الشارع المغاربي: في ظل قانون صرف قديم لم يعد يواكب التحوّلات النقدية والاقتصادية المتسارعة، لجأ عديد الشبان التونسيين الى بعث عالم مواز لتبادل العملة الرقمية في ما بينهم. عالم رقمي يعتمد أساسا على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى التطبيقات الذكية لتنظيم عمليات الصرف وتوفير فضاء للباحثين عن أي رصيد في بنوك رقمية عالمية مثل wise وPayeer وSkrill وللراغبين في شراء عملات مشفرة مثل Bitcoin وRipple وTether.
هي إذن سوق موازية للصرف ولتداول عملات رقمية ومشفرة بين شبان يرومون العيش كمواطنين من العالم في دولة لا تزال قوانينها وتعقيداتها الادارية تفضل سياسة المنع على التأقلم مع متغيرات دولية كفيلة بدفع الاستثمار وتحريك عجلة التنمية.
سوق العملة الموازية
يوم 6 جويلية 2021 وبالتوازي مع تقدم عدد من نواب البرلمان المحل بمشروع قانون يتعلق بتنقيح التشريعات الخاصة بالصرف وبالتجارة الخارجية بلغت قيمة العملات الأجنبية والرقمية المتداولة بين آلاف الشباب المشتركين في مجموعة سرية بأحد مواقع التواصل الاجتماعي طيلة ستة أشهر 12 مليون دينار وفق أرقام عمليات صرف احدى المجموعات السرية عاينتها أسبوعية “الشارع المغاربي” في موقع الكتروني.
المشرفون على المجموعة التي تضم أكثر من 8 آلاف عضو اغلبهم شبان يتعاطون مهنا حرة مع شركات اجنبية او ناشطين في تداول العملات الرقمية فضلوا اعتماد تطبيقة ذكية لتنظيم عمليات بيع العملات بين مرتاديها وتيسير الصفقات المالية والاطلاع على مستجدات السوق النقدية الدولية بعيدا عن رقابة الدولة.
أسبوعية “الشارع المغاربي” اقتحمت عالم التداول الالكتروني للعملات الرقمية واقتربت من بعض الشبان فوقفت على سوق موازية محكمة التنظيم بأرقام معاملات شهرية لا تقل عن 3 ملايين دينار.
وتبين من خلال عمليات البيع والشراء وباحتساب المبالغ المعروضة للبيع لدى نفس المجموعة السرية ان قيمة العملات النقدية المتداولة بلغت في شهر سبتمبر الماضي 3 ملايين دينار وفي شهر أكتوبر 4.4 ملايين دينار وفي شهر نوفمبر الحالي 3.6 ملايين دينار.
ويتم عرض مختلف انواع العملات المشفرة او العملات الرقمية وفق عمليات بيع وشراء تعتمد طريقتين: إما بالاتفاق على موعد ومكان التسليم او الاتفاق على ثمن البيع او الشراء قبل تحويل المبلغ الكترونيا مقابل تسلم ما يعادله بالعملة الرقمية في رصيد الشاري.
ولتفادي عمليات التحيل يداوم المشرفون على المجموعة السرية على نشر تذكير ينص على عدم منح الثقة لأي شخص يرفض عقد صفقة علنية امام بقية الاعضاء ويعمد الى بعث رسالة سرية مشددين على ضرورة اتخاذ كل التدابير والاحتياطات لتجنب المتحيلين.
تهمة تداول العملة المشفرة
رغم سرية المعاملات بين متداولي العملات المشفرة وخاصة الرقمية يحدث بين الفينة والاخرى ان تتفطن السلطة الى هذه التجاوزات فيتم القبض على احد الشبان على غرار ما حصل يوم السبت المنقضي مع شاب من مدينة منوبة. الشاب دوّن على صفحته بموقع فايسبوك انه كان رهن الايقاف والتحقيق طيلة يومين على ذمة احدى الفرق الاقتصادية بتهمة تداول عملة رقمية.
وقبل ذلك بيومين فقط تداول نشطاء على موقع “فايسبوك” خبرا عن منع شابة من سحب 4 آلاف دولار من رصيدها بأحد البنوك مشيرين الى ان المبلغ مرسل من شركة اجنبية تعاقدت معها الشابة للتسويق لاحد منتوجاتها على الانترنات.
وذكر الناشطون ان البنك المركزي حجز المبلغ رغم استظهار الفتاة بوثائق تكشف اسم الشركة والمراسلات الالكترونية التي تمت بينهما.
مهندس شاب متخصص في الاعلامية اكد في تصريح لـ “الشارع المغاربي” ان ما حدث مع الفتاة ليس سوى عيّنة مما يتعرض له عديد التونسيين يوميا مشيرا الى انه عاش تقريبا تجربة مشابهة في اكثر من مناسبة.
وذكر انه تمكن قبل سنة تقريبا وبحكم تخصصه في البرمجية من ابرام اتفاق مع حريف من دولة خليجية لانجاز خدمات اعلامية له لافتا الى انه عجز عن سحب 4 آلاف دينار حوّلها اليه الحريف من رصيده البنكي.
وأضاف “رغم توصّلي بما يفيد ارسال الأموال اكتفى البنك بنفي حصول عملية التحويل واقتصرت اجابة البنك المركزي على ضرورة بعث شركة والحصول على باتيندة فخسرت اموالي الى يوم الناس هذا ثم انشأت شركة ليتكرر السيناريو مرة أخرى.. لقد أصبحت على قناعة تامة بان العمل المستقل في تونس بات ممنوعا بحكم التعقيدات الادارية وتخلف المنظومة القانونية..”
المتحدث أشار الى أن سياسة المنع اصبحت حلا سهلا لدى الادارة امام أي تحويل مالي قادم من الخارج مهما كانت قيمة المبالغ التي قد لا تتجاوز بضعة الآلاف من الدنانير مبينا ان البنك المركزي يحرم الاف الشبان من اكتساب قوتهم اليومي مع مؤسسات دولية بحجز اموالهم او احالتهم على القضاء بمجرد ظفرهم بعقود اجنبية.
ممنوع
شاب أخر اكد انه واجه في أكتوبر 2021 تهمة تبييض اموال بعد ان حوّل 6500 دولار امريكي من بنك افتراضي الى حسابه باحد البنوك التونسية.
وبيّن الشاب انه جنى أمواله من نشاطه اليومي المتمثل في تصميم ازياء لفائدة شركة “أمازون” الامريكية وأن الشركة حوّلت امواله الى بنك Payneer الافتراضي مبرزا ان البنك المركزي حجز الاموال وانه اتهم بتبييض اموال.
وكتب على صفحته بموقع فايسبوك “بعد التثبت من كل وثائقي تم اطلاق سراحي دون ان يتم تمكيني من أموالي” متسائلا “هل اصبح العمل مع مؤسسات اجنبية والمساهمة في اثراء مدخراتنا من العملة الاجنبية جرما؟ هل على الشاب التونسي مواصلة الخضوع لعقود تشغيل هشة مقابل بضعة مليمات؟”
فتاة تطرقت بدورها الى ما اسمتها سياسة المنع الممنهج لجلب العملة الصعبة مشيرة الى ان الدولة تشجّع على تهريب الاموال عبر سن قوانين تسمح بالحصول على بطاقات بنكية او بريدية محدودة الصلاحية وتمنع تعزيز رصيدها من العملات الاجنبية.
وقالت: “هذا الامر يدفع عديد الشبان الى فتح حسابات في بنوك اجنبية خاصة منها الافتراضية لشراء بضائع او خلاص معاليم استغلال تطبيقات ذكية او التسجيل في جامعات اجنبية في مخالفة لقانون الصرف.”
وتابعت” حتى لو أنشأت شركة وفتحت باتيندة وصرحت بدخلك وسددت المعاليم الجبائية فانك تظل ملاحقا بشبهات تبييض اموال بمجرد تسلمك مبالغ زهيدة لا تتجاوز بضعة الاف من الدنانير”.
يذكر ان مروان العباسي محافظ البنك المركزي التونسي كان قد أكد في جوان الماضي أن قانون الصرف الجديد سيكون جاهزا خلال شهر جويلية. ورغم مرور 5 أشهر على التصريح لم ير القانون الجديد النور.
في الأثناء يواجه الاف الشبان تهم تبييض الاموال بمجرد محاولة سحب مبالغ زهيدة نظير عقود عمل لاسداء خدمات لشركات اجنبية او بمجرد تداول عملات رقمية لا تزال المنظومة القانونية تُنكر اصلا التعامل بها رغم تحولها الى مصدر لافت للاستثمار والتنمية في أغلب دول العالم وتحقيقها ارباحا إجمالية بأكثر من 2.3 تريليون دولار سنة2021.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 29 نوفمبر 2022