الشارع المغاربي – المواطنة المشروخة ! بقلم - معز زيّود

المواطنة المشروخة ! بقلم – معز زيّود

8 مارس، 2019

الشارع المغاربي : لم يحقّق الشعب التونسي، بعد ثماني سنوات من الثورة على نظام الاستبداد، سوى خطوات ضئيلة جدّا في مساره الانتقالي نحو بناء دولة مدنيّة ديمقراطيّة عادلة ومتقدّمة. وباستثناء مكسب حريّة التعبير وسنّ الدستور وإنشاء بعض المؤسّسات المستقلّة، فإنّ المؤشرات العامّة قد تجاوزت كلّ الخطوط الحمراء. هذه الوضعيّة الشائكة لا تعود فقط إلى الأزمة السياسيّة المستفحلة، بل أيضا إلى تحوّلات سلوكيّة سلبيّة لا تُساعد قطّ على النهوض بالبلاد. ولا تتّصل فحسب بتراجع ثقافة الجهد والعمل والتهاون في تطبيق القانون، وإنّما يُعمّقها كذلك غياب الوعي المجتمعي بأهميّة تفعيل مقوّمات المواطنة في أبسط أبعادها اليوميّة. من الأهميّة إذن أن نُصارح أنفسنا، وأن نعترف دون المكابرة بمواطنتنا المشروخة!…

– مواطنة 1: المواطنة مفهوم أساسيّ لا ينقطع عن الواقع في المجتمعات الحرّة. وهو يرتبط ارتباطا عضويًّا بمفاهيم أساسيّة أخرى كالديمقراطيّة والفضاء العمومي والحريّات الفرديّة والعيش المشترك والعدالة الاجتماعيّة. ومن دون تفعيل معالم المواطنة الحقيقيّة، لا يمكن التوق إطلاقا إلى التحوّل إلى مقام شعب راق في كنف دولة مدنيّة معاصرة.
– مواطنة 2: الشخص الجدير بصفة “المواطن” هو إذن كلّ من يقوم بواجباته ويُطالب بحقوقه، ولا يستقيم أحدهما دون الآخر. فمن يدخل مثلا إلى بيته يوميًا دون مبالاة بما يتناثر أمامه من أوساخ وأتربة، يُعدّ متنصّلا من مقتضيات المواطنة. ومن ثمّة يُفترض ألّا تتردّد السلطات المحليّة في تكبيده خطايا ماليّة جسيمة، كما هو الحال في الدول المتقدّمة. فالنظافة جسدا وفكرا وسلوكا لا ترتبط بالضرورة بالأوضاع الاجتماعيّة والاقتصاديّة…
– مواطنة 3: إنّ من يُفسد الملك العام أو حتّى من يُلقي بفضلاته أو أعقاب سجائره من سيّارته، ومن يرمي بقاياه أمام بيت جاره أو يتركها في الحافلة والمترو أو الحدائق العامّة، لا يختلف كثيرا عن البهائم التي تُلقي روثها حيثُما مرّت. وعلى مؤسّسات الدولة وكذلك مكوّنات المجتمع المدني أن تضع حدّا لهؤلاء المارقين وأن تُلزمهم بأداء واجباتهم!.
– مواطنة 4: الكائنات الأنانيّة تتصوّر نفسها فوق الجميع لأنّها لا تستوعب قطّ معنى المواطنة. قد يكون أحدهم آخر من دخل إلى مؤسّسة معيّنة لقضاء شؤونه، لكنّه لا يقف في الطابور ويصرّ على سرقة دور غيره أو يلجأ إلى الرشوة لأخذ ما ليس من حقّه. كائن آخر من الفصيلة ذاتها يعتقد بجهله أنّ له قدرة ربّانيّة على قيادة سيّارته فيخرق الضوء الأحمر ويتوقّف حيثما يشاء، دون مبالاة بما يتسبّب فيه لنفسه أو لغيره من أخطار. وثالث يرى نفسه الأحقّ بتقدّم الصفوف والطوابير في الإدارات أو الطرقات. فيتماوج يمينا ويسارًا بعبثٍ واستهتار، ويُحدث فوضى عارمة حيث مرّ كأنّه إعصار. هؤلاء أقرب إلى أحمرة بشريّة تستحقّ الضرب على مؤخّراتها.
– مواطنة 5: كثيرًا ما ترفع بلديّاتنا شعارات مواطنيّة جميلة، على غرار “النظافة من الإيمان” و”حافظ على نظافة مدينتك”، لكنّها لا تعدو أن تكون سوى مقولات جوفاء يتندّر من عبثيّتها الموتى قبل الأحياء. فالمجالس البلديّة تتحمّل قبل غيرها مسؤوليّة توفير حدّ أدنى من سلال المهملات والمركّبات الصحيّة والمراحيض العموميّة في التقاطعات المختلفة للمدن. وفي غياب تلك الموارد الأساسيّة تبقى القوانين الردعيّة مجرّد أباريق حبرٍ تستنزف الورق المدعّم!.
– مواطنة 6: حين نفتح حواسيبنا يعرض علينا نظام “ميكروسوفت” صورًا جديدة، تستعرض أغلبها محميّات طبيعيّة في الدول الغربيّة. من المؤسف طبعا أن نعجز عن دفع من يمتلك التكنولوجيا إلى عرض صور ما تزخر به تونس من غابات وشواطئ أكثر سحرًا وجمالا، لكنّ الأنكى والأمرّ أنّ الكثير منها حوصر بالإسمنت المسلح والطوب الأحمر. وهو ما يُشعرنا بالضيق والخجل من أنانيّة كائنات تبلّد ذوقها واندثر إحساسها بالمسؤوليّة.
– مواطنة 7: مبادئ أساسيّة تحتكم إليها دولة المواطنين، ولا سبيل إليها إلا بتكريس مساواة تامّة بين المواطنات والمواطنين والقبول بالاختلاف واحترام حقوق الغير والالتزام بالواجبات لقاء المطالبة باكتمال الحقوق. فكيف يمكن مثلا لمن يُمارس التهرّب الضريبي أن يَعُدّ نفسه مواطنا، والحال أنّه ينتهك أبسط متطلّبات المواطنة؟!. بتنا اليوم نُعاقر أصوليّة سلوكيّة، تتمثّل في توهّم امتلاك الحقّ والحقيقة وعدم الاعتراف إلا بالمصالح الذاتيّة، باسم ثورةٍ بريئة من الفوضى التي تُحاك ضدّها…

صدر بأسبوعية” الشارع المغاربي” في عددها 161.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING