الشارع المغاربي: الرئيس ياسر عرفات(1929 – 2004) ظل دائما محلّ احترام شعبه بمن في ذلك الذين اختلفوا معه.
منذ 19 عاما غادرنا الزّعيم الذي اضطرته الجغرافيا والاختلال الفادح في ميزان القوّة إلى حصاد مرّ لأخطاء متلاحقة في أوسلو وعودة مرهقة إلى غزّة وحصار قاتل وسط تخـلّ عربي رسمي كامل في ”رام الله” ولكنّه، وإن ناور في الهوامش، فإنّه لم يقدّم ذرّة تنازل واحدة عن الثّوابت، ورفض أن يقايض حرّيته الشخصيّة بحرّية شعبه.
منذ تسعة عشر عاما غاب الرئيس المناضل الذي رفض أن يحني الرّأس أمام ضغوط الإدارة الأمريكـية وابتزاز حلفائها في مفاوضات كامب ديفيد الثانية، وأبى التّنازل عن أهمّ ركنين من أركان القضية الفلسطينية وآخر خطوطها الحُمر: حق العــودة والسيادة الكاملة على القدس.
منذ 19 عاما انتقل عنا الفدائي الذي حمل دمه على كفّه في الأغوار(الأردن) وفي العـرقوب وفي بيروت)لبنان) وفي حمّام الشطّ ) تونس) متحدّيا مجرمي الحـرب كافّة وفي مقدّمتهم الإرهابي شارون، ورفع العلم الفلسطيني عاليا في مقر الأمم المتّحدة وفي غزّة وفي رام الله وأصرّ إلى آخر نبض في عروقه على رفعه في سماء القدس إن لم يكن بيده فبِيَدِ شبل من أشبال فلسطين أو زهرة من زهراتها»..
منذ 19 عاما مضى عرفات الذي اختار الديبلوماسية دون أن يتخلّى عن البندقية، مضى عرفات الذي أطلق العنان للانتفاضة الثانية لنسف اتفاقيات أوسلو من أساسها بعد أن افتضحت مخططاتها في: الاستحواذ على الأرض والتنكر للحقوق وإبقاء الآلاف من الأسرى في سجون الاحتلال وتدمير كل ما بنته السلطة، فكانت ”كتائب شهداء الأقصى” رافدا جديدا من روافد حركة التحرر الوطني الفلسطيني.
منذ 19 عاما ترجّل عرفات ولكن الكوفية الفلسطينية لم تسقط بعده، ولئن نأى به المكان، كرها، عن القدس، حتى في مثواه الأخير، فإنّ قلوب الملايين تسكن فيها القدس كما سكنت فيها يوم الوداع الأخير في ”المقاطعة” .وإذا كان عرفات قد مات فإنّ ”شعب الجبّارين” حيّ لا يموت، وهو جدير بالآلام، على”طريق الآلام” تماما كما المسيح عيسى بن مريم، مثلما هو جدير بحياة ستكلّل عاجلا أو آجلا بالانتصار. وليس أوفى للدور التاريخي للراحل عرفات في قيادة نضال شعبه من إعادة ترتيب البيت الفلسطيني لا على أساس التّسوية، وإنّما على أسس ديمقراطية، أسس الوحدة الوطنية، وتفعيل منظمة التحرير أطرا وهيئات، وإعادة بناء السلطة وأدواتها وتطهيرها من الفساد،ومواصلة النهج الذي استمات من أجله عرفات ويدفع أبناء الشعب يوميّا من حياتهم أسرا وسجنا واعتقالا واستشهادا ثمنا له.
***
الزعيم الراحل ياسر عرفات الذي قال ذات يوم : باع الملك القدس! فماذا انتم فاعلون يا عرب!
ماذا عساه أن يقول لو كان بيننا اليوم إزاء ”بيان العار”، بيان ” عرب اطاعوا رومهم، عرب وباعوا روحهم، عرب وضاعوا ”. !!!
وإذ نؤكد على شرعية مقاومة الاحتلال والتصدي للهيمنة ونلحّ على ضرورة عقد مؤتمر دولي لتحديد مفهوم عالمي موحد للإرهاب والتمييز بينه وبين نضال الشعوب من أجل الحرّية بما يحول دون القوى المعادية لحق الشعوب في تقرير مصيرها وعلى رأسها الدول الإمبريالية الكبرى والصغرى والتذرع بهذا الخلط المتعمد لتنفيذ ما تقتضيه مصالحهاومخططاتها استنادا إلى سياسة المكاييل والموازين المزدوجة.
نشدد على ضرورة التميز بين إرهاب الدولة الذي تمارسه حكومة تل أبيب ضد المدنيين الفلسطينيين، والمقاومة المشروعة لهذا الإرهاب، تلك التي ينخرط فيها أفراد أو جماعات وتستهدف إسرائيليين عسكريين وإسرائيليين غير مدنيين وإن كانوا بلباس غير عسكري هم ميليشيات المستوطنين (غلاف غزّة أنموذجا) وهو الحق الذي ضمنته اللجنة الأممية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إذ لا يمكن بحال أن نسوّي بين الجلاد والضحية ولا بين العدوان والدفاع الشرعي عن النفس.
نندد بسياسة الإبادة الجماعية والمجازر اليومية التي يمارسها العدو الصهيوني في حق أشقائنا الفلسطينيين منذ أزيد من أسبوع في قطاع غزّة والأراضي العربية المحتلة وسياسة الإذلال والتركيع والمساومة على الدماء التي يستهدفهم بها، انتقاما لشرفه العسكري الممرّغ في الوحل، ونذكّر بأنه إذا كانت المحرقة النازيةّ، بقطع النظر عن الأرقام المقدمة بخصوصها، لم تُفْنِ الشعب اليهودي فإنّ الهولوكوست الصهيوني هذه المرة لن ينجح بالتأكيد في تهجير الشعب الفلسطيني تهجيرا ثانيا فما بالك بالقضاء عليه.
نشجب دعم الولايات المتحدة السافر لهذا العدوان الإجرامي على الشعب الفلسطيني الأعزل وتوفيرها الغطاء السياسي والإعلامي الذي يستلزمه وعرقلتها لكل الجهود الدولية الرامية إلى إيقاف المجزرة وتحملها بالنتيجة، بمعية دول الاتحاد الأوروبي، المسؤولية القانونية والأخلاقية للجرائم الوحشية التي يرتكبها عنها جيش العدو في غزّة.
نعبّر عن سخطنا على تخاذل النظام العربي الرسمي وتواطئه وعدم انفكاكه عن تقديم التنازل تلو التنازل وصولا إلى التطوع إلى الاعتراف الجماعي بإسرائيل مع الالتزام بالتطبيع الكامل معها، وهو المشروع الذي لم يفوّضهم لطرحه أحد لأنه لا معنى له سوى التفويت في حقوقنا التاريخية الإستراتيجية مقابل حق ظرفي مرحلي هو نفسه لا ضمان لأحد فيه ولعل في انقلاب اليمين الإسرائيلي المتطرّف على ّاتفاقيات السلامّ بالحديد والنار خير رد على مثل هذه المبادرات الاستسلامية.
ندعو الحكومات العربية وخاصة دول الطوق إلى الوقف الفوري لكل علاقة لها مع الكيان الصهيوني العنصري بما في ذلك إلغاء كل المعاهدات والاتفاقيات التي تم توقيعها معه والامتناع عن كل أشكال التطبيع السياسي والإقتصادي والثقافي مع دولة العدوّ والالتزام الكامل بالمقاطعة العربية لها وللمتعاملين معها وتطبيق كافة القوانين والقرارات المتصلة بالمكتب الدائم للمقاطعة العربية.
نطالب بمراجعة العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية والأمنية مع الولايات المتحدة واستخدام كل الوسائل الإقتصادية والسياسية الممكنة للضغط على الإدارة الأمريكية وشركائها في العدوان بما في ذلك سلاح النفط والودائع والرساميل العربية والإسلامية في البنوك الأمريكية والغربية عسى أن تتراجع عن دعمها الأعمى للغطرسة الصهيونية.
نعرب عن استنكارنا للتواطؤ الأوروبي المشين مع جرائم الكيان الصهيوني المتصاعدة على قطاع غزة واستيائنا لتناقض مواقفه وتحركاته مع مواقفه في مناطق أخرى من العالم وتناقضه مع المرجعية الأنوارية التي يصدر عنها، وعجز منظمة الأمم المتحدة عن تطبيق قراراتها وفقا لما تقتضيه القوانين والمواثيق الدولية.
نناشد الأسرة الدولية ولا سيما المنظمات الحقوقية والهيئات والجمعيات ذات العلاقة والاتحادات المهنية العالمية استنفار كل قدراتها من أجل دعم الفلسطينيين وإنقاذ غزّة من هولوكوست جديد، والتصدي بالحزم المطلوب والشفافية المفترضة والوضوح اللازم والصرامة المرقوبة لهذا الخرق الصارخ الذي ماانفك الكيان الصهيوني يمارسه في حق القيم الإنسانية والديمقراطية وهذا التعدي المستديم على الشرعية الدولية والاستهانة بالمقررات الأممية ونطالب بتوفير حماية أممية للشعب الفلسطيني وتأمين حقه الطبيعي في الحياة وضرورة قيام مبادرة دولية على الفور لكف العدوان الإسرائيلي عليه وفك الحصار عنه.
***
سلام الوداع مجددا إلى الثائر الذي سيظل رمزا من كبار رموز حركات التحرر الوطني في العصر الحديث من طراز تشي غيفارا وباتريس لوممبا وهوشي منه وجمال عبد الناصر رغما عن طغاة العالم ورغم كيد المعتدين، وتواطؤ الخونة والمطبعين .
الكوفية الفلسطينية أسمى من أن يلتف حولها أي ”عقال” مفردا كان أو بصيغة الجمع، والراية الفلسطينية أطهر من يلحقها أدنى دنس من ”بول البعير”.
و”طوفان الأقصى”، كما الانتفاضة الأولى والثانية، لن توقفه «سيوف حديدية» ولا سيوف حافية، ولا إمبرياليات غربية، ولا آلة القتل الإسرائيلية،
وما جمعه دم الشهداء لا يمكن أن يفرقه أعراب ولا أغراب وإن اجتمعوا.
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 17 اكتوبر 2023