الشارع المغاربي: قلت في طرائف سابقة إن الزّعيم بورقْيبة متابع وفيّ لبرامج التلفزيون وخاصة شريط الأنباء وكان يحرص على أن يتصدّر الأنباء الرّئيسيّة حتى بصور سباحته اليوميّة في شاطئ المنستير.
بورقْيبة من السّياسيين القلائل في تلك الفترة الذين فهموا مدى تأثير الصّورة على المشاهد ويعتقد أنّ حسن استغلالها يمكّن من التأثير عليه.
وكان يحرص أن تكون الكاميرا حاضرة في كلّ أنشطته ويقال إنّه كان يتدخّل حتى في زوايا التصوير وشكل الكادر. بعد حادثة «حمّام الشط» واختلاط دم الشهداء الفلسطينيين بدم رفاقهم من تونس عمّ شعور الاستنكار والنّقمة كلّ التّونسيين واتّجهت الأنظار إلى قصر قرطاج لمعرفة الرّد الرّسمي عن هذا الاعتداء. وكان بورقْيبة في الموعد واستدعى السفير الأمريكي لتأنيبه وتحميل دولته مسؤوليّة هذا العدوان على تونس من طرف دولة «الكيان الصّهيوني» التي تتمتّع بحماية بلاده ورعايتها.
وشاهد الشعب التّونسي في مساء نفس اليوم ردّة فعل بورقْيبة عبر شاشة التلفزيون وكيف صاح في وجه السّفير ساخطا ومندّدا . كانت تلك الصور البلسم لكلّ التّونسيين وامتصّت غضبهم. وللطرفة يقال إنّ الرّئيس استدعى ابنه لحضور اللّقاء لأنّه يتقن اللّغة الانقْليزيّة، وكان في ذهن الرّئيس بعد أن يُسمع السّفير ما تيسّر من شجب وتأنيب باللّغة الفرنسيّة أن يحيل الكلمة لابنه ليعيد على مسامع السّفير نفس العبارات بلغته ويسمعه سخط التّونسيين مرّتين .. لكنّ بورقْيبة الابن لم يكن في نفس ذكاء والده وقال «سيّدي الرّئيس السفير يتقن اللّغة الفرنسيّة فلا داعي للترجمة» يقال أنّ الرئيس «تنرفز» وقال له حانقا «مالا شنوّة قاعد تزمّر بحذايا؟».