الشارع المغاربي – بعد عملية "طوفان الاقصى" جاء دور أسئلة العقل !/ بقلم:صالح مصباح

بعد عملية “طوفان الاقصى” جاء دور أسئلة العقل !/ بقلم:صالح مصباح

قسم الأخبار

27 أكتوبر، 2023

الشارع المغاربي: فجاة،‭ ‬اندفعت‭ ‬عملية‭” ‬طوفان‭ ‬الاقصى‭” ‬الجارية‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭. ‬مِن‭ ‬غزة‭ ‬المحاصرة‭ ‬منذ‭ ‬ستة‭ ‬عشر‭ ‬عاما‭ ‬اخترق‭ ‬مقاتلو‭ ‬حركتي‭  “‬حماس‭” ‬و‭”‬الجهاد‭” ‬أسيجةَ‭ ‬إسرائيل‭ ‬الإستخبارية‭ ‬والمادية‭ ‬والتقنية‭ ‬والعسكرية،‭ ‬ونفّذوا‭ ‬هجوما‭ ‬عليها‭. ‬العملية‭ ‬ليست‭ ‬كسابقاتها‭. ‬هي‭ ‬استثنائية‭. ‬وردُّ‭ ‬الفعل‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬تعدّى‭ ‬سوابقه‭ ‬وإن‭ ‬شابهها‭. ‬هو‭ ‬ضرب‭ ‬وحشي‭ ‬انتقامي‭ ‬لا‭ ‬يفرّق‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يصيب‭ ‬ومَن‭ ‬يصيب‭. ‬وعلى‭ ‬ذلك‭ ‬زاد‭ ‬الكيان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بأن‭ ‬أخضع‭ “‬غزة‭”‬لحصار‭ ‬وتطويق‭ ‬جديدين‭ ‬مانعين‭ ‬عليها‭ ‬أوكد‭ ‬الضرورات‭.‬و‭ ‬اصطفّ‭ ‬الغرب‭ ‬كالعادة‭ ‬مع‭ ‬صنيعته‭ ‬اصطفافا‭ ‬كاملا‭. ‬لا‭ ‬بل‭ ‬صارت‭ ‬إدارة‭ ‬الفعل‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬إدارة‭ ‬أمريكية‭ ‬بمعاضدة‭ ‬دول‭ ‬من‭ ‬الحلف‭ ‬الأطلسي‭.‬

في‭ ‬الصعيد‭ ‬العربي‭ ‬الشعبي،‭ ‬تدفّق‭ ‬الغضب‭ ‬والإنفعال‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬البلدان‭ .‬أظهرت‭ ‬الشعوب‭ ‬أنّ‭ ‬الحق‭ ‬الفلسطيني‭ ‬كامن‭ ‬في‭ ‬وجدانها‭ ‬الجمعي‭ ‬كمونا‭ ‬صادقا‭. ‬وفي‭ ‬الصعيد‭ ‬العربي‭ ‬الرسمي‭ ‬حكَمت‭ ‬ردودَ‭ ‬الأفعال‭ ‬قراءةُ‭ ‬التّوازنات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية،‭ ‬وضوابطُ‭’‬الأمن‭ ‬القومي‭”‬و‭ ‬أمن‭ ‬الأنظمة،‭ ‬ومساندة‭ ‬الحق‭ ‬الفلسطيني‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬القرارات‭ ‬الأممية،و‭ ‬رفض‭ ‬التنكيل‭ ‬الغاشم‭ ‬بالمدنيين‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬فضلا‭ ‬على‭ ‬حالات‭ ‬من‭ ‬الصمت‭ ‬المريب‭.‬

ويبدو‭ ‬الموقف‭ ‬الرسمي‭ ‬التونسي‭ ‬استثناءً‭ ‬طليقَا‭ ‬مِن‭ ‬آلة‭ ‬العقل‭ ‬السياسي‭ ‬الرّسمي‭. ‬فقد‭ ‬تشرّب‭ ‬الإنفعالَ‭ ‬الشعبيَّ‭ ‬وزاد‭ ‬عليه‭. ‬هو‭ ‬موقف‭ ‬فاقت‭ ‬مطالبُه‭ ‬مطالبَ‭ ‬الغُلاة‭ ‬من‭ ‬التّحرّريين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أنفسهم‭. ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬الرسميين‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الرأي‭ ‬السياسي،‭ ‬يطالب‭ ‬اليوم،‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬الأوساط‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أو‭ ‬العربية،‭ “‬بدولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬على‭ ‬كامل‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭” ‬عاصمتها‭ ‬القدس‭”‬كاملة‭”.‬

يجوز‭ ‬لأصحاب‭ ‬الآراء‭ ‬على‭ ‬الجملة‭ ‬أن‭ ‬يتخذوا‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬الحق‭ ‬الأصيل‭ ‬الكامل‭. ‬لكن‭ ‬صاحب‭ ‬القرار‭ ‬الرسمي‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬مطالب‭ ‬باستقراء‭ ‬الجغرافيا‭ ‬السياسية‭ ‬والتوازنات‭ ‬الدولية‭ ‬ومصالح‭ ‬بلاده‭ ‬القومية‭. ‬وما‭ ‬من‭ ‬تخاذل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الموقف‭ ‬الرسمي‭ ‬التونسي‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يتقيّد‭ ‬بالحق‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬أقرّه‭ ‬له‭ ‬المنتظم‭ ‬الأممي،‭ ‬والذي‭ ‬هو‭ ‬اليوم‭ ‬مطمح‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أنفسهم،‭ ‬وهو‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقلة،في‭ ‬حدود‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬حرب‭ ‬1967،‭ ‬عاصمتها‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية‭.‬

ولعل‭ ‬الرئيس‭ ‬التونسي‭ ‬سعيد‭ ‬قد‭ ‬استمرأ‭ ‬بعضَ‭ ‬ثمار‭ ‬خطابه‭ ‬الشعبوي‭ ‬داخليا،‭ ‬فسَحَبه،‭ ‬بقدر‭ ‬من‭ ‬التهوّر،‭ ‬على‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين‭ ‬سَحبا‭ ‬داخليّ‭ ‬الأهداف‭. ‬أو‭ ‬لعل‭ ‬موقفه‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬انفلاتٍ‭ ‬عاطفيّ‭ ‬صادق،‭ ‬أنساه‭ ‬صفتَه‭ ‬الرسمية‭ ‬وأحكامَها،‭ ‬وأبقى‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬صفته‭ ‬الشعبية‭. ‬وفي‭ ‬الحالين‭ ‬ينسخ‭ ‬موقفه‭ ‬نسخا‭ ‬كاملا‭ “‬أحقية‭ ‬الوجود‭” ‬لدولة‭ ‬الكيان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬التي‭ ‬تتزاحم‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬حمايتها‭ ‬أساطيل‭ ‬الحلف‭ ‬الأطلسي‭ ‬وصفوة‭ ‬جيوشه‭ ‬المجهّزة‭ ‬بعِلية‭ ‬عتادها،‭ ‬إثر‭  ‬تعرضها‭ ‬لعملية‭ ‬نفذها‭ ‬نحو‭ ‬1500‭ ‬مقاتل‭ ‬فلسطيني،‭ ‬وحمايةً‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬خطر‭ ‬إقليمي‭ ‬قد‭ ‬ينغّص‭ ‬عليها‭ ‬إنتقامها‭ ‬الوحشي‭ ‬من‭ ‬غزة،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬مصدره‭ ‬حركات‭ ‬وأسلحة‭ ‬ميليشيات‭.‬

ونقدّر‭ ‬أن‭ ‬الإنفعال‭ ‬الشعبي‭ ‬العربي‭ ‬هو‭ ‬ترجمان‭ ‬لانفعالات‭ ‬أصيلة‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تنطفئ‭ ‬حماستُها‭. ‬فهي‭ ‬من‭ ‬مُغذّيات‭ ‬الضمائر‭ ‬الأخلاقية‭ ‬ومن‭ ‬أمارات‭ ‬المواطنة‭ ‬النشيطة‭. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الإنفعال‭ ‬الشعبي‭ ‬الذي‭ ‬غمر‭ ‬قسما‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الإعلام‭ ‬والرأي‭ ‬تونسيا‭ ‬وعربيا،‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬أن‭ ‬تختفيَ‭ ‬وراءه‭ ‬تساؤلات‭ ‬العقل‭ ‬الذي‭ ‬يصعب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬باردا‭. ‬إنه‭  ‬العقل‭ ‬الذي‭ ‬يُفضّل‭ ‬حيرةَ‭ ‬الإستنطاق‭ ‬لِمَا‭ ‬يجري‭ ‬على‭”‬الإطمئنان‭” ‬المنفعل‭ ‬زهوا‭ ‬بما‭ ‬يصنع‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬وغضَبا‭ ‬مِمّا‭ ‬تصنع‭ ‬دولة‭ ‬الصهاينة‭.‬

1/‬هل‭ ‬من‭ ‬دلالة‭ ‬وجيهة‭ ‬لمصطلح‭ “‬محور‭ ‬المقاومة‭:‬؟

في‭ ‬أوساط‭ ‬العرب‭ ‬السياسية‭ ‬والإعلامية،‭ ‬يتردّد‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬بالحاح‭ ‬مصطلح‭ “‬محور‭ ‬المقاومة‭”. ‬هو‭ ‬مصطلح‭ ‬جدير‭ ‬بالمساءلة‭ ‬وتحفّ‭ ‬به‭ ‬دلالةٌ‭ ‬غريبة‭. ‬فمَن‭ ‬يقاوم‭ ‬هذا‭ ‬المحورُ؟‭ ‬الجواب‭ ‬الإنفعالي‭ ‬الجاهز‭ ‬لدى‭ ‬الوعي‭ ‬الجمعي‭ ‬العربي‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬يقاوم‭ ‬المحتلَّ‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬ورُعاتَه‭.‬و‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬المحور‭ ‬الذي‭ ‬يقابله؟‭ ‬الجواب‭ ‬هو‭ ‬محور‭ “‬المهادنة‭ ‬والتطبيع‭” ‬الذي‭ ‬يمثله‭ ‬أغلب‭ ‬النظام‭ ‬العربي‭ ‬الرسمي‭. ‬ومن‭ ‬يمثّل‭ ‬محورَ‭ ‬المقاومة؟‭ ‬الجواب‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬مُمثّليه‭ ‬هم‭ ‬حركتا‭ ‬حماس‭ ‬والجهاد‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬وحزب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬وحزب‭ ‬الله‭ ‬و‭” ‬الحشد‭” ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬والحوثيون‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬وتشكيلات‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬الخ‭…‬و‭ ‬في‭ ‬ركاب‭ ‬مَن‭ ‬هذه‭ ‬الكيانات؟‭ ‬إنّها‭ ‬كلها‭ ‬في‭ ‬ركاب‭ ‬إيران‭. ‬فإيران‭ ‬هي،‭ ‬إذن،‭ ‬رأس‭ “‬محور‭ ‬المقاومة‭”‬أولا،و‭ ‬الحاكمة‭ ‬لأذرعه‭ ‬ثانيا،‭ ‬والجهة‭ ‬المقابلة‭ ‬لمحور‭ “‬التطبيع‭ “‬و‭ ‬المهادنة‭ ‬الذي‭ ‬يمثله‭ ‬العرب‭ ‬جيوشا‭ ‬نظامية‭ ‬ودولا‭ ‬وكيانات‭ ‬ثالثا‭.‬

يترتّب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬بما‭ ‬هي‭ ‬بؤرة‭ ‬القضايا‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬هي‭ ‬اليوم‭ ‬شأن‭ ‬إيراني‭ ‬خالص‭ ‬وليست‭ ‬شأنا‭ ‬عربيا‭ ‬رسميا‭. ‬لا‭ ‬بل‭ ‬صار‭ ‬أغلب‭ ‬القرار‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الغزاوي‭ ‬قرارا‭ ‬إيرانيا‭. ‬

ذلك‭ ‬أن‭ ‬حركتي‭ ‬حماس‭ ‬والجهاد‭ ‬الفاعلتين‭ ‬في‭”‬الطوفان‭” ‬إنما‭ ‬تحرّك‭ ‬قرارَهما‭ ‬إيران‭. ‬ومَن‭ ‬يموّل‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬شهريا؟‭ ‬وعن‭ ‬طريق‭ ‬مَن‭ ‬؟‭ ‬وأين‭ ‬يقيم‭ ‬قادتها‭ ‬السياسيون؟‭ ‬إن‭ ‬المموّل‭ ‬الشهري‭ ‬هو‭ ‬قطر‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬إسرائيل‭. ‬وإن‭ ‬مُقام‭ ‬القادة‭ ‬هو‭ ‬عاصمة‭ ‬قطر‭ ‬الدوحة،‭ ‬بأمر‭ ‬أمريكي‭. ‬هم‭ ‬هناك‭ ‬تحت‭ ‬الأعين‭ ‬كالسجناء‭.‬و‭ ‬هذا‭ ‬أفضل،‭ ‬أمريكيا‭ ‬وإسرائيليا،‭ ‬مِن‭ ‬إقامتهم‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬دمشق،‭ ‬وإقامتهم‭ ‬الممكنة‭ ‬في‭ ‬طهران‭. ‬وأين‭ ‬قطر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك؟‭ ‬هي‭ ‬ذراع‭ ‬أمريكية‭ ‬مطيعة‭ ‬دوما،‭ ‬وفي‭ ‬علاقة‭ ‬عناق‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬لا‭ ‬يخفيها‭ ‬عدمُ‭ ‬إشهار‭ ‬التطبيع،‭ ‬وفي‭ ‬علاقة‭ ‬وثيقة‭ ‬بإيران‭. ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬تكون‭ ‬قطر‭ ‬مَعْقَدَ‭ ‬شتّى‭ ‬الخيوط،‭ ‬والماسكة‭ ‬برقاب‭ ‬حماس‭ ‬التي‭ ‬أجبرتها‭ ‬مؤخرا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تُخليَ،‭ ‬بلا‭ ‬مقابل،‭ ‬سبيلَي‭ ‬أمريكيتين‭. ‬وأمير‭ ‬قطر‭ ‬غادر‭ ‬غاضبا‭” ‬قمة‭ ‬القاهرة‭” ‬التي‭ ‬انعقدت‭ ‬يوم‭ ‬21‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬،‭ ‬لأنّ‭ ‬مصر‭ ‬اعترضت‭ ‬على‭ ‬جملة‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬ساوت‭ ‬بين‭ ‬التنديد‭ ‬بفعل‭ ‬حماس‭ ‬التي‭ ‬يرعاها‭ ‬ويموّلها،‭ ‬وفعل‭ ‬إسرائيل‭ ‬التي‭ ‬يدّعي‭ ‬عدم‭ ‬التطبيع‭ ‬معها‭. ‬وها‭ ‬هنا‭ ‬تتحرك‭ ‬قطر‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬دأبت‭ ‬عليه،‭ ‬وهو‭ ‬استعمال‭ ‬المال‭ ‬للجمع‭ ‬بين‭ ‬الخيوط‭ ‬المتناقضة‭ ‬ظاهرا،‭ ‬ولرعاية‭ ‬الحركات‭ ‬الإخوانية‭ ‬والدينية‭ ‬وتمويلها‭ ‬وتطويعها‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬يرى‭ ‬الغرب‭ ‬الراعي‭ ‬لها‭ ‬والمستخدم‭ ‬للإخوان‭.‬

2/‬هل‭”‬للطوفان‭”‬هدف‭ ‬فلسطيني‭ ‬مُحدّد؟

إنّ‭ ‬عملية‭ “‬طوفان‭ ‬الأقصى‭” ‬هي‭ ‬أولا‭ ‬عملية‭ ‬استثنائية‭ ‬جدا،‭ ‬وهي‭ ‬ثانيا‭ ‬مفاجئة‭ ‬جدا‭. ‬فما‭ ‬من‭ ‬قادح‭ ‬لها‭ ‬مباشر‭. ‬هي‭ ‬عملية‭ ‬مدوية‭. ‬بخلاف‭ ‬سابقاتها،‭ ‬آلمت‭ ‬إسرائيل‭ ‬إيلاما‭ ‬شديدا‭. ‬وإزاء‭ ‬ردّ‭ ‬الفعل‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المرتقب‭ ‬حتما،‭ ‬والمنتظر‭ ‬أن‭ ‬تكيّف‭ ‬مداه‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أصابها‭ ‬من‭ ‬ألم‭ ‬،‭ ‬يصعب‭ ‬أن‭ ‬نقبل‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬الطوفان‭ ‬هي‭ ‬مجرد‭ ‬فعل‭ ‬نضالي‭ ‬تُراكِم‭ ‬به‭ ‬حماس‭ ‬والجهاد‭ ‬دورَهما‭ ‬المقاوم‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحجم،‭ ‬في‭ ‬ظرف‭ ‬من‭ ‬الهدوء‭ ‬النسبي‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬هدف‭ ‬محدّد‭ ‬،‭ ‬ذو‭ ‬شأن‭ ‬هام‭ ‬أو‭ ‬مركّب،‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬مُقرّريه‭.‬

ومن‭ ‬منظور‭ ‬الصراع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وآلياته‭ ‬المعلومة‭ ‬والمتصلة،‭ ‬تكتيكيا‭ ‬واستراتيجيا،‭ ‬لا‭ ‬يتضح‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬الذي‭ ‬يستحق،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬بالذات،‭ ‬أن‭ ‬تترتب‭ ‬عليه‭ ‬مذبحة‭ ‬لأهل‭ ‬غزة‭. ‬فهذا‭ ‬الثمن‭ ‬الباهض‭ ‬جدا‭ ‬لا‭ ‬يضاهيه‭ ‬إلا‭ ‬تحقيق‭ ‬الحلم‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬دلائل‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬هدف‭ ‬العملية‭ ‬القريب،‭ ‬أو‭ ‬هدفها‭ ‬في‭ ‬ذاتها‭ ‬المحدّد‭ ‬سلفا‭. ‬وإلى‭ ‬هذا‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬التساؤل،‭ ‬يَنطرِحٌ‭ ‬السؤال‭ ‬الرئيس‭ ‬الذي‭ ‬غفل‭ ‬عنه‭ ‬الإنفعال،‭ ‬على‭ ‬أكيد‭ ‬مزاياه‭ ‬؛‭ ‬السؤال‭ ‬هو‭ ‬عن‭ ‬الهدف‭ ‬الخفي‭ ‬الكامن‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬التي‭ ‬نفّذتها‭ ‬حماس‭ ‬والجهاد‭ ‬ولم‭ ‬يشارك‭ ‬فيها‭ ‬سلاح‭ “‬الضفة‭”‬؟

إن‭ ‬غياب‭ ‬الهدف‭ ‬المحدد‭ ‬الموصول‭ ‬بالصراع‭ ‬الثنائي‭ ‬بين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬ومُحتلّيهم‭ ‬يدفع‭ ‬إلى‭ ‬طرق‭ ‬أبواب‭ ‬أخرى‭. ‬ولعل‭ ‬الباب‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يفضي‭ ‬إلى‭ ‬غيره‭ ‬هو‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬رسَمت‭ ‬خطة‭ “‬الطوفان‭” ‬المتقنة؟‭. ‬يُجمع‭ ‬الكلُّ‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الخطة‭ ‬لا‭ ‬تقوى‭ ‬عليها‭ ‬حركة‭ ‬أو‭ ‬اثنتان،‭ ‬وعلى‭ ‬أنها‭ ‬خطة‭ ‬دولة‭ ‬مقتدرة،‭ ‬وعلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬هي‭ ‬إيران‭ ‬بواسطة‭ “‬حرسها‭ ‬الثوري‭”. ‬ولا‭ ‬يخفى‭ ‬أن‭ ‬لإيران‭ ‬مصالح‭ ‬شتى‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭. ‬ولعل‭ ‬أقربها‭ ‬مأخذا‭ ‬هو‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬تلقت‭ ‬مِن‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ومن‭ ‬أمريكا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إسرائيل،‭ ‬عدة‭ ‬ضرابات‭ ‬موجعات‭. ‬كان‭ ‬أغلبها‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬إيران‭ ‬نفسها،‭ ‬وفي‭ ‬مكامن‭ ‬أسرارها‭ ‬العسكرية‭. ‬وقد‭ ‬توعدت‭ ‬طهران‭ ‬بالثأر‭ ‬مرارا‭ ‬ولم‭ ‬تفعل‭ ‬طيلة‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬المناوشات‭ ‬المحدودة‭ ‬بواسطة‭ ‬أذرعها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬والمرجح‭ ‬جدا‭ ‬أنها‭ ‬رسمت‭ ‬خطة‭ ‬الطوفان‭ ‬وضربت،‭ ‬بواسطة‭ ‬ذراعيها‭ ‬حماس‭ ‬والجهاد،‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬مقتل‭. ‬لقد‭ ‬نفذت‭ ‬انتقامها‭ ‬منها‭ ‬على‭”‬أرضها‭” ‬بواسطة‭ ‬الدم‭ ‬الفلسطيني‭. ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬آخِرِ‭ ‬خلفيةِ‭ ‬اللوحة‭ ‬الخفية‭ ‬وَجهُ‭ ‬الثعلب‭ ‬الروسي‭ “‬بوتين‭”. ‬ولا‭ ‬عزاء‭ ‬لمن‭ ‬يوجّه‭ ‬بوصلته‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬مصالح‭ ‬وطنه‭.‬

بقدر‭ ‬ما‭ ‬أنّ‭ ‬حماس‭ ‬والجهاد‭ “‬إيرانيتان‭” ‬سياسيا،‭ ‬يتأكد‭ ‬أنّ‭ ‬إحداهما‭ ‬على‭ ‬الأقل؛‭ ‬حماس،‭ ‬هي‭ ‬عقائديا‭ ‬إخوانية‭ ‬خالصة‭.  ‬ولا‭ ‬تُخالفها‭ ‬الأخرى‭ ‬إلا‭ ‬جزئيا‭.‬و‭ ‬إذْ‭ ‬حماس‭ ‬كذلك،‭ ‬فهي‭”‬قطرية‭” ‬محضة،‭ ‬ولاءً‭ ‬وتمويلا‭ ‬ورعاية‭. ‬ويفضي‭ ‬هذا‭ ‬التعالق‭ ‬الثلاثي‭ ‬إلى‭ ‬مثلّث‭ ‬قطر‭ ‬والإخوان‭ ‬وحماس‭ ‬الذي‭ ‬استحكمت‭ ‬أضلعُه‭ ‬وانكشفت‭ ‬على‭ ‬أيام‭ “‬الربيع‭ ‬الإنواني‭”‬سنة‭ ‬2011‭.‬ففي‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬انعقد‭ ‬حبل‭ ‬الوصل‭ ‬بين‭ ‬إخوان‭ ‬حماس‭ ‬وإخوان‭ ‬مصر‭ ‬انعقادا‭ ‬رعته‭ ‬قطر‭ ‬بصفة‭ ‬مباشرة‭ ‬وأمريكا‭ ‬وتركيا‭ ‬بصفة‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭. ‬وشمل‭ ‬هذا‭ ‬الوصلُ‭ ‬ونحوُهُ‭ ‬دولا‭ ‬أخرى‭ ‬،‭ ‬بصيغ‭ ‬أخرى،‭ ‬كتونس‭ ‬وليبيا‭ ‬وسوريا‭. ‬لكن‭ ‬توابع‭ ‬ذلك‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬أفدح،‭ ‬لا‭ ‬بسبب‭ ‬الجغرافيا‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬أيضا‭ ‬بسبب‭ ‬الرهان‭ ‬وقتئذ‭ . ‬كانت‭ ‬أطراف‭ ‬ذاك‭ ‬الرهان‭ ‬هي‭ ‬حماس،‭ ‬وحكام‭ ‬مصر‭ ‬الإخوانيون،‭ ‬وقطر،‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬وأمريكا‭. ‬وكان‭ ‬موضوع‭ ‬الرهان‭ ‬الذي‭ ‬وافق‭ ‬عليه‭ ‬وقتئذ‭ ‬رئيس‭ ‬مصر‭ ‬الإخواني‭ ‬محمود‭ ‬مرسي،‭ ‬هو‭ ‬منح‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬سيناء،‭ ‬بعمق‭ ‬70‭ ‬كلم،‭ ‬تقيم‭ ‬عليه‭ ‬حماس‭ ‬كيانها‭ ‬البديل‭ ‬عن‭ ‬أرض‭ ‬غزة‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬حلمت‭ ‬أسرائيل‭ ‬بإخلائها‭ ‬من‭ ‬سكانها‭. ‬ألا‭ ‬تكون‭ ‬عملية‭ ‬ا‭”‬لطوفان‭” ‬استئنافا‭ ‬لذلك‭ ‬الرهان‭ ‬بشروط‭ ‬المرحلة‭ ‬الراهنة‭ ‬ودواعيها؟‭ ‬فلو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬كذلك‭ ‬لما‭ ‬انطرح‭ ‬هذا‭ ‬الإستئناف‭ ‬بهذه‭ ‬السرعة‭ ‬التي‭ ‬توحي‭ ‬بالتّدبير‭ ‬المسبق،‭ ‬ولما‭ ‬انطرح‭ ‬بضغط‭ ‬غربي‭ ‬وقطري‭ ‬وعملية‭ ‬الطوفان‭ ‬في‭ ‬أوج‭ ‬لهيبها‭.‬

تبدو‭ ‬عملية‭ ‬الطوفان‭ ‬مجمع‭ ‬مصالح‭ ‬خفية‭ ‬وظاهرة‭ ‬بين‭ ‬أطراف‭ ‬شتى؛‭ ‬المقاتل‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المسكون‭ ‬بالدفاع‭ ‬عن‭ ‬أرضه‭ ‬وأهله،‭ ‬وإيران‭ ‬المسكونة‭ ‬بردّ‭ ‬الصاع‭ ‬على‭ ‬إسرائيل،‭ ‬إذ‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬هاجسها‭ ‬الشأن‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المحض‭ ‬لحركت‭ ‬جبهة‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬اندلاع‭ ‬الطوفان‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬المتوسط‭ ‬أساطيل‭ ‬الغرب‭. ‬كان‭ “‬سيضِيع‭ ‬رُبُعُ‭ ‬أسرائيل‭” ‬بعبارة‭ ‬أحد‭ ‬ساستها‭. ‬ومن‭ ‬الأطراف‭ ‬أيضا‭ ‬ساسة‭ ‬حماس‭ ‬ذوو‭ ‬المصلحة‭ ‬في‭ ‬كيان‭ ‬فسيح‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬سيناء،‭ ‬يكون‭ ‬دولةً‭ ‬لهم‭ ‬منفصلةً‭ ‬عن‭ ‬سلطة‭ “‬رام‭ ‬الله‭”‬،‭ ‬محظيةً‭ ‬بالمال‭ ‬والرعاية‭ ‬والحماية‭ ‬قطريا‭ ‬وأمريكيا‭ ‬وغربيا‭ ‬وإسرائيليا‭. ‬ومن‭ ‬الأطراف‭ ‬أمريكا‭ ‬وإسرائيل‭ ‬ذوو‭ ‬المصلحة‭ ‬في‭ ‬طي‭ ‬طفحة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬لا‭ ‬بدفع‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬سيناء‭ ‬فحسب،‭  ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬بدفع‭ ‬لاحق‭ ‬لأهل‭ “‬الضفة‭” ‬إلى‭ ‬الأردن‭ ‬،‭ ‬يستتبعه‭ “‬شرق‭ ‬أوسط‭ ‬جديد‭” ‬تكون‭ ‬فيه‭ ‬إسرائيل‭” ‬دولة‭ ‬شقيقة‭”. ‬ومِن‭ ‬الأطراف‭ ‬قطر‭ ‬ذات‭ ‬المصلحة‭ ‬في‭ ‬السهر‭ ‬التنفيذي‭ ‬والمالي‭ ‬على‭ ‬الخطة،‭ ‬لتزداد‭ ‬حظوتها‭ ‬لدى‭ ‬الغرب‭ ‬ولدى‭” ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الجديد‭”‬،‭ ‬ولِتَحتفل‭ ‬برياضتها‭ ‬الأثيرة؛‭ ‬رياضة‭ ‬اللعب‭ ‬مع‭ ‬الكبار‭ ‬على‭ ‬ضؤولتها‭. ‬وعلى‭ ‬مقتضى‭ ‬ذلك‭ ‬قد‭ ‬نفهم‭ ‬لماذا‭ ‬رفضت‭ ‬مصر‭ ‬التفريطَ‭ ‬في‭ ‬أرضها‭ ‬ووأدَ‭ ‬الحق‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وطبعت‭ ‬رفضها‭ ‬بوضوح‭ ‬وحدة‭ ‬بلغتا‭ ‬منزلة‭ ‬التهديد‭ ‬بالحرب‭. ‬لقد‭ ‬فهمت‭ ‬القاهرة‭ ‬ما‭ ‬خفي‭ ‬من‭ ‬اللعبة،‭ ‬فقطعت‭ ‬خيوطها‭ ‬قطعا‭ ‬حاسما‭.‬

3/‬هل‭ ‬من‭ ‬مزايا‭ ‬لعملية‭ “‬طوفان‭ ‬الأقصى‭”‬؟

الراجح‭ ‬أن‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الظروف‭ ‬قد‭ ‬غلّبت‭ ‬نقاوة‭ ‬المقاتل‭ ‬الفلسطيني‭ ‬على‭ ‬أحابيل‭ ‬الساسة‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬موقف‭ ‬مصر،‭ ‬مسنودا‭ ‬بالأردن‭ ‬المعنية‭ ‬لاحقا‭ ‬بالخطة‭ ‬المجهضة،‭ ‬قد‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لعملية‭ ‬الطوفان‭ ‬مزايا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬أصل‭ ‬خطتها،‭ ‬وفي‭ ‬ألا‭ ‬يذهب‭ ‬الدم‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المراق‭ ‬سدى،‭ ‬وفي‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬عبثا‭ ‬خالصا‭ ‬دمارُ‭ ‬نصف‭ ‬مباني‭ ‬غزة،‭ ‬وتشريدُ‭ ‬مليون‭ ‬ونصف‭ ‬المليون‭ ‬من‭ ‬أهلها،‭ ‬واستشهاد‭ ‬خمسة‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬سكانها‭ ‬ومقاتليها،‭ ‬وإصابة‭ ‬نحو‭ ‬أربعة‭ ‬عشر‭ ‬ألفا‭ ‬منهم‭. ‬وهذه‭ ‬الحصيلة‭ ‬هي‭ ‬إلى‭ ‬يوم‭ ‬23‭ ‬اكتوبر‭ ‬2023‭. ‬ولا‭ ‬بوادر‭ ‬لكفّ‭ ‬الأذى‭.‬

قد‭ ‬نسلّم‭ ‬بما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والذي‭ ‬بيانه‭ ‬أن‭ ‬أحزمة‭ ‬الإستعلام‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬من‭” ‬شانبات‭” ‬و‭”‬أمان‭” ‬وأجهزة‭ ‬الجدار‭ ‬قد‭ ‬أخذتها‭ ‬كلها‭ ‬سِنَةٌ‭ ‬من‭ ‬النوم‭ ‬بفعل‭ ‬التراخي‭ ‬الأمني‭ ‬وهدوء‭ ‬الجبهة‭ ‬الغزاوية‭. ‬وسواء‭ ‬صح‭ ‬هذا‭ ‬التعليل‭ ‬للإختراق‭ ‬الذي‭ ‬نفذه‭ ‬المقاتلون‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬يصحّ،‭ ‬فإنّ‭ ‬الأكيد‭ ‬المُجمع‭ ‬عليه‭ ‬هو‭ ‬الحقيقة‭ ‬العسكرية‭ ‬التالية‭: ‬إنّ‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬هي‭ ‬عملية‭ ‬عسكرية‭ ‬مذهلة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الإدهاش‭. ‬وبصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬تفاصيلها‭ ‬التي‭ ‬غطاها‭ ‬الإعلام،‭ ‬فإن‭ ‬حصيلتها‭ ‬التي‭ ‬تكبدتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬يوم‭ ‬23‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬هي‭ ‬230‭ ‬اسيرا‭  ‬وأكثر‭ ‬من‭  ‬1400من‭ ‬القتلى،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬1200ضابط‭ ‬وجندي‭ ‬قد‭ ‬أخرجتهم‭ ‬إصاباتهم‭ ‬عن‭ ‬الخدمة‭ ‬العسكرية‭. ‬ثم‭ ‬إنّ‭ ‬الإفتصاد‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬مصاب‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬مقاتل،‭ ‬والتأزم‭ ‬السياسي‭ ‬والحكومي‭ ‬والشعبي‭ ‬على‭ ‬أشده،‭ ‬وتحفّز‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬للتوغل‭ ‬البري‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬مُقعَد‭ ‬بالخوف‭ ‬والتوجس‭.‬

إن‭ ‬هذه‭ “‬المزايا‭” ‬التي‭ ‬لا‭ ‬نراها‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬المطلق‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭ ‬هي‭ ‬مزايا‭ ‬ظرفية‭. ‬لكنّ‭ ‬المزايا‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬أوكد‭. ‬ولعل‭ ‬أهمها‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يترسخ‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬الجمعي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬أنّ‭” ‬أرض‭ ‬الميعاد‭” ‬ليست‭ ‬أرض‭ ‬الأمان‭ ‬،‭ ‬وأنّ‭ ‬جيشها‭ ‬الذي‭” ‬لا‭ ‬يُقهَر‭” ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬يُقهَر‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬قُهِر‭. ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬لهذا‭ ‬الشعور‭ ‬أن‭ ‬ساد‭ “‬مجتمع‭ ‬إسرائيل‭” ‬بعد‭ ‬عملية‭  ‬2014‭. ‬فقد‭ ‬غادرها‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬وحدها‭ ‬نحو‭ ‬المليون‭ ‬وربع‭ ‬المليون‭ ‬حسب‭ ‬الإحصاء‭ ‬الرسمي‭ ‬الإسرائيلي‭. ‬ولعل‭ ‬عملية‭ ‬الطوفان‭ ‬ستراكم‭ ‬أسباب‭ ‬الهجرة‭ ‬المضادة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬حلول‭ ‬النّفس‭ ‬النضالي‭ ‬الطويل‭ ‬الأكيدة،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬نَصح‭ ‬بها‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬أريحا‭ ‬سنة‭ ‬1965‭ ‬صاحب‭ ‬العقل‭ ‬السياسي‭ ‬الفذّ‭ ‬الزعيم‭ ‬بورقيبة‭.‬

لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المزايا‭ ‬قد‭ ‬تطوّح‭ ‬بها‭ ‬أحداث‭ ‬جسام،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬لهيبا‭ ‬عسكريا‭ ‬إقليميا‭ ‬أو‭ ‬كونيا‭ ‬يخلط‭ ‬الأوراق‭ ‬خلطا‭ ‬يصعب‭ ‬توقع‭ ‬حصائله‭. ‬فمياه‭ ‬المتوسط‭ ‬والخليج‭ ‬تكتظّ‭ ‬بالقوات‭ ‬الأطلسية‭. ‬والأسلحة‭  ‬تتدفق‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬بجندها‭ ‬أحيانا‭. ‬و‭”‬تل‭ ‬ابيب‭” ‬مزار‭ ‬الولاء‭ ‬والطاعة‭ ‬لحكام‭ ‬الغرب،‭ ‬حتى‭ ‬كأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تَزِنُ‭ ‬عندهم‭ ‬ما‭ ‬يَزِنُ‭ ‬العالمُ‭. ‬ووزراء‭ ‬أمريكا‭ ‬وإسرائيل‭ ‬يهددون‭”‬بتدمير‭ ‬لبنان‭” ‬إذا‭ ‬تجاوز‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ” ‬قواعد‭ ‬الإشتباك‭”‬المحكومة‭ ‬بالتوازنات‭ ‬الراهنة،‭ ‬وبضرب‭” ‬أذرع‭ ‬إيران‭ ” ‬إذا‭ ‬تمادت،‭ ‬و‭”‬بقطع‭ ‬رأس‭  ‬الأفعى‭”‬؛‭ ‬إيران‭.‬

لكن‭ ‬التهور‭ ‬الغربي‭ ‬ليس‭ ‬بلا‭ ‬سقف‭. ‬فقواته‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬والمتوسط‭ ‬يرقبها،‭ ‬جزرا،‭ ‬من‭ ‬جهةٍ‭ ‬طيران‭ ‬روسيا‭ ‬ومن‭ ‬أخرى‭ ‬سفن‭ ‬الصين‭. ‬و‭” ‬الأذرع‭ ” ‬التي‭ ‬أهمها‭ ‬الجبهتان‭ ‬اللبنانية‭ ‬والسورية‭ ‬قد‭ ‬تنفجران‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وإذا‭ ‬اقتضت‭ ‬مصلحة‭ ‬إيران‭ ‬ذلك‭.‬ثم‭ ‬إنّ‭ “‬جبهة‭ ‬المقاومة‭” ‬قد‭ ‬توسعت‭. ‬فالجيش‭ ‬المصري‭ ‬منتصب‭ ‬القامة‭. ‬والقول‭ ‬الرافض‭ ‬للهمجية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والإنحياز‭ ‬الأمربكي‭ ‬والغربي‭ ‬الأعمى‭ ‬للمحتل‭ ‬صار‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬المنطقة‭ ‬قولا‭ ‬واحدا‭ ‬تقريبا‭.‬صار‭ ‬التواصل‭ ‬أكيدا‭ ‬بين‭ ‬القاهرة‭ ‬وعَمان‭ ‬وطهران‭ ‬ودمشق‭ ‬وأنقرة‭. ‬لا‭ ‬بل‭ ‬هدد‭ “‬دولت‭ ‬بهجلّي‭” ‬رئيس‭ ‬الحركة‭ ‬القومية‭ ‬التركية‭ ‬وشريك‭ ‬حزب‭ ” ‬أردوغان‭” ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬بالتدخل‭ ‬العسكري‭ ‬لأن‭ ‬الشأن‭ ‬الفلسطيني‭” ‬تراثهم‭ ” ‬الذي‭ ‬يلزمهم‭ “‬بالقيام‭ ‬بما‭ ‬يجب‭ ‬القيام‭ ‬به‭”.‬

لكأنّ‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬الباعثة‭ ‬على‭ ‬الإشتعال‭ ‬الإقليمي‭ ‬والعالمي‭ ‬قابلة‭ ‬للإذعان‭ ‬،‭ ‬ولو‭ ‬بعد‭ ‬حين،‭ ‬لحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الحق‭ ‬الفلسطيني‭ ‬هو‭ ‬لغم‭ ‬قديم‭ ‬لا‭ ‬ينفك‭ ‬إلا‭ ‬بالحل‭ ‬العادل‭. ‬قال‭ ‬مرة‭ ‬أحد‭ ‬ساسة‭ ‬أمريكا‭ ‬الكبار‭ ‬،‭ ‬لعله‭ ‬داهية‭ ‬الدبلوماسية‭” ‬هنري‭ ‬كيسنجر‭”‬،‭ ‬إن‭ ‬صدقت‭ ‬الذاكرة‭:” ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬لن‭ ‬ينحل‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬بلغت‭ ‬تعقيداته‭ ‬مشارفَ‭ ‬الكارثة‭”. ‬أليست‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬تدرّجا‭ ‬نحو‭ ‬مشارف‭ ‬الكارثة‭ ‬؟‭.‬

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 24 اكتوبر 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING