الشارع المغاربي: في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لا تزال للفساد الاداري والمالي وحتى الاخلاقي حاضنة رغم تعاقب وزراء من مشارب سياسية مختلفة على مدى سنوات. ومثلما يمارس بعض الأعوان أنشطة موازية كالسباكة او الجزارة وحتى سياقة سيارات الاجرة على مرأى ومسمع من رؤسائهم ومثلما يتمتع زملاء لهم بمرتبات ومنح دون ان يباشروا اعمالهم ينعم اخرون ومن بينهم نقابيون بمساكن وظيفية وبسيارات ادارية وترقيات غير مستحقة رغم تهم التحرش الجنسي التي تلاحق احدهم ومخالفة قاعدة العمل المنجز التي تتعلق ببعضهم الاخر.
في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي يحدث ان يصبح الوزير الاسبق سليم خلبوس والمدير المنصف بوكثير اجيرين في مشروع عمومي تحت اشراف زميلتهم نجلاء بودن في تضارب صارخ للمصالح… وتدور الايام فتصبح “الزميلة” رئيسة للحكومة والوزير الاسبق موظفا لدى وكالة اجنبية بعد ان سخّر لرُعاتها كل الامكانات العمومية للحصول على ترخيص ويظفر المدير بحقيبة وزارية بدأت “ثمارها” تظهر للعيان بترقيات قائمة على المحسوبية والولاءات. في الاثناء لا تزال مصلحة الطلبة والجامعة والبحث العلمي اخر اهتمامات الوزير والمدير والعون والنقابي..
تسميات بالمحسوبية
في 12 اوت المنقضي كشف الرائد الرسمي في عدده 89 عن حصول ثلاث موظفات على خطط وظيفية بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي. قد يبدو الامر عاديا لولا ان الموظفات اللاتي يشتغلن كاتبات لدى الوزير المنصف بوكثير ورئيس ديوانه محمود الزواوي وسامية بن قدور مستشارة نجلاء بودن لم يباشرن عملهن الجديد رغم مرور أشهر على التسميات.
موظف بالوزارة أكد لأسبوعية “الشارع المغاربي” ان التسميات لم تخضع لمقاييس الكفاءة والجدارة وانها تمت على أساس المحسوبية والولاء مرجحا ان يكون الوزير بوكثير قد امضى على التسميات في الخطط الوظيفية بضغط من بودن على عكس سلفه سليم خلبوس الذي قال انه رفض في السابق الإمضاء على نفس التسميات.
المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن هويته تجنبا لاية ملاحقة إدارية افاد بان التسميات اثارت حفيظة بعض زملائه وبان مثل هذه القرارات ما فتئت تغذي الشعور بالظلم والحيف لديهم.
منذ أيام أعفى وزير التعليم العالي رئيس مصلحة من منصبه في قرار اعتبرته نقابة موظفي الوزارة باطلا وقائما على التشفي وتصفية الحسابات.
في هذا السياق بيّن موظف ان قرار الاعفاء لم يحترم الإجراءات القانونية والإدارية وان ذلك تم دون المرور بلجنة طبية.
الموظف اعتبر ان ما أتاه بوكثير سابقة خطيرة ملاحظا انه يفترض ان يكون الاعفاء مصحوبا بتقرير معلّل عن ارتكاب خطأ فادح وان ذلك لم يحصل في وضعية رئيس المصلحة.
وأضاف “ما يحز في النفس ان الزميل راح ضحية قرارات تعسفية على خلاف مديرين اخرين سبق لهم ان تمتعوا بعطل مرضية طويلة الامد دون ان يتم اعفاؤهم من مهامهم.”
وتساءل “ان كانت العطلة المرضية سببا وجيها وجديا للإعفاء فلماذا لم يتم اعفاء سلوى كريشان مديرة الموارد البشرية حين تغيبت لمدة طويلة بما أدى إلى تعطيل مصالح الوزارة والى تأخير مناظرة داخلية للترقيات؟”
تجاوزات وفتاوى قانونية !
الموظف عرّج على ما أسماه بـ “سياسة الكيل بمكيالين” في التعاطي مع ملفات الموظفين لافتا الى حصول تجاوزات في أكثر من وضعية.
وأكد انه تم وضع شقيقة وزير أسبق للخارجية قبل الثورة على ذمة الاكاديمية الدولية للقانون الدستوري وأنها لازمت بيتها بدل استئناف عملها بالوزارة بعد توقف نشاط الاكاديمية مع تمتعها براتبها الشهري وبمنح قال انها دون وجه حق.
وتابع ” في 2014 تم ادماج اخت الوزير بالسلك الاداري للتعليم العالي وتعيينها بادارة الموارد البشرية دون ان تباشر عملها الا في صائفة 2018. وفي نفس السنة نظمت وزارة التعليم العالي مناظرة داخلية للترقية الى خطة متصرف للتعليم العالي. وكان من بين الشروط ان يكون المترشح قد انهى 4 سنوات عمل فعلي بالوزارة فحصلت الموظفة على الترقية في مخالفة صريحة للقانون. وبعد تقديم جامعة موظفي الوزارة شكاية الى الوزير تم الاتصال بها لمطالبتها بمباشرة عملها”.
المصدر قال ايضا إن الوزارة خالفت القانون بارجاع موظفَين بعد قبول استقالتهما في 2016 و2018 مبينا ان احدهما وهي مختصة في القانون تقدمت بمطلب استقالة يوم 5 جانفي 2015 لمزاولة عملها كمحامية وانه تم قبول الاستقالة في نفس اليوم.
واضاف ” في 16 ماي 2016 قدمت الموظفة المستقيلة طلبا للرجوع الى سالف عملها وحظي بموافقة الوزارة في تجاوز لقانون الوظيفة العمومية والغريب ان اسم الموظفة بقي مدرجا بقائمة المحامين المرسمين بالهيئة الوطنية للمحامين الى حدود 17 جويلية 2020 اي بعد اربع سنوات من عودتها للوظيفة العمومية”.
الموظف تطرق ايضا الى وضعية استاذ جامعي كانت الوزارة قد قبلت استقالته في 2018 ثم اعادت ادماجه في 2020 مبينا ان “ادارة الشؤون القانونية ادعت ان قرار الاستقالة لم يكن نابعا من ارادة الموظف الحرة والواعية بل نتيجة مرض نفسي حاد” وانها ” دعت الى اعادة ادماجه والاستفادة من خبرته في اختصاص الذكاء الاصطناعي”.
واستغرب الموظف من لجوء الادارة الى “مثل هذه الفتوى القانونية” مشيرا الى ان “تقلد الاستاذ مسؤولية عميد مؤسسة جامعية خاصة في 2019 يفند ادعاءات ادارة الشؤون القانونية ويؤكد ان استقالته كانت نابعة عن ارادة حرة وواعية”.
وزير أم أجير؟
اتهمت مديرة بالوزارة وزير التعليم الاسبق سليم خلبوس باستغلال منصبه للتمعش من أموال الوزارة لافتة الى انه كان مثله مثل الوزير الحالي المنصف بوكثير ورئيس ديوانه محمود الزواوي يعمل خبيرا في مشروع إصـلاح التعلـيم العـالي بهـدف دعـم تـشغيلية الخريجين.
وقالت المديرة ان المسؤولين كانوا في وضعية تضارب مصالح باعتبار حصولهم على مرتبات عن المشروع الى جانب اجورهم كموظفين عموميين.
المديرة ذكّرت ايضا بتعهد هيئة مكافحة الفساد بملف فساد قالت ان الوزير الوزير خلبوس ضالع فيه.
وكانت الهيئة قد ابرزت في تقرير يتاريخ 2 أوت 2021 أنّها أحالت على وكيل الجمهوريـة شكاية تعلقت “بشبهة فساد مالي وإداري بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي تمثّلت أساسـا في مخالفـة التراتيب المتعلّقة ببعث جامعة أجنبية بالبلاد التونسية وعدم اعتبار الأخلاقيات الجامعية واستغلال الصفة لخدمة مصالح شخصية.”
وذكرت الهيئة انه “تم الوقوف على قرائن جدّية تشير إلى شبهة توظيف الوزير الاسبق صفته ووسائل الدولة قصد التسريع في إنشاء جامعة أجنبية خاصة، بنية استخلاص منفعة للنفس تتمثّل في الحصول على منصب رئيس بإحدى الوكالات الجامعية الأجنبية المرتبطة به”.
وأضافت “بتعميق البحث تبيّن أيضا أنّ الوزير كان قد واصل مباشرة مهامه على رأس وزارة التعليم العالي طيلة شهرين ونصف والحال أنّه وقع انتخابه على رأس إحدى الوكالات الجامعية الأجنبية.”
ورغم أن هيئة مكافحة الفساد لم تذكر اسم الوزير المتهم في هذه القضية، فإن كل الدلائل تشير إلى ان الأمر يتعلق بالوزير الاسبق سليم خلبوس الذي شغل منصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي من 2016 إلى 2019 في حكومة يوسف الشاهد قبل أن يُسمّى على رأس الوكالة الجامعية للفرنكوفونية في ديسمبر 2019 .
تحرش فابتزاز واسقاط دعوى
الموظفة تحدثت ايضا عن تحرش مدير بالوزارة بزميلة له قبل ان تتم ترقيته وتعيينه على رأس مؤسسة تابعة لوزارة التعليم العالي مبينة ان الضحية اضطرت الى اسقاط الدعوى القضائية ضده بعد ان تمت هرسلتها اداريا بفبركة ملف تاديبي ضدها بدعوى قدومها متأخرة للعمل.
من جهة اخرى أشارت الموظفة الى ان حالة الانفلات الاداري بالوزارة شجعت عديد الاعوان على التمادي في خرق القانون مستشهدة بأمثلة عن موظفين يمارسون مهنا موازية.
وقالت “من غرائب وزارتنا اننا بتنا زملاء لموظفين يرفضون مباشرة اعمالهم لامتهان انشطة اخرى. فهناك من يفرض تمكينه من العمل ليلا لاستغلال يومه كـ “تاكسيست” ومن يشتغل جزارا مشتريا سكوت رئيسه المباشر بما تيسر من اللحم ومن يقضي اغلب وقته في ممارسة مهنة السباكة”.
وتابعت ” النشاط النقابي لم يسلم بدوره من تجاوزات مالية وادارية. فزكية الحفصي الكاتبة العامة لجامعة موظفي الوزارة التي يفترض ان تباشر عملها بمقر ديوان الخدمات الجامعية للجنوب في صفاقس تقضي كامل الاسبوع بمقر الجامعة في تونس في مخالفة لقاعدة العمل المنجز. اضف الى ذلك ان الموظفة الحاصلة على رتبة متصرف بالوزارة تتمتع بمسكن اداري في احد مبيتات العاصمة والحال انه لا يحق لها قانونا لان المساكن الإدارية بالمبيتات الجامعية مخصصة لرئيس الطباخين أو لكاتب عام المؤسسة الجامعية أو لمدير أو لكاهية مدير درجة استثنائية أو لمدير إدارة مركزية.
اتصلنا بديوان الخدمات الجامعية للجنوب سائلين عن زكية الحفصي فكانت الاجابة: “الموظفة غير موجودة حاليا ولا نعلم متى تلتحق بالادارة.”
“الشارع المغاربي” حصلت بدورها على وثائق تفصيلية للمساكن الإدارية لوزارة التعليم العالي فتبين ان عشرات الموظفين بين حراس وأساتذة جامعيين ووكلاء مقابيض وتقنيين ومهندسين وسواق ومحاسبين وممرضين وحتى موظفين متقاعدين يشغلون مساكن ادارية دون وجه قانوني منذ 2010.
كما حصلت الصحيفة على مراسلة موجهة من المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس الى وزير التعليم العالي في جانفي 2020 تؤكد ان انور بن قدور الاستاذ المساعد بالمؤسسة يتمتع بتفرغ نقابي بصفته امينا عاما مساعدا بالاتحاد العام التونسي للشغل.
يذكر ان الهيئة العليا للرقابة الادارية والمالية اصدرت في 2012 توصية للمؤسسات العمومية باتخاذ كل الاجراءات اللازمة لانهاء ما كان يعرف قبل الثورة بالتفرغ النقابي او الوضع على الذمة باعتبار تعارض ذلك مع قانون الوظيفة العمومية وقواعد التصرف السليم.
وسبق لفقه قضاء المحكمة الادارية ان اعتبر آليات الوضع على الذمة بمثابة قرارات غير شرعية.
“الشارع المغاربي” بعثت منذ 22 أوت الماضي لوزارة التعليم العالي 6 مطالب نفاذ الى المعلومة للاستفسار عن اكثر من ملف ولم تحصل على اجابات الى حدود كتابة المقال.
هكذا اذن تعددت اوجه سوء التصرف الاداري والمالي وحتى الاخلاقي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي بينما ظلت مصلحة الطلبة والجامعة والبحث العلمي اخر اهتمامات الوزارة. فلا غرابة اذن ان تشهد ملفات من قبيل معادلة الشهائد الجامعية ومنح الطلبة الدراسين بالخارج والتوجيه الجامعي واستغلال المبيتات الجامعية خلال العطلة الصيفية تجاوزات واخلالات لا تحصى ولا تعد.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 13 سبتمبر 2022