الشارع المغاربي: تونس لم تقترض دولارا واحدا من صندوق النقد الدولي على مدى عشرين سنة من 1993 إلى 2013 بل أكثر من ذلك تونس سددت آخر قرض لصندوق النقد الدولي سنة 1993 وكان ذلك قبل تاريخ استحقاق القرض بثلاث سنوات مما أعطى لتونس في ذلك الوقت صورة ناصعة في السوق المالية الدولية ولدى كل الجهات المانحة.
2013 – ثم بدأت الأوضاع الاقتصادية والمالية تسوء منذ 2012 ممّا اضطرّ تونس إلى اللجوء من جديد الى صندوق النقد الدولي في سنة 2013 وقد تقدمت آنذاك تونس بطلب قرض إلى صندوق النقد الدولي مرفوقا ببرنامج إصلاحات تعهدت به الحكومة التونسية ولكن تونس لم تنفذ الإصلاحات التي تعهدت بها وتمت معاقبتها بإلغاء القسط الأخير من القرض.
2016 - في 2016 تقدمت تونس من جديد بطلب قرض إلى صندوق النقد الدولي وكان الطلب مرفوقا ببرنامج إصلاحات تعهدت بها حكومة يوسف الشاهد. وقد علّلت السلط التونسية طلب القرض في ذلك الوقت بالدستور الجديد والانتخابات الجديدة والحكومة الجديدة. أما برنامج الاصلاحات فقد كان في مجمله نفس برنامج 2013. ولكن السلط التونسية لم تنفذ مرّة أخرى الإصلاحات التي تعهدت بها ممّا تسبب في إلغاء جزء كبير من القرض : 1,2 مليار دولار من أصل 2,9 مليار دولار. كما تسبب ذلك في تدمير مصداقية تونس لدى صندوق النقد الدولي والجهات المانحة الأخرى.
في الأثناء تدهورت كل المؤشرات وتراكمت الدّيون وتمت مراجعة التصنيف الإئتماني عشر مرات إلى الأسفل ممّا جعل تونس عاجزة عن تعبئة أية موارد مالية في الخارج بما فيها انعدام إمكانية الدخول الى السوق المالية الدولية.
اللّجوء إلى حلول قصوى خطيرة
نذكر من بين هذه الحلول الاقتراض المشط بالدينار لدى الجهاز البنكي والمالي التونسي ممّا تسبب في ارتفاع خطير في نسب التضخم المالي لأن أي تمويل لعجز ميزانية الدولة من طرف البنك المركزي سواء كان ذلك مباشرة أو عبر البنوك يتسبب في تضخم مالي لأن هذا التمويل يعتبر لجوءا إلى طبع أوراق نقدية دون أن يكون ذلك طبعا ماديا. وهو ما يسمى أيضا بـ Planche à billets.
كما نذكر أيضا اقتراض الدولة من البنوك التونسية بالعملات الأجنبية وهذا من أخطر الحلول وقد تحدثنا كثيرا عن هذا الموضوع.
من الحلول الخطيرة أيضا عدم تسديد مستحقات الدين الداخلي بالدينار وبالعملات وإعادة جدولتها إلى تواريخ لاحقة تصل إلى سنة 2033.
وتبقى السلط في وضع إنكار كامل لهذه الحلول الخطيرة وخاصة منها طبع الأوراق النقدية الذي تجاوز مستوى خمس مليارات دينار سنة 2022 وكما تجاوز مستوى أربعة مليار دينار منذ بداية سنة 2023 نلاحظ هنا النسق التصاعدي الخطير.
2021 – منذ أفريل 2021 وتونس تتناقش وتتفاوض مع صندوق الدولي وتتفاوض معه قصد الحصول على قرض جديد نظرا لتفاقم الصعوبات الاقتصادية والمالية والاجتماعية. وبعد عناء شديد توصلت تونس إلى إتفاق مبدئي ما يسمى اتفاق على مستوى خبراء صندوق النقد الدولي قصد الحصول على قرض بمبلغ 1,9 مليار دولار وكان ذلك مقابل برنامج إصلاحات يحتوي على نفس البنود المتفق عليها سنة 2013 وسنة 2016. وقد صرّح الفريق المفاوض المكون من وزير المالية ووزير الاقتصاد والتخطيط ومحافظ البنك المركزي أن برنامج الإصلاحات الذي تقدمت به السلط التونسية هو برنامج تونسي بحت وأنه اشتغل عليه أكثر من أربع مائة خبير من الإدارة التونسية وأنه نال إعجاب صندوق النقد الدولي.
هذا يعني بكل وضوح أنه ليس هناك إملاءات من صندوق النقد الدولي. ولكننا في تونس نرفض إملاءات صندوق النقد الدولي التي هي أساسا غير موجودة. وعمّاذا تفاوض الفريق المفاوض التونسي؟ ولماذا قدم لنا الاتفاق المبدئي بتاريخ 15 أكتوبر 2022 كانتصار في حدّ ذاته. ألم يكن هناك اتفاق بين الحكومة ورئاسة الجمهورية قبل الشروع في المحادثات التقنية والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي؟ هل تريد السلط التونسية الحصول على القرض مرة أخرى دون القيام بالإصلاحات التي بالأساس لم يفرضها علينا أي طرف. ولكنها تفرض نفسها بإلحاح شديد نظرا لتأخر تونس في القيام بالإصلاحات منذ 2013؟
لمّا سئل وزير الاقتصاد ووزيرة المالية ومحافظ البنك المركزي إن كان هناك بديل لقرض صندوق النقد الدولي في صورة عدم التوصل الىِ اتفاق نهائي وصرف القسط الأول من القرض كان الجواب دائما : ليس هناك بديل وليس هناك مخطط بـ Plan B. ولكن رئيس الجمهورية رفض يوم 6 أفريل 2023 التعامل مع “إملاءات صندوق النقد الدولي” وجزم بأن هناك بديلا. البديل هو أن نعوّل على أنفسنا ولكننا لا نعلم كيف.
اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي
ترفض تونس التعامل مع صندوق النقد الدولي ولكن عليها أن تسدد ما لا يقل عن 2,4 مليار دولار )أو حوالي 8 مليارات دينار ( لصندوق النقد الدولي خلال الخمس سنوات القادمة. 2023 – 2027
تونس ترفض التعامل مع صندوق النقد الدولي ومع ذلك يشارك وزير الاقتصاد ومحافظ البنك المركزي في اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي في واشنطن من 10 إلى 16 أفريل 2023 بأي برنامج وبأي هدف يا ترى؟.
تونس تعيش في خضم تناقضاتها مما يؤدي حتما إلى انسداد الأفق وتعمق خطير للأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية.
*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 11 افريل 2023