الشارع المغاربي:
تقديم عام
-*في 20 جوان من السنة الفارطة قدمت الى السيد رئيس الجمهورية مشروع الدستور ” من اجل جمهورية جديدة”؛ وكما هو معلوم، فإن هذا المشروع لم ينل الرضاء الرئاسي؛ لكن وكما تعهدت به مسبقا أمام الملأ، نشرت ذلك المشروع ذاته في الصحافة في طبعة استثنائية بعد ان كاد أن تحجز الطبعة الأولى منه فجر نشرها….؛ ورغم هذه الصعوبات، فها هو ذلك المشروع الدستوري تحت تصرف التونسيين بما يستحقّه ولما يستحقّون….؛ فإنه لا فائدة في ” الوقوف على الاطلال” بل إن المهم هو النظر الى المستقبل والى الصالح العام والعمل على تحقيقه؛
-* إن الاهتمام الرئيسي لهذه الورقة سيكون مركّزا على دور ‘الصمت’ في المجال السياسي في بلادنا؛ فكما لا يغيب على أحد، فإنه من المعهود ان معظم المشاكل السياسية وغيرها تحلُّ عن طريق ‘القول’ و’الفعل’؛ لكن، قد لا يتفطن العديد من المواطنين الى أن البعض منها – والأعوص منها -، تُعالج عن طريق … ‘الصمت’؛ وربما سيعترض البعض على هذا القول بان تونس، باعتبارها نظاما ديمقراطيا، فهي أساسا، نظام الحوار والنقاش والجدل، كما هو معروف عند العامة والخاصة؛ الا ان النظر الى الواقع في البلاد، فإنه يفرض الاعتراف بأن ‘ديمقراطيتنا’ – إن هي حقا موجودة فيها -، هي لحد بعيد “ديمقراطية الصمت”؛ وهذا الصمت يصنّف تصنيفا؛ الأول منه هو صمت ‘المجتمع المدني’، بذاته بالاعتبار النزعة الغالبة عند المواطنين الى الانسحاب من العملية السياسية وتمسّكهم بالصمت المدوّي فيها؛ لكن، ليس هذا الأخطر: فإن هناك ما يمكن وصفه بـ’الصمت المؤسساتي’، أو وباستلهام من الفلم الشهير للمرحومة مفيدة تلاتلي: ‘صمت القصور’، ثلاثتها، ” قرطاج” و”القصبة” و”باردو”؛
-* وفي تقديرنا ومع اسفنا الشديد، فإن هذا هو بالذات الأسلوب المتّبع اليوم، داخل البلاد، على الأقل: فإن قادتنا عندما يذهبون الى الخارج، ترى فيهم المواهب وقد تفتّحت والحناجر وقد تفتّقت والخُطب الرنانة وقد سُردت؛ اما إذا رجعوا الى ارض الوطن، فكما قالها الرحوم احمد بن صالح: ” سكوتا ومرّوا بين المسامير….”؛ وهذا هو ما نريد ان ننبّه اليه والى خطورته؛ فإن هذه الورقة ترمي بالأساس الى التحذير من خطورة سلوك المؤسسات الحاكمة الحالية المُركّز على استعمال ‘الصمت’ و’السكوت’ و’الإسكات’ كوسيلة لصرف اهتمام هذا الشعب عن أمُّهات المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية العالقة منذ اكثر من عشر سنوات والتي فشلت السلطة الفشل الذريع في خلق مخرج لها؛ وفي هذا العرض ولكي نبقى في حدود مثل هذه الورقة، فإنا سنحصر كلامنا حول باب شديد الأهمية، نعني ‘الدستور’، وبالأحرى، ‘صمت الدساتير’، الذي سنتطرق الى اخطر مظاهره في المحطات الثلاث التالية:
1-خطورة التشريع بـ’المراسيم’ و’التراتيب الاستثنائية’
’المراسيم’ نوعان: *- الصنف الأول يأتي بتفويض من مجلس النواب لصاحب الوظيفة التنفيذية (رئيس الدولة او رئيس الحكومة) بالتدخل في الميدان التشريعي لمدة محددة ولغرض معين وبإصدار ما يسمى ‘المراسيم’ أو ‘الأوامر الرئاسية’، تُقدّم الى مجلس النواب للاعتماد او للرفض في الموعد المضروب لها (دستور 1959 فصل 28 فقرة 2. – 2014، فصل 70، فقرة 2 – 2022، فصل 70)؛ *– والصنف الثاني، مثاله ‘الأمر الرئاسي’ عدد 117-2021 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 المتعلق ‘بتدابير استثنائية’: جاء هذا الامر الرئاسي على أساس الفصل 80 من دستور 2014؛ الا ان ما جاء في هذا النص تبريرا لمحتواه من شأنه ان يثير الاستغراب والحيرة: فلقد جاء بقلم واضعه ان هذا الأمر الرئاسي يأتي ” عملا بمبدأ ان السيادة للشعب” وانه ” اذا تعارض المبدأ مع الإجراءات المتعلقة بتطبيقه، يقتضي ذلك تغليب المبدأ على الاشكال والإجراءات….”؛ لكن، في نظرنا، هناك مآخذ هامة وخطرة، يجب الكشف عنها فيما يلي:
-*ما معنى ‘التبرير’ لهذا المرسوم الوارد في الفقرة السابقة؟ – اذا رجعنا الى المنطق القانوني المتعارف بين أهل الذكر، فأنه لا معنى له إطلاقا؛ – فهذا المبدأ، زيادة على غرابته الشديدة، لا يفدّم أي توضيح عن مصدره ولا عن شرعيته؛ وبالتالي وبالمقارنة من الصنف الأول المذكور اعلاه، فإن خطورته تأتي من كونه لا رقابة سابقة ولا لاحقة عليه من طرف الهيئات الدستورية مثل السلطة التشريعية، بل إنه قرار صادر عن ارادة انفرادية لرئيس الجمهورية، فقط، يقرر فيه كما يشاء ويختمه ويأمر بتطبيقه كما يشاء وينهي مفعوله كما ومتى يشاء؛ ففي سلم القواعد الحكمية المعروفة عند الناس، هذا الصنف يعتبر هجينا وخطيرا بذاته؛ وما يزيد في الطين بلّة هو ما جاء في الفصل 7 منه الذي يقول: ” لا َتقبل المراسيم الطعن بالإلغاء”. فهذا الصنف من الاحكام يكون خارقا للمبادي القانونية المعروفة مرتين: الأولى لكونه يتدخل في ميدان تشريعي موكل الى سلطة دستورية مختصة، والثانية لكونه يختص بحصانة قضائية ‘مطلقة’ تمنع الطعن فيه امام القضاء؛
-*من جهة أخرى ونظرا لأن هذا الصنف من المراسيم لم يأت بتفويض من مجلس النواب، فإنه لم يَذكر حدودا لصلاحيات الرئيس ولا لمدتها؛ فهنا، ‘الصمت’ هو سيد الموقف ومعه السكوت المعمّم حوله؛ لكن، شاءت الاقدار ان طرحت هذه التساؤلات على رئيس مجلس النواب، نفسه؛ فكان جوابه المرتجل ما مفاده: ‘ان المراسيم الرئاسية تبقى سارية المفعول الى حين الغائها بنفس الإجراءات القانونية التي جاءت بها، أي بقرار من رئيس الدولة وفي الاجل الذي يرتضيه’؛ وهذا يعني صراحة ان ‘الاستثنائي’ أصبح ‘القاعدة’، وأن ‘القاعدة’ أنزلت الى منزلة ‘الاستثناء’، وأننا بهذا، أصبحنا – لا قدر الله… – نسبح في عالم الامشروعية وربما ‘ الى يوم يرجعون’….؛
لكن، يبدو ان الرئيس الجديد لمجلس النواب الجديد قد فاته ما جاء في دستور 2022 نفسه، وهو يقول: ” يستمر العمل في المجال التشريعي بأحكام الأمر الرئاسي عدد 117-2021 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 المتعلق ‘بتدابير استثنائية’ الى حين ان يتولى مجلس نواب الشعب وظائفه بعد تنظيم انتخابات أعضائه”، وليس بعد ذلك التاريخ؛ وهذا الشرط اكتمل بالتمام أثر الانتخابات التشريعية الي افرزت مجلسا تشريعيا جاهزا للقيام بمهامه التشريعية؛ لهذه الأسباب، فأنا نعتبر ان مجلس النواب الجديد – الذي نأسف بان نقول إننا لسنا مقتنعين بمشروعيته الديمقراطية الحقة… – عليه أن يتحمل فورا مسؤولياته كاملة وان يقوم بالتحركات الواجبة لكسب مشروعية مجددة بممارسته الجدّية لمهامه التشريعية والرقابية، حتي يسهم بكل صدق في تركيز ما نتباهى غلطا ‘دولة القانون والمؤسسات’…
2-سَرَاب’ المحكمة الدستورية
-* ان أكبر ضحية لمناورات السياسيين وتلاعبهم بالمؤسسات من المستوى الدستوري بالخصوص، هي المؤسسة الأساسية لضمان ديمقراطية النظام السياسي ولتحقيق أهدافه العالية، أي مؤسسة ‘المحكمة الدستورية’؛ وحتى نكون على بيّـنة من اهمية هذه المؤسسة، لنقل بإيجاز شديد إن وظيفة المحاكم الدستورية، زيادة على دورها الاستشاري، تتمثل في ردع السلط التشريعية والتنفيذية وكذلك السلطة القضائية بجميع اصنافها، عند تجاوزها لما عَهَد اليها الدستور من مهام وصلاحيات، نصا وروحا، وهي أيضا الملجأ الأخير لكل المتقاضين المتظلّمين من سوء تطبيق القانون في شؤونهم ومصالهم؛ فهذه المحاكم هي الضامن الاساسي والنهائي لاحترام الدستور ولإرساء ‘دولة القانون والمؤسسات’ التي هي المعيار الجوهري لحفظ حقوق كل المواطنين وحرياتهم؛
-*لننظر الآن الى التجربة التونسية من زاوية الإشكالية المطروحة في هذه الفقرة: ان واضعي دستور 1959 اعتبروا ان الأوان لم يأت بعدُ لإنشاء ‘محكمة دستورية’ بالمعنى الصحيح، واعتبارا للظروف السياسية المضطربة في ذلك التاريخ، فإنهم قرروا ارجاء هذه المؤسسة الى أجل لاحق؛ ودام ذلك التعليق لمدة تفوق أربعين سنة، ولم تظهَر ما يشبه مؤسسة دستورية – حتى، صوريا على الأقل -، الا في سنة 2002 بأدراج هذه الفكرة في القانون التنقيحي عدد 51 لسنة 2002 المؤرخ في واحد جوان 2002، وهو يقول في الفصل 72 الفقرة 4: ” ينظر المجلس الدستوري في مشاريع القوانين التي يعرضها عليه رئيس الجمهورية من حيث مطابقتها او ولاءمتها له…..”؛ ولقد وقع تنقيح جزئي لهذا الفصل في 1998 وفي 2022؛
-* إلا أن هذه التجربة كانت سلبية لكون هذا ‘المجلس الدستوري’ لم يكن الا مجرد مؤسسة ‘استشارية’ وموجهة بالأساس نحو حماية سلطة رئيس الجمهورية من تدخّل السلطة القضائية بشكل قد يكون، في نظره، تعسفيا ومحرجا له؛ وفي الواقع، لم ينتج عن انشاء تلك المؤسسة أي تأثير جوهري على الهيكل الدستوري والتشريعي للبلاد؛
-*أما اذا نظرنا الى تجربة دستور 2014 والى دور المجلس التأسيسي ثم الى دور مجلس النواب بعده في هذا المجال، فإنه من الممكن القول بأن هذه المؤسسة كُتب عليها من البداية بالفشل الكامل، وأضف بإن ذلك كان عن قصد وعن روية…؛ ذلك ان الأطراف السياسية المتناحرة آنذاك كانت تنظر الى المؤسسة الدستورية بكونها غنيمة ثمينة جدا اذا وقع الفوز بالاستيلاء عليها من طرف احد المتصارعين دون الآخرين؛ وبما ان كل هذه الأطراف اتفقت على ألاّ تتفق، فإن مشروع انشاء محكمة دستورية بالمعنى الكامل كان مشروعا بعيد المنال وشئيا يشبه السراب؛ والكل يعلم اننا كنا من بين الملاحظين القليل الذين دعوا الى ارجاء النظر في هذا المشروع الكبير الأهمية الى دورة تشريعية قادمة وان يكف الجميع عن تسييس هذه الفكرة الثمينة وعن تدنيسها…؛
-* وآخر تطور مُسيء لهذه الفكرة الأساسية هو ما حصل في 2022 عندما وقع نَحت المشروع الجديد للدستور على ايدي “واضع الدستور الجديد بنفسه ولنفسه”، الذي سيظهر امام التاريخ بأنه المسؤول والمسؤول الأول عن دفن هذا الشروع، قبل ولادته…- لا يدخل في مجال هذه الورقة التعمق في أن الدستور الجديد وما قبله وما بعده لم يكن إلا لباسا صنعه صاحبه على مقاسه، وكأنه يقول ‘ بيدنا، لا بيد عَمر’…؛ المهم هنا هو لفت النظر الى بعض المخاطر الجسيمة التي تَحملُها هذه المؤسسة الدستورية كما صنعها رئيس الدولة الحالي:
-* الكل لاحظ تسرّع واضع الدستور الجديد الى إرساء تلك المؤسسات المتلائمة وأهوائه ونواياه (أي المجلس التشريعي، الحكومة، الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، الجماعات المحلية والجهوية، المجلس الأعلى للتربية وللتعليم)؛ لكنه لم يبدي أي تسرّع في إرساء هذه الهيئة الدستورية على ارض الواقع: فلم تأت في الدستور اية اشارة الى موعد دقيق لإرساء هذه المحكمة على أرض الواقع؛ فهنا، الصمت كامل ومسقع؛ وهو أيضا صمت مستراب وإن كان ذلك لسبب واحد: إذا أريد حقا بهذه المؤسسة خيرا، فإن المنطق يفرض ان يقع وضعها يوم دخول الدستور الجديد حيز التطبيق، أي بالتدقيق، ” ابتداء من تاريخ الإعلان النهائي عن نتيجة الاستفتاء من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات” (الفصل 139 دستور 2022) وليس في أواخر العهدة الرئاسية الحالية، أو بعدها…؛ الا أن الغريب في الأمر هو ان واضع الدستور الذي أقدم على تحويل الرزنامة التاريخية الموروثة عن حضارات ترجع الى اكثر من الفي سنة بفصل ليس له سابقة في التاريخ، يقول في 17 أوت 2022: ” يحمل هذا الدستور تاريخ يوم الاستفتاء، وهو 25 جويلية 2022”…، لم يتسارع الى انجاز مشروع المحكمة الوارد في نفس الدستور الذي وضعه بنفسه وعلى مقاسه؛ ولعل المضحك المبكي في هذا التلاعب بالتواريخ ان ذلك جاء ” تجسيما للإرادة في التمسك بالنظام الجمهوري”….؛
-* هنا، ملاحظة هامة: إن المعلوم عند الجميع هو أن المحكمة الدستورية هي الهيكل الأعلى لتحديد المحتوى الصحيح للقانون ولكل التشريعات وللتنسيق بينها، باعتبار ان قراراتها تعلو قرارات جميع الهياكل التشريعية والادارية والقضائية؛ فإذا لم يتحقق ذلك بشكل جدي وصارم، فإنا نقولها ثانية وبكل اسف، إنه لا فائدة في أحداثها ولا أي مصلحة للبلاد في التبرج والافتخار بإنشائها، أصلا؛
-*من جهة أخرى، إنه ليس من السهل فهم القرار الرئاسي بأفراد هذه التركيبة الغريبة في نوعها لصالح مثلث من أصناف القضاة يشترط فيهم ان يكونوا ” من اقدم رؤساء دوائر التعقيب”(الفصل 125)…؛ فهذا القرار المتمثل في اختيار أعضاء هذه المحكمة العليا على أساس السن والاقدمية ولا على أساس العلم والكفاءة كما هو معمول به في سائر الأمم المتقدمة، سيكون افرادا غريبا جدا وشاذا وسيكون فاعلا في تقليص استقلالية المحكمة وهيبتها وطنيا وعالميا؛
-* إنا لا نريد ان نعطي صورة سوداء لهذا المشهد، لكن علينا ان نضيف الى ما قلنا في مدخل هذه الفقرة، انه ليس من حسن حظ هذه المحكمة ولا من حسن حظ قضاتها ولا من حسن حظ من صنع هذه الهيئة القضائية، انهم لن يكون لهم حظ كبير في اثراء الهيكل التشريعي التونسي، وذلك بحكم ما جاء في الفصل 125 الفقرة 3، التي تقول – بلا تعليق -: ” إذا بلغ أحد الأعضاء سن الإحالة على التقاعد، يتم تعويضه آليا بمن يليه في الأقدمية، على ألا تقل مدة العضوية في كل الحالات عن سنة واحدة”….
-*خلاصة كلامنا في هذا الباب، نقولها بكل صراحة وبكل صرامة: إذا بقيت الحال على ما ذكر، فلا حاجة الى اثقال الهيكلية القضائية لبلادنا بمعضلة إضافية الى العديد من المطبات التي يزخر بها دستور الرئيس….، وعلينا أن نقولها بكل مضاضة وبشديد الأسف: قد يكون من الأفضل ومن الأصلح أن يقع مرة أخرى ارجاء انشاء هذه المحكمة الى أجل غير مسمى او على الأقل، الى عهدة كاملة اخرى، والله المستعان….
3-التهافت على السلطة والتمسك بها و’الصمت’ عنهما
-*إن ما يمتاز به النظام الديمقراطي هو حزمة من الاحكام التي يعتبر احترامها الدقيق عربونا جديا لمصداقية تلك الديمقراطية؛ ولهذا وضعت اغلبية الدساتير في العالم بعض الاحكام الأساسية، أهمها ما وضعت صلب الدستور: 1- ادراج أسس النظام الانتخابي صلب الدستور؛ 2- ضبط دورية الانتخابات واحترام مواعيدها؛ 3- تحديد مدد العهدات بصورة دقيقة؛ وفي هذا الباب المتعلق بمدد العهدات الرئاسية وعددها، هناك عنصر آخر شديد الأهمية، هو تنظيم التداول على السلطة في ظروف عادية او بالعكس، في ظروف استثنائية، المثال في ذلك هو حالة انتهاء صلاحية دستور سابق (2014) ودخول دستور جديد (2022) حيز النفاذ؛ مثل هذه الإشكالية ليس غريبا عنا، بسبب انه من المهم ان نعرف أيٌ من الدُستورَين – القديم والقائم – سيطبق عند حصول موعد الانتخابات الرئاسية الجديدة، أي في 2024 وتحديدا في افريل 2024، أو في موعد آخر؛ هنا، لنقل إن هناك افتراضين: افتراض تطبيق الدستور الحالي، أي 2022، او فرضية تطبيق الدستور السابق، أي دستور 2014؛
-*لنبدأ بالفرضية الأبسط: أي فرضية الانتقال الدستوري من دستور 2014 الى دستور 2022 أي ان الموعد القادم للانتخابات هو افريل 2024؛ هنا، إذا كنّا في حالة مواطن تَرشّح لأول مرة للانتخابات الرئاسية، فليس هناك أي إشكالية في ذلك ولا نزاع…؛ وسيقع انتخابه على أساس الفصل 90 من الدستور لسنة 2022. لكن الحال ليست كذلك في صورة ترشح رئيس الجمهورية القائم، الذي وقع انتخابه في 2019، أي في عهد دستور 2014؛ فهنا، ستطرح عدة أسئلة، الأولى منها هي:
-*أي دستور يجب تطبيقه، 2014 او 2022؟ – وماذا سيحصل في حال ترشح الرئيس الحالي المنتخب في عهد 2014 الى جانب ترشح مواطن آخر في عهد 2022؟
-*إذا وقع بتطبيق 2022، وإذا كان المترشح منتخبا في عهد دستور 2014، فهل سيتمتع بالعهدتين 10) أعوام ( الواردة في دستور 2022، أي في الجملة، أي 15 سنة في الجملة؟ – لكن، يبدو ان هذا غير ممكن دستوريا بحكم انه ورد في دستور 2022 الفصل 90) الفقرة) 6 التي تمنع ” أكثر من دورتين متصلتين او منفصلتين”، كما ورد في دستور 2014(الفصل (75، الفقرة 6 التي تقول: ” لا يجوز لأي تعديل ان ينال عدد الدورات ومددها بالزيادة”؛ ما يعني ان الدستورين (2014 و2022) اتخذا نفس الموقف من مسألة عدد العهد الرئاسية بتحديدها قطعا الى عهدتين؛
-**ان ما سبق من الكلام ليس من قبيل المجادلة الأكاديمية المجانية؛ بل انه الكشف عن معضلة كبيرة تتمثل في وجود مأزق خطير جدا يجب السعي لمواجهته ولحله بكل صراحة وشفافية وبكل مسؤولية؛ فكفا للتونسيين من التخاذل ومن الاستهتار بالشؤون السياسية لبلادهم ولمصيره؛ وليعلموا ان هذا الإشكال الخطير كان قائما منذ زمن بعيد وان هناك من استبق منذ أكثر من سنة حدوث المشكلة واستنتج من تحليل النصوص ان، في حالة ترشح الرئيس الحالي الذي انتخب في عهد 2014 ويعمل حاليا في عهد 2022، فإن المعضلة قائمة الذات وان لا مفر منها؛ وما ‘صمت’ الشخصية المعنية الأولى بجدية الأمر الا اعترافا ضمنيا باستحالة حل للمشكل يرضي مصالح البلاد ويرضي طموحاته الشخصية البحتة… في آن واحد….
لنوجز الكلام: نحن ندعي ان نظامنا السياسي اليوم هو النظام الديمقراطي الحق، نفتخر ونتباهى به بين الأمم؛ لكن، ما أبعد الثرى عن الثريا، وما أبعد الديمقراطية التي نمارسها اليوم عن الديمقراطية الحقة؛ فعلينا التمعن والاتعاظ، والالتزام باليقظة والتواضع في حق هذه البلاد علينا، والبدء يكون بتحذير لهذا البلد العزيز بهذه الكلمة:
-*تونس، تونس العزيزة، لا تنسَي، فإن كنت في سنة، فلا تنسي ان الدهر يقضان….
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 11 جويلية 2023