الشارع المغاربي – أنور الشعّافي (ناقد): ترتبط المسلسلات التلفزية لدى التونسيين – مُشاهدوها وصُنّاعها- بشهر رمضان، وكأنها لا تكون في غير هذا الشهر ولا تفسير لهذا الاعتقاد سوى أنها تعرض في رمضان لكن هل نسمي مثيلاتها التي تعرض في الصيف مسلسلات صيفية؟ كما يُعرف عن رمضان التقارب الاجتماعي مما يجعل العائلة التونسية ملتفة في نفس الوقت حول مائدة الطعام وأمام التلفزة مما يُرفّع من نسب المشاهدة و يجعل من المسلسلات صناعة موسمية لا ترتقي إلى التقاليد الفنية.
هذه السنة تبدو نسب المشاهدة أعلى من سابقاتها نتيجة اضطرار الجميع للبقاء في منازلهم بسبب حظر الجولان. ورغم الزوبعة التي أُثيرت حول استكمال تصوير هذه المسلسلات والتي لم تُستكمل جميعها ورغم قرار المحكمة الإدارية بالإيقاف والتأجيل فقد أصبحت – بقدرة قادر – جاهزة للعرض ولا تفسير لذلك سوى أن تصويرها تواصل خلسة وقول البعض بأن المخرجين عدّلوا في السيناريوات وأعادوا تركيب Montage المشاهد هو استخفاف بالعقول وبالصناعة الدرامية نفسها. فالكل يعرف أن التصوير لا يخضع للتتابع الزمني للأحداث وأن هذا يتم عند التركيب. فقد يُصور المشهد الأول في نفس اليوم مع المشهد الأخير، وهذا الأمر يجعل المنتجين تحت طائلة مخالفة قرار قضائي مع وجود قرينة ودليل يمكن للسلطة التنفيذية والقضائية الاستناد إليهما وهو بث المسلسلات إلا أن تكون بعض مشاهدها ناقصة وعلى المتفرجين استكمالها في خيالهم.
لنتجاوز هذه المسألة ونتبنّى تبريرات صناع هذه المسلسلات. فهي ستساهم في احترام التونسيين لحظر الجولان بإلهائهم عن الخروج من منازلهم و بعضهم يسارع في رمضان بالخروج لحجز مكانه بالمقهى حتى السحور. كما ستمكّن من توفير دخل للمتدخلين العرضيين من ممثلين وفنيين وبعضهم لا يعمل إلا في مثل هذه المناسبات ولا عزاء للممثل الأمريكي توم هانكس الذي أوقف تصوير فيلمه Elvis Presley نتيجة الجائحة و كذلك فعل توم كروز مع شريطه Mission Impossible 7 ولعلهما حسدا الممثلين التونسيين وتمنيا لو ان ترامب يفرض رمضان على الشعب الأمريكي .
أما فيما يتعلّق بالمسلسلات فيمكن استشراف تميزها وإمكانات نجاحها منذ حلقتها الأولى وضرورة انتظار مشاهدة كامل المسلسل مثلما يقول البعض فهذا الأمر يتعلق بالسيناريو ومدى التمكن من تقنياته وتطور أحداثه. أما طرافة الموضوع ومواهب ممثليه ومدى امتلاك المخرج لأدواته الإخراجية وتمكّن الفنيين من ااستعمالاتهم التقنية بين جودة صوت وجمال صورة وحركة كاميرا ونجاح في التركيب فكلها مسائل يمكن معرفتها منذ الحلقة الأولى وقد قال المخرج الإيطالي الكبير Federico Fellini في هذه المسألة “يحدد الربع ساعة الأول لمشاهدة أي شريط مواصلة مشاهدته أو مغادرة قاعة العرض) كما يقول المثل الشعبي التونسي (من نفقتو باين عشاه) لذلك سنحاول أن نقوم بنظرة أولية سريعة لبعض هذه المسلسلات.
1- مسلسل “قلب الذيب”: عندما يتخاصم رجلان على كسب ود فتاة فمن المفروض أن تكون فائقة الجمال وإلا فلا معنى للخصام. لذلك كانت الانتظارات عالية من هذا المسلسل الذي فاجأنا فيه “السوبرمان” بسام الحمراوي الذي قام بكتابة السيناريو والحوار والإخراج بالإضافة إلى أداء أحد الأدوار الأساسية، كل هذا وهو في تجربته الإخراجية الأولى. لا بد من القول هنا أن هذا التعدد لم يأته سوى بعض عباقرة يُعدون على الأصابع مثل شارلي شابلين ووُودي آلن Woody Allen ويوسف شاهين في غير أفلامه الأولى وحتى هيتشكوك Alfred Hitchcock فقد كان يكتفي بظهور عابر أو يصورة ظله وهو بمثابة إمضاء على الفيلم لكن مجازفة الحمراوي- الذي لا نظنه في عبقرية من ذكرناهم- ستؤدي به -ضرورة- إلى إنفلات بعض خيوط كل هذه المهام التي احتفظ بها لنفسه حيث شاهدنا أحداثا مستهلكة بقوالب جاهزة وأخطاء متعلقة بزمنية بعض الملابس والديكورات لكن الإمتياز يحسب كالعادة للتقنيين في ما يتعلق بجودة الصوت والصورة والإضاءة التي كانت أقرب للمسرح بتكرار الإضاءة الجانبية وإضاءة المنطقة Eclairage de zone كما تجدر الإشارة إلى الحضور الطاغي لبعض الممثلين.
2– “دنيا أخرى“: هو فعلا كذلك لكنها دنيا الرداءة الصادمة بسذاجتها وهي من بطولة بسام الحمراوي – وهذه مهمة أخرى- ومعه كريم الغربي ولا يمكن أن ننعت هذه السلسلة سوى بالإسفاف وبعدم التمكن من تقنيات الكوميديا ولا لمعنى بناء الشخصيات حيث غلبت عليها السطحية والتسرع في الكتابة والإنجاز ولا بد أن يعي هؤلاء الفرق بين التنمر والتعليق في برامج هازلة وبين عمل درامي له ضوابط وتقنيات وجب فيه الاجتهاد والجدية فالمواقف التي تم تقديمها بغاية الإضحاك تستند إلى مناويل بدائية خلناها منقرضة وهي تثير الشفقة بدل الإضحاك لا أثر فيه للمخرج ولا وجود لمفهوم إدارة الممثل إنما هو ضحك على الذقون أو ضحك مثير للبكاء على مثل هذه التجارب المستسهلة للعمل الدرامي.
هذا بعض انطباع وسنعود لبقية المسلسلات بالتفصيل في مقالات قادمة.