الشارع المغاربي : شهد الأردن في المدة الأخيرة اندلاع احتجاجات شعبية كبيرة أدت إلى إسقاط الحكومة والتراجع عن قرار الترفيع في أسعار المحروقات وقرار تعديل قانون الضريبة على الدخل (ترفيع من 5 إلى 25 % على الأشخاص ومن 20 إلى 40 %!!! ضريبة على المؤسسات). وقد جاء قرار الترفيع المشط نتيجة إملاءات مباشرة من صندوق النقد الدولي.
ما شد انتباه العديد من المحللين من خلال هذه الاحتجاجات هي الشعارات رفعها الشعب الأردني والتي أدانت بقوة إملاءات صندوق النقد الدولي وحمّلته مسؤولية ما يجري من تدهور اقتصادي واجتماعي في البلاد كما أكدت على ضرورة تغيير المنوال الاقتصادي قبل تغيير الحكومة.
هذا الموقف يعتبر نقلة نوعية في وعي الشعوب بضرورة تغيير السياسة الاقتصادية والقطع مع إملاءات صندوق النقد الدولي التي ثبت فشلها بشهادة عديد الدراسات الموضوعية.
ما يشهده الأردن من أزمة اقتصادية واجتماعية تتشابه كليا مع ما يجري أيضا في مصر والمغرب وتونس في توقيتها وفي طبيعتها. ففي تونس قررت حكومة الترويكا الأولى الإذن لصندوق النقد الدولي بالتدخل بمقتضى اتفاق رسمي تم توقيعه في جوان 2013 تحت عنوان “مساعدة مالية (قروض) مقابل “القيام بالإصلاحات الاقتصادية” للمرحلة 2013 – 2015.
كما جددت حكومة الحبيب الصيد مع صندوق النقد الدولي في سنة 2015 في إطار “مذكرة السياسة الاقتصادية والمالية للمدة 2016 – 2020 ” جمعت كل الشروط التي أقرها الصندوق والتي التزمت بها الحكومة التونسية بمقتضى رسالة النوايا الموقعة من طرف محافظ البنك المركزي السابق ووزير المالية آنذاك المرحوم سليم شاكر والموجهة إلى كريستين لاغارد بتاريخ 2 ماي 2016.
لكن رغم كل النتائج السلبية التي أضرت بالمسيرات التنموية لكل البلدان المعنية ما زالت الحكومة التونسية تصر على التمادي في نفس التوجه وتعتزم، بتوجّس لا محالة، اتخاذ نفس الإجراءات التقشفية تحت ضغط صندوق النقد الدولي ونذكر من بينها:
• الترفيع مؤخرا في نسبة الفائدة الرئيسية ب100 نقطة إضافة لزيادة 75 نقطة في شهر مارس الفارط أي من 5 % إلى 6,75 % حاليا بدعوى مقاومة التضخم المالي. بينما نسبة الفائدة في الاتحاد الأوروبي تراوح الصفر بالمائة!!!.
• الزيادة مٌؤخرا في سعر الكهرباء والغاز الطبيعي على المؤسسات بمعدل 10 بالمائة دفعة واحدة.
• الاستعداد للترفيع في سعر المحروقات للمرة الثانية مع العلم أن صندوق النقد الدولي يطالب بزيادة كل ثلاثي؟
• المطالبة بالتسريع في التفويت في المؤسسات الوطنية.
• الدعوة لعدم الزيادة في الأجور رغم انهيار القدرة الشرائية للمواطن
• الإعلان عن وقف الانتدابات في القطاع العام رغم النقص الفادح الذي تعاني منه المرافق العمومية.
إجراءات حمّالة لمغالطات كبرى ومضرة بالمسيرة التنموية للبلاد
من ذلك نذكر:
• أن التضخم المالي في تونس هو “تضخم مستورد” في علاقة مع عمق العجز التجاري (25,2 مليار دينار في سنة 2017 و10 مليار دينار إلى آخر ماي الفارط) وفي علاقة بانهيار قيمة الدينار الذي فقد قرابة 30 % من قيمته مقابل الأورو بين ديسمبر 2016 إلى اليوم .
• أن الزيادة في نسبة الفائدة الرئيسية سوف تضر بالمؤسسات الوطنية نظرا لكلفة الاستثمار: نسبة الفائدة 12 % في تونس مقابل 2,5 % في الاتحاد الأوروبي!!!.
• أن تراجع نسبة الادخار في تونس من 22 إلى 10 بالمائة هي نتيجة لانعدام الثقة في السياسة الاقتصادية ونتيجة لتفشي ظاهرة الاقتصاد الموازي والتهريب الذي استقطب السيولة. وهي أسباب أعمق مما يذهب إليه البنك المركزي وبعض الخبراء.
الغريب أن صندوق النقد الدولي لا يطالب بضرورة وضع حد للعجز التجاري بقدر ما يطالب بمزيد التخفيض في قيمة الدينار. والحال أن العكس هو الأصوب لأن تعزيز قيمة الدينار عبر ترشيد التوريد وتشجيع الإنتاج هو الحل الأمثل لتحسين كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية بما فيها التشغيل؟
أما المستفيد فهي دائما نفس الأقليات المتنفذة الداخلية والخارجية على حساب البلاد ولكن إلى متى؟