الشارع المغاربي – ‭"‬الدجاج‭"‬ لم يعد في متناول التونسيين...عجز السلط وتلاعب المحتكرين يحولان دون الحلّ

‭”‬الدجاج‭”‬ لم يعد في متناول التونسيين…عجز السلط وتلاعب المحتكرين يحولان دون الحلّ

قسم الأخبار

1 سبتمبر، 2023

الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: أذنت‭ ‬النيابة‭ ‬العمومية‭ ‬بالمحكمة‭ ‬الابتدائية‭ ‬بتونس‭ ‬في‭ ‬17‭ ‬أوت‭ ‬2023‭ ‬بالاحتفاظ‭ ‬بصاحب‭ ‬سلسلة‭ ‬محلات‭ ‬ومغازات‭ ‬مختصة‭ ‬في‭ ‬بيع‭ ‬الدواجن‭ ‬وعلف‭ ‬الدواجن‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬شبهات‭ ‬الاحتكار‭ ‬والمضاربة‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬في‭ ‬مادة‭ ‬العلف‭ ‬النباتي‭ ‬المدعم‭ ‬وشبهات‭ ‬غسل‭ ‬وتبييض‭ ‬الأموال‭.‬

ويعيد‭ ‬هذا‭ ‬الإيقاف‭ ‬إلى‭ ‬المشهد‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬ما‭ ‬راج‭ ‬حول‭ ‬تحكم‭ ‬بارونات‭ ‬العلف‭ ‬الحيواني‭ ‬في‭ ‬مسالك‭ ‬القطاع‭ ‬وتلاعبهم‭ ‬بالأسعار‭ ‬وتأثيرهم‭ ‬السلبي‭ ‬على‭ ‬الفلاح‭ ‬والمستهلك‭ ‬على‭ ‬حدّ‭ ‬سواء‭. ‬غير‭ ‬أنّ‭ ‬الوضع‭ ‬أعقد‭ ‬ممّا‭ ‬يبدو‭ ‬عليه‭ ‬إذ‭ ‬تعجز‭ ‬المالية‭ ‬العمومية‭ ‬باطّراد‭ ‬عن‭ ‬توفير‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬الكافية‭ ‬لاستيراد‭ ‬المواد‭ ‬الاساسية‭ ‬وتوفير‭ ‬الدعم‭ ‬اللازم‭ ‬لها‭ ‬فيما‭ ‬تستفيد‭ ‬المجموعات‭ ‬الصناعية‭ ‬الضخمة‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬احتكاري‭ ‬ويتفاقم‭ ‬الفساد‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬ليتغلغل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬القطاعات‭ ‬بلا‭ ‬استثناء‭ ‬ويتصاعد‭ ‬عجز‭ ‬هياكل‭ ‬الرقابة‭ ‬والتعديل‭ ‬في‭ ‬نسق‭ ‬مخيف‭.‬

إنتاج‭ ‬تونس‭ ‬من‭ ‬الدواجن

حسب‭ ‬المجمع‭ ‬المهني‭ ‬المشترك‭ ‬لمنتوجات‭ ‬الدواجن‭ ‬والأرانب‭ ‬يزود‭ ‬قطاع‭ ‬الدواجن‭ ‬البلاد‭ ‬بـ‭ ‬50‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬اللحوم‭ ‬وجميع‭ ‬الاحتياجات‭ ‬من‭ ‬بيض‭ ‬الاستهلاك‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬أسعار‭ ‬منتجات‭ ‬الدواجن‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬عدة‭ ‬شرائح‭ ‬اجتماعية‭ ‬وإن‭ ‬بدرجات‭ ‬متفاوتة‭ ‬يمثل‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬حوالي‭ ‬25‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬الثروة‭ ‬الحيوانية‭ ‬و8‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬الإنتاج‭ ‬الفلاحي‭.‬

قطاع‭ ‬دجاج‭ ‬اللحم

يتكوّن‭ ‬قطاع‭ ‬دجاج‭ ‬اللحم‭ ‬في‭ ‬أغلبيّته‭ ‬من‭ ‬صغار‭ ‬المربين‭ ‬الذين‭ ‬لديهم‭ ‬طاقة‭ ‬استيعاب‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬5000‭ ‬طير‭ ‬في‭ ‬الدورة‭ ‬الواحدة‭. ‬كما‭ ‬توجد‭ ‬بعض‭ ‬الشركات‭ ‬في‭ ‬مستويات‭ ‬مختلفة‭ )‬أمّهات‭ ‬ومفارخ‭ ‬ومنشآت‭ ‬تربية‭ ‬ومصنع‭ ‬علف‭ ‬ومسالخ‭ ‬ونقاط‭ ‬بيع)‭ . ‬ويقدّر‭ ‬مجمل‭ ‬لحوم‭ ‬الدّواجن‭ ‬الأخرى‭ ‬والمتأتية‭ ‬أساسا‭ ‬من‭ ‬دجاج‭ ‬البياض‭ ‬المسن‭ ‬وأمهات‭ ‬الدجاج‭ ‬المسن‭ ‬والدجاج‭ ‬التقليدي‭ ‬بـ‭ ‬11‭.‬900‭ ‬طن‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬7‭.‬6‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬الانتاج‭ ‬الجملي‭.‬

أمّا‭ ‬بالنسبة‭ ‬للطيور‭ ‬الثانوية‭ ‬فإنتاجها‭ ‬غير‭ ‬معروف‭ ‬بصفة‭ ‬دقيقة‭ ‬وهو‭ ‬إنتاج‭ ‬ضئيل‭. ‬وتطوّر‭ ‬الإنتاج‭ ‬الجملي‭ ‬للبيض‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الخمس‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬1‭.‬44‭ ‬إلى‭ ‬1‭.‬55‭ ‬مليار‭ ‬وحدة‭.‬

كما‭ ‬يساهم‭ ‬قطاع‭ ‬الدواجن‭ ‬بنسبة‭ ‬12‭ ‬بالمائة‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬الفلاحي‭ ‬و32‭ ‬بالمائة‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬الحيواني‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬مساهمته‭ ‬في‭ ‬تغطية‭ ‬الحاجات‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬من‭ ‬اللحوم‭ ‬بنسبة‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬50‭ ‬و53‭ ‬بالمائة‭ ‬وتوفيره‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬15‭ ‬ألف‭ ‬موطن‭ ‬شغل‭ ‬حسب‭ ‬إحصائيات‭ ‬رسمية‭. ‬وقد‭ ‬بلغ‭ ‬إنتاج‭ ‬تونس‭ ‬من‭ ‬لحوم‭ ‬الدواجن‭ ‬185‭ ‬ألف‭ ‬طن‭ ‬في‭ ‬2017‭ ‬ثم‭ ‬ما‭ ‬انفك‭ ‬يتراجع‭ ‬بنسق‭ ‬مستمر‭.‬

المشكل‭ ‬الأساسي‭ ‬

تعود‭ ‬زيادة‭ ‬أسعار‭ ‬الأعلاف‭ ‬في‭ ‬الميدان‭ ‬الفلاحي‭ ‬الى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬تراجع‭ ‬قيمة‭ ‬الدينار‭ ‬وارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬الأعلاف‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية‭ ‬بسبب‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬وهما‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬المنتجين‭ ‬للأعلاف‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬ولعلّ‭ ‬أهم‭ ‬عامل‭ ‬حصل‭ ‬حوله‭ ‬إجماع‭ ‬هو‭ ‬احتكار‭ ‬مجموعات‭ ‬كبرى‭ ‬توريد‭ ‬الأعلاف‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وإنتاجها‭ ‬مما‭ ‬أدّى‭ ‬لاحقا‭ ‬للتلاعب‭ ‬بأسعارها‭ ‬والمضاربة‭ ‬فيها‭.‬

ويشتكي‭ ‬صغار‭ ‬الفلاحين‭ ‬الذي‭ ‬يمثلون‭ ‬90‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬مربيي‭ ‬الأبقار‭ ‬والدواجن‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬كلفة‭ ‬إنتاج‭ ‬اللحوم‭ ‬والحليب‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬أسعار‭ ‬البيع‭ ‬مما‭ ‬لا‭ ‬يترك‭ ‬لهم‭ ‬إلا‭ ‬هامش‭ ‬ربح‭ ‬ضئيل‭ ‬بل‭ ‬أحيانا‭ ‬يتم‭ ‬البيع‭ ‬بسعر‭ ‬الكلفة‭.‬

كما‭ ‬يتم‭ ‬توريد‭ ‬الأعلاف‭ ‬المتكونة‭ ‬من‭ ‬الذُرة‭ ‬والصوجا‭ ‬بالعملة‭ ‬الصعبة‭ ‬وتتأثر‭ ‬أسعارها‭ ‬بالأسعار‭ ‬العالمية‭ ‬وهي‭ ‬تسير‭ ‬قدما‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬الارتفاع‭.‬

وتمثل‭ ‬الأعلاف‭ ‬الحيوانية‭ ‬70‭ ‬بالمائة‭ ‬تقريبا‭ ‬من‭ ‬كلفة‭ ‬الإنتاج‭ ‬سواء‭ ‬بالنسبة‭ ‬للتر‭ ‬الحليب‭ ‬أو‭ ‬للكلغ‭ ‬الواحد‭ ‬من‭ ‬اللحم‭ ‬وبالتالي‭ ‬تنعكس‭ ‬كل‭ ‬زيادة‭ ‬في‭ ‬سعر‭ ‬الأعلاف‭ ‬الحيوانية‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬كلفة‭ ‬الإنتاج‭ ‬وتتطلب‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬زيادة‭ ‬في‭ ‬سعر‭ ‬الحليب‭ ‬واللحوم‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتضرر‭ ‬الفلاح‭.‬

يوجه‭ ‬الدعم‭ ‬العمومي‭ ‬فقط‭ ‬لنوعين‭ ‬من‭ ‬الأعلاف‭ ‬هما‭ ‬السداري‭ ‬والشعير‭ ‬ولا‭ ‬يشمل‭ ‬أغلبية‭ ‬الأعلاف‭ ‬الخشنة‭ ‬الضرورية‭ ‬لإنتاج‭ ‬الحليب‭ ‬واللحوم‭ ‬مثل‭ ‬الصوجا‭ ‬والفصة‭ ‬والذُرة‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬استيرادها‭ ‬بالعملة‭ ‬الصعبة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الخواص‭ ‬وتخضع‭ ‬لتقلبات‭ ‬الأسعار‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬العالمية‭ ‬ولنسبة‭ ‬التضخم‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والمضاربات‭ ‬الداخلية‭ ‬بين‭ ‬كبار‭ ‬التجار‭ ‬والمجامع‭ ‬المهنية‭.‬

من‭ ‬يحتكر‭ ‬إنتاج‭ ‬الأعلاف‭ ‬وتوزيعها‭ ‬في‭ ‬تونس؟

تهيمن‭ ‬شركات‭ ‬إنتاج‭ ‬الأعلاف‭ ‬الخاصة‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬مسالك‭ ‬توريد‭ ‬وإنتاج‭ ‬وبيع‭ ‬الأعلاف‭ ‬منذ‭ ‬دخولها‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬حالتها‭ ‬الأولية‭ ‬حتى‭ ‬رحيها‭ ‬وخلطها‭ ‬وتوزيعها‭. ‬وبالإضافة‭ ‬للاتهامات‭ ‬الموجهة‭ ‬لهذه‭ ‬الشركات‭ ‬بالتلاعب‭ ‬بالأسعار‭ ‬وبكميات‭ ‬الأعلاف‭ ‬فإن‭ ‬البعض‭ ‬منها‭ ‬يتلاعب‭ ‬بتركيبة‭ ‬هذه‭ ‬الأعلاف‭ ‬عبر‭ ‬خلطها‭ ‬بمواد‭ ‬غذائية‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬علفية‭ ‬مثل‭ ‬المعجنات‭ ‬كما‭ ‬ثبت‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬مرات‭ ‬كثيرة‭ ‬حين‭ ‬تم‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬مصانع‭ ‬عجين‭ ‬غذائي‭ ‬يتم‭ ‬التلاعب‭ ‬به‭ ‬وتوجيهه‭ ‬علفا‭ ‬للحيوانات‭.‬

وتشير‭ ‬تقارير‭ ‬وبحوث‭ ‬استقصائية‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬مجموعات‭ ‬صناعية‭ ‬ضخمة‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬إنتاج‭ ‬البيض‭ ‬واللحوم‭ ‬البيضاء‭ ‬والى‭ ‬انها‭ ‬ذاتها‭ ‬المزود‭ ‬الوحيد‭ ‬للفلاحين‭ ‬بالمواد‭ ‬الأولية‭ ‬الأساسية‭ ‬أي‭ ‬الذرة‭ ‬وفيتورة‭ ‬الصوجا‭. ‬كما‭ ‬تفيد‭ ‬التقارير‭ ‬بأن‭ ‬المجموعات‭ ‬المذكورة‭ ‬تشتري‭ ‬بدورها‭ ‬فيتورة‭ ‬الصوجا‭ ‬من‭ ‬شركة‭ ‬خاصة‭ ‬هي‭ ‬المزود‭ ‬المحلي‭ ‬الوحيد‭ ‬بهذه‭ ‬المادة‭. ‬وجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أنّ‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬لا‭ ‬تستورد‭ ‬فيتورة‭ ‬الصوجا‭. ‬

ويتم‭ ‬شراء‭ ‬الاستهلاك‭ ‬المحلي‭ ‬من‭ ‬الشركة‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تستورد‭ ‬حبوب‭ ‬الصوجا‭ ‬وبعد‭ ‬استخراج‭ ‬الزيت‭ ‬منها‭ ‬تستعمل‭ ‬فيتورة‭ ‬الصوجا‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الأعلاف‭. ‬وبعدما‭ ‬أصبحت‭ ‬المادة‭ ‬تصنّع‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬فرضت‭ ‬المجموعات‭ ‬الصناعية‭ ‬الضخمة‭ ‬على‭ ‬الشركة‭ ‬الخاصة‭ ‬ان‭ ‬تبيعها‭ ‬حصريا‭ ‬مما‭ ‬خلق‭ ‬وفاقا‭ ‬أصبح‭ ‬يتحكم‭ ‬في‭ ‬سعر‭ ‬العلف‭ ‬المركب‭. ‬وبخروج‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬الجديد‭ ‬وإعداد‭ ‬كراس‭ ‬شروط‭ ‬لاستيراد‭ ‬الذرة‭ ‬وفيتورة‭ ‬الصوجا‭ ‬ارتكبت‭ ‬الدولة‭ ‬خطأ‭ ‬جسيما‭ ‬تمثّل‭ ‬في‭ ‬منح‭ ‬الفرصة‭ ‬للمجموعات‭ ‬الصناعية‭ ‬الضخمة‭ ‬للهيمنة‭ ‬على‭ ‬المجال‭ ‬ولاحتكار‭ ‬تزويد‭ ‬منافسيها‭ ‬بالأعلاف‭…‬

ويخول‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬الاحتكاري‭ ‬لهذه‭ ‬المجمعات‭ ‬هامشا‭ ‬واسعا‭ ‬لتحديد‭ ‬الأسعار‭ ‬لا‭ ‬حسب‭ ‬تقلّبات‭ ‬السوق‭ ‬العالمية‭ ‬فحسب‭ ‬ولكن‭ ‬كذلك‭ ‬حسب‭ ‬استراتيجياتها‭ ‬الربحيّة‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬مستفيدة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬سواء‭ ‬خلال‭ ‬إنتاج‭ ‬الأعلاف‭ ‬وبيعها‭ ‬أو‭ ‬عند‭ ‬إنتاج‭ ‬اللحوم‭ ‬والدواجن‭.‬

وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬المجموعات‭ ‬الصناعية‭ ‬الضخمة‭ ‬التي‭ ‬تحتكر‭ ‬استيراد‭ ‬العلف‭ ‬وإنتاجه‭ ‬وتسويقه‭ ‬تسجل‭ ‬أرباحا‭ ‬مضاعفة‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬الأعلاف‭ ‬بما‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تكتفي‭ ‬بالمتاجرة‭ ‬فيها‭ ‬فقط‭ ‬وإنما‭ ‬تستفيد‭ ‬من‭ ‬كلفة‭ ‬إنتاجها‭ ‬المنخفضة‭ ‬عبر‭ ‬شركاتها‭.‬

اتحاد‭ ‬الفلاحين؟

يتهم‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬صغار‭ ‬الفلاحين‭ ‬خاصة‭ ‬منهم‭ ‬مربيي‭ ‬الدواجن‭ ‬والماشية‭ ‬الاتحاد‭ ‬التونسي‭ ‬للفلاحة‭ ‬والصيد‭ ‬البحري‭ ‬بالتواطؤ‭ ‬والصمت‭ ‬على‭ ‬احتكار‭ ‬إنتاج‭ ‬الأعلاف‭ ‬وارتفاع‭ ‬أسعارها‭.‬

وقد‭ ‬نفى‭ ‬الاتحاد‭ ‬مرارا‭ ‬هذه‭ ‬التهم‭ ‬وكان‭ ‬آخر‭ ‬نفي‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬12‭ ‬جوان‭ ‬2023‭ ‬ودحض‭ ‬فيه‭ ‬تهم‭ ‬الفساد‭ ‬الموجهة‭ ‬لهياكله‭ ‬المحلية‭ ‬والجهوية‭ ‬بخصوص‭ ‬ادارة‭ ‬ملف‭ ‬الأعلاف‭ ‬المدعمة‭ )‬شعير‭ ‬علفي‭ / ‬سداري)‭ .‬

وأكد‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬صادر‭ ‬عنه‭ ‬أن‭ ‬التهم‭ ‬الموجهة‭ ‬اليه‭ ‬باطلة‭ ‬وانها‭ ‬تتضمن‭ ‬مغالطات‭ ‬متعمدة‭ ‬مشيرا‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬توزيع‭ ‬الأعلاف‭ ‬المدعمة‭ ‬يتم‭ ‬تحت‭ ‬اشراف‭ ‬لجان‭ ‬وطنية‭ ‬وجهوية‭ ‬ومحلية‭ ‬تضم‭ ‬مختلف‭ ‬الأطراف‭ ‬الرسمية‭ ‬المتدخلة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬(تحت‭ ‬إسم‭ ‬لجان‭ ‬تنظيم‭ ‬وتوزيع‭ ‬المواد‭ ‬العلفية‭ ‬المدعمة‭( ‬والى‭ ‬ان‭ ‬مهامها‭ ‬تخصيص‭ ‬الحصص‭ ‬وتحديد‭ ‬المنتفعين‭ ‬بها‭.‬

وأوضح‭ ‬الاتحاد‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬السياق‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬مكون‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬هذه‭ ‬اللجان‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬انه‭ ‬مكلف‭ ‬بتنسيق‭ ‬عملية‭ ‬توزيع‭ ‬العلف‭ ‬المدعم‭ ‬طبقا‭ ‬لقرارات‭ ‬اللجان‭ ‬وانه‭ ‬يخضع‭ ‬للرقابة‭ ‬والمساءلة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مكونات‭ ‬هذه‭ ‬اللجان‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬مباشر‭ ‬للسلطة‭ ‬التنفيذية‭ ‬والإدارية‭.‬

ولفت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الإشكالية‭ ‬الأساسية‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬النقص‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬الكميات‭ ‬الموضوعة‭ ‬على‭ ‬ذمة‭ ‬الفلاحين‭ ‬مؤكدا‭ ‬انها‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬الحالات‭ ‬55‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬الحصص‭ ‬المخصصة‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المطاحن‭ ‬وانه‭ ‬يتم‭ ‬ترويج‭ ‬كميات‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬السوداء‭ ‬بأسعار‭ ‬مضاعفة‭ ‬عبر‭ ‬مسالك‭ ‬موازية‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬مصادرها‭.‬

وجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬السياق‭ ‬أنّ‭ ‬الحكومة‭ ‬أعادت‭ ‬في‭ ‬موفى‭ ‬شهر‭ ‬جويلية‭ ‬الفارط‭ ‬ضبط‭ ‬تركيبة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬اللجنة‭ ‬الاستشارية‭ ‬المكلفة‭ ‬بتنظيم‭ ‬تعاطي‭ ‬الصيد‭ ‬البحري‭ ‬واللجنة‭ ‬الاستشارية‭ ‬لإسناد‭ ‬رخص‭ ‬صنع‭ ‬وتوريد‭ ‬وحدات‭ ‬الصيد‭ ‬البحري‭ ‬دون‭ ‬منح‭ ‬الاتحاد‭ ‬التونسي‭ ‬للفلاحة‭ ‬والصيد‭ ‬البحري‭ ‬العضوية‭ ‬فيهما‭. ‬

ويترأس‭ ‬اللجنة‭ ‬الاستشارية‭ ‬المكلفة‭ ‬بتنظيم‭ ‬تعاطي‭ ‬الصيد‭ ‬البحري‭ ‬وفق‭ ‬الأمر‭ ‬534‭ ‬لسنة‭ ‬2023‭ ‬الصادر‭ ‬بالرائد‭ ‬الرسمي‭ ‬عدد‭ ‬83‭ ‬لسنة‭ ‬2023‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬للصيد‭ ‬البحري‭ ‬وتربية‭ ‬الأسماك‭. ‬وتضم‭ ‬اللجنة‭ ‬أعضاء‭ ‬يتم‭ ‬تعيينهم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وزير‭ ‬الفلاحة‭ ‬يمثلون‭ ‬وزارت‭ ‬الدفاع‭ ‬والداخلية‭ ‬والنقل‭ ‬والبيئة‭ ‬وعن‭ ‬الوزارة‭ ‬المكلفة‭ ‬بالصيد‭ ‬البحري‭ ‬والوزارة‭ ‬المكلفة‭ ‬بالبحث‭ ‬العلمي‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬يتم‭ ‬اقتراح‭ ‬المترشحين‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الوزارات‭ ‬المعنية‭. ‬

المرسوم‭ ‬عدد‭ ‬14‭ ‬لسنة‭ ‬2022‭ ‬وهياكل‭ ‬رسمية‭ ‬عاجزة

غالبا‭ ‬ما‭ ‬يتحدث‭ ‬المسؤولون‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬عن‭ ‬تشعب‭ ‬مسالك‭ ‬التوزيع‭ ‬الذي‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬المضاربة‭ ‬بالمنتج‭ ‬الغذائي‭ ‬وهي‭ ‬عملية‭ ‬بيع‭ ‬وشراء‭ ‬يبتغي‭ ‬منها‭ ‬المضاربون‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬تقلب‭ ‬الأسعار‭ ‬لتحقيق‭ ‬ربح‭ ‬متسببين‭ ‬في‭ ‬خلل‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الكميات‭ ‬المعروضة‭ ‬للبيع‭ ‬حتى‭ ‬يضمنوا‭ ‬تقلب‭ ‬الأسعار‭. ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مسالك‭ ‬التوزيع‭ ‬السبب‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يُلهب‭ ‬السوق‭. ‬فالدّولة‭ ‬تعجز‭ ‬عن‭ ‬توفير‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية‭ ‬بسبب‭ ‬شحّ‭ ‬مواردها‭ ‬المالية‭ ‬ونقص‭ ‬الدّعم‭ ‬العمومي‭ ‬فيما‭ ‬يواجه‭ ‬التونسيون‭ ‬نقصا‭ ‬حادا‭ ‬في‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية‭ ‬وارتفاعا‭ ‬حادا‭ ‬في‭ ‬أسعارها‭.‬

ويُسلّط‭ ‬المُشرّع‭ ‬عقوبات‭ ‬زجريّة‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬الخطايا‭ ‬الماليّة‭ ‬والعقوبات‭ ‬السّجنية‭ ‬على‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬يُعرقل‭ ‬تحديد‭ ‬الأسعار‭ ‬حسب‭ ‬قاعدة‭ ‬العرض‭ ‬والطّلب‭ ‬أو‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬يمارس‭ ‬سيطرة‭ ‬حاسمة‭ ‬على‭ ‬نشاط‭ ‬مؤسّسة‭ ‬أو‭ ‬يدعم‭ ‬وضعيّة‭ ‬هيمنة‭ ‬على‭ ‬السوق‭ ‬الداخليّة‭ ‬طبقا‭ ‬لمقتضيات‭ ‬القانون‭ ‬الصادر‭ ‬سنة‭ ‬2015‭ ‬والمتعلّق‭ ‬بإعادة‭ ‬تنظيم‭ ‬المنافسة‭ ‬والأسعار‭. ‬وتتراوح‭ ‬عقوبة‭ ‬عدم‭ ‬إشهار‭ ‬الأسعار‭ ‬أو‭ ‬الإشهار‭ ‬المنقوص‭ ‬بين‭ ‬خطية‭ ‬بـ‭ ‬50‭ ‬دينارا‭ ‬و2000‭ ‬دينار‭.‬‭ ‬وقد‭ ‬تعزز‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬بالمرسوم‭ ‬عدد‭ ‬14‭ ‬لسنة‭ ‬2022‭ ‬المتعلق‭ ‬بالمضاربة‭ ‬غير‭ ‬المشروعة‭ ‬والذي‭ ‬ينص‭ ‬في‭ ‬الفقرة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬فصله‭ ‬17‭ ‬على‭ ‬عقوبة‭ ‬بالسجن‭ ‬مدّة‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭ ‬وعلى‭ ‬خطية‭ ‬مالية‭ ‬قدرها‭ ‬200‭.‬000‭ ‬دينار‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬المضاربة‭ ‬غير‭ ‬المشروعة‭ ‬تتعلق‭ ‬بمواد‭ ‬مدعمة‭ ‬من‭ ‬ميزانية‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬بالأدوية‭ ‬وسائر‭ ‬المواد‭ ‬الصيدلية”‭.‬

ويتمّ‭ ‬تشديد‭ ‬العقوبة‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة‭ ‬سجنا‭ ‬وخطيّة‭ ‬ماليّة‭ ‬قدرها‭ ‬500‭ ‬ألف‭ ‬دينار‭ ‬على‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬يمارس‭ ‬أيّ‭ ‬أفعال‭ ‬تدخل‭ ‬تحت‭ ‬طائلة‭ ‬المضاربة‭ ‬غير‭ ‬المشروعة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬يحدث‭ ‬عروضا‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬بغرض‭ ‬إحداث‭ ‬اضطراب‭ ‬في‭ ‬التزويد‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الأفعال‭ ‬المجرّمة‭ ‬بالمرسوم‭.‬

غير‭ ‬أنّه‭ ‬يصعب‭ ‬تطبيق‭ ‬هذا‭ ‬المرسوم‭ ‬نظرا‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬عدد‭ ‬المراقبين‭ ‬الـ300‭ ‬التابعين‭ ‬لوزارة‭ ‬التجارة‭ ‬وهم‭ ‬المكلفون‭ ‬أساسا‭ ‬بتحرير‭ ‬المحاضر‭ ‬ورصد‭ ‬المخالفات‭ ‬ضعيف‭ ‬جدا‭ ‬مقارنة‭ ‬بعدد‭ ‬التجار‭ ‬الذين‭ ‬يمتهنون‭ ‬بيع‭ ‬كل‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الفساد‭ ‬الذي‭ ‬يتورط‭ ‬فيه‭ ‬بعض‭ ‬المسؤولين‭ ‬أنفسهم‭.‬

آفاق‭ ‬القطاع

يواجه‭ ‬قطاع‭ ‬الدواجن‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬تحديات‭ ‬متعددة‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬ثمة‭ ‬بعض‭ ‬الآفاق‭ ‬المستقبلية‭. ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭ ‬ارتفاع‭ ‬كلفة‭ ‬التجهيزات‭ ‬إذ‭ ‬يعاني‭ ‬المربون‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الدواجن‭ ‬بتونس‭ ‬من‭ ‬تكاليف‭ ‬التجهيزات‭ ‬الباهظة‭. ‬

كما‭ ‬تعدّ‭ ‬معالجة‭ ‬فضلات‭ ‬اللحوم‭ ‬تحديا‭ ‬آخر‭ ‬امام‭ ‬القطاع‭ ‬حيث‭ ‬تفتقر‭ ‬تونس‭ ‬إلى‭ ‬وحدات‭ ‬لمعالجة‭ ‬اللحوم‭ ‬والتخلص‭ ‬من‭ ‬الجثث‭ ‬والنفايات‭ ‬بطريقة‭ ‬صحية‭. ‬وتوجد‭ ‬حاجة‭ ‬ملحة‭ ‬لتطوير‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬لمعالجة‭ ‬اللحوم‭ ‬والنفايات‭ ‬الحيوانية‭ ‬المتأتية‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬الدواجن‭ ‬بطرق‭ ‬صحية‭ ‬وبيئية‭ ‬ومن‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬الدولة‭ ‬دورًا‭ ‬تعديليا‭ ‬وتنظيميًا‭ ‬وداعمًا‭ ‬مهمًا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وضع‭ ‬السياسات‭ ‬المناسبة‭ ‬وتشجيع‭ ‬الاستثمارات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬الحيوي‭ ‬ومكافحة‭ ‬الاحتكار‭ ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستدامة‭ ‬والنمو‭ ‬الأمثل‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الدواجن‭ ‬في‭ ‬تونس‭.

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادر بتاريخ الثلاثاء 29 اوت 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING