركنا وجه لوجه مع صندوق النقد الدولي ومع البنك العالمي. ان كانت هناك التفاتة منهم وتعاطف مع الازمة التي نعيشها فمرحبا بأخوّتهم وغير ذلك لا حجة لدينا لنحتج عليهم ولنطالب بأيّ استحقاق كان. تونس موش «حبس» عند دول الخليج.
هل يمكن ان تكون هناك طلبات صَعُبت تلبيتها على رئيس الجمهورية ؟
ما أعرفه هو أن لدول الخليج مصاعب عظيمة بتنامي الحرب اليمنية لأن الساحة الحربية كانت محصورة في تراب اليمن لكنّ ترابهم أصبح مُستهدفا وهم أنفسهم يُعانون..
لا حقّ لنا في مواجهة أية دولة في العالم والحق الوحيد هو انتسابنا العضوي إلى البنك العالمي وإلى صندوق النقد الدولي اللذين نتوجه لهما مثل كلّ الدول التي تجد نفسها في أزمة مالية مثل التي نعيشها.. نرجو أن تكون قضية العرب جميعا هي قضية فلسطين ونرجو ان نتضامن فيها وألاّ نُخل بواجباتنا ازاءها.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 15 أفريل 2022