الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: مرة أخرى يطفو الحديث في تونس عن موضوع التلوث البلاستيكي الذي أتى على الأخضر واليابس في البلاد وحوّل مدنا وأريافا برمتها إلى مزابل ومصبات لنفايات سامة ستظل جاثمة على صدور الأجيال القادمة طيلة قرون. غير أن الجديد في الحديث على البلاستيك منذ يومين يتمثل في إصرار رسمي على توسيع مجال هذه الآفة بمدها إلى تعبئة أكياس الاسمنت في تضارب تام مع ما تم الإعلان عنه مؤخرا من استعدادات لمنع استعمال الأكياس البلاستيكية مع بداية العام القادم.
وفي خضم التراشق بالتهم وحديث بعض المصادر الإعلامية الأجنبية الموثوق فيها عن وجود مصالح كبرى لأشخاص أو بالأحرى جهات متنفذة لمواصلة استعمال البلاستيك وتعميمه مهما كانت كلفة التلوث فانه من الضروري تسليط الضوء على مجريات الأمور، على هذا الصعيد.
كارثة مميتة وصمت مريب للسلط التونسية
عبرت وزارة البيئة وذلك بالخصوص منذ سنة 2015 عن إرادة رسمية لإيجاد حل لمعضلة التلوث بالأكياس البلاستيكية عبر بدائل عديدة وصديقة للبيئة لعل أبرزها الأكياس الورقية والتي لا يتم استعمالها إلا في نطاق ضيق. وانعقدت، على هذا المستوى، في 14 ماي 2020 جلسة عمل جمعت وزير الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة صالح بن يوسف برئيس الغرفة النقابية الوطنية لمصنعي الأكياس الورقية بمقر الوزارة وتمحور اللقاء حول الإشكاليات التي تعترض نشاط الغرفة وأفاق تجاوزها بما يتماشى مع الأنشطة الصناعية المتصلة بتصنيع هذه الأكياس.
ورغم أهمية القطاع فان ابرز الإشكاليات التي يعرفها تتمحور حول ضعف مصانع الأكياس الورقية في البلاد، خصوصا أن كلفتها تبلغ على الأقل ثلاثة أضعاف كلفة أكياس البلاستيك وما شابهها، باعتبار أن المواد الأولية المضافة مستوردة من الخارج، بالإضافة لبقية مدخلات التصنيع، غير أن الإقبال منذ مدة من قبل بعض سلاسل المحلات التجارية على ترويجها، وبداية عمليات التصدير لعدة دول منعت الأكياس البلاستيكية التقليدية شكلت عوامل دعمت نشاط القطاع.
في جانب آخر، أصدرت وزارة البيئة في 27 جانفي الفارط، أمرا يتعلق بضبط أنواع الأكياس البلاستيكية التي يمنع إنتاجها وتوريدها وتوزيعها ومسكها بالسوق الداخلية. وتم التأكيد آنذاك على انه سيتم منع أصناف أكياس التسوق ذات الاستعمال الوحيد و الأكياس القابلة للتفكك والأكياس التي تحتوي على تركيز مرتفع من المعادن الثقيلة والأكياس البلاستيكية مجهولة المصدر، وفق الوزارة.
وكان من المنتظر أن يدخل هذا الأمر حيز التنفيذ بصفة متدرجة للمساحات التجارية والصيدليات وجميع منتجي وموردي وماسكي الأكياس البلاستيكية ولكن المسألة بقيت برمتها وبقدرة قادر حبرا على ورق.
ويستهلك التونسيون نحو مليار كيس بلاستيكي في السنة تنتهي جلها في الطبيعة سيما أن 80% من الأكياس لا يتم تجميعها ولا رسكلتها وهو ما يتسبب في أضرار كبيرة للمحيط والبيئة يحد منها حسب المتخصصون في هذا الشأن استخدام الأكياس الورقية ان كتب لها الوجود والانتشار لها في تونس بلد التلوث والملوثين والمتلوثين بامتياز وتعتبر جامعة مصنعي البلاستيك أن القرار الحكومي لمنعها نهائيا سيحيل في حال تنفيذه 15 ألف شخص بصفة مباشرة وغير مباشرة على البطالة في قطاع يشغل 30 ألف شخص !
أبعاد التلوث البلاستيكي في المتوسط
يؤثر تلوث البلاستيك على قطاعي السياحة والصيد البحري ويكلف الاقتصاد التونسي ما يقارب 20 مليون دولار في السنة اي ما يعادل 57 مليون دينار وفقا لأحدث تقرير صادر عن الصندوق العالمي للحياة البرية (WWF) الذي أطلق تحذيرا قويا من مئات الآلاف من أطنان من النفايات البلاستيكية تم تصريفها في البحر الأبيض المتوسط من قبل 22 دولة.
ويقيّم تقرير الصندوق العالمي للطبيعة فعالية هذه البلدان في مكافحتها للتلوث البلاستيكي من خلال فحص سلسلة الإمداد وأوجه القصور الرئيسية للمنتجين والسلطات العامة والمستهلكين.
وبالنسبة لتونس، يشير التقرير إلى أن صناعة المنتجات البلاستيكية مهمة نسبياً مقارنة بالدول الأخرى في البحر المتوسط والى ان البلاد التونسية تعد رابع أكبر مستهلك للمنتجات البلاستيكية للفرد في المنطقة. ففي عام 2018، أنتجت تونس 0.5 مليون طن من النفايات البلاستيكية منها 12% تم جمعها فيما لم تجر معالجة البقية ووقع إرسالها إلى مصبات النفايات أو رميها في الطبيعة. وبالتالي تم إلقاء 9.5 ألاف طن من النفايات البلاستيكية في البحر المتوسط سنة 2018.
ولمعالجة هذا الوضع، وضع الصندوق العالمي للحياة البرية خارطة طريق مفصلة للسياسات والمبادرات التي يجب على المنطقة والدول الـ 22 تنفيذها لتحقيق اقتصاد مستدام لا ينتج نفايات بلاستيكية. وتتسبب مصر وتركيا وإيطاليا وتونس مجتمعة في إلقاء ثلثي كمية البلاستيك في الطبيعة.
كما يؤكد الصندوق العالمي للطبيعة أنه يجري إلقاء حوالي 563 زجاجة بلاستيكية في البحر الأبيض المتوسط كل ثانية، و33 ألفا و800 زجاجة بلاستيكية كل دقيقة، و570 ألف طن من البلاستيك كل عام، وهذه النفايات البلاستيكية تقتل الحياة البرية، وتلوث الغذاء، ويبتلعها الناس مع الطعام ومياه الشرب. وما لم يتم اتخاذ إجراءات فمن المتوقع أن يتضاعف التلوث البلاستيكي في المنطقة بأربعة أضعاف بحلول عام 2050.
ووفقًا للصندوق، فإن ساحل جنوب شرق تركيا يحتوي على أعلى تلوث بلاستيكي في البحر الأبيض المتوسط اذ تبلغ كمية النفايات التي يجري إلقاؤها في البحر 31.3 كيلوغراما في كل كيلومتر مقدرا الخسائر الاقتصادية الناجمة عن التلوث البلاستيكي في منطقة المتوسط بـ 641 مليون أورو (2019 مليارا من المليمات) على الأقل سنويًا، بما في ذلك الخسائر في السياحة وصيد الأسماك والصناعة البحرية.