الشارع المغاربي-منى المساكني: طرح رئيس الجمهورية قيس سعيد مساء امس الاربعاء 26 ماي 2021 مسألة مثيرة للجدل تتعلق بملف الحصانتين البرلمانية والسياسية لنواب من جهة وشخصيات نافذة من جهة اخرى بما يجعل اول ردود الفعل تأتي من نواب ومن عدد من المحيطين برئيس البرلمان راشد الغنوشي. اما الملف الاهم الذي شكل محور النقاشات منذ نهاية الاسبوع المنقضي فقد قدم سعيد بخصوصه رواية جديدة دون توضيحات كانت اكثر من مطلوبة باعتبار ان حديثه حمل بين طياته اتهامات بـ” مؤامرة” على مؤسسة الرئاسة.
المعلومة “الممتازة” التي قدمها سعيد هي بلا شك عدد طلبات رفع الحصانة التي قال انها وردت على مجلس نواب الشعب من وزارة العدل وعددها يتجاوز الـ25 طلبا ، الرئيس اعتبر انه تم التعامل معها بـ”مساومة” وانه لم تتم احالتها على الجلسة العامة . الرد على المعطيات التي قدمها سعيد جاء سريعا من عضو مكتب المجلس المكلف بالاعلام ماهر مذيوب وهو نائب من حركة النهضة الذي نفى ورود ” اي طلب رسمي لرفع الحصانة” قبل ان يكذبه النائب عن الكتلة الديمقراطية نبيل حجي.
حجي ، مثلما هو معلوم، كان قد وجه منذ شهرين تقريبا طلب نفاذ للمعلومة بخصوص طلبات رفع الحصانة ، نشر يوم امس الوثائق التي وردت عليه من جهتين رسميتين الاولى من البرلمان والثانية من وزارة العدل ولاحظ النائب في تدوينة نشرها مساء يوم أمس وجود تناقض بين المراسلتين الاولى تنفي تلقى طلبات رسمية خلال الدورة البرلمانية الحالية والثانية تؤكد توجيه 29 طلبا لرفع الحصانة .
الامر لم ينته عند السجال بين النائبين ،اذ انه شمل مستشار رئيس البرلمان المكلف بالاتصال وسيم الخضراوي الذي نفى من جهته ورود أية طلبات برفع الحصانة مشددا على ان “هناك من يمد الرئيس بمعلومات خاطئة” .
قيس سعيد نجح اذن في ترحيل الازمة الى مجلس نواب الشعب الذي يتذيل هو ورئيسه الغنوشي قائمة المؤسسات والشخصيات التي لا تحظى بالثقة حسب الباروميتر السياسي الصادر اليوم الخميس 27 ماي 2021 عن مؤسسة سيغنا كونساي اليوم ، الاول بنسبة 22 في المئة والثاني بنسبة 77 في المئة .وعاد للحديث استنادا الى المعلومات المقدمة من قبل سعيد امام وزير الدفاع ابراهيم البرتاجي وهشام المشيشي الذي كان حاضرا يوم امس بصفته وزيرا للداخلية بالنيابة على البرلمان بكونه حاميا للمارقين عن القانون .
وذكر سعيد عددا من التهم التي تلاحق نوابا طُلب رفع الحصانة عنهم ،منها التحيل وتهريب مخدرات منتقدا اخفاء هذه الملفات والمساومة بها مؤكدا ضرورة تطبيق القانون على الجميع ولافتا ايضا الى وجود نائب في حالة فرار صدرت في شانه بطاقة جلب من النيابة العسكرية لكنها لم تنفذ رغم امكانية القيام بذلك “بسرعة قياسية” مشيرا بذلك الى ان النائب راشد الخياري الذي ، حسب ما يستشف من كلام سعيد ،بحماية سياسية حالت دون تنفيذ بطاقة الجلب الصادرة في شأنه .
انتقادات الرئيس اللاذعة للبرلمان من خلال طرح ملف رفع الحصانة والاتهامات بالمساومة اعتبرها خصومه مواصلة في عملية “ترذيل” ممنهجة للمجلس في سياق استراتيجية للدفع نحو حله . ونذكر في هذا الصدد بانه سبق لرئاسة الجمهورية ان نشرت في فيديوهات على صفحتها الرسمية دعوات صريحة لحل البرلمان جاءت من قبل مواطنين خلال لقاءات جمعتهم بالرئيس على هامش زيارة ميدانية قام بها .
اما المسالة الثانية ، فتتعلق بما يسمى بـ” الوثيقة المسربة” التي نشرها موقع ” ميديل ايست اي” وهو موقع مذكور من مجموعة مواقع ممولة من قبل دولة قطر حسب لائحة صادرة عن الدول المقاطعة ( مصر والسعودية والامارات والبحرين” سنة 2017 وهو ايضا من المواقع المطلوب غلقها والمتهمة ، حسب اللائحة ، بالتضليل وخدمة اجندة المحور التركي القطري. الموقع نسب الوثيقة لرئاسة الجمهورية ويقول انها اعدت بدفع من مستشاري الرئيس وانها تكشف تفاصيل مخطط ارساء دكتاتورية دستورية تنطلق عبر تفعيل الفصل 80.
الرئيس اعتبر ان الحديث عن انقلاب دستوري مسألة مخجلة جدا وان البلاد هي اصلا في ظل الفصل 80 وان الانقلاب هو الخروج على الشرعية .
هذا من حيث المبدأ ، اما بخصوص الوثيقة فقد ألمح الرئيس الى انها “رسالة” تلقتها الرئاسة وان الاصل هو البحث عن مصدرها وعمن وجهها الى المؤسسة بما يوحي مرة اخرى بانها ” مؤامرة” او محاولة للايقاع برئاسة الجمهورية.
في الرد على هذه النقطة يقول مستشار الغنوشي وسيم الخضراوي ان لهم ( وقد يكون يتحدث عن رئيس البرلمان او البرلمان وان كانت صفته تجعله الاقرب للجديث باسم رئيس البرلمان باعتبارا مستشارا له) ما يؤكد ان الرئاسة رفضت تلقى مراسلات اخرى في اشارة الى ان قبولها هو في حد ذاته موقف.
وكانت الرئاسة قد نفت في مرحلة اولى تماما هذه الوثيقة واعتبرتها على لسان المستشار وليد الحجام مسرحية سيئة الاخراج ومع ذلك يبدو ان هناك تقاطعا بين الروايتين الرئاسيتين بخصوص “الوثيقة” .اذ ان ما يجمع بين رواية الرئيس ورواية مستشاره هو نفي الصبغة الرسمية والرئاسية لما يسمى بـ”الوثيقة المسربة” .
ولمن يدعون اليوم المواقع المختصة في التحري ومنها الوحدة الخاصة بنقابة الصحفيين للاعتذار معتبرين ان جديث الرئيس انصف ” ميدل ايست اي” ،من المهم التنوية ايضا بان الموقع المذكور تعاطى مع “الوثيقة” بنوع من التضليل على الاقل من خلالها نسبها بجزم الى رئاسة الجمهورية وذلك امر لا يمكن تاكيده بشكل قاطع ولا نفيه بشكل قاطع ايضا .
يوم امس كنا امام مشهدية جديدة خاصة من حيث الشكل ،من خلال رئيس يتحدث بـ”الدارجة” وبهدوء وبنبرة تختلف عن كل خطاباته السابقة ، ومن حيث المضمون كنا ازاء رئيس في “نظام رئاسي” يتوسط وزيري الدفاع والداخلية ويقدم توجهاته وتعليماته اسابيع قليلة بعد تنصيب نفسه القائد الاعلى للقوات المسلحة العسكرية والمدنية ولكل الاسلاك ” .
لكن مرة اخرى ، مع بعض المواقف الواضحة على غرار مزاعم “الانقلاب” والفصل 80 الذي اعتنبر الرئيس سعيد انه مفعل اصلا وان تفعيله لا يعني ” انقلابا” وان حملات التنديد لا تعني انه لن يتوجه نحو اقرار اجراءات وتدابير استنائية ان تطلب الامر ذلك ، فان مسائل اخرى تلفها ضبابية باتت للاسف لازمة من ملازمات خطاب الرئيس وهي غير مقبولة خاصة ان تعلق الامر بملفات حساسة ومثيرة للجدل على غرار ما يسمى بـ”الوثيقة المسربة” وايضا الفصل 80 .