الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: تعيش تونس اليوم إحدى أعمق أزماتها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا في سياق منحرف بالكامل، التقت على مستواه متغيرات الصراعات الإقليمية الكبرى ومعطيات انحلال وشيك يشبه إلى حد بعيد ما عرفت البلاد ذات صيف من سنة 1987. غير أن مستجدات الوضع الحالي تتلخص بشكل سريالي في مسار مهزلة درامية سوداء يسعى حابكوها بصفة حثيثة إلى الانتحار عبر إنهاء أي معنى للرخاء البشري والرقي الاقتصادي ولكن مثل هذا الصنيع ليس بغريب في التاريخ التونسي عن مشعوذي السياسة و”ملوك” الطوائف والمتشيعون للطرق المريبة.
وفي ذات السياق ودون الخوض في تفاصيل “قصة” سحب الثقة من رئيس الحكومة من عدمه ودفعه إلى الاستقالة فقد مرّت بعض المعطيات الرسمية التي تم تداولها بداية هذا الأسبوع مرور الكرام دون أن يكلّف أحد تقريبا نفسه عناء فهمها وإدراكها. ذلك أن سليم العزابي وزير التنمية كان قد أعلن يوم 13 جويلية 2020 أن التفاوض يجري على قدم وساق مع أربع دول لتأجيل سداد أقساط ديون لفائدتها.
ولم يعط العزابي أي تفاصيل في خصوص قيمة الأقساط المطلوب إرجاء سدادها رغم أن وثيقة ميزانية الدولة لسنة 2020 تشير إلى أن تونس ستُسدد هذا العام 6617 مليون دينار كأقساط ديون خارجية، أصلا وفوائد.
وتحيل بذلك ضمنيا تصريحات سليم العزابي إلى أن تونس تعرف صعوبات كبرى لتعبئة أي موارد مالية تمكنها من التعهد بالتزاماتها بما يعنى أن البلاد بصدد “التقدّم” بثبات نحو مرحلة التعثر المالي الشديد، إن لم تكن قد بلغتها بعد بما يشبه كثيرا حالة لبنان مع مراعاة فارق التوقيت والمكان.
ويؤكد هذا التقييم إلى حد بعيد، ما صرّح به في نفس اليوم محمد نزار يعيش وزير المالية بخصوص تفاوض السلط التونسية على قدم وساق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض ائتماني جديد وذلك في غضون الثلاثة أو الأربعة أشهر القادمة.
وتشكّل هذه المناورة بالتأكيد المتنفس الأخير قبل السقوط في غياهب جدولة الديون وإعادة دمجها بكل ما للأمر من كلفة دامية. كما أبرز يعيش أنه وعلى الرغم من تزايد الحاجة للتمويل الخارجي (5.4 مليار دولار لـ 2020) فإن تونس لن تخرج للتداين على السوق المالية الدولية ويرجع ذلك بطبيعة الحال ودون شك إلى تدهور تصنيفها وانعدام أي آفاق لتحسن وضعية ماليتها العمومية حسب جل تقارير وكالات الترقيم الدولية.
يذكر أنه وفقا للتقرير الأخير الصادر عن وزارة المالية بخصوص تنفيذ ميزانية الدولة موفى أفريل الماضي قفز عجز الميزانية بنسبة 88%، مقارنة مع شهر أفريل من عام 2019 ليبلغ 2.7 مليار دينار.
وسجلت إيرادات الدولة خلال شهر أفريل الماضي حسب وزارة المالية تراجعا بنسبة 10% مقارنة بشهر أفريل من عام 2019 لتبلغ 9.5 مليارات دينار. وزادت النفقات الأساسية بنسبة 20% لتبلغ 8.5 مليارات دينار.